تأسيس الدولة أحدى محطات عملية بناء الأمة
عن هذا التوجه: صحيح أنه ليس بإمكان المعاصرة تعريف الفكر القومي إلا أنها قد تم تعريفها من قبل الفكر القومي، وذلك لأن أكبر مكسب فكري قومي هو أستنساخ الرأسمالية التي هي أكبر نتاج فكري قومي وكانت السبب في زيادة طبع الكتب ونشر الثقافة الجديدة تمهيدا لقيام جميع القوميات بإعادة تعريف أنفسها، وهو شاخص بالبراهين في أعمال (مونتيسكو) في أن كلمة الأمة، أو القومية كانت تلك الكلمة الجديدة التي وصفت الوضع السياسي والأجتماعي لها، كما أن القومية ككلمة جديدة وعصرية قد تم أستخدامها لأول مرة من قبل أول دولة قومية للأنكليز، وعرفوا أنفسهم:
بإنهم أمة ذات سيادة ثم أنتقل هذا المفهوم الجديد من أنكلترا الى فرنسا و روسيا وألمانيا والدول الأوربية الأخرى وحملت معها تحولات كبيرة لتعريف المجتمع كأمة أو قومية، أي أننا نقف في هذه العملية عند توجهين أثنين أحدهما هو بناء تأريخ الأمة الذي يعيد تعريف ممارسة الفكر القومي بشكله القومي والثاني هو إعادة كتابة التأريخ التي تسجل نجاح العملية القومية كنصر لأمة منتصرة أو ناجحة.
البروفيسور رافايل أوتز
كتاب الأمة والبناء القومي
معهد ماكس بلانك
(عملية بناء المة وتمرير عملية تأسيس الدولة وتجاوزها)
الأوضاع السياسية في الدول الأسلامية، وبالأخص في الدول العربية تماثل في أفضل حالاتها المراحل النهائية للقرون الوسطى في أوربا، لأن ماكان يجري الحديث عنه آنذاك بشأن عملية الفكر القومي وبناء الأمة كقومية ذات سيادة، هي الآن مآل ذات الأحاديث في يومنا هذا وبعد كل التحولات التي طرأت في الدول العربية، ويتساءل اليوم المفكرون العرب وقسم كبير من الأكاديميين المختصين في شؤون الشرق الأوسط والدول العربية:
ماالذي على الأمة العربية أن تفعله لتعرف نفسها ثانية كأمة ناجحة؟
ويعيد البروفيسؤر شبلي الثلمجي المختص في (مقعد السادات) في جامعة ميريلاند في ندوة أقيمت له في أحدث كتبه الصادرة باللغة الأنكليزية بعنوان (العالم من وجهة نظر عربية) ذات التساؤل في(كيف تعيد الأمة التعريف بنفسها؟) وأن أثارة هذا التساؤل من خبير اختص على مدى(20) عاماً حول الرأي العام العربي في الدول الست(مصر والأردن ولبنان والمغرب والسعودية والأمارات العربية) إنما تعني أن تفعيل الفكر القومي كفكر أنساني وليس ك(قومية عربية سابقة أو أشتراكية غربية)، لم يبدأ بعد و يبلغنا أن مسألة تشكيل الدول في العالم العربي لم تتمكن من إعادة تعريف كلمة الأمة كقومية ذات سيادة في حين أن الأنكليز قد أعلنوا في القرن السادس عشر أنهم أمة ذات سيادة ، اي أنه الأهتمام بالفكر القومي كفكر أنساني و ضمان لتحقيق السلام والأستقرار في المنطقة في خضم البيئة المعقدة القائمة في الشرق الأوسط والدول العربية والأسلامية هو مجرد حدث يومي و ذو علاقة بسائر القوميات فيها وبما فيها من عربية وأسلامية ومن بينها القومية الكوردية كأمة كبرى ليست لها دولتها حتى الآن وأن المسلمين هم أيضا جزء من هذا الواقع ومن المهم أعتماد وقفة جدية أزاءها في هذه البيئة المعقدة.. ما يدفعنا أن نجري في كل ذلك قراءة لعملية بناء الأمة للقومية الكوردية، ونشعر بكل صراحة بحقيقه وأنها تختلف عن عملية بناء الأمة للقوميات الأخرى، كون الأمم أو القوميات الأخرى لها دولها ولم تتمكن من أتخاذ الدولة، نقطة بداية لعملية بناء الأمة، إلا أن الأمة الكوردية، رغم أفتقارها لدولتها المستقلة المعلنة بصورة رسمية، إلا أنه يتم، من الناحية القانونية أعتباركيان اقليم كوردستان كدولة معاصرة ويتم أستقباله، على المستوى الدولي، ككيان دولة، والتعامل معه كشريك سياسي وستراتيجي وأقتصادي وتجاري.
