• Wednesday, 08 May 2024
logo

الأقليات الدينية والعرقية في العراق تدفع ثمن مواطنتها مرتين

الأقليات الدينية والعرقية في العراق تدفع ثمن مواطنتها مرتين
كان بكاء فيان دخيل، النائبة عن الإيزيديين، تحت قبة البرلمان قبل ثلاثة أيام بمثابة رسالة بليغة وصلت بسرعة إلى العالم الغربي عندما أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما أنه أجاز للقوات الأميركية بعمل عسكري محدود في جبال سنجار سواء على مستوى استهداف قواعد مسلحي داعش أو إرسال مساعدات إنسانية من الجو للعالقين هناك.
وفي الوقت الذي يبدو فيه وضع الإيزيديين، وهم أقلية دينية وعرقية تقطن المناطق الشمالية القصية من العراق لا سيما جبل سنجار وتبلغ أعدادها نحو 300 ألف نسمة هو الأصعب بعد مأساة تهجير المسيحيين من الموصل قبل نحو أسبوعين من قبل تنظيم داعش أو فرض الجزية على من يبقى منهم ولا يعلن إسلامه قد فتحت من جديد ملف الأقليات الدينية والعرقية في العراق بعد عام 2003 بعد أن كانوا قد عاشوا وتعايشوا مع العراقيين المسلمين منذ آلاف السنين. كما أنهم تعايشوا معهم بعد نشوء الدولة العراقية الحديثة عام 1921 والذين وجدوا أن هناك عدالة حتى على مستوى الاضطهاد الذي عاشه العراقيون في ظل النظام السابق الذي لم يكن في الغالب الأعم على أسس دينية أو طائفية بقدر ما كان على أسس سياسية بحتة.
وفي هذا السياق يرى النائب في البرلمان العراقي عن طائفة الصابئة المندائيين (نحو 250 ألف نسمة) خالد الرومي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إنه «ليس لدى الصابئة المندائيين وجود كثيف في المناطق الشمالية من العراق على غرار المسيحيين والإيزيديين والشبك وبالتالي فإن مخاوفنا كأقلية تتركز الآن بشأن ما إذا كان داعش سيتمدد إلى مناطقنا الوسطى والجنوبية، حيث لنا وجود كبير على قلته في بغداد والمحافظات الجنوبية مثل العمارة» موضحا أن «لدينا عائلة صابئية واحدة في الموصل تمكنت من الخروج قبل أن تحصل التداعيات الأمنية بالكامل كما كانت لدينا عائلتان في الفلوجة وقد تمكنتا من النزوح قبل احتلال داعش الفلوجة».
وأشار الرومي إلى أن «وضع الأقليات في العراق قبل عام 2003 اختلف كثيرا عن وضعها الحالي في إطار مفارقة لافتة للنظر، حيث إنه في الوقت الذي كانت فيه تعيش في أمان طالما إنها لا تخالف النظام رغم أنها كانت مهمشة أيضا إلا أنها اليوم ومع ظواهر الانفتاح والديمقراطية والحديث عن نيل الحقوق تدفع ثمن مواطنتها مرتين، مرة بتعرضها إلى الاضطهاد العرقي والديني والذي تحول الآن إلى شبه إبادة جماعية وثانيا عدم مشاركتها في القرار السياسي».
ويقارن الرومي بين الفترتين قائلا إن «الفترة الوحيدة التي عشنا فيها كصابئة على سبيل المثال وضعا مثاليا هي فترة الزعيم عبد الكريم قاسم (1958 - 1963) حيث أصبح الدكتور عبد الجبار عبد الله، وهو صابئي، أول رئيس لجامعة بغداد». وأوضح أنه «في ظل النظام السابق لم تكن لنا مناصب تنفيذية في الدولة أما ضباطنا فقد كانوا يصلون إلى رتبة عميد وتتم إحالتهم للتقاعد بينما اليوم لدينا عضو في البرلمان وعضو في مجلس المحافظة ولكننا لم نشارك طوال حكومات وبرلمانات ما بعد عام 2003 في القرار السياسي».
ولم يختلف أمر الأقليات الأخرى وفي المقدمة منهم الكلدواشوريين (المسيحيون) والذين يبلغ تعدادهم نحو مليون نسمة ويمثلون نحو واحد في المائة من سكان العراق ويصنفون على أنهم مع الصابئة المندائيين السكان الأصليين للعراق. وأكد عضو البرلمان العراقي عن الكلدواشوريين عماد يوحنا في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك عجزا وصمتا دوليا حيال ما جرى وما يجري للمسيحيين ولباقي الأقليات العرقية والدينية في العراق» معتبرا أن «هذه المكونات تعايشت على مدى آلاف السنين ولم يحصل لها مثل ما يحصل اليوم لأن هناك تجانسا مجتمعيا وثقافيا داخل العراق وبالتالي فإن ما يحصل لنا اليوم ليس بعيدا عن نظرية المؤامرة لإفراغ العراق من سكانه الأصليين».
وانتقد يوحنا «تأخر القوى السياسية وأطراف كثيرة بمن فيها أطراف سياسية ومجتمعية في الموصل عن التنديد والإدانة لأن ما يحصل للمسيحيين و للإيزيديين والشبك يشمل الجميع في النهاية».
تقارير المنظمات الدولية تطرح مشكلات أساسية في هذا الخصوص حيث ترى منظمة «هيومان رايتس ووتش» أن «الأقليات الإثنية والدينية في العراق التي تشكل عشرة في المائة من مجموع سكان البلاد، ضحية عنف غير مسبوق قد يؤدي إلى زوالها»، مشيرة إلى أنها «تواجه درجات من العنف غير مسبوقة، وهي مهددة في بعض الحالات بالزوال من وطن أجدادها». وبحسب تقديرات الأمم المتحدة فإن 50 في المائة تقريبا من المسيحيين العراقيين، الذين يقدر عددهم بمليون في آخر إحصاء لسنة 2003، يحتمل أنهم غادروا البلاد إلى البلدان المجاورة،، بينما استطاع الآخرون الفرار إلى الدول الغربية من أجل الانضمام إلى عائلاتهم الكبيرة هناك، تاركين وراءهم أنقاض أكثر من 30 كنيسة دمرها الإرهاب. ولا يقل وضع الشبك في العراق عن وضع باقي الأقليات والأديان. ففي الوقت الذي لا يوجد فيه إحصاء سكاني ثابت لهم إلا أن التقديرات تشير إلى أنهم لا يتعدون المائتي ألف نسمة، لكن معاناتهم تبدو دينية - عرقية - مذهبية في آن واحد. ففيما حسم الإيزيديون أمرهم بوصفهم كوردا، فإن الشبك مختلف على هويتهم بين كونهم كورد أو عرب شيعة وهو ما أدى إلى أزمة داخل البرلمان العراقي في الدورة الماضية بشأن إشكالية تمثيلهم. لكنهم اليوم وفي المناطق التي يوجدون فيها في الموصل باتوا يتعرضون إلى نفس ما تتعرض له الأقليات الدينية والعرقية.
Top