كيف عثر كورد العراق على طريقهم ؟
• كيف عثر الكورد على طريقهم ؟
- لقد دفع التصاعد السريع للخلافات و التطرف الاثني و الطائفي في سوريا و الشرق الأوسط عدداً من الباحثين بأن يتنبؤوا أو يتوقعوا تفكك العديد من الدول العربية و يعتقدون أن حدوث تغيير على خريطة الأرض في المنطقة و هو احتمال يعرف ب (نهاية سايكس بيكو ) كإشارة الى الاتفاق السري بين الإنكليز و الفرنسيين لتقاسم ولايات الشرق الأوسط التي كانت تحت سيطرة الإمبراطورية العثمانية , و تم تقسيمها وفق تلك الاتفاقية السرية الى عدة مناطق و وضعت تحت سيطرة البريطانيين و الفرنسيين , و نظراً لكون انشاء تلك الدول وفق الاتفاقيات الأوروبية التي حافظت على خطوط و أسس تلك الاتفاقية , فإن سايكس بيكو ( المعاهدة أو الاتفاقية ) قد أصبحت رمزاً مناسباً للخريطة التي فرضها الاستعماريون على المنطقة و لا تزال و باقية و سارية الى يومنا هذا
* نهاية سايكس بيكو بين التوجهين الدموي و الحليم أو الناعم .
- مع امتداد مديات سفك الدماء من حلب نحو بغداد و باتجاه بيروت فإن من الضروري أن نتوقع إنهاء اتفاق سايكس بيكو بصورة متطرقة , إلا أنه و رغم أن شرارة أخطر الحروب تجتاز الحدود نحو تفكك عدة دول مثل سوريا فإن هناك طرقاً أو قوى أخرى تتجاوز الخطوط القومية بل و تقوم بإعادة تنظيم العلاقات القومية أيضاً, و هي عبارة عن التجارة و المناطق الدولية فوق القومية و هي مناطق التعاون الاقتصادي و تسببت في أن تكون حدود الشرق الأوسط أكثر الحدود الحافلة بالثغرات, ولكن ليس بصورة تصبح تحدياً مباشراً على وجود الدول السائدة الآن, و قد تكون المصالح الاقتصادية الثنائية بدلاً عن ذلك , وبالأخص في مجال صناعات النفط و الغاز اشارة الى انتهاء ناعم و حليم ل (سايكس –بيكو ), وأن أكثر معطيات هذه الديناميكية تبدو في الحدود بين تركيا و كوردستان العراق, حيث أصبحت اتفاقياتهما النفطية خلال السنوات الأخيرة تحدياً مباشراً لادعاء العراق بأنه يحكم السيطرة الحصرية على المصادر الطبيعية في البلاد, كما أن القادة الترك و الكورد وبدل الاقتتال فيما بينهم, سائرون الآن في مباحثات تجارية مباشرة .. و كذلك الحال في مناطق أخرى إذ اصبح التعاون الاقتصادي بديلاً للعنف السياسي حيث تجري القبرص و اليونان و تركيا مفاوضات حول مد أنابيب مشتركة للنفط و الغاز فضلاً عن الخلافات القائمة بينهما كما أن السودان و جنوب السودان قد قبلتا بتردد حقيقة حاجة بعضهما لبعض لتصدير نفط البلدين بعد انفصالهما في عام 2011 ..نعم أن التعاون الاقتصادي هو ليس حلاً لجميع المشكلات في هذه المنطقة إلا أنه يوفر فرصة سانحة لتلك الدول لتفكر في طرق جديدة بدل الإقدام على ممارسات من شأنها تفكك و تقسيم بلدانها ..