هنا من الأهمية بمكان التوقف إزاء المسألة هذه ونتساءل:
(وماذا يعني الأمة الناجحة؟) وكان المعنى الأوحد لذلك على مدى تأريخ الفكر السياسي أن الأمة الناجحة هي الأمة التي تنجح في عملية بناء الأمة والتي تعرف كأمة محبة للديمقراطية.. هنا لو ربطنا نجاح العملية القومية بنجاح العملية الديمقراطية، فإننا سنتوصل الى نتيجة أن الأمة التي تطمح لأن تكون ناجحة فإن عليها أن تكون ذات سيادة في إطار دولة حديثة ومعاصرة وأن تتمخض السيادة القومية عن أرادة سلمية لتكون عامل سلام يوجهنا نحو ضرورة أن نعرف الديمقراطية بإنها مصدر قرار الأمة في الحرب والسلام.. غير أن هذا المفهوم الأنساني للفكر القومي عندما يكون مصدرا للفكر القومي العربي (في التعصب)، فإن هذه الممارسة لا تكون المنفذة للفكر القومي وبالتالي عدم تحقيق ما حققته النهضة الفكرية القومية في أوربا خلال القرون الوسطى، فنهضة الفكر القومي وتجنب اللغة اللاتينية والأهتمام باللغة القومية وأنتاج الطبيعة الراسمالية و تزايد الكتب وتوفرها لدى الناس الأعتياديين وأعادة تصوير الفكر القومي لأية أمة على حدة والتي أصبحت بعمومها مصدراً للثقافة وتعريفاً معاصراً وانهاء حكم(القرون الوسطى) التي أستمرت لغاية اندلاع الثورة الفرنسية.
وقد يستجد لدى القارئ الكريم تساؤل حول ان عملية بناء الأمة على ضوء الفكر القومي الذي هو أحد أسباب بناء السلام والأمن العالمي، تتزامن مع أنتهاء عملية بناء الأمة في عدد كبير من دول العالم إلا أنه قد أندلعت خلال أقل من 30 عاماً، حربان عالميتان كبريان وقضى فيهما ملايين من البشر..
الجواب على هذا التساؤل إنما يعيدنا الى الأخطاء التي أرتكبت في ممارسة الفكر القومي وتحول مفهوم الفكر القومي الى الأشتراكية وفرض أمة ما نفسها على أخرى وليس التعايش السلمي بين الأمم حيث يدعو(عمانوئيل كانت) الذي كتب مشروع(السلام الدائم) قبل أندلاع الحرب العالمية الأولى بأكثر من(120) عاماً ويعلن أن السلام الحقيقي عبارة عن أجتثاث جذور الشر وعدم تعريف السلام بإنه مجرد وقف لأطلاق النار أو هدنة مؤقتة لأنهما بمثابة أستراحة يتم فيها التحضير لحرب أخرى، ماحدا (كانت) أن يدعو في كتابه هذا أو يعلن أن الأمة الناجحة ذات السيادة هي أن الأمة أو الشعب هو الذي يقرر السلام أو الحرب وعندها ستقرر الأمة ذات السيادة السلام وليس الحرب وهو مآل أعتزاز الدول الليبرالية الغربية في عدم قيام أية حروب على مدى(200) عام بين دولتين ليبراليتين.
