• Thursday, 25 April 2024
logo

دولة كوردستان في الخريطة و النظام الجديد للشرق الأوسط "

دولة كوردستان في الخريطة و النظام الجديد للشرق الأوسط
تشهد وجوه مواطني المدن الثلاث الكبرى في إقليم كوردستان، أربيل و السليمانية و دهوك حالة جديدة من التفاؤل، و عديدةٌ هي أسبابه منها أن إقليم كوردستان شبه المستقل تتم إدارته من حكومة الإقليم و تشهد - على خلاف باقي مناطق العراق مستوى عالياً من الأمان و الاستقرار و يحث الخطى نحو مجتمع مفتوح و معاصر و قد حققوا بعد عام 2012 ثقة عالية و ذلك بولادة اقتصاد نام و وليد و يتعزز خطوة بخطوة، و قد تولدت الثقة بالنفس هذه، بعد أن تدفقت على الإقليم كبريات الشركات النفطية العالمية، مثل أيكسن موبيل و شيفرون و توتال و كازبروم للتنقيب عن النفط و الغاز و استخراجهما، و وقعت عقوداً مباشرة مع حكومة إقليم كوردستان، ما يعني عدم غرابة اتخاذ الإقليم خطوات مثالية في عملية إعادة الإعمار فحسب بل هو أن شعب كوردستان قد وصل الآن إلى قناعة لم يكن ليتوقعها في السابق . وهو الأمل الذي كان يراودهم للتحرر من العراق و هو يوم قد اقترب كثيراً ما يبرر و يؤكد أنه كلما حث الكورد خطاهم للتقدم و النماء كلما زادت الضغوط عليهم من قبل المالكي رئيس مجلس الوزراء العراقي.
يوست هيلترمان :
نائب رئيس مجموعة دراسات الأزمات الدولية


" التباين بين السياسي و رجل الدولة "
أجرى البروفيسور أوستن في كتابه (سياسة الحكم ) مقارنة بين السياسي و رجل الدولة و عرفها بقوله : السياسي هو الشخص الذي يركز كامل توجهاته ووجهات نظره عند الصندوق القادم للاقتراع، فيما يكون رجل الدولة ( States Man ) ذلك الذي يتابع الوضع بنظرة بعيدة، و يتصور مستقبل الأجيال القادمة، و من هذا المنطلق ؛ عندما يحث رجل الدولة خطاه نحو هدف قومي مهم ؛ إنما يكون قد حدد راهن الأجيال و مستقبلهم من منطلق تأمين حياة هانئة لهم وقبل ذلك يجري تقييماً دقيقاً للوضع و للخريطة السياسية للمنطقة و الوضع السياسي الداخلي و الدولي و يربطها جميعاً بتساؤله : هل أن بالإمكان تحقيق هذا الهدف في مثل هذه الظروف ؟ ما يبرر أن الرئيس (رجل الدولة ) عندما يتوصل من منطلق المصلحة الوطنية و القومية ومديات تأمين مستقبل أكثر اشراقاً لأمته، إلى نتيجة ضرورة إعلان هذا الهدف لشعبه، لأن تقييم الظروف الموضوعية و الذاتية لمرحلة الأمة و البيئة السياسية للمنطقة و العالم لم يكن قد أجرى كما يتوجه به الرئيس رجل الدولة، ما يترتب في بعض الأحيان عن بعض معاداة الرأي العام و رد الفعل المحلي و الإقليمي و الدولي لذلك الزعيم .
لقد سجل تاريخ السياسة العديد من نماذج قرارات الزعماء رجال الدولة، فعلى سبيل المثال عندما أعلن الزعيم الأمريكي ابرهام لنكولن الحرب ضد الرق و العبودية و لم يوافق الكونغريس عليها، فإنه قد اتخذ شخصياً ذلك القرار باعتباره رئيساً للبلاد و قائداً عاماً لقواتها المسلحة، و شيّد في ذات الوقت بناية جديدة للكونغريس لكي يجري فيها، بعد انتهاء الحرب مساءلته له حول اتخاذه قرار الحرب !!
