انعدام الأستقرار و تصاعد وتيرة الأعمال الأرهابية يهددان بأنهيار دولة العراق الحالية
أثار الصحفي العالمي الشهير كريستيان آمنبور في 21 آيار 2013 من على شاشة قناةCNN من خلال لقاء أجراه مع هوشيار زيباري وزير الخارجية العراقي أثار سؤالاً وهو: هل أنّ العراق خرج من السيطرة وقد تفكك؟ (unraveling? Iraq Is)،مع أنّ وزير الخارجية العراقي أكد كثيراً على أنّ العراق يستطيع ضبط الأمن و وضع حد للأعمال الأرهابية،و لكن في المقابل وفي اليوم ذاته رد معهد واشنطن للشرق الأدنى على تصريحات آمانبور بمقال بعنوان(نعم العراق على حافة الأنهيار Yes Iraq Is unraveling،وعلى أية حال عندما نكتب هذه الأسطر قد مضى ستة اشهر على سؤال القناة المذكورة،ولكن الاوضاع في العراق من حيث انعدام الأستقرار و تصاعد الأعمال الأرهابية بالمقارنة بين الآن و قبل ستة أشهرالماضية كانت أحسن بكثير،وهذا يعني أنّ الحكومة العراقية تعجز يوماً بعد يوم عن معالجة الوضع و وضع حد للعمليات الأرهابية المتفاقمة،وهذا ما خلّف فراغاً كبيراً أثر بدوره على ايقاف الخدمات المقدمة للمواطنين و زيادة القلق و عدم الأرتياح في قلوب المواطنين في مدن الوسط و الجنوب،والأكثر من ذلك انّ الأوضاع الحالية أدت الى فشل تصحيح مسار العملية السياسية و اتفاق المكونات و الكيانات على برنامج مشترك رداَ على التحديات التي تواجه العراق في ظل الأوضاع المتردية،و الخلافات القائمة بين الكتل السياسية ادت الى أنْ يكون الجيش و قوات الأمن خاضعاً لمكون واحد ما ادى الى الفشل في السيطرة على الأوضاع الحالية في العراق.
وحول هذه الأوضاع توجهنا بسؤال الى النائب شوان محمد طه عن التحالف الكوردستاني و عضو لجنة الأمن و الدفاع في مجلس النواب العراقي حيث اضاف قائلاً: الأوضاع في العراق تتجه يوماً بعد يوم الى الأسوء و خاصة في بغداد و مناطق ديالى و الأنبار و الموصل و تكريت،وهناك عومل عدة وراء هذا التردي و لاتقتصر على وجود منظمة القاعدة و المنظمات الأرهابية الأخرى فحسب بل أنّ هناك مجموعات مسلحة أخرى في العراق تقوم بنشاطات ارهابية ضد المواطنين تحت مرأى من الحكومة العراقية،ولكن الحكومة ساكتة عنها،كما أنّ احداث المنطقة بصورة عامة و سوريا على وجه الخصوص لها تأثير سلبي على الأوضاع في العراق،الى جانب الأجراءات التي تتخذها المؤسسات و الأجهزة الأمنية مستهدفة المواطنين و تقف وراءها اهداف سياسية اكثر من أنّ تكون أمنية وهي عبارة عن تهميش مكون على حساب مكون آخر أي تهميش المكون السني،هذه العوامل ادت مجتمعة الى تردي الاوضاع يوماً بعد يوم،من جهة أخرى فشل الأجهزة الأمنية من ناحية الأستخبارات وعدم امكانيتها من الحصول على معلومات استخباربة تخدم عملية ملاحقة المسيئين،فهي بدل ذلك تشن حملات دهم لمنازل المواطنين و تقوم بحملة اعتقالات عشوائية بينهم،ما ادى الى استياء و امتعاض المواطنين، وللحكومة مهمتان رئيسيتان:الأولى،تقديم الخدمات للمواطنين و الثانية ،توفير الأمن لهم، وللأسف استطيع القول بأنّ الحكومة فشلت في المهمتين،وفي ظل هذه الأوضاع فإنّ الحل الوحيد هو التزام الحكومة العراقية بالمادة التاسعة من الدستور العراقي حيث ورد فيها: يجب أنْ يتألف الجيش العر اقي والأجهزة الأمنية من عموم المكونات العراقية،كما جاء في المادة ذاتها:لايجوز استخدام الجيش و الأجهزة الأمنية العراقية في الأمور السياسية،و في الفقرة الثالثة منها ايضا:لايجوز استخدام الجيش و الأجهزة الأمنية في قمع المواطنين،و لو التزمت الحكومة العراقية فقط بهذه المادة الدستورية لكانت الكثير من المشكلات قد تم حلها في العراق،ولهذا الغرض لجأنا نحن في الكتل السياسية الكوردستانية ومعنا القائمة العراقية و التيار الصدري الى سحب الثقة من الحكومة كورقة ضغط،كما طالبنا بأستدعاء القائد العام للقوات المسلحة الى البرلمان، ولكنه لم يحضر و بدلاً من الحضور و الدفاع عن نفسه بدأ باستهداف مجلس النواب،لذا نجد انّ البرلمان العراقي تحول الى اضعف مؤسسة في العراق،حتى اصبح محل انتقادات لاذعة من الشعب العراقي.