(عملية بناء الأمة تعتمد على تشكيل الدولة)
أعلن الأنكليز في القرن السادس عشر خلال تأسيس أول دول قومية:
نحن أمة مستقلة وناجحة ذات سيادة، أي أن الواجب هو أن تكون الأمة الناجحة صاحبة دولتها المستقلة والسبب البسيط لذلك والذي أشار اليه جميع المفكرين السياسيين في هذا المجال بشكل خاص، وأياً كانت أنتماءاتهم الفكرية، يردون على تساءل(ما هي الأمة) إنما يؤكدون على أن عملية بناء الأمة هي تلك الأمة التي إمكانها الرد على مختلف المجالات المهمة (الأجتماعية والمؤسساتية والثقافية والفكرية والسياسية) لمرحلة النهضة القومية.. ولو أمعنا النظر في إطار هذه المجالات المهمة في عملية بناء الأمة إنما نشعر أنها عملية كبرى ومتعددة الجوانب وصعبة جداً تتطلب مشاركة جميع أفراد الأمة ويؤدوا دورهم فيها وبخلاف ذلك تكون عملية بناء الأمة مسألة عادية، ما يؤدي بنا للقول بإن التخلي عن هذه العملية ومجرد الأكتفاء بمحاولة بناء المؤسسات السياسية مثل الدول فإن الأخيرة تعجز عن الأجابة على كل تلك التساءلات المعقدة بمعزل عن عملية بناء الدولة، وبناء الأمة فإن السبب في ذلك يكمن في أن عملية بناء الدولة وتأسيسها هي أهم جزء من عملية بناء الأمة ما يبرز أن توصية المفكرين السياسيين لعملية بناء الأمة هي في أن تكون عملية تأسيس الدولة سنداً لدعم نجاح عملية بناء الدولة ولوعدنا من هذا المنطلق الى مسألة الشرق الأوسط ونوهنا الى المقولة المشهورة لأدونيس في أن للعرب(23) دولة إلا أنه لا وجود لهم كأمة عربية على خريطة العالم، أي أن الدول العربية لم تصبح جزءا رئيسياً في عملية بناء الأمة العربية ولا يعني ذلك أن تصبح هذه الدول أمبراطورية واحدة بل من الطبيعي جداً وجود 23 دولة عربية شرط أن تكون أساساً لبناء الأمة.. ونقول على سبيل المثال أن اليابانيين قد أوجدوا ثقافة لنجاح عملية بناء الأمة في شرق آسيا والتي هي بالأصل، كما يشير اليها فوكوياما، تراث صيني في بناء دولة قوية وناجحة غير أنه بسبب عدم تمكن الحزب الشيوعي الصيني من تنفيذه وممارسته كما فعل الحزب الليبرالي الديمقراطي الياباني بصورة صحيحه، فإن الملاحظ هو أن اليابان تنافس جميع الدول الصناعية الكبرى في العالم وبما فيها الولايات المتحدة الأمريكية في حين أن الصين قد عجزت حتى الآن عن تحقيق تنمية مماثلة لما حققته اليابان، ما يبرر أستعداد اليابانيين أكثر من الصينيين والهنود بين جميع أمم العالم، والذين يشكلون معاً أكثر من نصف سكان العالم وقد أدى هذا التراث الياباني دوراً كبيراً في كوريا الجنوبية التي شهد لها العالم خلال 11 عاماً انها أمة ناجحة و يصح ذلك بالنسبة لسنغافورا وتايوان أيضاً وتعود كل النجاحات الى أن الأسلوب المتبع في الفكر القومي هناك وبالنسبة لمديات المقارنة فالملاحظ هنا هو أن المفكر الأمريكي الشاب من أصل هندي(فريد زكريا) في مقارنته بين كوريا الجنوبية وبين نيجيريا قد أشار الى أن الأولى كانت متخلفة بشكل كبير، في عام 1961، عن نيجيريا غير أنها قد وصلت في فترة محدودة الى مصاف دول العالم الأول ولا بد من القول أن هناك ملاحظات أيجابية جداً لدى الخبراء والصحفيين في العالم حول أقليم كوردستان.. فقد أشارت صحفية فرنسية قبل عدة اشهر في معرض تغطيتها للتقدم الكبير الذي حققه الأقليم في سائر المجالات، وبعنوان عريض (أن أقليم البارزاني(أقليم كوردستان) قد اصبح شبل نمر جبال الشرق الأوسط في مجمل مقارنة منصفة بين التقدم الذي تحقق في الأقليموبين التنمية السريعة التي تحققت في بلدان شرق آسيا ما يعني أن هذا الشبل سيكون في ظرف السنوات القليلة القادمة نمر الشرق الأوسط أيضا،
إن الأشارة لهذه النماذج ليست مقارنة مع أي مكان آخر في العالم بل هي فتح بوابة لتلمس فعالية وتأثيرات الممارسة الصحيحة للفكر القومي في عملية بناء الأمة.
