الحكم في الدولة الفدرالية هو من شأن رجال الدولة وليس مخربيها
" يقول البروفيسور كنعان مكية في أحد لقاءاته مع مجلة كولان في 5/1/2014
(من المفروض أن تكون الفدرالية في الأساس حلاً للتعايش بين التعددية الأثنية و الدينية الموجودة في العراق , والأساس هو ايقاف أعمال العنف وعدم ممارستها في حسم الخلافات هذا فضلاً عن عدم تطبيق جوانب عديدة من الدستور العراقي , ما يعني أنه بدون تصحيح هذه التجاوزات سيكون من المستحيل ممارسة الديمقراطية و الفدرالية في هذا البلد ,فقد أصبح العراق في الوقت الراهن جمهورية التعقيدات والفوضى , وليس جمهورية الخوف فحسب , وأتصور أنّ العراق يتوجه الآن نحو أيام ظلماء و صعبة على خلاف إقليم كوردستان و اليقين أن مستقبل العراق رهين بحسم هذه الخلافات والمواجهات الكبيرة والصعبة .."
أثار فرانسيس فوكوياما في محاضرة نظمتها له جامعة بيركلي في عام 2011 بمناسبة صدور كتابه الأخير المعنون (أسس المؤسسات السياسية)سؤالاً كان : أيهما أكثر دخلاً الصومال أم الدانمارك ؟ و لماذا يموت الصومالي جوعاً و يحظى الشعب الدانماركي بأعلى مستويات المعيشة ؟ و أشار فوكوياما رداً على هذا التساؤل إلى أنّ عقلية رجل ال دولة هي التي تدير الحكم في الدانمارك , وكيف ضمنت لهذا البلاد الأصغر من الصومال دخلاً أن تدخل مصاف دول العالم الأول ؟ و ينوه في محاضرته إلى اللقاح الذي يوقف انتشار مرض الإيدز , ويعالجه و يسأل ثانية : لماذا يكون استخدام هذا المضاد في مستشفى أمريكي ,سبباً لمعالجة المرض ,فيما يتسبب ذات اللقاح في بلد غني بالنفط مثل نيجيريا في انتشار الإيدز بصورة أكبر ؟ , ويعيد فوكوياما السبب الكامن وراء هذه الاختلاف إلى كيفية إدارة المؤسسات , أو التعامل مع المؤسسات الصحية مع استخدام ذلك اللقاح لمعالجة المرض , ويفيد : لأنّ نيجيريا , أسوة بالصومال إنما تحكمها عقلية دولة تحولت إلى عقلية مدمرة للدولة و التسلط و التفرد , وقاموا بذلك, ليس فقط في بناء مستقبل مظلم لبلادهم فحسب ,بل إن الدواء الذي يستخدم لمعالجة المرض قد أصبح سماً زعافاً لانتشار المرض و القتل الجماعي والتدهور . ولو قمنا بقراءة الوضع الراهن في العراق من وجهتي نظر فوكوياما تلك و التي يتوقع كنعان مكية في كتابه (جمهورية الخوف) أنـه يتوجه نحو طريق مظلم و صعب لاضطررنا للتساؤل : إنّ عراقاً يمتلك أضعافاً مضاعفة من المصادر الطبيعية للنفط والغاز و الفوسفات عما تمتلكه سنغافورة و كوريا الجنوبية و الدانمارك و طبيعته الخلابة التي بإمكانها توفير الأغذية الطازجة المحلية لشعبه على مدار السنة , فضلاً عن المصدر البشري , الذي قال عنه طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية العراقية لمجلة كولان في عام 1970 ,أن المهندسين العراقيين هم الذين وضعوا الحجر الأساس للتطور الكبير الذي تشهده الإمارات العربية في الوقت الراهن , إن مثل هذا العراق يتطلب تعريفاً بما حققه السيد نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي الحالي من موقع لبلده على مدى (8) أعوام من الحكم!!
