العراق في القاعة الجراحية للكونغريس .. حماية بلد واحد أم قبول 3 دول
إن التحالف أو الحليف الذي يمكننا الاعتماد عليه في العراق هو حكومة إقليم كوردستان والاستفادة من مقترحاتهم لاستضافة القوات الأمريكية و دون أية ردود فعل قوية من بغداد ( و يكون ذلك منطلقاً وموقعاً جيداً لإرسال قيادة خاصة للعمليات المشتركة لمهاجمة داعش في أطراف الموصل )كما أنه ليس من الضروري أن نمنع بيع نفط كوردستان، و هو أمر يغضب بغداد أيضاً .. إلا أنه عندما يكون الكورد أفضل حلفاء الولايات المتحدة في العراق و تكون العشائر السنية عاملاً في غاية الأهمية لمواجهة داعش ؛فإن ذلك يتطلب مساندة السنة ..
هناك اليوم شروخ عميقة داخل حركة ( المتمردين ) السنة بين الصداميين و مسلحي داعش ؛ و كذلك بين الإسلاميين الأصوليين المتشددين و بين الجهاديين، ما يفرض العمل عليه من قبل الجيش و الدبلوماسية الأمريكية و أجهزة المخابرات و بشكل جيد، مع مراعاة شعورهم القبلي و القومي إن ما يجب أداؤه اليوم هو : كيف نضمن معاداة العشائر العربية السنية لداعش و كذلك تغيير القيادة في بغداد إلا أن ما هو مفروض أن نستمر فيه هو العمل مع الأطراف الرئيسية الثلاثة لنقف على مجريات الأحداث في بغداد .
البروفيسور ماكس بوت
أمام اللجنة العسكرية للكونغريس يوم 29 – 7 – 2014
و قد أجرت اللجنة العسكرية للكونغريس يوم 29 / 7 /2014 جلستي استماع للبروفيسور ماكس بوت كبير باحثي دراسات الأمن الوطني في معهد مجلس العلاقات الخارجية و للبروفيسور ستيفن بيدل المستشار السابق للجنرال ديفيد باتريوس لإنشاء قوات الصحوة خلال الأعوام 2006 – 2008 في العراق و قدم الجلسة الأولى ماكس بوت بعنوان (استراتيجية تدمير داعش في سوريا و العراق ) و الثانية البروفيسور بيدل بعنوان (تقييم الخيارات الأمريكية في العراق ) إن ما لفت النظر في تلكما الجلستين و دراستي الباحثين هو أنهما حذرا اللجنة العسكرية للكونغريس بأن ما يحدث اليوم في العراق و استغلها تنظيم داعش هو تداعيات ذلك التوجه المذهبي الذي اتبعه رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ضد العرب السنة خلال أعوام 2011 – 2014 ما ولد لديهم ( العرب السنة ) قناعة بأن ( مساندة داعش ) هي أفضل من الإبادة الجماعية ( الجينوسايد ) التي تتبعها حكومة المالكي في بغداد، ما حدا بالبروفيسور بيدل أن يعتبرها حرباً ضد الإرهاب يحدث من أوضاع في العراق بأنها حرب أهلية قبل أن يعتبرها حرباً ضد الإرهاب، و يحلل الوضع من هذه المعطيات و يشير بهذا الصدد : إن كل الحروب و المعارك التي شهدها العراق خلال الفترة (1945 –2004 ) و هي 128 حالة من الحروب الداخلية قد انتهت 32 حالة منها فقط خلال سنتين، فيما استغرقت أكثريتها زهاء 7-10 سنوات و انتهت أكثريتها بنوعين أو صيغتين، إما أن أحد الطرفين كان قوياً جداً و خضع له الطرف الآخر الضعيف أو عن طريق التفاوض، ذلك الاسلوب الذي يختصر فترة القتال، إلا أن تهيئة أرضية التفاوض لها خصوصياتها و تتطلب اجراء الاستعدادات الضرورية ما يعني أننا لو أردنا إنهاء هذا الوضع المعقد في العراق عن طريق التفاوض أو الحوار، فإن علينا إدراك كيفية تهيئة الأرضية للتفاوض و الأجواء لدى العرب السنة كي يقفوا ضد داعش و تلافي مساندته .