ما أشار اليه شوان محمد طه كعضو لجنة الدفاع و الأمن هو أنّ قوة اخرى خارج منظمة القاعدة و الأرهابين تمارس الأرهاب ضد المواطنين ، و هذا يعني ان الأعمال الأرهابية تكاد تتغير الى صراع مذهبي بين الشيعة و السنة،واذا حدث ذلك فإن ذلك اشارة الى عودة الأوةضاع في العراق الى عام 2006و الذي سماه السفير ثيتر كملاس (نهاية العراق)،وهذه الحالة سواء تعني تفكك و انهيار العراق كما تساءل آمانبور بشأنه أو ما سماه كالبريس نهاية العراق سوف تنتهي بسفك الدماء الغزيرة،لذا فهذه الحالة أي القتال و الحرب المذهبية سوف لن تنتهي الاّ بعد أنْ تتعب الأطراف المتقاتلة حينها تلجأ الى الحوار و المحادثات، و السؤال هو: متى سيحصل هذا؟وهل ان هذه الأوضاع فعلاً هي وليدة الصراع الشيعي السني؟و للأجابة عن هذا السؤال يقول السيد محمود عثمان النائب المستقل عن التحالف الكوردستاني:الخلل الأول يكمن في الصراعات السياسية بين الأطراف و المكونات في العراق و التي لن تنته ومستمرة حتى الآن،ثم يأتي عجز الحكومة عن تحسين الأوضاع الأمنية الى جانب ضعف المعلومات الأستخبارية و عدم استخدام التقنيات الحديثة في هذا المجال،كما ان المصالحة و العلاقات بين الأطراف ليست كالمطلوب كي تتباحث بينها و تفكّر بحل مناسب،و نرى الأطراف تجلس على طاولة المفاوضات و تتدعي بحرصها على الأصلاحات و السلام الأجتماعي ولكن في الواقع ان ذلك لا يجدي نفعاً في اصلاح الأوضاع المتردية،كما أنّ الأوضاع الأمنية تؤثر سلباً على مستوى الخدمات و المجالات الأخرى،لآنّ هناك علاقة مباشرة بين الأوضاع الأمنية و السياسية، وفي هذه الحالة لن يبق أي دور للبرلمان لأنه لايبحث في الأوضاع الأمنية و عندما يدعو القادة الأمنيين الى الحضور لايحضر أي منهم حتى القائد العام للقوات المسلحة يرفض الحضور، لذا فالبرلمان هو المهمّش و الخلل يكمن في الهيئة الرئاسية،وبالأضافة الى ذلك هناك العديد من مشاريع القوانين مطروحة على البرلمان العراقي لم يتم التصويت عليها حتى الآن وذلك لعدم اتفاق الأطراف داخل البرلمان،وبمجرد الأتفاق سوف تجري القراءة الأولى و الثانية لها ومن ثم احالتها الى التصويت لأقرارها،قانون المحكمة الدستورية وهو جاهز ايضاً منذ سنة ولم يتم التصويت عليه و كذلك قانون الأحزاب وقد تمت مناقشته و هو الآن بأنتظار الأراء و وجهات النظر من الكتل البرلمانية ،هذا فضلاً عن قوانين أخرى.