و بالنسبة للرئيس روزفلت الذي أعيد انتخابه لمنصب رئيس الولايات المتحدة لأربع دورات متتالية، و عندما لم يرض الكونغريس أواخر ثلاثينيات القرن الماضي أن تكون البلاد قسماً من الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، فقد أتخذ قراره كرئيس (رجل دولة)، و من أجل مستقبل بلاده بالمشاركة في الحرب منطلقاً من استحصال موافقة شعبه على ذلك و أصدر أوامره أن يقتني كل مواطن أمريكي خريطة لأوربا لكي تكون في متناول أيديهم عندما يستمعون الى الخطاب الاسبوعي للرئيس و يدركوا المخاطر التي يشكلها النظام الفاشي و النازي على مستقبل العالم و الولايات المتحدة بالذات و كان ذلك السبب الرئيس و الدافع لمشاركتها في الحرب و أصبحت منذ ذلك الوقت القوة رقم (1) في العالم، و كثيرة هي مثل هذه الأمثلة و النماذج . من هنا نأتي على التقييم الدقيق و اللوجستي للرئيس مسعود بارزاني عامي 2002 و 2007 للخريطة السياسية لمنطقة الشرق الأوسط و عموم الوضع السياسي في المنطقة و مقارنة هذا التقييم بتقييم آخر له أجراه للفترة 2007 – 2008 و لغاية عام 2012 لذات الأوضاع و هنا مقتضب عن التقييمين :
(تقييم الرئيس البارزاني 2002 -2007 )
تلخص تقييم البارزاني في عام 2002 لأوضاع العراق و المنطقة, في أن صبر الولايات المتحدة و الحلفاء إزاء النظام البعثي السابق قد نفد، و يجب إزالة ذلك النظام و اسقاطه بموافقة الأمم المتحدة أو بدونها و أعلن الرئيس البارزاني الأهداف القومية لكوردستان و الوطنية للعراق الجديد و قبل شن الحلفاء هجومهم لإسقاط النظام البعثي كالآتي :
• مع بداية عام 2002 و كان الحديث على مستوى الدول الإقليمية، يتداول في أن سقوط النظام البعثي سيكون بصورة مباشرة في أن تصبح منطقة حظر الطيران ( إقليم كوردستان ) دولة مستقلة و تركزت المفاوضات في كيفية احتلال تلك المنطقة و اتخاذها جبهة شمالية لإسقاط النظام البعثي و كان السيد مسعود بارزاني في ذلك الوقت القائد و الزعيم الوحيد الذي أعلن للعالم لقد أصبح ( الأمر الواقع لمنطقة حظر الطيران ) تجربة حكم ديمقراطي،لإقليم كوردستان في المنطقة، و يجب ترسيخ هذا الأمر الواقع، وأكثر من ذلك عندما وصلت التهديدات مستوى وصل حد إعلان الدول المجاورة بشن هجوم عسكري على كوردستان، و قد كتب البارزاني يومها باسمه الصريح في كلمة نشرت كمقال افتتاحي في صحيفة برايه تي ( خه بات الحالية )و أعلن للعالم يجب أن تمر الدبابات التي تحتل كوردستان على جسد البارزاني أولاً) و بإمكان من لا يظلمون ضمائرهم أن يتذكروا يوم لم يكن هناك أي زعيم سياسي كوردستاني، يجرأ على مشاركة البارزاني في موقفه هذا، وكان الجميع يعتقدون أن ما يقدم عليه البارزاني هو مجرد مغامرة سياسية ليس إلا، غير أنه و بسبب عدم تبلور تقييم دقيق ولوجستي لدى أي زعيم سياسي كوردستاني و حتى عراقي او إقليمي مثل الرئيس البارزاني بشأن الوضع فأنهم قد تعجبوا أشد العجب من ذلك الموقف، إلا أنه و بعد أن توصلوا لاحقاً إلى قناعة بأن تقييم الرئيس البارزاني ليس من أجل المصلحة المستقبلية لإقليم كوردستان فحسب، بل لصالح العراق و عموم المنطقة أيضاً ؛ فقد أضطر العالم أجمع و قبل أن يصبح إقليم كوردستان جزءاً من التحالف الدولي، أن يستمع باهتمام لتوجهات الرئيس البارزاني، كما أن مؤتمري المعارضة العراقية في لندن و باريس عام 2002 و بحضور ممثلي الدول دائمة العضوية في الأمم المتحدة، شاهدان على تلك الحقيقة، حتى أن رئيس تحرير صحيفة الزمان اللندنية قد نشر عقب مؤتمر لندن مقالاً بعنوان ( لو لم يكن البارزاني ) أي أنه لو لم يكن للبارزاني وجوده و حضوره في ذلك المؤتمر ؛ فإن مؤتمر المعارضة العراقية لم يكن ليتوصل الى أية نتائج .