• الخط فوق الرمال :
- لقد كانت الدول التي تشكلت في أعقاب الحرب العالمية الأولى في صراع دائم مع سكانها المتنوعين و الهويات الوطنية غير المقبولة و التداعيات الداخلية العميقة , و قد سادت كل تلك المسائل لما يقارب قرناً من الزمن مع تطور بعض المصالح القومية إلا أن توجهات التقاسم الاثني و الطائفي و القبلي لا تزال قائمة و هي المسائل التي تعرضها بوضوح الخلافات القائمة في العراق و لبنان و ليبيا و سوريا و اليمن و تتضح بجلاء في سوريا التي فقدت السيطرة على قسم كبير من أراضيها نتيجة اندلاع الاقتتال الداخلي بعد القمع الوحشي للمعارضة السلمية للمواطنين من قبل بشار الأسد في آذار من عام 2011 و بدورهم أعلن كورد سوريا اقليمهم للحكم الذاتي في شمال الشرق كما أن عدداً من المجموعات الاسلامية الراديكالية التي تحارب الحكومة قد سيطرت على قسم كبير من أراضي البلاد شرقاً .. و أعلنوا صراحة حلمهم الأزلي في بناء دولة اسلامية سنية يكون القانون الاسلامي هو الحاكم و المتبع فيها و بالتالي تسيطر على أجزاء من سوريا و العراق حتى أن بعض المراقبين يتوقعون أن العلويين الفرع المصطنع من الاسلام الشيعي و ينتمي اليهم الأسد أيضاً , يحاولون بناء دولتهم على طول سواحل البحر الأبيض المتوسط , وتكون تحت حماية حزب الله و ايران و روسيا وهو احياء للدولة الملحقة التي كانت تحت الوصاية الفرنسية في عشرينيات و ثلاثينيات القرن الماضي ..
كما أن للدول العربية مشكلاتها أيضاً و تعاني منها أشد معاناة ..في لبنان ما يزال التقسيم الطائفي و الديني المتطرف حتى بعد انتهاء الحرب الداخلية الدامية (1975-1990) و نكاد نقول أن العراق قد تقاسم بسبب العبوات الناسفة و العمليات ( الانتحارية ) و الميليشيات الطائفية بعد احتلاله من قبل الولايات المتحدة في عام 2003 الى جانب تصاعد مستويات العنف فيه مؤخراً و بالأخص في محافظة الأنبار إلا أن الأهم و الأكثر دراماتيكية في المسألة هو أن الأردن قد حافظ على التوازن الصعب بين سكان البلاد الأصليين و بين اللاجئين الفلسطينيين الذين يشكلون منذ أمد بعيد أكثرية سكان البلاد.
• إقليم كوردستان و التنمية الجديدة .
- و في خضم هذه الفوضى يحدث اليوم شيء آخر في كوردستان العراق , فقد حققت هذه المنطقة شبه المستقلة (Semi-Autonomous ) نمواً جديداً , و ذلك بفضل التجارة القائمة و التعاون الاقتصادي عبر حدودها التي من شأنها أن تحذو المناطق و الدول الأخرى في المنطقة حذوها فقد أصبحت كوردستان العراق منذ عام 1991 تحظى بإدارة أمر واقع و ذلك بعد أن فرضت الولايات المتحدة منطقة حظر طيران في (شمال ) العراق و هي بحد ذاتها خروج عن الحالة السائدة في الشرق الأوسط كونهم يختلفون من الناحية الأثنية عن باقي أقسام العالم العربي و كان من شأن الحماية الأمريكية تلك أن تشجع الكورد لأعلان أستقلالهم عن العراق وسط أجواء الفوضى التي عمت الحدود القائمة هناك إلا أن الكورد , بدلاً عن ذلك قد اتبعوا مسار و خيار مراعاة مصالحهم الاقتصادية في اطار الحدود القائمة آنذاك و بعد احتلال العراق عام 2003 فقد استقبلت كوردستان العراق الولايات المتحدة و رحبت بها , كونهم المستفيدين الأجدر لفترة جيدة , وتمت المصادقة عام 2005 على الدستور الجديد, للعراق الذي منح في صيغته للنظام الفدرالي موقعاً متميزاً لكوردستان و منحها بشكل كبير سلطات ادارية ذاتية لحكومة اقليم كوردستان و عاصمتها اربيل لتحكم محافظات اربيل و السليمانية و دهوك و هيأت الفرصة لبقية المحافظات العراقية ال( 15) أن تحصل على مواقع مماثلة ..إلا أن بغداد , ورغم تثبيت النظام الفدرالي في الدستور الدائم , قد بذلت ما في وسعها لتحديد الإدارة الذاتية الكوردية و منع مطالبات المحافظات الأخرى في الإدارة الذاتية ( الحكم المحلي )..