(مرحلة بناء تأريخ الأمة)
يعتقد المؤرخون وعلماء الأجتماع بوجود علاقة زمنية ونظرية بين نهضة الأمة والديمقراطية ومن هذا المنطلق ، عندما تعيد الأمة في احدى المراحل، وحسب تصوراتها، تعريف نفسها في إطار معرفة الفكر القومي إنما تقوم بجسيد مبادئ روحها القومية في سيادة الشعب إنما تتعامل بأخلاق قومية، مع تلك الروح القومية، ولو عمدنا الى أجراء تعامل فكري مع معطيات الهوية القومية مثل الأمة المحتلة أو المضهدة أو الأمة الناجحة والمتفوقه)، لشعرنا أن كل واحدة من هذه المعطيات ستصبح هوية أو تعريفا يحدد حالة الأمة في زمن معين، وكمثال على ذلك عندما نضم الملحق أو تعريف(المحتل) ونسنده الى الأمة فإن ذلك يعني أن تلك الأمة في أحسن حالاتها في مرحلة الدفاع لضمان عدم صهر هويتها القومية، ما يبرر ليس عدم تمكنها من بناء تأريخ جديد فحسب، بل تتم أعادة تأريخها من قبل آخرين ولصالح أمم آخرى والذي سيصبح بحد ذاته تهديداً بمسح الهوية الحقيقية لتلك الأمة، ولو أسندنا مصطلح المحتل الى الأمة فإن ذلك يغير من تعريف الأمة الى ظالمة وشريرة، صحيح أن الأمة المحتلة تصبح بإني تأريخ أسود، إلا أن على الأجيال القادمة أن تدفع ضريبة ذلك التأريخ وتعتذر من الشعوب التي ظلمتها في السابق بإسم أمتهم، وخير مثال في ذلك كان النظام العنصري في أفريقيا و نظام البعث في العراق والنازية في ألمانيا والفاشية في أيطاليا وغيرها، حيث تحاول تركيا التنصل عن تأريخ أسود بهذا الصدد.. وبالنسبة للعرب فإن الأمة الكوردية غاضبة عن أن الدول العربية لم تطلب السماح في إرتكاب جرائم الأنفال والقصف الكيمياوي ضدها غير أنها تنظر بعين التقدير الى المثقفين والسياسيين الذين كانت لهم مواقفهم أزاء ذلك التأريخ الأسود، وأعتبروه نقطة سوداء في تأريخ أمتهم، هذه كلها تبلغنا أنه عندما نسند مصطلح النجاح الى أمة ما ونسميها بالناجحة، فإن الفكر القومي، يصور نفسه في هذه الحالة كفكر إنساني والأمة كقومية محبة للسلام والديمقراطية وهنا يبدأ تأريخ تحرر الأمة كما يبدأ التأريخ الأمريكي من تأريخ تحررها، والأمة الفرنسية من ثورتها وانكلترا من دولتها القومية ومن ثم أعتبارا من أنتهاء حربها الداخلية التي دامت(30) عاماً.. أي أن مرحلة بناء الأمة هي مرحلة بداية تلك الحرية التي تشعر فيها الأمة وأبناؤها بسيادتها .. وذلك في أطار قراءة الفكر القومي وعلى ضوء مبادئ الروح القومية والألتزام بالأخلاق القومية.. وهي حالة توجد نوعاً من التواصل بين أفرادها الذين يعبرون عن شعور قومي يجمعهم دون أن تكون هناك أية علاقة فيما بينهم، وفي هذه الحالة من التواصل والعلاقة يكون التأريخ الذي يستجد فيها أساساً لفخر وأعتزاز قومي للجميع وعندما تتم إعادة كتابته من قبل المؤرخين فإنه يربط أستمرار الروح القومية في الماضي بالحاضر وتضع أسس خطة لمستقبل أكثر أشراقا.
