ملايين داعش.. القصة الكاملة
يتقاضى المقاتل السوري الأعزب في تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) البالغ عدد مقاتليه أكثر من 50 ألف مقاتل في سورية وحدها، راتباً شهرياً مقداره 400 دولار، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.
أما إن كان المقاتل متزوجا، فإنه يتقاضى مبلغاً إضافيا قدره 50 دولاراً عن كل طفل، و100 دولار عن كل زوجة، كما يتم تأمين مسكن له، بالإضافة لتأمين وقود لسيارته من محطات الوقود التي يديرها تنظيم الدولة الإسلامية.
ويحصل المقاتل غير السوري إضافة إلى المرتب نفسه والمميزات ذاتها، على بدل "هجرة" مقداره 400 دولار شهرياً، حسب المرصد.
هذا المرتب هو إشارة إلى القدرة الاقتصادية للتنظيم المتشدد الذي نذكر في هذا القائمة أبرز مصادر تمويله الأساسية في المناطق التي ينشط فيها بين سورية والعراق، وفق ما يرى متابعون أجرى معهم موقع "قناة الحرة" مقابلات، بالإضافة إلى تحليلات سياسية واقتصادية دولية حول اقتصاد هذا التنظيم.
متعاطفون يدرون أموالا طائلة
تعتمد مختلف التنظيمات الإسلامية عادة على الممولين المتعاطفين، بالإضافة إلى مؤسسات تنشط تحت ذريعة المساعدات الإغاثية، وهو ما كانت تعتمد عليه "الدولة الإسلامية في العراق" التي تعتبر النواة الرئيسية لداعش.
يقول معهد واشنطن، "إن "المتعاطفين من الكويت -التي أثار فيها نواب مجلس الأمة جدلا بعد تأكيد بعضهم وجود خلايا نائمة تدعم داعش-، شكلوا مصدرا مهما لتمويل التنظيم لا سيما في بداياته، إذ تعتبر الكويت أكثر البيئات تسهيلاً للتمويل الإرهابي في الخليج العربي".
ولا يزال السعوديون يشكلون مصدر تمويل مهم للجماعات السنية المسلحة الناشطة في سورية، حسب تقرير للمعهد، الذي تقول الباحثة فيه لوري بلوتكين بوغارت، إن السعوديين المتعاطفين مع الجماعات السنية المسلحة أرسلوا لها مئات الملايين من الدولارات في السنوات الأخيرة.
تقول "ليس هناك مؤشرات حول حصول داعش على دعم من الرياض أو الكويت، خصوصا مع إصدار قوانين وفتاوى تحرم تقديم هذا النوع من الدعم"، لكن بوغارت تعود لتقول إن كثيرا من الحكومات في المنطقة وخارجها "تموّل في بعض الأحيان الأحزاب المعادية من أجل الإسهام في بلوغ أهداف معينة في سياساتها، ولا ريب في أن الرياض استلذّت بالزحف السني الأخير الذي قادته الدولة الإسلامية ضد الحكومة الشيعية في العراق، وكذلك بالمكاسب التي حققها المتشددون في سورية على حساب الرئيس بشار الأسد".
وهناك بالتأكيد من يتهم دولا بعينها بدعم الإرهاب في المنطقة. فرئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته نوري المالكي وجه في مناسبات عدة أصابع الاتهام للرياض بالوقوف وراء نزيف الدم في العراق وتقديم الدعم لداعش.
كذلك، اتهم وزير المساعدة الإنمائية الألماني غيرد مولر قطر صراحة بتمويل داعش.
خطف أجانب ثم مفاوضات
عندما يأتي المقاتلون العرب والأجانب إلى سورية والعراق للقتال في صفوف داعش، فإن أغلبهم يصحب مبالغ مالية يستقدمها من حساباته الشخصية، لا سيما أولئك الذين يبيعون ما يملكون للالتحاق بـ"الدولة المزعومة"، أو ينظمون حملات تبرع قبل مجيئهم، وفق ما يؤكده الناشط السوري في مجال حقوق الإنسان عبد الرحمن جلود.
المقاتلون القادمون للانضمام لداعش يستقدمون مبالغ مالية من حسابات شخصية أو بعد حملة تبرعات
ويقول جلود الذي يرصد انتهاكات داعش في شمال سورية، إن "هناك مصدرا آخر من مصادر التمويل، هو المختطفون الأجانب الذين تفاوض الدولة حكوماتهم على مبالغ طائلة"، وهو ما كشفت عنه وسائل اعلام أميركية بعد اعدام الصحافي جيمس فولي، إذ كشفت خطابات ورسائل إلكترونية إن التنظيم طالب بـ132 مليون دولار مقابل الافراج عن فولي.
البحث عن المصادر الداخلية
منذ نشأته، بدت سياسة داعش واضحة في تركيز معاركه حول مصادر التمويل، واستطاع بلورة نظام "هجين" من التمويل المعتمد على مصادر دولية ومحلية، حسب محلل شؤون الأمن القومي في شبكة CBS الأميركية جوان سارات.
وعوض قتاله النظام السوري في شمال البلاد كما يفترض نظريا، راح يقاتل قوات المعارضة السورية التي تضم جبهة النصرة وجماعات إسلامية أخرى، التي كانت تسيطر على موارد مهمة شمال البلاد.