إن جوهر الخلافات بين بغداد و اربيل هو عبارة عن مسألة السيطرة على النفط و الغاز في الإقليم , فبغداد تصمم على اعادة جميع العائدات الى الحكومة المركزية .. وثم تقسيمها على محافظات الأقليم الثلاث و بقية المحافظات العراقية على أساس النسبة السكانية و المقرر تخصيص 17%من عائدات النفط العراقية إلا أن إقليم كوردستان (KRG) تقول أن ما تبقى له من تلك العائدات تبلغ بحدود 10-11% بعد استقطاع الحكومة الاتحادية تخصيصات الشركات النفطية و الحصة الدفاعية والشؤون الخارجية للبلاد ..و قد سعى إقليم كوردستان في البداية لتحقيق استقلاله المالي و أخذ يوقع الاتفاقات مع الشركات الصغيرة العاملة في مجال الطاقة بشأن التنقيب عن النفط منذ عام 2002إلا أن الإقليم , و بعد صياغة الدستور الدائم قد اندفع بشكل أكبر نحو توقيع مثل تلك الاتفاقيات رغم اللغط و الغموض القائم بشأن الجهة التي من حقها السيطرة على الحقول النفطية الجديدة وما تزال بغداد تؤكد حقها في السيطرة على الحقول و الاحتياطيات القديمة و الجديدة وسط مساعي الولايات المتحدة الأمريكية لمعالجة الخلافات بين الجانبين عن طريق قانون وطني للنفط و الغاز إلا أن جميع الأطراف قد فشلت في تحقيق أية نتيجة و قام برلمان كوردستان العراق بدل ذلك بإصدار قانونه لتنظيم شؤون النفط و الغاز في الإقليم .
إن العقود النفطية للإقليم تسمح باتفاقات سخية مع الشركات الأجنبية لتقاسم الايرادات , و قد تدفقت عشرات الشركات الأجنبية مثل : كنل انرجي التركية و توتال الفرنسية و اداكس بترو ليوم الصينية و DNOالنرويجية و كازبروم الروسية و غيرها على الإقليم لتحتل موقعها في المنطقة التي اطلق عليها توني هيوارد في عام 2011 اسم " احدى آخر المناطق الكبرى النفطية و الغازية غير المطورة " و قامت كبريات الشركات العالمية في عام 2012 و من ضمنها الشركات الأمريكية العملاقة مثل شيفرون و أيكسن موبيل بتوقيع عقود مباشرة مع الإقليم للتنقيب عن النفط و استثماره , وتحدت بغداد و ادارة اوباما علناً و التي رغم مساندتها المستقرة لكوردستان العراق , إلا أنها قاومت تلك الاتفاقات لاعتقادها بأن من شأن الخلافات ذات العلاقة بالنفط في إطار العراق أن تكون مصدر تهديد لاستقرار البلاد و انضمت الشركات النفطية الأمريكية العملاقة تلك الى الشركات الخمس الأمريكية الأصغر و هي هيس و H.K.Nو هانت و ماراثون و مورفي و أكثر من (40) شركة أخرى من كندية و صينية و نرويجية و روسية و عربية و أسيوية التي انهالت على الإقليم للعمل في الثروة الكوردية الغنية و التي تقدر من قبل خبراء الصناعات النفطية ب (45) مليار برميل من النفط و ( 99- 200 ) ترليون قدم 3 من الغاز الطبيعي . و رغم هذه الفرصة السانحة , إلا أن إقليم كوردستان لايزال بحاجة الى بوابة لتصدير نفطه و غازه الى الأسواق العالمية و كان بإمكان أربيل تصدير النفط عن طريق الأنابيب الموجودة أي الخط الرئيسي لشمال العراق لتصدير النفط الخام و الذي يربط مدينة كركوك العراقية بميناء جيهان التركي على البحر الأبيض المتوسط .. إلا أن بغداد تسيطر على القسم العراقي من هذا الخط و بإمكانه وفق ذلك السيطرة على ايرادات النفط أيضاً و بدلاً عن ذلك فقد قرر إقليم كوردستان إنشاء خط جديد من حقل طق طق النفطي في قلب الإقليم الى الحدود التركية و ليرتبط من هناك بميناء جيهان و كان ذلك تحدياً مباشراً لادعاء بغداد بكونها الجهة الوحيدة المسيطرة على نفط العراق , وقريباً ستحصل كوردستان العراق على الإيرادات اللازمة نتيجة تصدير نفطها والذي يعوضها عن الأيرادات التي تصلها من بغداد .