(عملية بناء الأمة في فكر البارزاني).
إن فكر السيد مسعود بارزاني هو أمتداد لفكر الشيخ عبدالسلام بارزاني والشيخ أحمد والبارزاني مصطفى ، وعندما نقول (هو أمتداد) إنما نعني بذلك أن هذا الفكر وعلى مدى أكثر من 110 سنوات الماضية والى يومنا هذا في ممارسة الفكر القومي، إنما يعتبر الدولة جزءا مهما في عملية بناء الأمة، الى جانب تعامل هذا الفكر، في معظم مديات ما يتجاوز قرناً واحداً، مع الواقع الموضوعي والذاتي للأمة الكوردية والسياسة الأقليمية والدولية.. لذلك نجد عندما نعود بصدد البنى التحتية لهذا الفكر القومي، الى داخل عملية بناء الأمة(القومية الكوردية)، أنه قد تمت قراءة واقعية لهذه الأوضاع الموضوعية والذاتية سواء على المستوى الداخلي للأمة، أم على المستويين الأقليمي والدولي وتم عقبها بتلك المرحلة أو الزمن التي تمر بها الأمة الكوردية فلو أعدنا النظر سريعاً في فكر الشيخ عبدالسلام بارزاني في سير عملية بناء الأمة، لشعرنا أن العملية في ذلك لم تكن سياسية فحسب، بل كانت عملية أجتماعية وثقافية وفكرية و سياسية والذي سعى على أسس تأسيس دولة كوردستان لبناء هذه العملية متعددة الجوانب للأمة جمعاء، إن ما هو مبعث توقف وتأمل وسيادة الفكر القومي هذا هو عندما سعى الشيخ عبدالسلام بارزاني لتنفيذه، لم يكن لدى العرب والترك أية فكرة حول تأسيس دولهم القومية، وكانت الفكرة على مستوى الترك هي الأمبراطورية العثمانية بإعتبارها أمبراطورية أسلامية فيما كانت ردة فعل العرب بعد سقوط الدولة العثمانية هي فكرة تنظيم الأخوان المسلمين كأمبراطورية أسلامية وليس عربية فيما تتكرر تساؤلات القرن السادس عشر حول هذه المسألة على مستوى البحوث الأكاديمية الغربية، في (العرب كيف يرون العالم ؟) وكان ذلك واقعياً بالنسبة للنظرة القومية التركية لحد عدة سنوات خلت ، وذلك كون الجمهورية التركية كانت تعلن منذ سقوط الأمبراطورية العثمانية، وعلى مدى (80) سنة، لأعتماد عملية بناء الأمة التركية... إلا أن تحول الفكر القومي التركي في سياق الفكر الأنساني الى فكر قومي بحت، كان السبب ليس في أنقطاع تركيا عن الأتحاد الأوربي والشرق الأوسط فحسب، بل جعلت نفسها دولة مغلقة تعتبر كل المسائل بمثابة تهديد لها ضمن الأنفتاح الذي شهدته في الأعوام الأخيرة ومساعيها لتصحيح الأخطاء التأريخية و تقوم بإعادة صياغة دستورها على ضوء الفكر القومي، فليس من المستبعد ان تصبح تركيا خلال أقل من العشر سنوات القادمة الدولة العشرين على مستوى العالم من حيث التطور الأقتصادي ونيل عضوية الأتحاد الأوربي وسيكون ذلك تأريخا يفتخر به الترك أينما كانوا ومن هذه الزاوية نقول أن الكورد أينما كانوا في هذا العالم وسواء كانوا مدركين لهذا التأريخ أم لا، يعتبرون فكر الشيخ عبدالسلام بداية لعملية بناء أمتهم والدولة جزءا مهماً في العملية هذه.. ولو تابعنا ممارسة البارزاني مصطفى لهذه الفكرة منذ أول ثورة قومية كوردية وهي ثورة بارزان الثانية، فإن ذلك كان يسير وفق مسارين:
1- على المستوى الدولي وعلاقاتنا مع الأمم التي نتعايش معها، وبالأخص في جنوب كوردستان حيث نتعايش فيه مع العرب، فقد أكد البارزاني مصطفى في أول رسالة له الى عبدالرحمن عزام باشا الروح السلمية لعملية بناء الأمة الكوردية كون الثورة الكوردستانية لا تعتبر العرب أعداء لها وتتطلع الى أن يتعايش الكورد والعرب كأخوة.
