في آخر 8 أيام من سنوات حكمه الـ8.. المالكي في عزلة سياسية
العد التنازلي بات الآن من حصة المالكي الذي لم يكن يتصور، حتى آخر يوم من نهاية المهلة الدستورية لرئيس الجمهورية فؤاد معصوم، وأمدها 15 يوما، أن أحدا سواه سيكلف ليس بتشكيل الحكومة بل بنيل الثقة، وبشكل مريح داخل البرلمان بعد أن كان أعلن أنه ضمن أصوات 175 نائبا.
ليس هذا فحسب، بل إن المالكي، وطبقا لما رواه لـصحيفة «الشرق الأوسط» سياسي عراقي واسع الاطلاع، شريطة عدم الإشارة إلى اسمه أو هويته «قد يشعر بنوع من الخيبة بعد أن شعر أن رئيس الجمهورية لم يكلفه بوصفه مرشح الكتلة الأكبر، بعد أن كان أعطى أصوات كتلته (ائتلاف دولة القانون) لصالح التصويت للرئيس معصوم في البرلمان، متصورا أن الأمور تأخذ طابع المقايضة بحيث يجري فرض أمر واقع»، ويضيف السياسي المطلع أن «رئيس الجمهورية كانت لديه مهلة وهي 15 يوما لغرض إجراء المشاورات، خصوصا أن التحالف الوطني بوصفه الكتلة الأكبر لم يحسم أمره رغم أن المالكي داخله هو زعيم القائمة الأكبر، فضلا عن أن معصوم استفسر من المحكمة الاتحادية عما إذا كانت قد أصدرت تفسيرا جديدا لمفهوم الكتلة الأكبر يناقض تفسيرها لعام 2003، وعندما جاء الجواب بالنفي، وبعد أن حصلت متغيرات حاسمة داخل التحالف الوطني، فإن معصوم لم يستجب لضغوط المالكي، بما في ذلك محاولات تحريك الجيش (يقال جرى تطويق القصر الرئاسي ومنزل رئيس الجمهورية) أو الشارع من خلال التظاهرات».
الساعات الـ48 بين تهديدات المالكي بالذهاب للمجهول، وتنازله عبر خطاب متلفز بدت حاسمة لتبيان طبيعة المواقف السياسية، خصوصا أن الجميع بدأ يعد أياما جديدة تتراوح بين نهاية حقبة استمرت 8 أعوام، وبداية عهد جديد من 4 سنوات. لم يتبق من نهاية الأمس وبداية الغد سوى 8 أيام يبدو خلالها المالكي، الذي بات يطلق عليه الإعلام العراقي بمن فيه الرسمي، وصف رئيس الوزراء المنتهية ولايته، في عزلة سياسية، إذ لا لقاءات مع الزعامات السياسية سواء من التحالف الذي ينتمي إليه (التحالف الوطني الذي لا تزال كتلته - دولة القانون - هي الأكبر فيه) ولا من بقية الكتل والقوى والأحزاب.
وبينما ينشغل رئيس الوزراء المكلف بهموم كابينته الوزارية من خلال عقد المزيد من الحوارات والمفاوضات واللقاءات مع كل الأطراف والقوى، فإنه لم يعد أمام المالكي من سبيل لكسر عزلته سوى كلمته الأسبوعية يوم الأربعاء، التي باتت من وجهة نظر كثيرين لا داعي لها، فضلا عن استمراره في الحضور العسكري المكثف له بوصفه القائد العام للقوات المسلحة، فالمالكي وفي غضون الشهر الأخير من ولايته المنتهية زار مناطق وجبهات قتال كثيرة لم يسبق له أن زارها طوال السنوات الـ4 الأخيرة من دورته الثانية، فمن قاعدة «سبايكر» في تكريت إلى القطعات العسكرية في كربلاء، فالحدود العراقية - السعودية، وأخيرا ناحية آمرلي التي فك عنها، أول من أمس، حصار «داعش»؛ الأمر الذي بات من وجهة نظر خصومه السياسيين كأنه آخر محاولاته لتجسيد صورة الزعيم القوي، رغم أنه لم يتمكن من المحافظة على السلطة بعد أن التهم تنظيم «داعش» محافظتين من محافظات البلاد (نينوى، وصلاح الدين) في غضون ساعات، ليتمدد نحو أجزاء من محافظتي ديالى والأنبار، وصولا إلى مناطق جنوب بغداد (جرف الصخر).
وبالعودة إلى السياسي المطلع، فإنه كشف سرا خطيرا، يقول - على ذمة مصدر خاص جدا - إنه «رغم كل ما قيل عن سقوط الموصل وانسحاب الجيش العراقي بمن فيه قادته الكبار، وترك أسلحته في أرض المعركة والحديث عن المؤامرة، فإن مكالمة هاتفية من جهة عليا رسمية في بغداد هي التي أربكت ساحة العمليات هناك، وأدت بالتالي إلى تمدد (داعش)»، مؤكدا أن «سقوط الموصل السريع وما تبعته من تداعيات سياسية خطيرة جعلت المرجعية الدينية الشيعية العليا تتدخل عبر ما عرف بـ(الجهاد الكفائي)، الذي كان السبب المباشر لإزاحة المالكي الذي لم يتمكن من التعامل بشكل شفاف مع البيئة المجتمعية التي وجد فيها (داعش) حاضنة خصبة لترويج فكره وممارساته»، ويرى السياسي المطلع أن «حقبة ما بعد يونيو (حزيران) دفع ثمنها المالكي بالكامل؛ إذ لم يعد بوسع أحد من (الثلاثة الكبار) الوقوف معه أو حتى على الأقل الوقوف على الحياد، وهم كل من الولايات المتحدة الأميركية؛ حيث بدا أن تنحية المالكي شرط لتقديم الدعم والإسناد إلى العراق، وإيران التي رمت الكرة في ملعب المرجعية الشيعية في النجف للتعامل مع ملف المالكي، والسيد علي السيستاني الذي وجد أن المالكي قد يكون أعطى كل ما عنده ولم يعد صالحا للاستمرار لدورة ثالثة».
من الواضح أن المالكي لا يزال غير قادر على استيعاب ما حصل بدليل أنه رفض ويرفض حتى الآن استلام أي منصب مع أن بمقدوره تسلم منصب نائب رئيس الجمهورية، خصوصا أن العلاقة - والكلام لا يزال للسياسي المطلع - «بين المالكي ورئيس الجمهورية فؤاد معصوم طبيعية إلى حد كبير؛ حيث تبادل الرجلان خلال الفترة الأخيرة الاتصالات الهاتفية - اتصال تلفوني واحد في الأقل - مع برقية تهنئة، فضلا عن أن معصوم لا خطوط حمراء لديه على أي مرشح لتولي منصب نائب الرئيس في حال توافقت عليه الكتل السياسية».