• ثروة الكورد
و كيفما كان الأمر فإن إقليم كوردستان (K.R.G) لم يكن ليتمكن من تنفيذ ذلك بمفرده بل كان بحاجة الى تعاون و مساعدة جاره الشمالي , أي تركيا , و بعد شيء من التردد فإنها قد وافقت على السماح بربط الأنبوب النفطي الكوردي الجديد بخط ميناء جيهان إلا أن الأهم من ذلك هو أن أنقرة قد وافقت أيضاً على ايداع ايرادات النفط الكوردي في حساب مصرفي كوردي في تركيا و ليس في الحساب الوطني العراقي في نيويورك الذي يحتفظ بالإيرادات النفطية العراقية الأخرى .. لقد كانت موافقة الحكومة التركية على طلب إقليم كوردستان للاستقلال المالي هذا أمرا عجيباً و مذهلاً لأن تركيا كانت و لفترة طويلة ,تعارض الإدارة الذاتية لكوردستان العراق , لاعتقادها بأن ذلك سيكون سابقة خطيرة بمراعاة أن في تركيا أعداداً كبيرة من السكان الكورد الذين تربطهم خلافات مستمرة و غير محسومة و احياناً التطرف مع أنقرة التي حاولت أن تكون لها علاقات جيدة مع أربيل و بغداد إلا أن تركيا بحاجة ماسة لتأمين نفط و غاز جديدين و بأسعار أرخص تساعد على تنمية اقتصادها المتسارع و ليس بمقدور تركيا , كما قال وزير الطاقة في لقائه الصحفي في شهر كانون الأول الماضي مع وكالة الأنباء الكوردية العراقية : (أن تقف مكتوفة الأيدي ) و باشر الإقليم نهاية العام الماضي بتصدير النفط إلى ميناء جيهان و في خطة تهدف إلى بلوغ نسبة التصدير مليون برميل من النفط يومياً بحلول عام 2015 .. ومقارنة مع الأقسام الأخرى من العراق, فإن إقليم كوردستان الذي يشهد أوضاعاً أمنية مستقرة, قد هيأ أجواء ملائمة رجال و شركات الأعمال التركية و في عام 2012 تركزت ما نسبته 70% من عموم النشاط التجاري و الاستثماري بين الجانبين في إقليم كوردستان رغم أن سكانه يشكلون سدس سكان العراق . و ليس عجيباً أن ينجم تصدير الإقليم لنفطه الى تركيا عن معارضة قوية من العراق ,إلا أن كوردستان العراق تصر على مراعاتها حقيقة أن النفط , ووفق الدستور الدائم هو ملك كل العراقيين و أن الإقليم يتعهد بإعادة 83% من ايراداته الى بغداد وفق الصيغة المتبعة حالياً في تقاسم الايرادات كجانب مهم في المباحثات الثنائية بشأن الموازنة العامة إلا أن السلطة الكوردية قد أعلنت في ذات الوقت و بكل وضوح بأنها ستستقطع ما مجموعه (50) مليار دولار من حصة بغداد تقول أنها ديون مستحقة عليها , كما أن أربيل قد هددت بأنها ستدخر قسماً آخر من تلك الايرادات تعويضاً عن الأضرار التي تسبب فيها صدام للإقليم قبل عام 1991 و التي تقدر ب (380)مليار دولار و الأكثر أن التهديد الأخير هذا يبقى ضمن الحديث و التحاور , و الأرجح أن بغداد لن تحصل على حصتها البالغة 83% منها قريباً و قد يؤدي أي توجه من بغداد بقطع جميع ايرادات النفط من الإقليم إلى ارتفاع صادرات الأخير إلى (450)ألف برميل يومياً و هذا ما يتحقق على الأكثر نهاية العام الحالي و عندها ستبلغ ايرادات إقليم كوردستان النفطية حداً تعوضه عن الايرادات التي كانت تصله من بغداد و التي بلغت في العام الماضي (12) مليار دولار كما أن عدم موافقة بغداد هذه لم تثبط من عزم كوردستان العراق و تركيا بل و استمرا في عقد الاتفاقات و تعميق تحالف الطاقة فيما بينهما .
