الحادي عشر من سيبتمبر... من القاعدة الى داعش
ترجمة/ بهاءالدين جلال
الهجمة الأرهابية لمنظمة القاعدة في 11 من سيبتمبر عام 2001 على برجي منظمة التجارة العالمية في نيويورك اوصلت مخاطر الأرهابيين الى ذروتها، وبالخاصة الى دول الغرب و امريكا التي لم تشهد من قبل مثل هذا العمل الأرهابي، الكثير من المراقبين و السياسيين فسّر كارثة 11 من ايلول بمثابة هجمة اليابان على بيرلهابر، حيث حاولت الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب العالمية الثانية ايقاع اكبر الخسائر باليابان ومن ثم شنت حرباً ذرية مدمرة على مدينتي هيروشيما و ناكازاكي اليابانيتين، و على النمط ذاته كان العالم ينتظر من التحالف المضاد للأرهاب بقيادة الولايات المتحدة أنْ يقوم بتوجيه ضربة أعنف الى الأرهابيين و الى معاقل المنظمات الأرهابية، وذلك لوضع حد لتلك المنظمات لكي لن تبقى مصدر تهديد و خطر على الأنسانية جمعاء، ولكن بعد مرور 13 عاماً على هذه الكارثة و مساعي المجتمع الدولي لمكافحة الأرهابيين، نجد أنّ الكثير من السياسيين يشيرون الى أن منظمة داعش الأرهابية تبدو اخطر من منظمة القاعدة، و ما لم يتمكن اسامة بن لادن و منظمة القاعدة فعله قام ابوبكر البغدادي و منظمة داعش الأرهابية بأكثر من ذلك حيث الأعلان عن الخلافة الأسلامية و السيطرة على مساحات شاسعة من العراق و سوريا.
لا شك أنّ منظمة القاعدة الأرهابية بقيادة اسامة بن لادن، هي احدى أخطر المنظمات الأرهابية التي حققت كل ما كانت ترغب في معاداة الأنسانية و لم تتوان عن القيام بأي جريمة، وهذا ما جعل الولايات المتحدة الأمريكية أنْ تنظر الى هذه المنظمة بعد عام 2001 بأنها منظمة ارهابية، و حشد لها كل الأمكانيات لأغتيال قادة المنظمة واعضائها، لذا فقد نجحت امريكا في ملاحقة قادة القاعدة و حتى مقتل اسامة بن لادن و كذلك اسقاط امارة طاليبان في افغانستان، ولكنها لم تفلح في جبهة الحرب ضد الأرهاب ما ادى الى نشوء بيئة مناسبة للأرهاب و انتاج ارهابيين هم الآن اكثر شراسة و خطورة والمتمثلين في ارهابيي منظمة داعش.
ان احد عوامل انتاج هذا النموذج الجديد من الأرهابيين و الذي شمل الآن البيت الغربي حيث التحق العشرات بل المئات من مواطني الغرب بهذه المنظمة هو عدم أخذ هذا التحول الكبير الذي أحدثته تقنية المعلومات في العلاقات على محمل الجد، الى جانب تغييير مصادر القوة من العامل الدولي الى العامل غير الدولي الضار من امثال المجاميع الأرهابية ، ولا يخلو فيه الفكر الأسلامي السياسي المتطرف الذي وجد في التطور التقني فائدة كبيرة و الذي استطاع التسلل الى البيت الغربي، و لهذا السبب نرى انه لو كان قلق امريكا في كارثة 11 من ايلول ينصب على ان القسم الأكبر من الأشخاص الذين قاموا بهذه الجريمة الأرهابية ضد المصالح الأمريكية هم من العرب أو من مواطني الدول التي لاتربطهم بأمريكا صداقة، أمّا الآن و كما نشاهد من خلال مقاطع الفيديو و التي تنشرها داعش، نجد أنّ منْ يقوم بهذا العمل المخيف والأرهابي ضد الأنسانية و يذبح الصحفيين، هو مواطن بريطاني، وهذا ينذر بكارثة أكبر وهي ان ارهابيي داعش الذين وجدوا في الشرق الوسط موطأ قدم لهم ليمارسوا فعلتهم الأرهابية اذا لم يقم المجتمع الجدولي بمطاردتهم و الأجهاز عليهم فأنه من المحتمل انْ يجعلوا من هذا المكان معسكرات للتدريب و خاصة للذين يحملون جنسيات اجنبية و المنتمين الى هذه المنظمة الارهابية، و بالنتيجة نقل هجماتهم الأرهابية من الشرق الى الغرب.