* قناة CNN تتساءل : هل أنّ العراق قد تفكك بصورة كاملة ؟
* مجلة فورين آفيرز :البلد الذي خلفناه وراءنا أقد أصبح دولة فاشلة .
منظمة الثقافة الدولية : تصنيف العراق ضمن الـ(10) دول الأكثر فساداً في العالم .
يهرب مراقبو حقوق الإنسان و يفرون من بغداد خوفاً من أن تحيلهم وزارة حقوق الإنسان إلى المحاكم !! أي أنهم هم أيضاً لا يجرؤن على الحديث عن حقوق الإنسان و مراقبتها
* و يشار في مواقع السينك تاكس العالمية الكبرى أنّ حكم المالكي و تحت ستار " الحرب ضد الإرهاب " يكاد يقمع مكوناً عراقياً رئيساً , وهم العرب السنة , باسم الإرهاب و في احدث الخطوات إزاء الكورد و إقليم كوردستان حقق المالكي تغيير و تحويل قانون الموازنة العراقية الى قانون للعقوبات وفضلاً عن كون بعض فقرات القانون المذكور بمثابة عقوبة جماعية لشعب كوردستان ,فقد قام المالكي الآن بإيقاف رواتب موظفي إقليم كوردستان و موازنة الأقليم مقابل ذلك هناك حكم آخر , وهو حكم إقليم كوردستان , ورغم كونه لم يكن يمتلك خلال الأعوام 1992-2003 ,أيّة مصادر للدخل , غير ايرادات النقاط الجمركية , وخصصت له بعد عام 2004 نسبة 17% من الموازنة العامة للدولة العراقية , إلا أنّ تحويل المالكي للعراق خلال السنوات الثماني الأخيرة إلى بلد حرب و تعقيدات و فوضى , هدر الجانب الأكبر من الموازنة للجيش و قوات الأمن باسم المصاريف السيادية ، فإن حصة الإقليم لم تتجاوز 10%و لكن دعنا بالمقابل أن نعلم أي موقع قد حققه حكم الإقليم عالمياً :
بعد سقوط النظام السابق في عام 2003 بدأت حملة التنمية في الإقليم و أطلقت عليه الشركات و المستثمرون العالمون تسمية (العراق الآخر) أي ما معناه أنّ إقليم كوردستان هو ليس جزءاً من عراق الحروب و التعقيدات و الفوضى .
* يقول البرلمان الأوربي , على لسان رئيس وفده للعلاقة مع العراق :أوربا جميعها مدينة للحكم الرشيد للسيد مسعود بارزاني .
* يقول معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى, أنّ إقليم كوردستان قد أصبح , بعد 25 عاماً من عمليات الأنفال و القصف الكيماوي , نموذجاً ناجحاً لبناء الديمقراطية و البناء القومي في القرن الحادي والعشرين , وأن الإقليم ليس منطقة آمنة بذاتها فحسب ,بل أصبح منطلقاً للسلام والاستقرار الإقليمي و أدى رئيسه مسعود بارزاني أكبر دور في عملية السلام بين الكورد و تركيا .
* يقول معهد بروكينكز على لسان رئيس مركز سابات كينس بولاك: إقليم كوردستان و رئيسه مسعود بارزاني قد أصبحا بالنسبة للشرق الأوسط بمثابة باريس بالنسبة لفرنسا حيث تلتقي كل الطرق عند البارزاني .
* و تقول الصحف الفرنسية : إن إقليم كوردستان هو شبل فهد في جبال الشرق الوسط .