• الاتفاق بين إقليم كوردستان و تركيا
في شهر تشرين الثاني الماضي أعلن السيدان نيجرفان بارزاني رئيس حكومة إقليم كوردستان و رجب طيب أردوغان رئيس وزراء تركيا اتفاقاً جديداً لإنشاء خط جديد لتصدير النفط الخام من الإقليم إلى ميناء جيهان و آخر لنقل الغاز الطبيعي لتامين الطاقة لمحطات الكهرباء في تركيا . و تفيد تقارير غير رسمية أن تركيا تقوم بداية بشراء ما مجموعه (353)مليار قدم3 من غاز الإقليم لتنتهي عند شراء ضعف هذه الكمية لاحقاً . و يعتبر التعاون بين تركيا و إقليم كوردستان تحدياً مباشراً لآمال بغداد في حماية العراق في إطار سلطة مركزية . إن اتفاق الإقليم مع تركيا لمد أنابيب النفط و الغاز تلك هو انعكاس لوجهة نظر عراق متباينة في وجود إقليم حكم ذاتي قوي و لكن بحدود قابلة للاختراق و اليقين أن إقليم كوردستان, لا يتبع مصالحه الاقتصادية انطلاقاً من فراغ .
• الكورد لا يتابعون , دون أسس راسخة , مصالحهم الاقتصادية
- لقد ثبت بوضوح عجز بغداد عن استخدام ايرادات النفط لإعادة إعمار العراق , كما أن هناك نقصاً شديداً في تأمين الكهرباء ما تسبب لشعبه معاناة كبرى , كل تلك المسائل كانت عاملاً مساعداً لكي تتخذ أربيل طريقها , والأكثر أن تفوق أي من و جهتي النظر تلكما إنما يؤدي إلى نتائج و مدلولات عميقة على مستقبل العراق و المنطقة , وكما أن محاولات رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي للاستمرار في سلطته المركزية على المحافظات العراقية قد أثارت و أججت نيران العنف الاثني و الطائفي ما ولد شعوراً و تساؤلاً حول إمكانية بقاء العراق موحداً , وقد تكون لأية محاولات تجريها بغداد لمنع التعاون بين الإقليم و تركيا نتائج عكسية ما يدفع بإقليم كوردستان للجوء الى اعلان الاستقلال .. و في النتيجة هي مساع لا يرغب بها أي من الجانبين فبغداد غير راغبة في فقد و خسارة نفط الإقليم , فيما إقليم كوردستان لايزال غير راغب في مواجهة تحديات الاستقلال و مع كل التحديات هذا الأمر فإن الوضع لم تبلغ بعد مبالغ أن تمتنع بغداد عن زيادة ضريبتها على الإقليم و ذلك بقطع حصته من الموازنة العامة المحددة له و التهديد برفع دعاوي قانونية على إقليم كوردستان و تركيا و أية شركة تقوم بدون إذن رسمي منها بتصدير نفط الإقليم , حتى أن وزير النفط العراقي عبد الكريم لعيبي قد أبلغ الصحفيين في شهر كانون الثاني أن تركيا بتسهيلها مسألة تصدير نفط إقليم كوردستان إنما تتدخل لتقسيم العراق .. وهناك حتى الآن حسب وزير الطاقة التركي يلدز, أكثر من مليون برميل من النفط المخزون (نفط الإقليم ) في ميناء جهان لحين حسم الخلافات بشأنها , ويبدو أن الوقت هو الآن لصالح إقليم كوردستان, وكيفما سارت الأمور فإن النفط و الغاز سيجدان مستقبلاً طريقهما الى الاسواق, ثم أن الشركات الأجنبية تقوم منذ عدة سنوات باستخراج نفط الإقليم و ربما تصديره دون استحصال موافقة العراق , و إذا ما قبلت بغداد في النهاية بقيام الإقليم بإدارة شؤونه الاقتصادية بصورة متصاعدة و متزايدة و استمر في التعاون الاقتصادي مع تركيا، فإن