المستشارون العسكريون الأميركيون يحذرون من مخاطر مساعدة قوات عراقية ضعيفة
وذكر التقرير أن نحو نصف الوحدات العراقية العاملة تملك قدرات تسمح لقوات الكوماندوز الأميركية بإرشادها إذا قرر البيت الأبيض المساعدة على دحر المسلحين الذين تقدموا في شمال العراق وغربه على مدار الشهر الماضي. ومما يضيف إلى المأزق الذي تواجهه الإدارة، ما ذكره التقرير من أن القوات العراقية الموالية لرئيس الوزراء نوري المالكي تعتمد بكثافة على الميليشيات الشيعية - التي تلقى معظمها تدريبا في إيران - بالإضافة إلى مستشارين من فيلق القدس الإيراني شبه العسكري.
وحاربت قوات الميليشيات العراقية القوات الأميركية بعد أن قامت الولايات المتحدة بغزو العراق وربما تمثل تهديدا مرة أخرى للمستشارين الأميركيين، لكن المسؤولين يحذرون من أنه من دون بذل الجهود الأميركية في إعادة بناء قوات الأمن العراقية، ربما لا يوجد أمل في تقليل اعتماد الحكومة العراقية على تلك الميليشيات المدعومة من إيران.
وتبرز استنتاجات التقييم التحديات التي تنتظر إدارة أوباما في الوقت الذي تسعى فيه إلى مواجهة مسلحي تنظيم «الدولة الإسلامية» الذين استولوا على مدن كبرى في العراق، وأزالوا الحدود بين سوريا والعراق وشنوا الأحد الماضي هجوما على منطقة تبعد عن بغداد مسافة تقطعها السيارة في أقل من ساعة.
وتأتي في صلب النقاش الدائر في الإدارة الأميركية مسألة إرسال مزيد من المستشارين العسكريين والأسلحة وأنظمة الاستطلاع - وإذا تم ذلك كم سيكون عددها، وبأي تكلفة وعلى أي مستوى من الخطورة - إلى دولة غادرتها القوات القتالية الأميركية في عام 2011، ولكنها الآن تتأرجح على حافة الانهيار.
وقال اللفتنانت جنرال جوزيف إل فوتيل، رئيس قيادة العمليات الخاصة السرية التابعة للجيش، أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأسبوع الماضي، لدى سؤاله عن السبب الذي يدعو أميركا إلى عدم ترك الفصائل المتناحرة في العراق يقاتل بعضها الآخر: «توجد مخاطرة في ترك الأمور لكي تُحل بمفردها، لا سيما أن هناك مصالح قد تؤثر على بلادنا».
وجاء قرار الپنتاگون في وقت سابق هذا الشهر بإرسال قوات قوامها 200 جندي بالإضافة إلى ستة طائرات أپاچي وطائرات استطلاع من دون طيار إلى مطار بغداد، مدفوعا بتقرير استخباراتي سري بأن المجمع المترامي الأطراف، الممر الرئيس لإرسال وسحب القوات والدبلوماسيين الأميركيين، معرض للهجوم من قبل مقاتلي «داعش»، وذلك حسبما كشف مسؤولون أميركيون.
ووصف مسؤول رفيع المستوى في إدارة أوباما - اطّلع على مسودة التقييم العسكري واشترط عدم ذكر اسمه نظرا لاستمرار التقييم وحساسية طبيعته - الوضع قائلا: «إنها فوضى».
وتخضع المسودة التي تضم 120 صفحة للمراجعة حاليا من قبل الجنرال لويد جيه أوستن، قائد القيادة المركزية في الجيش الأميركي، التي تشرف على العمليات في الشرق الأوسط. وقد يجري الجنرال أوستن تغييرات أو يطلب معلومات إضافية من فرق التقييم في العراق، ولكن من المتوقع أن ترسل النسخة النهائية إلى وزير الدفاع چاك هيگل ومسؤولين آخرين رفيعي المستوى في البنتاغون في الأسبوع الحالي.
من جانبه رفض الأدميرال جون إف كيربي، المتحدث باسم الپنتاگون، التعليق على مسودة التقييم، وقال: «رغم أن عمل فرق التقييم كامل إلى حد كبير، فإن كبار القادة لم يتسلموه أو يراجعوه رسميا حتى الآن».
يذكر أن التقييم لا يحتوي على أي توصيات محددة لكن تلك التوصيات ستتبلور على نحو ما في القيادة العليا وهيئة الأركان المشتركة بمجرد أن يتسلم الپنتاگون التقرير النهائي واطلاع الرئيس أوباما وكبار مساعديه للأمن القومي عليه.