في عام 2005-2006 عنما نشر فرانسيس فوكوياما كتابه( بناء الدولة في القرن الحادي و العشرين)، نبّه علناً بانّ الدولة الفاشلة و الضعيفة لن تفرز مساوئها في اطار حدودها الوطني فحسب، بل انها تصبح خطراً على الأمن العالمي، قد لم تظهر نتائج تنبآت فوكوياما هذه الى هذا المستوى حتى عام 2011 لحين حدوث التغييرات في الدول العربية عام 2011، ولكن بعد سقوط الأنظمة الشمولية و ظهور عدم الأستقرار بعد هذه التحولات ادت الأمور الى تطور الأتجاهات المتطرفة، و خاصة في مصر بعد صعود اخوان المسلمين الى سدة الحكم، تلاه التغيير الذي حصل في سوريا و بدء الحرب الأهلية الدموية، وكان تجاهل مخاطر ارهابيي داعش سبب آخر في تفاقم ظاهرة الأرهاب و لكن ما يثير الأهتمام و القلق الكبير هو انّ المجتمع الدولي كان ينظر الى تردي الأوضاع في سوريا بين نظام الأسد و تنظيم داعش كل بمنظوره الخاص، و ما ادى الى تعقيد الأوضاع في سوريا اكثر هو ما وصل اليه الموقف الدولي و تفسيره للأزمة السورية، حيث انّ حزب الله اللبناني و دول الجوار لسوريا قامت بمساندة نظام الأسد بصورة علنية، حتى انّ الحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي لم تنكر مساندتها لنظام الأسد، وبما ان حكام جانبي الحدود العراقية السورية هما من الشيعة لذا فإنّ محاربة السنة بدت واضحة جداً، وهذا ما ادى الى خلق اجواء مناسبة لجذب تنظيم داعش الأرهابي عاطفة السنة و نتج عن ذلك استيلاء داعش على مناطق عديدة في سوريا، وفي حزيران الماضي بعد أنْ تخلى الجيش العراقي عن مقاتلة داعش استطاعت الأخيرة السيطرة على مناطق واسعة من الموصل و تكريت و الأنبار، و السبب في ذلك هو فشل حكم كل من الأسد و المالكي و بالتالي تمكنت داعش من توسيع سيطرتها على مناطق أخرى من جانبي الدولتين، و يعتقد الكثير من المختصين أنّ القسم الأكبر من العرب السنة في الجانب السوري يرون انّ ارهابيي داعش هم افضل من البقاء في ظل حكم نظام الأسد، وكما هو الحال في العراق حيث يعتقد العرب السنة في العراق أنّ ارهابيي داعش هم افضل من حكومة المالكي.