ذلك سيكون بمثابة ( أضعاف غير عنيف ) و لكن مهم للنظام القديم و البالي الذي أوجدته اتفاقية سايكس بيكو , ورغم أن حكومة العراق لا تزال تسيطر على قسم كبير من نفط البلاد فإن الأحسن لها أن تعترف بحقيقة أن دولة اعتمدت المركزية و تحظى بحدود قوية و آمنة لن تكون انعكاساً لواقعها الاقتصادي و السياسي فالواقع عند ذاك أن إقليم كوردستان بسحبه للاستثمار الأجنبي المتزايد و تصديره النفط و الغاز سيبتعد أكثر و أكثر عن العراق بمرور الزمن . و لدى العراق بطبيعة الحال مبررات جيدة للتخوف إزاء تلك النتائج و الذي لا يقتصر على امكانية خسارة نفط الإقليم فحسب , بل يمكن لوجود كوردستان منتعشة و متطورة و ذات إدارة ذاتية ترتبط بعلاقة وثيقة مع دولة أجنبية قد يكون نموذجاً للمحافظات العراقية الأخرى , التي هي الأخرى غير راضية عن حكم سلطة مركزية فاسدة و متسلطة بل و ترغب تلك المحافظات أن تسيطر بنفسها على مصادرها من النفط و الغاز و لنأخذ محافظة نينوى نموذجاً لذلك و المؤلفة غالبيتها من العرب السنة و تقع غرب مدينة أربيل , و قد عارض قادة نينوى في البداية , وعلى غرار أكثرية السنّة , الإدارة الكوردية الذاتية و اعتبروها الخطوة الأولى لتقسيم البلاد ,إلا أن احتمالات استكشاف النفط في محافظاتهم و تقديم نموذج مشابه لإقليم كوردستان فيها , قد أوجدت حالة دائمة من تغيير وجهات نظرهم . و قد صارع محافظ نينوى أثيل النجيفي مع الحكومة المركزية و لسنوات عدة , لاستحصال الأموال المخصصة لمحافظته و التي عطلتها مدارج السير البيروقراطي في بغداد , وهو بالتالي يرحب بمصدر مستقل للإيرادات , و عندما وقعت شركة ايكس موبيل النفطية في شهر تشرين الأول من عام 2011 عقداً مع إقليم كوردستان للتنقيب عن النفط في ستة من حقول الإقليم يقع اثنان منها ضمن الحدود المتنازع عليها في محافظة نينوى ؛ فإن النجيفي قد دان ذلك العقد بصورة مباشرة ,إلا أنه قام في حزيران من عام 2012 بتغيير إيقاع حديثه و أعلن ضرورة أن تتفاوض نينوى بصورة مباشرة مع شركة أيكسن موبيل و إقليم كوردستان لاستخدام النفط مع تلك المناطق و الانتفاع به بصورة مشتركة و أن على محافظته أن تحذو حذو جيرانه الكورد و أن تتحول الى اقليم فدرالي شبه مستقل و رغم أن مجلس المحافظة قد صوت بداية العام الحالي لصالح هذا المقترح إلا أن بغداد قد أوقفت العملية ,كما أن هناك العديد من المحافظات الشيعية و السنية التي تفكر في اتخاذ خطوات مماثلة فمحافظة البصرة ذات الأغلبية الشيعية هي مركز انتاج نفط العراق و تضم 60% من احتياطي نفط البلاد و الذي يقدر ب (141) مليار برميل و حاولت منذ عام 2008 الابتعاد عن بغداد وهو موضوع كثيراً ما صوت مجلس المحافظة لصالحه ..كما أن محافظات الأنبار و ديالى و صلاح الدين السنية قد صوتت أواخر عام 2011 و بداية عام 2012 , لصالح إعلان الإدارة الذاتية إزاء بغداد . إلا أن المالكي قد رفض تلك القرارات و الواقع أن زهاء نصف المحافظات العراقية تسير الآن إما بإدارة شبه مستقلة مثل إقليم كوردستان أو أنها تخطط لذلك بالاعتماد على الدستور العراقي .