2- وعلى المستوى الداخلي وربط الثورة بالمجالات المهمة من أجتماعية وثقافية و سياسية و مؤسساتية فإن من السهولة بمكان العودة الى أسلوب التفاوض بين ثورة بارزان والحكومة الملكية العراقية آنذاك كون الثورة تصمم على التعايش في أطار سلطة لا مركزية ، والمقصود بها عدم أستمرار المركزية في السلطة العراقية وتغييرها الى لا مركزية أي أن يدير الكورد مؤسساته بنفسه في إطار النظام المذكور والذي يشمل اللامركزية والحكم الذاتي وفدراليتنا الحالية، ما يعني أن البارزاني مصطفى قد أعتبر المؤسساتية السياسية الشبيهة بالدولة جزءاً من عملية بناء الأمة، ويظهر ذلك جلياً في أتفاقية آذار لعام 1970 وقد عشنا على مدى(4) سنوات آنذاك كل مفاصل عملية بناء الأمة وفي مختلف مناحي الحياة.. ما يعني أن هذا النهج قد أصبح منذ حقبة الشيخ عبدالسلام خريطة طريق لأنجاح العملية هذه، وهي خريطة أوسع من أن تكون محصورة بالحزب الديمقراطي الكوردستاني(البارتي)، وقد شعر عموم أبناء كوردستان و مكوناتهم السياسية، رغم أحتمالات بعض الخلافات مع البارتي في أحدى المراحل، ومنذ ثورة بارزان الأولى حتى عام 1975، أن تكون العملية بالنسبة لأمتهم عملية ناجحة و سلمية، دون أن تتمكن جهة سياسية بعينها من رفضها علناً كونها حظيت بأجماع قومي وهو التزام عام لأفراد الأمة بالأختلاف والروح القومية..
ولو أجرينا قراءة منصفة لواجبات ومهمات السيد مسعود بارزاني من هذا المنطلق، لوجدنا أنه من الناحية القانونية والدستورية الرئيس المنتخب لأقليم كوردستان فحسب في أنتخابات جرت في (3) محافظات فقط، أن ما يلفت النظر أن أبناء الأجزاء الثلاثة الأخرى يعتبرونه رئيسهم القومي دون أن يطلب ذلك أو تجري أنتخابات بذلك.