في حين يتقدم تنظيم داعش في شمال العراق وغربه، انطلقت ست فرق من العمليات الخاصة الأميركية لتقييم وضع الجيش العراقي الذي تم تدريبه وتزويده بالمعدات من قبل الولايات المتحدة بتكلفة تزيد على 25 مليار دولار، بيد أنه شهد تراجعا في التدريب بعد انسحاب القوات الأميركية وكبله كثيرا اندفاع المالكي في تعيين القادة على أساس الولاء السياسي بدلا من الكفاءة العسكرية. وضع التقرير، الذي استغرق إعداده أسبوعين تحت إشراف الميجور جنرال دانا بيتارد، تصنيفات للقوة والضعف في الوحدات وصولا إلى مستوى الكتيبة، تناول فيها تقييم معداتهم وذخيرتهم وتشكيلهم الطائفي وحالتهم المعنوية وقيادتهم ومؤشرات أخرى. وتم وضع القدرة الإجمالية لكل وحدة في مخطط واضح بالألوان: الأخضر للوحدات المؤهلة، والأحمر لغير المؤهلة. وكانت من بين نتائج التقييم أن القوات العراقية تملك القدرة على الدفاع عن بغداد ولكن ليس بالضرورة السيطرة عليها كلها، لا سيما في مواجهة هجوم كبير. وبالفعل، استهدف «داعش» العاصمة بسيارات مفخخة.
صرح عدد من جنرالات الجيش المتقاعدين الذين أشرفوا على جهود بناء الجيش العراقي قبل انسحاب الولايات المتحدة، بأنه لا يزال في استطاعة المستشارين الأميركيين تقديم إسهام مهم. وقال مايكل باربيرو، اللفتنانت جنرال المتقاعد الذي كان مسؤولا عن تدريب القوات العراقية من عام 2009 إلى 2011: «يجب أن نخصص عددا مناسبا من المستشارين، بل ويجب أيضا أن نذهب إلى المواقع الصحيحة - في الميدان مع قوات الأمن العراقية». وأضاف قائلا: «توجد مخاطر كامنة في البعثة الاستشارية، ولكن يمكن التخفيف من تلك المخاطر. يمكن أن ترسل معها تأمينا، ويمكن أن تنتقي أين ستضع المستشارين. وتستطيع أن تطبق الدروس المستفادة من التعامل مع تهديد الدخلاء في أفغانستان».
بدوره، قال ريك ويلش، الكولونيل المتقاعد في القوات الخاصة والذي عمل مع القبائل في العراق، بأن المستشارين قد يشجعون الحكومة العراقية على تركيز هجماتها على «داعش» وليس خصومها السياسيين من السنة. وقال ويلش: «قد يركز المستشارون الجهود العسكرية بمزيد من الدقة، ويحبطون الهجمات على السكان من السنة، وهو ما سوف يرفع أحد المظالم التي يتعرض لها السنة ويساعد المباحثات السياسية على المضي قدما». كما أضاف أن المستشارين يجب أن يكونوا إلى جانب قادة القبائل السنية بالإضافة إلى وحدات الجيش العراقي.
من جهته، يرى جيمس دوبيك، وهو لفتنانت جنرال متقاعد أشرف على تدريب الجيش العراقي في عامي 2007 و2008، أن قوات الأمن العراقية قد تحقق مكاسب ضد «داعش» حتى لو كانت نصف فرقها فقط تتسم بالكفاءة، ولكن من المهم للغاية تقديم المشورة لها. وأوضح: «حتى وإن تم إجبار نصف القوات على البقاء في وضع جيد كما ينبغي، سيكون ذلك كافيا لتحويل دفة الأمور».
وتعزز نتائج التقييم الجديد التقارير العسكرية الأولية السرية لتقييم القوات العراقية، كما تتفق مع التصريحات العلنية التي صدرت أخيرا عن مسؤولين رفيعي المستوى في البنتاغون، وأبرزهم الجنرال مارتن ديمبسي، رئيس هيئة الأركان المشتركة؛ ففي مؤتمر صحافي عقد في الپنتاگون في الثالث من يوليو (تموز)، أشار الجنرال ديمبسي إلى أنه رغم أن القوات العراقية أصبحت قوية وقادرة على الدفاع عن بغداد، فإنها لن تستطيع بمفردها شن هجوم مضاد واسترداد المكاسب التي حققها «داعش».
يذكر أن الرئيس أوباما استبعد إرسال قوات قتالية مرة أخرى إلى العراق، وأكد الجنرال ديمبسي أيضا على أن أي تدخل عسكري أميركي في العراق سيختلف عما كان عليه في الماضي. لكن أشار ديمبسي إلى أن الغارات الجوية ما زالت خيارا مطروحا. وفي لقاء مع الإذاعة العامة الوطنية في 27 يونيو (حزيران)، حدد الجنرال ديمبسي ثلاثة أهداف محتملة: استهداف «أفراد مهمين يشكلون قيادة» تنظيم داعش، وحماية البنية التحتية المهمة مثل السدود، و«صد الهجمات التي يشنها» تنظيم داعش بقوات كثيفة - على سبيل المثال في هجوم محتمل على بغداد.
خدمة «نيويورك تايمز»، صحيفة الشرق الاوسط