• المكافأة
إن ظهور المناطق ما فوق القوميات للتعاون الاقتصادي كبديل لتفكك الدولة لا يقتصر على إقليم كوردستان و تركيا فحسب , كجزء من سياسة (صفر خلاف مع الجيران ) لأردوغان , و الذي يشهد بعض التقدم خلال الأعوام الأخيرة ( توافقاً مع المواقف السياسية لرئيس الوزراء ) فإن الوسائل الدبلوماسية التركية المفضلة كانت عبارة عن التجارة أو السوق الحرة , وقامت تركيا قبل الانتفاضات السورية في عام 2011 بفتح حدودها مع الدول المجاورة لجنوبها و تبدأ في سوريا التي يتسلط عليها العلويون و تقع على شواطئ البحر الأبيض المتوسط نحو المناطق الكوردية في شمال الشرق فقد غدت البلدات الحدودية التركية مركز تسوق للسوريين الذين كانوا يقصدونها بسياراتهم الخاصة و مركز عبور للشاحنات التركية التي كانت تنقل البضائع نحو الخليج , ورفعت شروط استحصال تأشيرات الدخول عن الأردنيين و اللبنانيين و المغاربة و التونسيين , و عقدت التشكيلتان الحكوميتان السورية و التركية عدة اجتماعات مشتركة حتى أنقرة قد أخذت استعداداتها لعقد اتفاق على تأسيس منطقة سوق حرة مع الأردن و سوريا و لبنان , و هي سياسة سماها المنتقدون ( السياسة العثمانية الجديدة) و اعتبروها مسعى تركياً مقنعاً لاستعادة تسلطها القديم على الشرق الأوسط , و كان هناك في الواقع نوع من التكبر الامبراطوري في الخطة التركية , كما أن المصالح الأنانية و تطلعات الحصول على الطاقة الزهيدة هي الدافع لسياسة تركيا إزاء إقليم كوردستان , ومع ذلك فهي رد مناسب للقوى الأثنية و الطائفية المتطرفة التي تهدد بتعكير استقرار الدول العربية , حيث لا تزال آثار التقاسم باقية بعد قرن من اتباع أو تنظيم الحدود و الهوية القومية فيها , حتى أن المناطق التي تعمل فيها مجموعة أثنية أو طائفية , رغم سيادة العداوات القائمة فيها بإمكانها تتبع آثار كوردستان العراق في حل معضلاتها , وهي عبارة عن مساع لتحقيق الإدارة الذاتية و التعاون في إطار منطقة اقتصادية أوسع هذا في حين أنها تبقى في إطار الحدود القومية السابقة و بإمكان سوريا التي اتعبتها الحرب إتباع هذا النموذج إذا ما توقفت الحرب و فكر السوريون في كيفية التعايش مرة أخرى . مع كون احتمال إعادة الدولة البعثية القديمة التي كانت تتصف بمركزية قوية هو احتمال ضعيف و ذلك بمراعاة أن ( المتمردين ) قد شكلوا عدة مناطق سيطروا عليها في تلك البلاد إلا أن معطيات تقسيم سوريا الى عدة دويلات ملحقة غير قابلة للاستمرار , هي موضع قلق و عدم استقرار و أن أكثر ما يبشر بالخير هو اتباع طريق حل فدرالي يتم فيه اتباع الأحكام الجيدة للدستور العراقي أساساً له و يتمتع فيه الكورد في الشمال و السنة في الشرق و العلويون على طول الساحل بنوع من الادارة الذاتية (الحكم الذاتي ) ينشغل فيه الجميع بتعاون اقتصادي مناطقي بنّاء.
