• Sunday, 22 December 2024
logo

(البرلماني، الرئاسي، المختلط) التقييم بين أنظمة الحكم

(البرلماني، الرئاسي، المختلط) التقييم بين أنظمة الحكم
هناك في تأريخ الدول الديمقراطية 3 أساليب تم اتباعها في إدارة الحكم و هي البرلمانية و الرئاسية و المختلطة أو شبه الرئاسية (Semi Presidentialism) و هي مواضيع أجري بشأنها العديد من البحوث على المستوى السياسي و الأكاديمي و الصحفي أيضا حول أي الأساليب أفضل من غيره أو أي نظام ينجم عن أسلوب في الحكم يتوجه نحو (الحكم الرشيد). و المعروف أن مثل هذا التقييم و المقارنة بين تلك الأساليب يجرى عليه نوع من المناقشة و البحوث الأكاديمية يختلف كليا عن البحوث و المناقشات على المستوى السياسي و الصحفي.... وعلى سبيل المثال نقول أنه ليس بإمكان أي خبير أو مختص أكاديمي في مجال القانون الدستوري أن يمنح نفسه حق تفضيل أي نظام على غيره في دولة محددة .. فالولايات المتحدة ، على سبيل المثال ،و التي تتبع منذ قرنين و نصف النظام الرئاسي هي أحد الأنظمة القمعية للديمقراطية في العالم ... ثم أن ما يسمى سلطات الرئيس في النظام الرئاسي باعتبار أن للرئيس صلاحيات واسعة فيه ، قد كان السبب الكامن وراء حماية الولايات المتحدة من الكوارث و العواقب الوخيمة ،و لمرتين اثنتين و في مرحلتين تاريخيتين كانت الأولى في أواسط القرن الثامن عشر عندما استخدم أبراهام لنكولن صلاحياته كرئيس دولة و أعلن الحرب على الرق و العبودية و قام في ذات الوقت بإنشاء المبنى الجديد للكونغرس لكي تتم مساءلته فيه من قبل أعضاء البرلمان بعد أن تضع الحرب تلك أوزارها. و الثانية كانت خلال الحرب العالمية الثانية عندما عمت مخاطر النازية عموم أوربا ..... فلم يكن الكونغرس آنذاك مع أن يتخذ الرئيس روزفلت بلاده ..الولايات المتحدة جزءا من تلك الحرب ضد النازية ... و إلى أن حدثت كارثة بيرل هاربر الكبرى ، إلا أن روزفلت كان قد واجه الجمهور و تحدث معهم في أحاديثه الأسبوعية الإذاعية . و دعا المواطنين الأمريكان إلى شراء خريطة للعالم لكي يتبين لهم ، عندما يستمعون إلى أحاديث الرئيس ، تصاعد مخاطر النازية و قد تشمل الولايات المتحدة أيضا في يوم من الأيام ... إن لدى هذا الرئيس المهم الذي يعتبر أحد القادة الأمريكيين العظام بعد جورج واشنطن و أبرهام لنكولن ، مقولة سامية مفادها " أنا لا أخشى شيئا باستثناء الخوف " وكان يقصد من وراء ذلك أنه يجب ألا يخاف الشعب الأمريكي و لا يخشى المشاركة في تلك الحرب لأنها ستواجه الولايات المتحدة عاجلا أم أجلا ما حدا بالشعب الأمريكي ،كبادرة منقطعة النظير في تأريخ الرئاسة الأمريكية ، إلى انتخابه لأربع دورات رئاسية على مدى 12 عاما أي من 1933 إلى 1945 و قاد بلاده في أصعب مراحل الحرب العالمية الثانية و أوصلها إلى شاطئ الأمان و رحل عن هذه الدنيا في السنة الأولى من دورته الرئاسية الرابعة .. وهنا نتساءل : هل تسبب اتباع السلطات الرئاسية التي منحت للرئيسين روزفلت و لنكولن في أدق المراحل التاريخية في ظهور الدكتاتورية في بلادهما؟
و هل تحول النظام الرئاسي في الانتخابات من دورتين رئاسيتين إلى أربع دورات ؟ و هل هناك اليوم ، و على مستوى العالم ، ديمقراطية أنجح من الديمقراطية الأمريكية ؟ و هل حاولت إعادة اتباع تجربة النظام الرئاسي ذاتها في اليابان و ألمانيا ؟ إن الرد على هذه التساؤلات يسير بنا إلى حقيقة أنه لا يشترط أن يحقق النظام الذي اتبع في الرئاسة الأمريكية ذات النجاحات في النظام الرئاسي الياباني أو الألماني ما بعد الحرب و ذات الأمر يصح بالنسبة للنظام البرلماني ... فلو قارنا ، على سبيل المثال بين النظام البرلماني في بريطانيا و النظام البرلماني الفرنسي قبل عام 1958 ، لوجدنا أنفسنا أمام تساؤل مفاده : هل أن النجاح الذي حققه النظام البرلماني في كل من بريطانيا و السويد و هولندا قد أصاب ذات النجاح في إيطاليا و فرنسا ؟ ثم نتساءل لماذا تتبع جمهورية أيرلندا نظاما شبه رئاسي و ليس لديها برلمانها أسوة ببريطانيا ؟ و ما هي الأسباب التي أجبرت الجنرال ديكول على تغيير النظام البرلماني في فرنسا إلى نظام رئاسي أو مختلط ؟ إن التغافل عن هذه الحقيقة التاريخية و اللجوء إلى المناقشات النظرية و الفكرية و إبراز الجوانب السلبية للنظام البرلماني لأغراض سياسية أو لمعاداة ذلك النظام الديمقراطي السائد الآن في البلاد ...ليست له أي أهمية باستثناء المزايدات الحزبية و الفكرية و معركة الانتخابات و جمع و استحصال الأصوات و لا نفع وراءه سوى إيجاد وضع و أجواء معقدة لعدم التفاهم و تشابك الأفكار ليس إلا .
ما جعل المختصين ، عندما نتوجه بالسؤال إليهم عن أي الأنظمة هو أفضل من غيره ، يردون علينا بأن مثل هذه التساؤلات لا تقع ضمن إطار التقييم السياسي العلمي ،بل هي في إطار مزايدات حزبية و حرب فكرية بين الأطراف السياسية و ذر الرماد في عيون الناس كي لا يبصروا الحقائق ....عن ذلك توجهنا بالسؤال إلى الأستاذة (كلاوديا ديركس) رئيسة قسم السياسة المقارنة و التنمية الدولية في جامعة فيليبس في ولاية ماربورك الألمانية و ردت على مجلة كولان بقولها:
هذا في الواقع هو تفكير مراهقين عندما يأتي شخص ما و يقرر تجربة الأفضلية لنظام رئاسي أو شبه رئاسي بالمقارنة مع نظام برلماني ما يعني أن هذه المقارنة ، و دون أسس علمية و سياسية لا تعتبر رأي شخص مختص و السبب البسيط لذلك يعود إلى أن مثل هذا الشخص و بمثل تلك المقارنة إنما يقدم على إهمال خصوصية دولة بذاتها
إن تصريح البروفيسورة ديريكس هذا يبلغنا : من الممكن أن يكون النظام البرلماني ناجحا في بريطانيا ، و بالمقابل يفشل في فرنسا ، وبصدد لجوء الجنرال ديكول إلى تغيير النظام البرلماني في الجمهورية الفرنسية الرابعة إلى نظام شبه رئاسي أو مختلط في الجمهورية الخامسة ، فإن المفكر الفرنسي الكبير (موريس دوفريجه) صاحب فكرة نصف الرئاسي (Semi – Presidentialism) يشير في كتابه (المؤسسات الدستورية و القانون الدستوري) إلى أن أسباب فشل النظام البرلماني في الجمهورية الفرنسية الرابعة قد دفعت بالجنرال أن يعلن الجمهورية الخامسة و أتباع النظام نصف الرئاسي فيها و يستعرض لنا (دور فرجيه) في كتابه مظهر الأسلوب الحزبي في الجمهورية الرابعة و كيف أن عدم وجود الأكثرية البرلمانية قد حال دون أن تؤدي فرنسا دورها كدولة عظمى و ينوه في ذلك إلى أسلوب ديكول و موقفه عندما اتخذ قراره بالترشح أمام الشعب بصورة مباشرة وتحدى ذلك الواقع الحزبي المتسلط الذي أصاب البرلمان الفرنسي بالشلل فقد شكل ذلك البرلمان حكومة عجزت عن تنفيذ برامجها مما دفع بالجنرال ديكول لتغيير ذلك الواقع و رشح نفسه بشجاعة و أمام الشعب مباشرة لمنصب الرئاسة و أعلن في حال عدم منح الشعب ثقته به فإنه سيعتزل السياسة و ينهي حياته السياسية ... إلا أن ديكول لم يحصل على الأصوات اللازمة فحسب ، بل أن زهاء 70% من الفرنسيين قد صوتوا له و أصبح رئيسا منتخبا لفرنسا ، كما استطاع أن يلبس الفرنسيين روح المقاومة أيام الحرب و عندما كانت باريس محتلة تمكن من تعديل مسار السياسة و الحكم في بلاده عندما أعلن رئيسا منتخبا من الشعب و بالتالي أصبحت الجمهورية الخامسة نموذجا للحكم منذ ذلك الحين و إلى يومنا هذا ....