لقد تمكن البروفيسور بيدل، الذي يعتبر أول شخص على مستوى الولايات المتحدة من إثارة مسألة ضرورة زيادة القوات في العراق عام 2006 و توصل الرئيس بوش فيما بعد الى قناعة بضرورة الإسراع في ارسال القوات الى العراق في إطار عملية ( Surge ) قد ركز هذه المرة أيضاً الخيارات المتاحة أمام الولايات المتحدة في (3) حالات و هي :
1- تقديم مساعدات غير مشروطة للقوات العراقية .
2- تقديم مساعدات مشروطة اليها
3- الأخذ بزمام الوضع في العراق .
و يؤكد بيدل الذي عمل في العراق بصورة ميدانية ووقف عن كثب على ممارسات و تصرفات رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي أن المساعدة أو التعاون غير المشروط يكون في هذه الحالة (إرسال الأسلحة و الخبراء لتدريب العراقيين و المستشارين و التعاون الاستخباراتي و الطائرات من دون طيارين و الهجمات الجوية ) و يكون ذلك سبباً في اندلاع حرب طائفية داخلية طويلة الأمد في العراق، فصحيح أنه سيكون بإمكان المالكي أو من يحل محله و بسهولة من تغيير توجه الحرب في البداية و لصالح حكومة بغداد، ولكن المعطيات التالية في حالات استمرار تهميش المكونات الأخرى و بالمقابل استمرار التمرد ؛ لو أخذنا المكون السني مثالاً لذلك،فإن هذا المكون سوف يستمر في حربه مالم تتوفر لديه القناعة في الثقة بحكومة بغداد، ما حدا بالبروفيسور بيدل أن يعتبر التعاون أو المساعدة المشروطة للقوات العراقية ضمن الخيارات السيئة كأحسن طريق و يوصي اللجنة العسكرية في الكونغريس بأن يتم التعامل مع العراق وفق التعاون المشروط و سواء كان المالكي أ غيره رئيساً لوزراء العراق، ما يعني أن تكون المساعدة المشروطة نوعاً من الضغط باتجاه :
1- تحويل الجيش العراقي من جيش مذهبي ينفذ فقط سياسات رئيس الوزراء الى جيش مهني و محترف يدفع عن جميع العراقيين .
2- إعادة اعتماد من عينوا قبل عام 2001 في الجيش و المؤسسات الأمنية و بدلهم المالكي لاحقاً بالمقربين منه الى محترفين ثانية و ينفذوا الواجبات العسكريةفقط و عدم التدخل في السياسة .
3- أن تكون تلك المساعدة المشروطة سبباً لإعادة تنظيم العملية السياسية و تشكيل حكومة شراكة بين العراقيين .
4- عندما تحقق المساعدة المشروطة هذه الأهداف، حينها خلال الأعوام 2006 - 2008 ، لمواجهة مسلحي داعش حيث تمكنوا خلال تلك الفترة من تدمير القاعدة و تهيئة 90% من الوضع. ما يجعل البروفيسور بيدل ألا يعتبر مسألة معالجة الوضع العراقي مسألة عاجلة و يرى أن على الولايات المتحدة أن تعيد تنظيم سياستها إزاء العراق و بهذا الاسلوب بحيث يتم تقليل فترة الحرب من( 7– 10) سنوات الى عامين فقط، وقد ربط بيدل تلك الفترة (التي قد تعتبر طويلة) بكيفية تنفيذ تلك السياسة دون أخطاء و كيفية مساعدة الولايات المتحدة لقوات بيشمركة كوردستان و التعاون معها .
( كابوس وحدة العراق في سياسة الإدارة الأمريكية )
و يبرز البروفيسور ماكس بوت في بداية بحثه مخاوف من تكرار ذات السيناريو السوري في العراق حيث عجزت الولايات المتحدة في عام 2011 عن تغيير ميزان القوى على الأرض في سوريا و اسقاط نظام الأسد، إلا أنها قد أحلت هذا الأمن إلى أن وصلت مستوى وقع معه في الملف السوري بين رحى الطرفين المتطرفين الشيعي و السني مثل القاعدة و حزب الله و اللذين يعتبران معاً الولايات المتحدة ب (الشيطان الأكبر) : ما دفع به لأن يوصي الكونغريس بأن تداول الواقع المجزأ للعراق لا يعني التخلي عن وحدة العراق غير أن الواقع شيء و التأكيد على مسألة لم يعد لها وجود هو شيء آخر ما يعني أننا لو أردنا إعادة وحدة العراق ؛ فإن علينا التعامل مع واقع تجزئة العراق و مع الأقطاب و الأطراف الرئيسية الثلاثة فيه و يتم ذلك بعدم الاهتمام بامتعاض العراق ..