يقول رئيس تحرير جريدة عين المدينة زياد عواد، وهي جريدة محلية تصدر وتوزع في دير الزور والمناطق الشمالية الشرقية في سورية، إن أولى المعارك التي خاضها تنظيم داعش كانت للسيطرة على محطة توزيع الغاز التابعة لحقل كونيكو النفطي ومطحنة الحبوب والإسكان والمعامل التي كانت خاضعة لسيطرة جبهة النصرة بالقرب من مدينة دير الزور، قبل أن يقوم ببيعها لتجار أتراك.
كما باع التنظيم محلجة الأقطان التي استولى عليها لتجار في تركيا، بما فيها من مخزونات تقدر إلى جانب المحلجة بأكثر من مليون دولار، وهو نفس السيناريو الذي انتهجه في مستودعات السكر التي سيطر عليها.
تجارة النفط والغاز
اتسعت معارك التنظيم في المناطق الغنية بالموارد الاقتصادية شيئا فشئيا، بات اليوم يسيطر على مجموعة كبيرة من حقول النفط السورية التي تتركز بالأساس في المناطق الشمالية، مثل حقول جبسا وكونيكو والعمر والشدادي، وفق ما يؤكده كل من جلود وعواد.
ويقدر عائد داعش من النفط الذي يستخرج بطرق بدائية ويباع في السوق المحلية بنحو مليون ونصف المليون دولار يوميا، حسبما يوضح عواد، الذي تعكف مجلته على نشر ملف خاص بـ"علاقة داعش مع النفط السوري".
ويشير إلى أن ما يتم إنتاجه يوميا في المناطق الشرقية الشمالية بسورية يقدر بـ50 ألف برميل، وأن متوسط سعر البيع يصل إلى 30 دولارا للبرميل الواحد، ناهيك عن عائدات الغاز الذي يباع لتجار محليين، أو تتم تعبئته في اسطوانات وبيعه للاستخدام المنزلي، لافتا إلى أن هذه الموارد كانت موزعة على كتائب المعارضة المسلحة وجبهة النصرة قبل أن تصبح جميعها في أيدي داعش.
كذلك يبيع داعش الغاز للنظام السوري كما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز، فهو يواصل مده بالغاز لتشغيل محطات توليد الطاقة الكهربائية، مثل محطة جندر في حمص التي تتزود بالغاز القادم من حقل كونيكو مقابل مبلغ شهري يدفع عبر وسطاء، حسبما يؤكد زياد عواد.
وفي العراق وحده، يبيع داعش نحو 100 ناقلة يوميا لتجار أكراد بمبلغ 9000 دولار للناقلة الواحدة مع حساب 26 دولارا للبرميل الواحد، لتصدر بعد ذلك إلى تركيا وإيران، أي أن وارد النفط من موارد العراق وحده يبلغ يوميا نحو مليون دولار، وفق خبراء.
وقد وصل به الحال إلى تجنيد مؤيديه لاختراق حسابات بنكية، كما ذكرت صحيفة ديلي ميل البريطانية التي كشفت أن البريطاني من أصل باكستاني جنيد حسين، الذي انضم إلى تنظيم داعش مؤخرا، من المحتمل أن يكون وراء مؤامرة لتفريغ حسابات مصرفية بريطانية تعود لأثرياء ومشاهير لتمويل، "الإرهاب في الشرق الأوسط".
أسلحة
ترك الجيش العراقي الذي انسحب في معاركه مع داعش كما كبيرا من الأسلحة الخفيفة والثقيلة والذخائر. تقول شبكة ABC الإخبارية الأميركية، "باعت الولايات المتحدة العراق بنادق وذخيرة وصواريخ هيلفاير وطائرات من دون طيار في محاولة لمساعدة الجيش العراقي في التصدي لهجمات الإرهابيين. الآن هذه الأسلحة أضحت في حوزة الإرهابيين".
وفي سورية سيطر التنظيم على 40 دبابة ومدرعة دفعة واحدة بعد سيطرته على اللواء 93 في شمال الرقة، وكذلك عشرات المدافع من عيار 130 في اللواء 121، إضافة إلى كمية كبيرة من الذخيرة استولى عليها من مطار الطبقة في المحافظة ذاتها خلال معاركه الأخيرة مع النظام السوري.
هذه الأسلحة تقدر بملايين الدولارات وهي جميعها مصادر للتمويل، إذ تغني التنظيم عن إنفاق أمواله في شراء أسلحة من جانب، وتمكنه من بيع هذه الأسلحة لجهات أخرى من جانب آخر.
ضرائب شهرية وسنوية على المواطنين
في الرقة وريف الحسكة تجمع المكاتب التابعة له مبلغ نحو 2000 ليرة (ما يعادل 13.5 دولارا أميركا) شهريا من كل عائلة، وذلك لقاء توفير المياه والكهرباء عبر المحطات التي أضحى يسيطر عليها.
كذلك، يدفع الأهالي مبلغ 500 ليرة (أربعة دولارات) لقاء ما يطلق عليها "بدل حماية".
وبالإضافة إلى ذلك، تقوم لجان تابعة له بتقدير واجب ضريبة سنوية على رؤوس الأموال، تدفع كـ"زكاة لبيت مال المسلمين" للتنظيم، حسبما يقول أحد النشطاء المحليين في مدينة الرقة، تحدث إليه موقع قناة "الحرة"، مشيرا إلى أن هذه السياسة متبعة في الرقة وريف الحسكة، ومن المتوقع بدء تطبيقها قريبا في دير الزور الذي سيطر عليه التنظيم في الآونة الأخيرة.