سياسة المالكي للتفرد يجعل التعايش في العراق مستحيلاً
(الدولة التي تصان بقوة لاتستحق أنْ تبقى موحدة) هذه مقولة لكراهام فولر حول عراق مابعد نظام البعث،وهذا يعني لو لم يتم اعادة بناء العراق وفق الدستور الذي اختاره العراقيون للتحول الى دولة ديمقراطية، فإنّه من المستحيل استمرار التعايش فيه بين الكورد و العرب وبين عرب السنة و الشيعة،للأسف مايُلاحظ اليوم في العملية السياسية في العراق هو التوتر الذي تشهده العملية يوماَ بعد يوم،والأسوء من ذلك هو احتمال تهيئة ارضية لأندلاع حرب اهلية دموية بين الشيعة و السنة،وعلى سبيل المثال لو وصلت المظاهرات التي انطلقت في الجمعة الماضية الى بغداد، لكان من الممكن حدوث مصادمات و اشتباكات بين المتظاهرين السنة و الشيعة،من جهة اخرى فإن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي و الذي كان من المفروض وفق اتفاقية اربيل انْ يلتزم بالدستور و يتجه لحل المشكلات العالقة بين بغداد و اقليم كوردستان ، ولكن ما وجدناه خلال العامين المنصرمين أنّه يعقّد الأموراكثر و يتنصل عن الألتزام ببنود الأتفاقية،لذا فإنَ العراق يتجه اليوم نحو مستقبل مجهول،و السؤال المهم هنا هو الى متى يستطيع المالكي ادامة حكمه عبر المماطلة و المناورات السياسية العسكرية و خلق المزيد من الأزمات في العراق؟للأجابة عن هذا السؤال يرى المراقبون السياسيون أنّ هدف المالكي في مواصلة سياسته الحالية هو استمرار الأوضاع على ماعليها الآن لحين اجراء الأنتخابات المقبلة،وذلك محاولة منه لنيل المزيد من الأصوات والقيام بتشكيل حكومة الأغلبية واعادة بناء دكتاتورية اخرى في العراق،ولكن هل بأمكان المالكي أنْ يتحول الى دكتاتور؟وحسب توقعات المراقبين السياسيين من المستحيل قيام دكتاتورية اخرى في العراق بعد كل هذه الأحداث المتلاحقة و التغييرات التي تشهدها المنطقة و السيطرة على الوضع المتأزم الآن عن طريق الحكم الدكتاتوري،ولكن في الوقت ذاته هناك مخاطر قد تلحق بالعراق اذا لم يعُد المالكي الى منطق العقل و الألتزام بالدستور وبنود الأتفاقيات كما أنّ الخاسر الأكبر في العملية السياسية هو الشيعة،لذا يتطلب على التحالف الوطني بذل جهوده من اجل ابعاد مخاطر المالكي السياسية على الطرف الشيعي و على العراق بصورة عامة،ولكن هل حاول التحالف المذكور وضع حد لتصرفات المالكي و اختيار شخصية اخرى لمنصب رئاسة الوزراء بدلاً عنه؟وللأجابة عن هذا السؤال ايضاً هو أن التحالف الشيعي الذي يشكل الأغلبية في العراق لم يتمكن لحد الآن من وضع حد للمالكي أو طرح برنامج لأجراء الأصلاحات و حل المشكلات عبر الحوار و التفاهم المشترك،لان بقاء الأوضاع على هذا النحو ينذر بتحول آخر في مسار العملية السياسية و الذي سوف يؤدي الى انهياره بالكامل و حدوث حالة من التأزم و التوتر يلحق الضرر بالجميع.