• و بعد أن أصبح إقليم كوردستان جزءاً من التحالف الدولي، و يومها كان الناس يتخوفون من شن النظام البعثي هجوماً كبيراً على إقليم كوردستان كرد فعل منه على موقف البارزاني، و غادر العديد من مواطني العراق دورهم مع اندلاع حرب التحالف الدولي، يومها أعلن الرئيس البارزاني مساء يوم 20 آذار من عام 2003 أي بعد مرور 24 ساعة فقط على هجوم التحالف على بغداد، و من أعلى قلعة أربيل التاريخية و أمام عدسات وسائل الإعلام و هو يوقد شعلة نوروز بنفسه، إعلاناً للعالم بأن نوروز عام 2003 هو نوروز تحرير كوردستان و عموم العراق .
• و أكد الرئيس البارزاني في عملية إعادة بناء الدولة العراقية و إبّان قانون السلطة المؤقتة لإدارة العراق، أنّ يكون للكورد دور أساسي في صياغة ذلك القانون لأنه سيكون أساساً لصياغة الدستور العراقي و كان أن حددت المادة 58 من القانون المؤقت لمعالجة مشكلات المناطق الكوردستانية خارج إدارة الإقليم و أصبحت لاحقاً المادة 140 من الدستور العراقي الدائم .
• وفي صياغة الدستور العراقي بقي إصرار و تصميم الرئيس البارزاني على تثبيت حقوق شعب كوردستان ( من كورد و تركمان و كلد و أشور و أرمن ) دليلاً ساطعاً في مقالات الصحفيين و الخبراء الذين كانوا يراقبون عن كثب عملية صياغة الدستور العراقي و وقفوا على حقيقة الضغوط التي كان يمارسها الجانب الأمريكي على الرئيس البارزاني للتخفيف عن مواقفه ذاك . وقد أبلغ البروفيسور براندن أوليري ( و كان أحد المستشارين الدستوريين الدوليين لإقليم كوردستان ) العالم في مقال نشره عام 2005 على صفحات ( لوس أنجلس تايمز ) و بكل صراحة : إذا ما استمرت الولايات المتحدة في ممارسة ضغوطها هذه على السيد مسعود بارزاني, فإن العملية السياسية في العراق سوف تسير نحو الهاوية .. لأنه لا يساوم على حقوق شعبه، الذي بدوره لا يقبل منه ذلك، ما يعني أن السيد مسعود بارزاني كان يدرك جيداً كيف يستقر عراق المستقبل و كيف تتم حماية حقوق الكورد أيضاً .
• و بعد استكمال عملية صياغة الدستور و اعداده للاستفتاء العام فقد تم تشكيل حركة طوعية لإجراء استفتاء غير رسمي بغية اجرائه تزامناً مع الاستفتاء على الدستور و قد ساند الرئيس البارزاني هذه العملية لسببين :
أ – لكي يفهم الأمريكيون و العراقيون حقيقة أن الحقوق التي تم تثبيتها للكورد في الدستور العراقي هي الحد الأدنى من طموحات و مطاليب شعب كوردستان الذي لن يقبل بأقل من الاستقلال، وقد أظهرت نتائج الاستفتاء غير الرسمي أن 99% من شعب كوردستان قد صوتوا لصالح الاستقلال .
