مجلة فورن افيرز:العراق دولة فاشلة في منظور العالم
مع بداية العام الجديد بدأت مجلة فورن افيرز وهي مجلة يصدرها معهد العلاقات الخارجية الأمريكية أول نشاطاتها بعقد طاولة مستديرة للحديث عن الأوضاع الراهنة في العراق و مخاطرها ،ووجهت المجلة الدعوة الى كل من البروفيسور ماكس بوت كبير باحثي معهد العلاقات الخارجية و المتخصص في دراسات الأمن الوطني و نيد باركر المدير السابق لمكتب صحيفة لوس انجلوس تايمز في بغداد لحضور الطاولة،و قد ادار الطاولة كولدن مدير المجلة المذكورة عضو معهد العلاقات الخارجية و المساعد السابق لمدير شؤون الشرق الأوسط و جنوب آسيا في مجلس الأمن الأمريكي،وكان عنوان الطاولة(الدعوة الأعلامية لفورن أفيرز حول العراق مع ماكس بوت و نيد باركر).
اهمية هذه الطاولة المستديرة لن تتعلق فقط بأثارة وطرح مناقشات وحوار بشأن مسألة مهمة من قبل مجلة سياسية دولية معروفة على الصعيد العالمي،بل مهممتها تكمن في طرحها للحقائق أمام الكونغرس الأمريكي و محاولة لأشعار الأدارة الأمريكية بأن الأوضاع في العراق أخذت تخرج عن نطاق السيطرة ،ومن الجدير بالذكر أنّه في غضون سبعة أشهر فقط بدأت قناتان اعلاميتان معروفتان على مستوى العالم بتوجيه أسئلة مهمة الى العالم بصورة عام و الى الرأي العام الأمريكي على وجه الخصوص،وهي:
1- في 21 ايار 2013 أثار كريستيان امانبور رئيس المراسلين الدوليين و الصحفي في قناة CNNسؤالاً وهو(هل تفكك العراق؟ unraveling Iraq Is)وبعد اقل من 48 ساعة من نشر السؤال أجاب مايكل نايت مدير برامج العراق في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى على سؤال آمانبور و نشر مقالاً بعنوان: (نعم لقد تفكك العراق).
2- في 8/1/2014 نظمت مجلة فورين أفيرز طاولة مستديرة الى شخصين، الأول هو نيد باركر و الذي نشر في عدد آذار و نيسان 2012 دراسة في المجلة ذاتها بعنوان: (العراق الذي تركناه.. العالم يستقبل دولة فاشلة أخرى)،و الثاني هو الصحفي الذي كان مراقباً للأوضاع العراقية و نشرت مئات المقالات و عشرات الأبحاث و هو مؤلف كتاب(الأسلحة المجهولة)كخطر على الأمن الوطني الأمريكي.
في عام 2003 نشرت مجلة فورين أفيرز مقالاً لستيفن بيدل كبير الباحثين الستراتيجيين في معهد العلاقات الخارجية بعنوان( عندما نرى بغداد ..نتذكر سايكون)،المقال كان اشعاراً لأدارة جورج دبليو بوش بأن الولايات المتحدة سوف تواجه فشلاً آخر شبيهاً بفيتنام.وقد احدث المقال صدى كبيراً داخل مراكز البحوث و الأدارة الأمريكية،وبعد نشره نظمت المجلة ذاتها ندوة لخمسة مختصين و مستشارين في شؤون العراق،وهم كل من(جامس دوبينز رئيس معهد رند،لاري دايموند مستشار بريمر في العراق،ليسلي كليب الرئيس الفخري لمعهد العلاقات الخارجية ،جيم كوفمان المتخصص في المسائل العرقية و المذهبية في جامعة بنسلفانيا،وستيفن بيدل كاتب المقال).ولم يكن الهدف من الندوة التقليل من مخاطر المقال، بل كان الهدف منه الأخطاء التي نتجت عن السياسة الأدارية لجوردج دبليو بوش في العراق،ولهذا فقد كانت الندوة تحمل عنوان(اين هي اخطاءنا؟).