إن توصية ماكس بوت هذه هي تذكير لإدارة البيت الأبيض بعدم السماح بتكرار مأساة إنسانية في العراق على غرار ما حدث في سوريا لقاء هدف لم يعد له وجود على أرض الواقع . و يستحيل بالتالي لشن حرب الإرهاب و لإبعاد الولايات المتحدة عن ضرر اقتصادي كبير ما دفع به في هذا الإطار للتأكيد على ضرورة التعامل مع هذا الواقع القائم في تقسيم العراق حالياً كما أن توجه ماكس بوت هذا هو عرض لواقع كيفية إعادة جعل (3) دول كدولة واحدة و ليس كيفية منع تقسيم العراق الى ( 3 ) أجزاء .
من هنا لو أمعنا النظر في الآلية السياسية التي تتبعها إدارة الرئيس أوباما تجاه العراق منذ عام 2011 ؛ لوجدنا أنها كانت عبارة عن التغاضي عن كل السياسات المذهبية و الفردية التي مارسها المالكي لقاء ابقاء العراق موحداً، إلا أنه قد تبين، و كما أشار اليه ماكس بوت في ندوة أقامتها فورن آفيرز بداية شهر كانون الثاني 2014، إن سياسة إدارة الرئيس أوباما إزاء العراق قد فشلت و أن ما حققه الرئيس أوباما في عملية الزيادة و الانتشار السريع لقواته في عام 2008 قد خسره خلال عامي 2011 -2013 .
من هنا فإن ماكس بوت يحذر و ينوه الى كيفية تعديل تلك السياسة الفاشلة و إيجاد الولايات المتحدة لحلفائها الحقيقيين وسط هذه الأوضاع المعقدة و المتأزمة، و يعرض بوت في ذلك إقليم كوردستان و يورده كحليف أفضل ووحيد للولايات المتحدة في العراق و يشير الى ضرورة الترحيب بالمقترح الذي قدمه إقليم كوردستان باستعداده لاستقبال القوات الأمريكية على أرضه و أكثر من ذلك ويطالب الكونغريس بعدم الممانعة في بيع نفط كوردستان، أي أنه حتى لو كانت السياسة الأمريكية قائمة على عدم تفكيك العراق ؛ فإن الأفضل لها هو منع شمول شرر ذلك التقاسم الدول المجاورة لأن احصائيات حديثة تشير الى أن (61) حرباً داخلية حدثت في هذا البلد من أصل (142) حرباً اندلعت خلال الفترة ( 1950 – 1991) قد تعرضت للتدخل الخارجي من الدول المجاورة، كما أن هناك اليوم في سوريا و العراق ليس التدخل الخارجي فحسب، بل يمكن مشاهدة قوات الدول المجاورة علناً في دمشق و بغداد و هي ذات القوات التي أبقت الأسد و المالكي في سدة الحكم ما يعني أنه ليس من المعقول أن يكون التعامل مع الوضع العراقي بشكل يضمن حماية وحدة العراق لأنها قد أصبحت جزءاً من الماضي و لم يبق لها أي وجود حقيقي بل يجب التفكير الآن في كيفية جمع البلدان الثلاثة أو الأنظمة الثلاثة المختلفة في إطار برنامج جديد ... و بصدد آلية إعادة توحيد تلك البلدان الثلاثة فقد أكد الصحفي المعروف في الواشنطن بوست ديفيد ايكناشيوسفي في حوار خاص مع مجلة كولان على أن أنسب طريق لبقاء العراق هو إعادة تنظيمه في إطار اتحاد كونفدرالي ما يعني، و كما أشار اليه ماكس بوت بصراحة، قبول الأمر الواقع الموجود و من ثم التفكير في آلية جمع البلدان الثلاثة المجزأة تلك .