ب – مع وجود هذه الوثيقة غير الرسمية ووجود الأمر الواقع حيث كان إقليم كوردستان قبل عام 2003 كياناً مستقلاً .. إلا أن الكورد، و حرصاً منهم على إعادة بناء دولة معاصرة و ديمقراطية و فدرالية و تعددية و اختيارية في العراق، مستعدون لأن يكونوا جزءاً من ذلك العراق الفدرالي الاختياري و ثبت ذلك كنقطة أساسها حقيقة أن الدستور العراقي هو الرابط الوحيد بين كوردستان و العراق .
• و باشر إقليم كوردستان، بعد المصادقة على الدستور في عام 2005، في ممارسة جميع حقوقه الدستورية، و في تنفيذ المادة 140 لإجراء الاستفتاء إلا أن تقييم الرئيس البارزاني للوضع، بعد عدم تنفيذ المادة 140 و تحول الوضع في العراق الى حرب مذهبية بين الشيعة و السنة، قد تعرض الى نوع من التغيير .

" تقييم البارزاني 2007 – 2012 "
و بعد عام 2007 توصل العديد من الأوساط البحثية في العالم الى قناعة أن ما تعرضت له الولايات المتحدة في فيتنام إنما يتكرر في العراق و كان ذلك السبب وراء تأليف بيتر كالبريس كتابه المعنون (نهاية العراق) و نشره في ذات السنة . و بصدد وجهة نظر الرئيس البارزاني إزاء هذا الوضع فقد نشر، البروفيسور يوست هيلتر مان نائب مدير برامج دراسة الشرق الأوسط و شمال افريقيا في مجموعة الأزمات الدولية في عام 2013 موضوعاً في مجلة فورن أفيرز بعنوان: ( انتقام الكورد هو الابتعاد عن بغداد )و أوضح فيه هذه الحقائق :
• كتب هيلتر مان أن البارزاني كان على علم أن عراق ما بعد عام 2007 هو ليس العراق الذي يشير اليه الدستور عام 2005 ما يعني أن الكورد لن يقبلوا أبداً أن يكونوا جزءاً من العراق الذي يتوجه الى دولة مركزية قوية .
• في عام 2005 و بعد عدم توصل إقليم كوردستان و العراق إلى اتفاق بشأن اصدار قانون اتحادي للنفط و الغاز ؛ فقد أدرك البارزاني أن بغداد غير راغبة في ممارسة الكورد لحقوقهم الدستورية ما حدا به لأن يصدر أوامره بأن يشرع برلمان كوردستان العراق و بصورة مستقلة قانون النفط و الغاز في إقليم كوردستان في إطار الدستور العراقي .
• و كان البارزاني يدرك أن بعض تصرفات المالكي إزاء إقليم كوردستان تماثل تصرفات النظام البعثي البائد، وهو واقع لم يكن الكورد ليرضوا به بسهولة بعد ما يناهز قرناُ من التضحيات من أجل الحرية .
• و كان الجانب الأمريكي قد مارس ضغوطاً كثيرة على البارزاني ليتعاون مع حكومة بغداد و ذلك بذريعة الاطمئنان على وحدة العراق، ما حدا بالكورد لممارسة حقوقهم و سلطاتهم الدستورية تزامناً مع التعاون مع حكومة بغداد طريقاً لبناء استقلال الأمر الواقع .