الندوة قدمت توجيهات الى الحكومة الأمريكية حول تشكيل لجنة من حزبي الجمهوريين و الديمقراطيين لتصحيح تلك الأخطاء،ولهذا قرر جورج دبليو بوش فوراً تشكيل اللجنة ، و أشرف عليها من الحزب الجمهوريين جيميس بيكر و من الديمقراطيين لي هاملتون،وقررت اللجنة تشكيل مجموعة لدراسة الأوضاع في العراق (Iraq Study Group)،و قد لجأت من اجل تصحيح الأخطاء الى كل من الرئيس و وزير الخارجية و مستشاري الأمن الوطني الأمريكي الذين كانوا على قيد الحياة،الى جانب أخذ آراء القادة العراقيين و الخبراء و الأكاديميين عن العراق،و قد نتج أخيراً عن تلك الجهود تقرير الذي عُرف فيما بعد بتقرير( بيكر- هاملتون).ومع أنّ التقرير قدّم الكثير من التوصيات الى الحكومة الأمريكية ، الاّ أنّه في النتيجة كان الطريق الصائب هو قرار بوش السريع بأرسال المزيد من القوات الى العراق،وبهذا تمكن من ابعاد العراق من تكرار فيتنام آخر.
اذاً هذه الخلفية لمجلة فورن أفيرز توضح لنا أنّ دراسة نيد باركر تشير الى أنّ العالم يستقبل العراق كدولة فاشلة،وكذلك سؤال كريستيان آمانبور :هل أن العراق أصبح مفككاً أم لا؟ لايقل أهمية عن دراسة ستيفن بيدل التي اجبرت امريكا على تنفيذ عملية (Surge) أي الزيادة السريعة للقوات الى العراق.
ستوران ستيفن رئيس وفد البرلمان الأوروبي للأتصال مع العراق و الذي أجرينا معه لقاء خاصاً في هذا العدد من (كولان)يشير الى استقبال ادارة اوباما رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في زيارته الأخيرة الى أمريكا،ويذكر أنه لاحظ بأن الأدارة الأمريكية و شخص باراك اوباما لم يعيرا أهمية كبيرة لهذه الزيارة و استقبالهما للمالكي،وهذا يعني أنّ ادارة أوباما غير سعيد باوضاع العراق الراهنة في ظل حكم المالكي الفردي و حزبه الدعوة،ولكنه لايستطيع التأثير اكثر من ذلك على سياسة العراق،وهذا لا يقتصر على العراق فحسب،بل نجد أن50% من الشعب السوري قد تشرد و الولايات المتحدة الأمريكية تنظر الى المشهد كأي دولة أخرى،لقد اعترف ريجارد هاس رئيس معهد العلاقات الخارجية الأسبوع الماضي في دافوس بكل صراحة اعترف بحقيقة وهي أنّ امريكا تسعى الى التأثير على سوريا ، و لكن جهودها لن تتمخض عن شىء،و سبب ذلك يعود الى أنّ السياسة الدبلوماسية التي كانت تُتّبع في القرن العشرين لن تؤخذ بنظر الأعتبار في القرن الحادي و العشرين،و يؤكد جوزيف ناي حول تأثير السياسة و الدبلوماسية في القرن الحادي و العشرين بأن ليس للقوة الناعمة فقط أي تأثير،ومن الصعب أن يتأثر كيم ايل سونك ثاني رئيس كوريا الشمالية بأفلام هوليود و يتخلى عن اسلحته النووية،كما أنّه ليس من الشرط أنّ يستطيع الجيش القوي و الصوارخ العابرة للقارات حل الأوضاع الراهنة في العراق و افغانستان، بل أنّ انتاج القوة الذكية (Smart Power) وهي تستطيع تحديد تأثير الدبلوماسية و السياسة في القرن الحادي و العشرين،و القوة الذكية هي نتاج جمع كل الأمكانيات من اجل التاثير على المشكلات،السؤال هنا هو :هل تستطيع ادارة اوباما استخدام القوة الذكية في الوقت الراهن؟ كل المؤشرات تؤكد على أنّ اوضاع السياسة الأدارية الأمريكية الآن هي ليست اوضاع عام 2006 حتى يتمكن الجمهوريون و الديمقراطيون ايجاد الحلول المناسبة للمشكلات القائمة،لأنّ السياسة الحزبية بين الحزبين وصلت الى مستوى حيث لايصدر أي قرار داخل الكونغرس و تتعطل الشؤون الحكومية،هذا الى جانب الأزمة الأقتصادية التي تواجه امريكا،حيث جرى تخفيض الموازنة الأمريكية العام الماضي بضغط من الجمهوريين،لذا لو نظرنا من هذا الجانب الى وجهات نظر جون مكين حول سوريا لشعرنا أنّ نظرة الجمهوريين و الديمقراطيين للأوضاع في سوريا متباينة جداً حتى انهم لا يتفقون في مسألة انشاء منطقة منع الطيران، ويفكرون الآن منع اقتراب الطائرات السورية في حدود 50 كيلومتر بين سوريا و تركيا عن طريق استخدام صوارخ بتريوت،وهذه الفكرة لاتجدي نفعاً للسوريين.
من جهة اخرى يؤكد نيد باركر بكل صراحة أنّ انسحاب القوات الأمريكية في 2011 ادى الى ضياع النجاح الذي حققته عملية زيادة القوات الأمريكية في 2009-2010 والتي خفّفتْ من حدة تصاعد العنف و العمليات الأرهابية ، ولو وافق القادة العراقيون و الحكومة معاً على اعادة ارسال امريكا لقواتها مرة اخرى الى العراق لما استطاع اوباما من اتخاذ أي قرار بهذا الشأن،لأنّه وفق اتفاقية صوفا تعتبر انتهاكاً لسيادة العراق و احتلال العراق مرة أخرى.
الأوضاع في العراق بالمقارنة مع اوضاع افغانستان مع انهما متشابهتان و اسقطت امريكا فيهما دولتي طاليبان و البعث،الاّ أنّ التعامل معهما مختلف تماماً،لأنّه بالنسبة الى افغانستان فإنّ الولايات المتحدة غير مسؤولة بمفردها لأنّ الناتو قد رفعتْ عن كاهلها ثقلاً كبيراً،ولكن بالنسبة الى العراق فإن امريكا هي المسؤولة الوحيدة و لاتمتلك مظلة دولية حتى تحاول ايجاد حل مناسب عبر هذا الطريق.
مجموعة الأزمات الدولية تؤكد في بحثين مختلفين أنّ الفدرالية و الصلاحيات التي منحهما الدستور العراقي للأقاليم تحولت الى ازمة رئيسة للعراق و الى عدم قدرة الحكومة على حل المشكلات،المشكلة ليست في ان الدستور العراقي لايملك خارطة طريق لحل المشكلات و انما لايسمح لأي مكون اضطهاد المكونات الأخرى،كما انه لايسمح للمركز بالسيطرة على موارد العراقيين و استخدامها في خدمة حماية حكام بغداد.