(قوات بيشمركة كوردستان أذهلت العالم و أعجبته )
وجه جوناثان فورمان في كلمة له نشرها يوم 29 - 7 - 2014 في مجلة نيوزويك سؤالاً الى السفير بيتر كالبريس حول أهمية تسليح البيشمركة و يجيب كالبريس على ذلك بتهكم قائلاً : لقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتسليح قوات داعش إلا أنها غير مستعدة لتزويد البيشمركة بالسلاح . و يعتبر الرد اللاذع هذا من لدن خبير في شؤون العراق و إقليم كوردستان هو رداً صريحاً لمواقف الولايات المتحدة عبر السنين بعدم ممارسة الضغط على حكومة المالكي لتأمين الرواتب و الموازنة لقوات البيشمركة باعتبارها جزءاً من المنظومة الدفاعية العراقية . و قامت بالمقابل بتسليح جيش مذهبي متراخ قام بتسليم أسلحة (8 ) فرق عسكرية الى إرهابيي داعش لذلك فإن العالم أجمع يقف مذهولاً أمام هزيمة الجيش العراقي المجهز بكل تلك الأسلحة و المعدات الحديثة مقابل وقوف قوات البيشمركة بإمكانياتها المتواضعة و الأسلحة القديمة التي تمتلكها بوجه الإرهابين ما أوجد اقتراحاً بتشكيل قيادة مشتركة للعمليات الخاصة في كوردستان لمواجهة الإرهابيين و الأحق أن تشكيل تلك القيادة المشتركة بصورة عملية فإنه سوف تتم مساعدة قوات البيشمركة على غرار المساندة الأمريكية للقوات العراقية في السابق و تكون تلك المساعدات، كما نوه اليه البروفيسور بيدل أمام اللجنة العسكرية في الكونغريس، عبارة عن ارسال الأسلحة و التدريب و المستشارين و التعاون و الاستخبارات و الدعم الجوي بالطائرات من دون طيارين و الهجمات الجوية لدعم القوات المشتركة. إلا أن السؤال هنا هو إلى أي مدى يمكن أن تقبل اللجنة العسكرية للكونغريس بهذا المقترح و يتحول الى قرار يضمن التعامل المباشر مع البيشمركة كقوة حليفة .. عن هذا الجانب أشار وزير الخارجية السيد هوشيار زيباري في لقاء مؤخر للمجلة و قال:هناك بعض الإشكاليات القانونية في مسألة تزويد البيشمركة بالسلاح بصورة مباشرة إلا أن المساعي تتوجه الآن نحو إيجاد صيغة عملية لمعالجة تلك الإشكالية و قد أبدت العديد من الدول استعدادها لتزويد البيشمركة بالسلاح.
و يبدو أن المعالجة تلك تكمن في البحث عن الآلية التي نوه اليها ماكس بوت في بحثه أمام لجنة الدفاع في الكونغريس ما يعني التخلي في الوقت الراهن عن كابوس وحدة العراق و البحث عن سياسة من شأنها جمع (3) دول معاً مرة أخرى و في هذه الحالة فإن الواقع الجديد يتطلب التعامل المباشر مع إقليم كوردستان وقوات بيشمركة كوردستان .
(المناورات العسكرية المباشرة بين الحلفاء ضد الإرهاب)
و على مستوى الشرق الأوسط وقوات الناتو الموجودة في أفغانستان، تعتبر البيشمركة تلك القوة التي بإمكانها محاربة الإرهاب على أفضل وجه، لا بل أكثر من ذلك، فإن استراتيجية أمن كوردستان قد تمكنت في هذه المنطقة المتأزمة و المضطربة و بشهادة باحث معروف مثل كاريسستاند فيلد، ليس من حماية أمن كوردستان فحسب بل و حتى ابلاغ حلفائها من خطورة الإرهابيين، و كما حذرت العراق و الولايات المتحدة منها قبل احتلال الموصل و نوه ستاند فيلد الى شهادته هذه في أحدث بحث له نشره في معهد بروكينكز يوم 31 تموز الماضي . و في هذا الإطار، و توخياً لمحاربة أمثل للجبهة المعادية للإرهاب في هذه المنطقة المضطربة فإن من الضروري وضع كل الإمكانيات الأساسية، من حيث الأسلحة و التكنولوجيا العسكرية الحديثة، و المتاحة لحلفائها ( حلف شمال الأطلسي ) كونها أكبر قوة ضاربة في الحرب ضد الإرهاب و الأهم من ذلك هو ليس قدوم المستشارين و المدربين الى كوردستان لتأهيل و تدريب قوات البيشمركة على تلك الأسلحة و المعدات الحديثة فحسب، بل من المهم اجراء مناورات عسكرية مشتركة لقوات إقليم كوردستان داخل الإقليم لتقييم استخدامها لها قياساً بالقوات الأخرى و يتم بذلك فتح بوابة جيدة و عملية أمام قدرات البيشمركة و إمكانياتها ضماناً لمحاربة أفضل للإرهابيين و حماية كوردستان .
ترجمة : دارا صديق نور جان