• و كتب هيلتر مان: في ذات الفترة، أي خلال عام 2007، عندما قررت الولايات المتحدة، ارسال قوات سريعة الى العراق في إطار عملية ( Surge ) كان الكورد يدركون أن أمريكا ترتكب خطأ كبيراً لأن مشكلات العراق من وجهة النظر الكوردية يمكن حلها في إطار مشاركة حقيقية في العملية السياسية و ليس بتسليح العشائر السنية، الأمر الذي جعل المالكي يحث خطاه نحو الدكتاتورية .. و لو تساءلنا من منطلق ما ذكره هيلترمان كيف تعامل الرئيس البارزاني مع الوضع منذ أن أدرك أن العراق الذي كان يتمناه في عام 2005 قد انتهى في عام 2007 ؟ و سيكون الرد بلا شك بالعودة الى وجهات نظر من كانوا يصوغون السياسة الأمريكية و ما يظهر لنا مرة أخرى التقييم الدقيق و الموضوعي للرئيس البارزاني في كيفية بذل مساعيه، وسط كل هذه التعقيدات الإقليمية، من أجل استقلال كوردستان و كيف حول هذا الحلم القوي إلى أمر واقع علينا أن نتذكر جملة نقاط مهمة :
1 – في 5/ 11/ 2007 عندما كان رجب طيب أردوغان رئيس وزراء تركيا يجتمع مع الرئيس الأمريكي بوش ليحصل على موافقة الولايات المتحدة على مهاجمة الجيش التركي لإقليم كوردستان، نشر السيد نيجيرفان بارزاني مقالاً في صحيفة واشنطن بوست، و أبلغ خلاله الرأي العام الأمريكي : نحن نمد أيدينا للسلام و لا يمكن معالجة المشكلات بحلول عسكرية و عرض فيه بكل صراحة سياسة البارزاني حيال العراق و المنطقة و قصد به أن العراق كان يومها قد خرق الحقوق الدستورية لشعب كوردستان و كان أقرب جيراننا، أي تركيا لا يعترفون بالشرعية الدستورية لإقليم كوردستان .
2 – عندما منحت الولايات المتحدة الضوء الأخضر للحكومة التركية بشن الجيش التركي بعض الهجمات المحدودة على المناطق الحدودية ؛ فقد نجمت تلك الهجمات عن تنديد كوردستاني واسع، وأعلن الرئيس البارزاني أن هذه المسألة غير مقبولة و لا يمكن حل خلاف سياسي بصيغ عسكرية، و تفهمت الولايات المتحدة و استوعبت رسالة البارزاني، إلا أن جنرالات الجيش التركي أرادوا عدم فهمها ما حدا بوزير الدفاع الأمريكي لإبلاغ رئيس أركان الجيش التركي مباشرة بأن البيت الأبيض يطلب الانسحاب، و بأسرع وقت من إقليم كوردستان، و كان رئيس الأركان قد قال يومها متهكماً بأن الانسحاب السريع بالنسبة للمسائل العسكرية يستغرق عدة أشهر أو سنوات غير أنه عندما أيقن جدية المسألة قد أصدر أوامره بالانسحاب الفوري من الإقليم و قبل أبلاغ حكومته بذلك .
3 – بناء على ذلك فقد أصبحت بداية عام 2008 سنة تحول في موقع إقليم كوردستان على المستوى الإقليمي و العالمي و تبين أن دولة الأمر الواقع التي خطط لها البارزاني هي دولة معاصرة و كان أن باشرت دول العالم بفتح قنصلياتها في الإقليم و من بينها اليوم ممثليات لأربع دول ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي و الخامسة، و هي جمهورية الصين الشعبية هي الان في طريقها لفتح قنصليتها في إقليم كوردستان .
4- و على ضوء التقييم الدقيق و الموضوعي للرئيس البارزاني، فقد استمرت حكومة إقليم كوردستان في تطوير القطاع النفطي و الغاز إلى أن أعلن الرئيس البارزاني و الرئيس الطالباني يوم 1-6-2009 و بصورة رسمية أن إقليم كوردستان قد أصبح إحدى الدول المنتجة للنفط و احتل موقعه على خريطة الطاقة العالمية .