مجموعة الأزمات الدولية ترى لو أنّ الصلاحيات الممنوحة للأقاليم في الدستور العراقي منحتْ لأقليم كوردستان كحالة استثنائية لأنه كان موجوداً قبل اعادة بناء العراق و كانت كدولة واقع الحال،لكان من الممكن ايجاد آلية للعلاقات بين اقليم كوردستان و بغداد،و بمعنى آخر لو انّ الدستور العراقي سمح للحكومة العراقية بحكم الجزء العربي من العراق لما وصلت مسألة العلاقات بين الأقليم و بغداد الى طريق مسدود،و لهذا السبب فإن البروفيسور يوست هيلترمان رئيس مجموعة الأزمات الدولية يتوقع أنْ يكون انتقام الكورد هو الأبتعاد عن العراق،وهذا يعني أنّ حكومة بغداد لاتستطيع قبول الصلاحيات الحالية لأقليم كوردستان،وخاصة استخراج النفط و الغاز و التصدير الى الخارج،و في المقابل فإنّ اقليم كوردستان لاتساوم على حقوقه الدستورية وحتى انه لايقبل عودة الدكتاتور الى العراق مرة اخرى،السؤال هو: ماهي الأسباب التي تدفع المالكي و حزب الدعوة الأسلامية الى عدم تطبيق الدستور العراقي؟وهل انّ الدستور يضر بالمكون الشيعي في العراق؟اذا كان هكذا فلماذا صوّت اكثر من 95% من الشيعة عليه عام 2005 .الأوضاع الراهنة في العراق هي جواب مناسب لمعرفة اسباب حكم المالكي بهذا النمط،لأنّه يقاتل و حزبه داخل المكون الشيعي من اجل السلطة و حكم العراق بأسم المكون المذكور،و الشيعة هي الأغلبية التي كان الطرف الكوردستاني دائماً يرغب في التحالف معها لأنها والكورد كانتا ضحيتين للدكتاتور،ولكن المالكي و حزبه هدفهما هو فقط بقاء المالكي في منصب رئاسة الوزراء.
و في خضم هذه الأوضاع المضطربة في العراق، فأنّ امريكا لاتستطيع ان ترى ثمرة جهودها لأننا اذا نظرنا الى السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء لوجدنا أنها لاتشبه سفارة دولة تدّعي قيادة العالم،و لهذا السبب لو تأملنا جهود السفارة الأمريكية في بغداد لرأينا أنّ السفير الأمريكي في بغداد قد ابتعد تماماً عن العملية السياسية في العراق و تركها لشخص نوري المالكي لتوجيهها كيفما يشاء،لقد اطمأنت الأدارة الأمريكية و الاتحاد الأوروبي انّ العراق لايمكن اعادته كدولة موحدة و ديمقراطية و فدرالية،سأل فريد زكريا في 2006 و 2007 الرئيس بوش عندما اعلن الأخير اننا سننتصر في العراق و نكسب الحرب،سأله : ((سيدي الرئيس ماذا تقصد بالأنتصار؟ هل تقصد انكم أسقطتم نظاماً أم تعني بناء دولة ديمقراطية و اتحادية حرة؟هذا السؤال تتم محاولة الأجابة عليه في الطاولة المستديرة لمجلة فورن افيرز، على أنّ امريكا لن تسمح لنفسها من الآن فصاعداَ أنْ تتفرج عن بعد على السياسة الحالية للحكومة العراقية وعليها البحث عن طريق لتصحيح مسار العملية السياسية في العراق،وهذه صعبة للغاية لأنَ العملية السياسية يسيطر عليها المالكي وحزبه،لذا ينبغي على الأقل اعطاء فرصة ليقرر اقليم كوردستان مصيره بنفسه وعلى الولايات المتحدة الأمريكية قبل الغير احترام هذا القرار،واذا ساندت امريكا اقليم كوردستان في هذا المشروع عندها ستفتتح الأبواب لحل المشكلات الأخرى و يرضى بها السنة ايضاً، و يأتي هذا بعد أنْ اقترح صندوق السلام العالمي في عام 2006 لتقسيم العراق الى ثلاثة اجزاء ومن ثم يتم تشكيل الأتحادات او فدراسيون الدول في العراق و يمثّل الأخير بمفرده هذه الدول في الأمم المتحدة،لذا فإنّ هذا الحل لو تم الأعتماد عليه سلمياً فإن العراق سيبقى موحداً و يتم حل عموم المشكلات، ولكن لو اصبح واقعاً مفروضاً و تفكك العراق،فأنّه من الصعب آنذاك السيطرة على الجزء العربي من العراق خاصة وأنه تحول الآن الى منطقة خصبة لنمو الأرهابيين.