الطرف الكوردستاني يتحدث عن الاوضاع المتردية في العراق من منطلق حيادي ،ولكن هل أنّ التحالف الوطني المسؤول المباشر عن الأداء السىء للحكومة كيف ينظر الى هذه المسألة؟ يجيب النائب جمعة العطواني عن التحالف الوطني عن هذا السؤال حيث يقول: نحن لانرشح من جانبنا نوري المالكي للولاية الثالثة لرئاسة الوزراء في العراق،و اضاف: لقد بدت واضحة من الآن صيغ مشاركة الكيانات في الأنتخابات المقبلة ،وسابقاً كنا نرى أنّ التحالف الشيعي كان منضوياً في التحالف الوطني، و كذلك القائمة العراقية مع القوى السنية،عدا التحالف الكوردستاني الذي كل طرف فيه ينوي المشاركة فيها بشكل انفرادي،ولهذا قررت كل من كتلة الأحرار و منظمة البدر و دولة القانون و القوى الأخرى المشاركة منفردة،لذا فإن منافس المالكي لايقتصر على القائمة العراقية فحسب بل كتلة الأحرار و المواطن،هذه الأطراف تتنافس بينها في وسط و جنوب العراق، وكذلك القائمة العراقية ليست وحيدة،بل هناك المتحدون و شخصيات و قوائم تشارك هي الأخرى في الأنتخابات و تتواجد في المنطقة الغربية،و اعتقد أنّ الصراعات سوف تتعمق اكثر بعد انتهاء الأنتخابات بين الكيانات والتي تُزيد ايضاً من الصراع المذهبي و السياسي،وعلى سبيل المثال يصر كل من تيار المواطن و الأحرارعلى أنْ يجري اختيار رئيس الوزراء هذه المرة من بين الكتلتين،والواضح أنّ الصراع السياسي هو دائماً الأفضل من الصراع الطائفي،لأنه لو تحول الصراع الى الطائفي سوف يتعرض السلم الأجتماعي الى الخطر و سوف تتجه الأوضاع الأمنية الى التوتر الأكثر و الى المزيد من المآسي،و بالنتيجة يؤدي الى تدخل الدول الأقليمية و وتصاعد الأزمات و المشكلات المستعصية و التي هي ضد قواعد و أسس بناء الدولة الديمقراطية في العراق.
ولكن السؤال الرئيس هو:اذا استمرت الأوضاع كما هي، هل سوف تجري الأنتخابات المقبلة في العراق؟ ويجيب السيد عطواني عن هذا السؤال بقوله: اعتقد لو استمر الوضع كما هو الآن سوف تتحول الأجواء الى ربيع للأرهابين،لأنه كما أشرتُ اليه قد يكون بين الأجهزة الأمنية و الأحزاب و الأطراف السياسية أشخاص و عناصر تقدم الدعم للأرهابيين لتنفيذ مخططاتهم و عمليلتهم الأرهابية،فضلاً عن مزايدات سياسية أخرى لتشويه الوضع و الأساءة الى بعض المسؤولين السياسين بغية الفشل في الفوز بالأنتخابات و كأنها الهدف منها هو اظهار عجز و فشل المؤسسات الحكومية في توفير الأمن و اثارة الفتن الطائفية و رفض المكاسب التي قد تكون تحققت في الفترة الماضية و بالنتيجة ترويع المواطنين من اجل مقاطعة الأنتخابات،لذا أؤكد اذا جرت الأنتخابات في ظل هذه الأوضاع سوف تكون نسبة المشاركة اقل من الأنتخابات السابقة حيث لم تتجاوز نسبة المشاركة في بغداد 30%.
ان هذه القراءة تقودنا الى حقيقة وهي أنّ العديد من ابناء الشعب العراقي عوّل كثيراً على هذه الأنتخابات و ينظر اليها بأنها تساعد على اصلاح الأوضاع و حل الأزمة الراهنة،ولكن السؤال الأهم هو: اذا كانت الأوضاع قد تردت الى هذا المستوى حيث اصبح اكثر من 5800 مواطن في غضون عشرة أشهر الماضية ضحايا الأرهاب، هل أنّ العراق سوف يلحق الأنتخابات؟وأي شخص يريد الأجابة عن هذا السؤال عليه قراءة و تقييم الأوضاع غير المستقرة و تصاعد وتيرة العمليات الأرهابية ، حيث لايمكنه الوصول الى أي تفاؤول في تحسين الأوضاع و تصحيح المسار الأمني و السياسي في العراق.