و لذا نجد أنه بعد انّ اضطر المالكي الى الأبتعاد عن الترشح لمنصب رئيس الوزراء تحت ضغط كبير فإن كل الأنظار تتجه الآن الى الحكومة العراقية المقبلة، وانها هل تستطيع السير بأتجاه مختلف عما كانت تسلكه حكومة المالكي من قبل و تصحيح العملية السياسية و جمع كل الأطراف لمحاربة الأرهاب؟ ان الأجابة عن هذا السؤال مقرونة بما يحدث في المستقبل، ولكن كما تشير اليه الأحتمالات، يبدو انّ حيدر العبادي لن يتمكن تغيير اتجاه الحكم بشكل جذري و تصحيح العملية السياسية، أما من الجانب السوري فقد يتطلب الأمر البدء بحملة دولية لضرب ارهابيي داعش داخل الأراضي السورية، وفي الوقت الحالي فأنّ الغرب لايتمكن ان يكون حليفاً لسوريا ولا يستطيع ايضاً ان يبدأ بغارات جوية على مواقع داعش من دون وجود قوة فاعلة و مساندة. ان طرح هذه المعادلة المعقدة التي تواجه الغرب في تصديه لأرهابي داعش و محاربتها، مسألة تتعلق بما تفرزه الحرب المذهبية بين الشيعة و السنة و التي ادت الى قيام القسم الكبير من السنة بالأنخراط في صفوف هذا التنظيم الأرهابي. أو يبقى صامتاً امام الأعمال الأرهابية لداعش مع عدم وجود موقف دولي لتغيير نظام الأسد. الى جانب عدم وجود ضغط دولي لتصحيح العملية السياسية في العراق بشكل كامل، والذي ادى الى انّ تتداخل محاربة ارهابيي داعش مع الحرب المذهبية بين الشيعة و السنة في العراق و سوريا، و قد استغلت داعش هذه الفرصة على محورين الأول هو تحريك القومية العنصرية العربية ازاء القوميات غير العربية و الثاني هو تحريك الشعور المذهبي السني ضد الشيعة وقد عملت فيه داعش بشكل منظم، من خلال العمليات الوحشية بحق الكورد الأزديين و الأبادة الجماعية في سبايكر و الرقة، هذه الأمور ادت الى خلق الشعور العنصري العربي و رد الفعل المذهبي الشيعي حيال السنة.
ان هذا الصيد في الماء العكر من قبل ارهابي داعش ادى الى أنْ تشهد حرب الأرهابيين في سوريا و العراق توتراً كبيراً ما عقد عملية تطهير المنطقة من الأرهابيين.
الأوضاع التي استجدت نتيجة الحكم الفاشل للأسد و المالكي في سوريا و العراق تحولت الى بيئة مناسبة لتنظيم داعش لكي تلزم بمقاليد الأمور و تنجح في تحقيق الكثير من مآربها في الجوانب المالية و التسليحية و توسيع ساحات عملياتها الأرهابية، ومنها:
1- أفضل مصدر لتسليح ارهابيي داعش كان نظام الأسد و الجيش العراقي، حيث ما حصلت عليه داعش من الأسلحة من جيش نظام الأسد و استسلام خمس فرق عسكرية عراقية بلغت اثمانها ما يقارب عشرة مليارات دولار، و هذا يعني ان كميات الأسلحة لدى داعش تبدو اكثر اذا ما قورنت بأسلحة أية دولة اعتيادية.
2- المناطق التي احتلتها داعش على جانبي سوريا و العراق فيها مصادر نفط كبيرة، كما استولت على مبالغ كثيرة في المصارف، وهذا يعني اذا كانت للأرهابين الآخرين مصادر مالية في الخارج و يستطيع العالم السيطرة عليها و وضع حصار اقتصادي عليهم، فإنّ لداعش موارد مالية موجودة تحت سيطرتها و تستطيع بيع نفطها بالطرق غير المشروعة، وهذا ايضاً أصبح مصدر آخر لقوتها حيث تمكنها من مواصلة حربها.
3- اتساع الحدود اتي تسيطر عليها داعش و التي يسكنها عدد هائل من المواطنين المدنيين، وكما نشرتها وسائل الأعلام في الأسبوع الماضي انّ داعش بدأت بنقل مقراتها الى المناطق السكنية داخل مدينة الموصل هرباً من القصف الجوي. وبالنظر الى جغرافية هذه الحرب التي تدور حالياً في هذه المنطقة، يتبين لنا أنّ الحرب ضد ارهابي داعش دخلت مرحلة جديدة حيث مساحة واسعة و أبعاد مختلفة الى جانب الغارات الجوية، وتشمل ايضاً اطراف أخرى، اذاً هل يصعب على المجتمع الدولي جمع كل هذه الأطراف و صياغة ستراتيجية لدحرو اجتثاث ارهابيي داعش؟ هذا هو سؤال و يجيب عليه حسم الحرب مع تنظيم داعش الأرهابي.