ومن ثم زيارة السيد مسعود بارزاني الى مدينة آمد(دياربكر) وأجتماعه تحت علم كوردستان مع مجلس بلدية المدينة وحزب السلام والديمقراطية(B.D.P) فيها والأهم من ذلك هو ذات النهج والأعتبار بالنسبة للكورد في غرب كوردستان و شرقها، ما يبرر تساؤلاً مهماً وعقلانياً حول موقع السيد مسعود بارزاني مفاده:
إذا ما كانت العلاقة بين الحاكم والمحكوم وفق مبادئ القانون الدستوري عقداً أجتماعياً وأقتراعاً فإن الفرص لم تتح له في أبرام عقود أجتماعية مع جميع افراد الأمة الكوردية ويضمن تصويتهم له، فلماذا يعتبر الكورد في الأجزاء الأخرى، على غرار جنوب كوردستان، السيد مسعود بارزاني زعيمهم القومي؟ وهو سؤال لم تجب عليه الأوضاع في أطار القانون الدستوري والعقود الأجتماعية بل علينا ان نعود الى فحوى عملية بناء الأمة التي بدأت من الشيخ عبدالسلام ويواصل السيد مسعود بارزاني أداءها بكل أمانة وهي عملية تتغير فيها الأسس وتتحول (روح الأمة، الألتزام بمبادئ روح الأمة وأخلاقياتها) وهي مبادئ يستقر صداها في ضمير كل فرد كوردي كما هو حالها لدى مسعود بارزاني، ويعتبر ويحظى بذات النظرة في أنه الزعيم القومي لكل فرد وفي سائر أجزاء كوردستان الى أن يتم التصويت له في عملية دستورية.. لذلك عندما دعا السيد مسعود بارزاني في المؤتمر ال(13) للحزب الديمقراطي الكوردستاني لدراسة تحويل شعار الحزب الى حق تقرير المصير للأمة الكوردية وأعلن للعالم أجمع لاحقاً في رسالته التي بعثها في نوروز الماضي بإنه في حالة تصرف الحكومة العراقية بشكل أحادي وتفردي، وعدم الألتزام بالدستور والأتفاقيات، فإنه سينصاع لقرار شعب كوردستان أيا كان.. والأهم من ذلك هو ربط الولايات المتحدة لنصرها في العراق بوحدة أراضي هذا البلد.. إلا أن الرئيس البارزاني أكد في أجتماعه الذي عقده مع الرئيس الأمريكي في البيت الأبيض: بإن شعب كوردستان يقرر مصيره بنفسه في حال عدم التزام العراق بالدستور.. وأعلانه للعالم بعدم أمكانية حل القضية الكوردية في شمال كوردستان بطرق عسكرية و ضرورة أتباع الحل السلمي هناك ووقف بوجه كل التحديات وأبلغ تركيا والعالم ثانية وبكل صراحة أنه غير مستعد لتسمية ب.ك.ك كمنظمة أرهابية طالما بقى مستعداً لحل قضيته مع تركيا بشكل سلمي، وبالنسبة لغرب كوردستان فقد أعلن البارزاني صراحة بضرورة تجاوز التفرد وأن تتعاون الأطراف السياسية فيها كافة للأستفادة من الفرصة التي سنحت لهم فيها.. هذه هي في الواقع المبادئ الأساسية للروح والأخلاق القومية التي يلتزم بها وهي ضاربة في أعماق كل فرد كوردستاني لذلك فإن الرابط القائم بينهما في أعتبار السيد مسعود بارزاني زعيمهم القومي هو أقوى وأمضى من العقود الأجتماعية التي أوجدتها صناديق الأقتراع في جنوب كوردستان..
إن هذا الشعور الذي جسدته أسس الروح القومية والألتزام بها إنما أوجد على أرض الواقع عرضا قومياً أروع وهو أن الكورد في أجزاء كوردستان الأربعة يعتبرون جنوب كوردستان في ظل راية الرئيس البارزاني جزءاً محررا من وطنهم، ما يعني أن السيادة الوطنية التي تحققت في هذا الجزء لا تحض كورد جنوب كوردستان وحدهم بل غدت مجداً تعيد فيه الأمة الكوردية قاطبة قراءة هويتها القومية، وهي مهمة تحمل دلالات أمل قومي لدى أبناء كوردستان و تحمل الرئيس البارزاني في ذات الوقت مسوؤليات أصعب والواقع يحتم، حيث لا يزال أقليم كوردستان يعتبر دولة أمر واقع ولم يصبح بشكل رسمي عضواً في الأمم المتحدة، أن يكون جزءا مهماً في عملية بناء الأمة، كقومية ناجحة ذات سيادة. وبذلك يكون مسعود بارزاني صانع تأريخ يكون أساسا وبداية لتأريخ الحرية وأعادة تعريف الأمة كقومية ديمقراطية و محبة للسلام وتفتخر بها الأجيال المستقبلية كتأريخ قومي وناجح.
ترجمة دارا صديق نورجان