عارف طيفور نائب رئيس البرلمان العراقي ل(كولان)
لو خسر الشيعة التحالف الكوردي فأنهم سوف يواجهون مصيراً خطراً للغاية
* كيف تقرأون اوضاع العراق الحالية؟
- يعيش العراق الآن في اوضاع سيئة و معقدة للغاية وذلك بسبب الفتور الذي تشهده العلاقات بين عموم الأطراف،لقد بدأ التأزم عندما خرج العرب السنة في مظاهرات نظموها في المحافظات التي غالبيتها من السنة،وفي المقابل لم يستجب نوري المالك الى مطالبهم حتى الآن،صحيح أنّه يدلي عبر وسائل الأعلام بتصريحاتبين حين وآخر حول قيامه بتلبية بعض مطالبهم،ولكن لايظهر شىء من هذا القبيل على ارض الواقع،ولقد دخل المالكي اليوم وحيداَ في زاوية مغلقة لايستطيع الخروج منها بسهولة نظراَ لتفاقم المشكلات و الأزمات المتلاحقة.
* هل هناك أي بارقة أمل في المفاوضات التي جرت بين التحالف الوطني و التحالف الكوردستاني ؟
- لم يظهر لحد الآن أي أمل في الأفق بشأن المفاوضات، ولقد اتخذ التحالف الكوردستاني موقفاً حيادياً خلال المظاهرات التي ينظمها السنة في بعض المحافظات، من جانب آخر وتصاعدت النداءات بين الشيعة من أنهم سيواجهون مصيراَ خطيراً اذا ما تخلوا عن الكورد في هذه المرحلة،لذا انهم يسعون الى كسب الكورد الى جانبهم،وقد ظهر ذلك جلياً من خلال تعاملهم داخل البرلمان العراقي،والدليل على ذلك قيام الطرف الشيعي مؤخراَ بأرسال وفد يضم من بينه طارق مازن والذي ابتعد لفترة كبيرة عن الساحة السياسية وقد وصل الوفد و استقبله الرئيس مسعود البارزاني و اعرب التحالف الوطني عن استعداده للتعاون مع الجانب الكوردستاني لحل المشكلات العالقة بين بغداد واقليم كوردستان.
*ما تلاحظونه الآن هو تطور المظاهرات الحالية ، والأهم من ذلك هو عدم ايلاء أي اهتمام بالمطالب التي يرفعها المتظاهرون، برأيكم ماهي تداعياتها مستقبلاً؟
- انا اعتبر عدم الأستجابة لمطالب المتظاهرين أمراً في غاية الخطورة، وكان الأجدر بالمسؤولين الشيعة الذين يستحوذون على مرافق السلطة في البلد اتخاذ اجراءات اصلاحية لكبح جماح المتظاهرين و تحويل مسار المظاهرات نحو الهدوء و التخفيف،وعلى الرغم من انها من الصعوبة بمكان تهدئة الأوضاع بسهولة نظراَ لحماس و اصرار المتظاهرين على مواصلتها.
* فيما يتعلق بالموازنة، هناك محاولات تجري داخل البرلمان العراقي من اجل تخفيضها خاصة من جانب التحالف الوطني، ما هو موقفكم ازاء ذلك؟
- الكتل الكوردستانية في البرلمان العراقي تمارس ضغوطاً كبيرة من اجل منع تمرير هذا القرار كما أنّ الخلافات حول مواد الموازنة لاتتعلق فقط بحصة اقليم كوردستان حيث أنّ الطرف السني له ايضاً ملاحظات و متابعات بشأن موادها،ومن الملاحظ أنّ اللجنة المالية داخل البرلمان لاتولي اي اهتمام بمطالب الأطراف وهذا هو سبب عدم التوصل الى اتفاق للمصادقة النهائية على الموازنة، و نطالب بنسبة17% حصة الأقليم من الموازنة العامة حيث انها تم تثبيتها بموجب قانون خاص صدر في عهد الدكتور اياد علاّوي و لايمكن ابداَ التنازل عن هذه النسبة،الاّ اذا جرى تعداد عام للسكان في العراق لبيان عدد السكان العراق بصورة عامة وسكان الكورد على وجه الخصوص،ونحن الكورد مستعدون لدعم هذه العملية ولكن للأسف ان الأطراف الأخرى في البرلمان غير مستعدة للتعاون من اجل اجراء التعداد العام،بأستثناء العراقية التي اعلنت عن دعمها للمشروع ويدّعي الجانب الشيعي ان الشيعة يشكلون 64% من مجموع سكان العراق في حين أنّ النسبة الحقيقية هي 48% لا أكثر،من جهة اخرى فإنّ على حكومة المركز دفع مستحقات الشركات النفطية المترتبة عليها و العاملة في اقليم كوردستان و البالغة 4 تريليونات و 200 مليار دينار.