5 – و أصبح التحول السريع الذي تحقق في إقليم كوردستان و تصاعد وتيرة و مستوى العلاقات الاقتصادية و التجارية بين إقليم كوردستان و تركيا أساساً لأن تتبع الأخيرة سياسة (صفر مشكلة ) مع جيرانها، و التي تسببت بالتالي ليس في اعترافها بالشرعية الدستورية للإقليم فحسب، بل و فتحت قنصليتها في أربيل أيضاً و أكثر من ذلك استخدام اسم (كوردستان) في وسائل الإعلام التركية و رفعت الرقابة عنه و امتد هذا المسار الى التوصل لسياسة الانفتاح و معالجة القضية الكوردية في تركيا .
6 – و بالمقابل فقد استمرت الحكومة العراقية و شخص نوري المالكي رئيس مجلس الوزراء، في سياستها و برامجها إزاء الحقوق الدستورية لإقليم كوردستان و نذكر منها على سبيل المثال :
أ – كان نوري المالكي يقف بالضد من إجراء الاستثمار في قطاع النفط و الغاز في الإقليم و أن تبرم الشركات النفطية عقوداً مباشرة مع إقليم كوردستان حتى أنها قد وضعت أسماء عدة شركات ضمن القائمة السوداء بسبب إبرامها لتلك العقود .
ب – وهو نوري المالكي ذاته الذي رضي، بعد ان أصبح إقليم كوردستان في عام 2009 منتجاً و مستثمراً للنفط، بتصدير نفط الإقليم الى الخارج عن طريق أنبوب كركوك جيهان النفطي و بيعه .
ج- لو أمعنا النظر في النقطتين أعلاه لتبين أن عقود النفط و الغاز في الإقليم هي دستورية و أن حكومة إقليم كوردستان مستعدة لتصدير نفط الإقليم الى الخارج عبر الأنابيب النفطية العراقية، أي أن مشكلات حكومة إقليم كوردستان لم تكن آنذاك تتعلق بقيام شركة سومو العراقية بتصدير نفط الإقليم الى الاسواق العالمية، إلا أن ما أوجد تلك الاشكاليات كان خطط و دسائس الحكومة العراقية إزاء الإقليم و ذلك بعدم دفع استحقاقات الشركات التي تقوم باستخراج نفط إقليم كوردستان لأن تلك الاستحقاقات يتم دفعها من الموازنة السنوية العراقية حسب الدستور، ما اضطر حكومة الإقليم لإيقاف تصدير نفطها، لأن مسألة دفع الحكومة الإقليم لاستحقاقات تلك الشركات و إعادة إيرادات النفط الى الخزينة العراقية، تعني الإضرار بالإقليم و ليس لصالحه .
د – و استمر الصراع بين إقليم كوردستان و بغداد خلال الأعوام 2010 -2013 للتوصل الى حل وسط و إصدار قانون النفط و الغاز الاتحادي و كان السبب الرئيس في عدم التوصل إلى مثل ذلك الحل، هو تغابي أو تلافي المالكي، رئيس مجلس الوزراء العراقي، عن إعادة بناء العراق على أساس الفدرالية و تقاسم السلطات و فق الصيغ التي نوه اليها الدستور، و الظاهر أن أهم نقطة لا يتمكن المالكي أو لا يريد الالتزام بها هي أنه يتم تقاسم السلطات بين الحكومة الاتحادية و الأقاليم، حسب الدستور، بكون سلطات الحكومة الفدرالية محدودة مع توسع سلطات الأقاليم . غير أن عقلية المالكي تقضي بأن تكون الحكومة الفدرالية حكومة مركزية قوية، و تحصر كل الصلاحيات لديه هو، و ذلك أمر لا يمكن أن يقبل به إقليم كوردستان .