و قد يكون هذا الحل على أساس التعاون الاقتصادي معالجة لحسم الخلافات الأخرى شرق البحر الأبيض المتوسط و شمال إفريقيا ..و بعد عشرات السنين من المساعي الفاشلة لحل الخلافات بين اليونان و تركيا على جزيرة قبرص المقسمة , فقد ظهرت بعد عام 2011 بوادر اكتشاف حقل كبير للغاز في مياه جنوب قبرص , ويتم اتباع أرخص طرق تصدير الغاز عن طريق أنابيب و خطوط نقل الغاز من قبرص اليونانية في الجنوب نحو القسم الشمالي من الجزيرة و الذي يدار من قبل تركيا و من هناك الى تركيا و يتم ربطه بالانبوب الدولي الذي تمت الموافقة عليه مؤخرا و يمر عبر البحر الادرياتيكي قادماً من اليونان و ألبانيا نحو إيطاليا , و مع كون القبارصة اليونانيين و مسؤولي تركيا قد تفاوضوا حتى الآن فقط حول احتمال مد أنبوب عبر قبرص ؛ فإن تركيا و اليونان تعملان معاً في إنشاء تمديدات الأنابيب , في البحر الأدرياتيكي هذا مع وجود خلافات طويلة بينهما حول قبرص و عدة مسائل أخرى ,كما أن العلاقات بين السودان و جنوب السودان كانت تعتريها خلافات حادة بعد استقلال الأخيرة في عام 2011 و بعد (20)عاماً في الحرب الداخلية , إلا أن على الدولتين الجارتين أن تتعاونا عاجلاً أم آجلاً في مسألة الاحتياطي الكبير لنفطهما , و تأتي نسبة ثلاثة أرباع النفط المشترك من جنوب السودان و هي دولة مغلقة و ليست لها بوابة بحرية و تعتمد على أنابيب السودان لتصدير النفط عن طريق موانئها , و لأن جنوب السودان لم تكن مستعدة لدفع أجور عبور النفط الباهظة عبر السودان ؛ فقد أوقفت إنتاج النفط اعتباراً من كانون الثاني من عام 2012 , ما ألحق أضرارا اقتصادية كبيرة و فادحة بالجانبين , إلا أنهما قد أعلنتا في أيلول الماضي عن اتفاق جديد لاستئناف تصدير نفط جنوب السودان و فتح الحدود المشتركة أمام تنقل الناس و الحركة التجارية ..هنا من المحال أن نتوقع النتائج طويلة الأمد للقوى التي تهدد النظام الاقليمي في الشرق الأوسط , ويحتمل فيها أن يتم تقسيم بلد دمرته الحروب و الاقتتال مثل سوريا مع عدم وجود أية ضمانات لنجاح الدول التي تتبع طريق التعاون الاقتصادي فقد تصبح السياسات التجارية و مساعي تحقيق التعاون الاقتصادي ضحية للقوى الناسيوناليسيتية التي كانت تقف لعشرات السنين وراء السياسة العربية و سيرها , إلا أن من شأن طموحات المجاميع الاقتصادية عبر الحدود أن تضع حداً لاحتمالات تحقق عدة دول مركزية و متسلطة و تفكك العنف المتبع من قبل الدول الى مناطق اثنية و طائفية أصغر , و على الولايات المتحدة الأمريكية أن تعترف من جانبها بهذا الاحتمال الجديد فواشنطن خائفة من أن يؤدي حل و فوضى الحدود القائمة حالياً الى مزيد من الخلافات و الاضطرابات .. و رغم وجود أسباب جيدة تضمن تخوفنا من الكابوس السوري , إلا أنه يحتمل أن يصبح منع تغيير الحدود مجرد دافع لمزيد من التفكك , و هو النتيجة التي تحاول الولايات المتحدة تجنبها إلا أن النفط الذي يمر الآن عبر حدود إقليم كوردستان و سوريا قد يطرح بديلاً آخر وهو إنشاء مناطق اقتصادية جديدة تؤسس عند الحدود و تتجاوز الخصومات و العداوات القديمة ..
ترجمة : دارا صديق نورجان .