نزار الجنابي ل(كولان):على الكورد و السنة التحالف مع الشيعة المعتدلين لأنقاذ العراق من لعبة المالكي الخطرة
* ما هي قراءتكم للأوضاع الحالية في العراق وماهي تداعياتها على مستقبل البلاد؟
- اعتقد أنّ حسابات المالكي السياسية بُنيتْ على حسابات الأنتخابات المقبلة،ويعتقد كلما زاد التمحور و الأستقطاب بين الأطراف العراقية كلما كان ذلك في صالحه لتأمين من الأصوات في تلك الأنتخابات،سواء تمت مبكرةو أم في العام المقبل وخاصة اصوات الطائفة الشيعية،وبأمكانه فرض شروط تشكيل الجكومة المقبلة بين حلفائه من الشيعة في اطار التحالف الوطني،ويهدف من وراء ذلك ابعاد المكونين الآخرين عن الساحة السياسية،وهذا سوف يؤدي بالنتيجة الى تفاقم الأوضاع و زيادة حدة العنف و تردي الأوضاع الأمنية في العراق.
* وهل بأمكان تصحيح التوازن السياسي في ظل الظروف الراهنة؟
- على القادة العراقيين أنْ يدركوا بأنه عليهم معرفة ما يفعله المالكي ازاء السنة و الكورد و بذل جهودهم من اجل التقرب من الشيعة المعتدلين في جنوب البلاد و العمل من اجل الوقوف بوجه الدعايات المغرضة للحكومة و ابطال تأثيرها على الرأي العام.حيث هناك دعايات من الحكومة مفادها أنّ السنة يحاولون اعادة النظام البعثي السابق الى السلطة و الكورد بصدد السيطرة على المصادر و اعلان الأستقلال.
*يكاد برلمان العراق أنْ يصاب بالشلل ولم يبق له أي تأثير على مراكز القرار،ترى الى اين ستقود سياسات نوري المالكي المتفردة مستقبل العراق؟
- انا لا أتفق معك في هذا،لقد قدم البرلمان في الأسبوع المنصرم نشاطاً جريئاً وذلك بتحديد الفترة الزمنية للرئاسات الثلاث،وهذا يعني أنّ البرلمان يستطيع اداء عملهـا وعلى اية حال ، الشىء الذي يبعث على القلق هو خطط المالكي لشل عمل البرلمان من خلال تدخله في المحاكم و القرارات القضائية وتعطيل اصدار القرارات التي تدخل في مصلحة الشعب برمته.
* يشكّل الكورد جزءاً رئيساً في العملية السياسية و قد لعبوا دور الوسيط ، ولكن ما نراه اليوم هو انّ الحكومة تقوم بانتهاك الدستور هل هناك بديل آخر للكورد في هذه المعادلة؟
- الدستور هو الطريق الشرعي لحل كل المشكلات و على الأطراف العراقية كلها الألتزام به ، المشكلة لاتكمن في الدستور، وانما في الأطراف التي تتنصل عن تنفيذه،وتحاول دولة القانون اعطاء صورة غير حقيقية عن الكورد لأهل الجنوب، اعتقد أنّه آن الأوان للكورد في الوقت الحاضر و قيادته توضيح الصورة الحقيقية للرأي العام،انا من اهالي الديوانية ،ومن الجنوب،لقد عانينا نحن الشيعة والكورد ما عانينا من النظام الصدامي القمعي و قد صمدنا و سنستمر في خدمة بلدنا و جماهيرنا.لذا علينا عدم فسح المجال امام السياسيين للتفريق بيننا، علينا ان نخطو معاً من خلال اجتماعات مشتركة بحضور المسؤولين و رؤساء العشائر من الشيعة تُعقد في اقليم كوردستان ليطلعوا عن كثب على التقدم الذي يشهده الأقليم من الأعمار و البناء و التطور و على جميع الأصعدة،لذا ان كل الدلائل تثبت أنّ الكورد هم جزء لايتجزء من العراق.