ه – لمعالجة هذه المشكلات و إفاقة شخص مثل نوري المالكي الذي هو الان رئيس مجلس وزراء العراق يجب أن تتخذ حكومة إقليم كوردستان خطوات أخرى وفق الدستور، و هذا ما حصل، و ذلك بإنشاء أنبوبين لنقل النفط ليتمكن الإقليم من تصدير نفطه بصورة مباشرة و دفع استحقاقات الشركات المنتجة للنفط منها و من ثم إيداع بقية العائدات في حساب مصرفي باسم إقليم كوردستان و مقابل ذلك فقد لجأت الحكومة العراقية إلى قطع حصة الإقليم من الموازنة العامة و لكن نتساءل : هل بإمكان المالكي التلاعب حتى النهاية بهذه الورقة ؟ و هو سؤال يجيب عليه المستقبل .

" مساعي أمريكا للاحتفاظ بالعراق و تفكك مجموعة دول حالياً "
و تشير كل الدلائل التي أوردها السفير روبينو فينج في دراسته ( حول انتهاء سايكس بيكو ) الى تساؤلات عدة رافقت تأخر الولايات المتحدة في إنهاء سايكس بيكو في العراق و غيرها من المسائل التي لابد من التساؤل بشأنها : : هو أن العرب لا يعودون الى سموهم التليد إلا بإعادة صياغة خريطتهم من جديد و بما يماثل مجموعة مراكز للإدارة الذاتية القومية التي تربط طرق تجارة الحرير بعضها ببعض، وقد يكون البديل، حسب معهد هوفر، هو تشكيل مجموعة دول جديدة، بل ربما فشل تلك الدول، و قد برهنت أحداث الربيع العربي، أن الدول التي كانت تبدو مستقرة ظاهرياً خلال نصف قرن يمكن اسقاطها بأسهل مما كنا نتوقع . إلا أن هناك تحولات أخرى قد تنهي تلك الخريطة و منها أن إقليم كوردستان، كدولة نفطية قد أنهى بقراره لتصدير نفطه و ترحيب تركيا بهذا القرار، خريطة سايكس بيكو، ما يمهد لتشكيل دولة كوردستان المستقلة... عن هذا الجانب تحدث السفير دينس روس الذي كان أبرز دبلوماسي في السياسة الخارجية الأمريكية و عمل باستمرار مع الإدارتين الديمقراطية و الجمهورية على مدى 25 عاماً الماضية، في محاضرة ألقاها في شيكاغو عام 2013لطلبة قسم العلاقات الدولية و قال : لقد سئلت عام 2008 و كانت الظروف يومها في أسوء أحوالها : هل حان الوقت لتغيير أو تعديل خريطة سايكس بيكو ؟ فقلت لهم لا يمكننا فعل ذلك، إلا أن الإدارة الأمريكية لو سألتني الآن ذات السؤال لأجبتها: الوقت سانح لتعديلها و الأفضل العودة الى خريطة لورنس العرب التي قدمها عام 1919 لمؤتمر فرساي للسلام و التي تم بموجبها تحديد قسم من ايران و تركيا و عراق اليوم لدولة كوردستان .
إن ما تحدث عنه دينس روس في آب من عام 2013،هو ليس موضع تعجب عندما نرى أنه قد اصبح في بداية عام 2014 محط تداول مراكز وردو ولسن، كارينجي، بروكينكز، هوفر، مؤسسة نيو أمريكا، ومجلس العلاقات الخارجية ما يعني توفر أرضية مناسبة لإجراء تحولات كبرى و جذرية بشأن التزام الولايات المتحدة بالخريطة التقليدية لسايكس بيكو و ألا تبقى مسألة وحدة أراضي سوريا و العراق خطاً أحمر، إلا أن الأهم من كل ذلك هو أن دولة كوردستان سوف تتشكل بقوة حليمة و ناعمة لا تكون أساساً ليكون لها موقع استراتيجي فيها فحسب بل يكون لها دور أساس في السلام و الاستقرار في عموم المنطقة إلا أنه يبدو أن رئيس وزراء بغداد مازال بعيداً عن تصور أو تدارك هذا التحول الاستراتيجي المرتقب .


ترجمة دارا صديق نورجان .
Top