* تم في استفتاء أجرته صحيفة بريطانية , اعتبار السيد مسعود بارزاني رئيس الإقليم كأنجح رئيس في عام 2013 وفق تصويت المستفتين .هذه المقارنة إنما تثير تساؤلاً : لماذا لا تشكر الحكومة العراقية الفدرالية رب العالمين في أنّ قسماً من البلاد يدير نفسه بمنتهى التنظيم و يعتكف على معالجة مشكلاته ؟ و لماذا تريد لإقليم كوردستان أن تسوده المشكلات أسوة بباقي مناطق العراق و أن يصبح العراق كله بلداً تعمه المشكلات و التعقيدات و الفوضى و تصبح جمهورية للخوف ؟ و إن لم يكن كذلك فلماذا تقوم حكومة المالكي باستمرار إثارة المشكلات لهذا الإقليم الآمن و المستقر سيما و أن أسلوب حكم الإقليم يعم بمنافعه على أهل العراق جميعاً وليس لشعب الإقليم وحده و نقول على سبيل المثال :
1- كان إقليم كوردستان , قبل الاستثمار في قطاع النفط والغاز , مستعداً للمشاركة في المصاريف السيادية التي تصرف بكاملها للمناطق الأخرى من العراق .و لم يتسلم الإقليم ولا مجرد دولارٍ واحد فوق حصته المقررة لحماية نفسه و شعبه , أي أنه قد استغنى عن نسبة 40-45% من حصته من الموازنة من أجل استرداد الأمن والاستقرار للعراق و ابعاد الحرب الأهلية و المحلية المذهبية .
2 لقد دفع الاستقرار و التقدم الذي يعيشه إقليم كوردستان أكثرية المنظمات الدولية لنقل مكاتبها من الأردن إلى أربيل أي إلى العراق , وما يظهر للعالم وجهاً ناصعاً للعراق .
3 - أصبح إقليم كوردستان ملاذاً آمناً للمواطنين المسيحيين و العرب و التركمان الذين لا يستطيعون العيش في المناطق الأخرى من العراق و يواصلون حياتهم الآن في الإقليم كمواطنين عراقيين و ليس كلاجئين , ويتم التعامل معهم وفق ذلك بموجب القوانين المرعية في الإقليم
4- فضلاً عن كل ذلك , فقد سعت حكومة إقليم كوردستان , وعن طريق الاستثمار في قطاع النفط والغاز , ليس تأمين موازنته الذاتية فحسب , بل ينص برنامجها أن تحيل ما يزيد عن حصتها إلى الحكومة العراقية ما يعني أنّ حكومة الإقليم قد سعت إلى زيادة الموازنة السنوية للقسم العربي من العراق بمبلغ 10 – 15 مليار دولار . وذلك لآنه إن كان الإقليم يتمكن حالياً, وعن طريق تصدير وبيع نفطه من لتأمين موازنته فقط , فإن حكومة المالكي سوف تتمكن , بالاستفادة مما يعيده الإقليم خلال سنة واحدة , من تأمين البنى التحتية للخدمات الأساسية من كهرباء و ماء للسنوات الـ25 القادمة . وهي خدمات لم تؤمن لها بنى تحتية حتى الآن في أية مدينة عربية عراقية من البصرة إلى الموصل , ولنتساءل ثانية :إذاً ما كانت منافع الإقليم النابعة عن امكانية تصدير (400) الف برميل من النفط يومياً , والتي تعود على العراق , فكم سيبلغ نفع الإقليم للعراق إذا ما وصل تصدير النفط منه مليون برميل يومياً و بلغ الغاز الطبيعي منه مبلغ التصدير؟
و تقول ستزداد ايرادات العراق آنذاك بمقدار(20 – 25 مليار دولار سنوياً ) وبه يمكن خدمة جميع أنحاء العراق بصورة ممتازة إذا ما كان هناك في العراق رجال دولة أذكياء و مؤهلون , إلا أن عقلية رئيس الوزراء العراقي هي عقلية تدمير و تخريب للدولة الديمقراطية و الفدرالية ؛ و بذلك فإنه يتطلع الى التسلط والتفرد و المركزية . ووجه الدولة العراقية وجهة يكاد يتجدد فيها تاريخ يوغسلافيا , و أن يعرف إقليم كوردستان نفسه للعالم عند ذاك كدولة .
ترجمة : دارا صديق نورجان