* من الواضح ان العرب السنة ينظمون تظاهرات في عدد من المدن و ان الحكومة لاتستجيب الى مطاليبهم،السؤال هو اذا استمر الحال على ماهو عليه و قامت العناصر الأمنية بأطلاق النار على المتظاهرين- كما حدث – هل تتوقعون قيام ربيع عربي أو تدخل خارجي في العراق؟
- بالتأكيد هذا هو الخطر الذي يحدق بالعراق ، انا لدي ملاحظة، قد لايتحول الوضع في العراق الى ربيع عربي بل الى ربيع عربي و كوردي في حال لم يستجب رئيس الوزراء والحكومة العراقية لمطالب الجماهير،ليس العرب فقط غير راضين عن الوضع،هناك السنة والشيعة ايضا، لو توجهتَ الى بابل و منها الى المناطق الجنوبية لوجدت الأفتقار الواضح لأبسط الخدمات الأساسية كالكهرباء و المدارس و المستشفيات و الخدمات البلدية الأخرى،على رئيس الوزراء الأعتراف بأنه طيلة سبع سنوات من وجوده في سدة الحكم انه مُني بالفشل الكامل من خلال عدم تقديمه لأي خدمات للمواطنين.
* يشير بعض الخبراء الى أنّ العراق فشل في المرحلة الأنتقالية في مجال انجاح العملية الديمقراطية،ما ادى الى حدوث الحرب الأهلية ، هل ان اندلاع هذه الحرب مستقبلاَ تؤدي الى انهيار العملية السياسية في البلد برمتها؟
- هذا هو الخطر الحقيقي،كثيراً ما تندلع الحرب الأهلية في المرحلة الأنتقالية عندما يتم التحول من الدكتاتورية الى الديمقر اطية،وعلى اية حال،كان لوجود القوات الأمريكية في فترات بداية المرحلة الأنتقالية التأثير في تخفيف هذا الخطر،ولكن بعد رحيل تلك القوات حدث ما لم يكن متوقعاً والضحيا هم ابناء الشعب،هذا الى جانب تداعيات الأوضاع السورية - انا لست كثيراً مع هذا الموقف،الذي يعبّر عنه الرئيس الأيراني احمدي نزاد، ولكن سبق أنْ اعلن انه اذا تفجر الوضع في العراق بصورة اسوء فانه سوف يزيح عموم منطقة الشرق الأوسط.
* خطوات المالكي تدخل في مجال معاداة الولايات المتحدة الأميركية، لأنه يؤيد بقاء الأسد في الحكم،وبرأيكم هل أن اميركا دخلت العراق لتشكيل حكومة جديدة تعادي مصالحها؟
- ما يتعلق بالولايات المتحدة فأنها مرت بتغيير سياسي كبير، كانت سياستها في عامي 2004و2005 و حتى عام 2008 عبارة عن التدخل في شؤون منطقة الشرق الأوسط،اما الأن فانها تسعى قدر المستطاع الى الأبتعاد عن التدخل في الصراعات الداخلية و التركيز فقط على الجانب الأقتصادي في المنطقة،وهذا يحتاج مرة اخرى الى دفع ثمن باهض سواء على الصعيد المالي أم على حساب حياة الشعوب،والأدارة الأمريكية الحالية كانت قد اعلنت انها تنهي الحرب العراقية ولكن نهايتها لم تكن من منطلق المسؤولية الكاملة كما قطعت الوعود بشأنها.