إن المسألة الرئيسية هنا هي : هل مهد له إعلان الجمهورية الخامسة الأرضية ليصار إلى حكم فرنسا وفق الأسلوب الذي يرتأيه . و المعروف أن تاريخ فرنسا يبين لنا أن أكبر تحد واجه حكم ديكول كان انتفاضة الطلبة شهر أيار من عام 1968 التي انطلقت من جامعة السوربون و عمت جميع أنحاء فرنسا .و نتساءل هل كانت تلك الانتفاضة ضد حكم ديكول أم أنه قد تم تغيير اتجاهها ضده.
ردا على هذا التساؤل يشير المفكر العربي هاشم صالح قائلا : صحيح أن عملية التنمية الرأسمالية تلك و التي كان يتبعها الرئيس ديكول و سجلت نجاحات كبيرة إلا أنها قد أوجدت في ذات الوقت اختلافات و فروقا طبقية فقد كانت الانتفاضة ذاتها أو بدايتها ذات علاقة بالفكر الذي كان يعادي الإمبريالية تحت تأثيرأفكار (هربت ماركوز و سارتر و جيل دولوز و ميشيل فوكو) ويساند العالم الثالث ... عن ذلك يقول الباحث المغربي في التاريخ السياسي المعاصر حسام وهاب في مقال نشره بعنوان (الثورة الفرنسية في عام 1968 الإطار و التمثيل و التأثيرات ) لقد نبعت الانتفاضة يوم 22 آذار 1968 من عصيان و إضراب للطلبة دعما لفيتنام ثم قامت الشرطة باعتقال بعض الطلبة المنظمين فيما اعتصم الطلبة لفترة شهرين داخل جامعة السوربون و كان منظم الاعتصام دانيال كوهين بنديت قد بذل جل مساعيه ،و تحت تأثير أفكار من أشرنا إليهم آنفا ، لتسمية حكم ديكول بالفاشية و في يوم 2 مايس ، و بعد انتشار دعاية مفادها أن قوات الشرطة تحاول إنهاء اعتصام السوربون و كان أن صاح المشرفون على الاعتصام : القوات الفاشية تهاجمنا ، و بالتالي حثوا الطلبة على كسر و تدمير المقاعد الدراسية و إضرام النار في السوربون ...و كتب هاشم صالح الذي كان موجودا في فرنسا آنذاك ، عن تلك الشائعة (إن من كانوا يسمونهم فاشيين كانوا الطلبة المنضوون تحت قيادة التيار اليميني و يدرسون في ذات الجامعة و كان كل ما يميزهم عنهم هو فقط حديقة لوكسمبورغ الغناءة )
الغاية من العودة إلى هذه الخلفية ليست فقط القول بعدم وجود أي نواقص في فرنسا آنذاك أو أن الحريات كانت مؤمنة كلها ...فلم يكن من حق المرأة الفرنسية قبل عام 1968 فتح أي حساب مصرفي دون إبراز موافقة خطية من زوجها و كان جل من كانوا يتمكنون من الدراسة في الجامعات هم أبناء الطبقات الأعلى و الوسطى و لم يكن من حق المرأة الخروج لوحدها ليلا أو حتى التحدث مع غير الفرنسيين في الجامعات بل إن الغاية من ذلك هي إظهار أسلوب معاداة الجنرال ديكول و إيجاد الفوضى و التخبط للخطوات التي اتبعها لإعادة إعمار البلاد و الغاية كل الغاية كانت إيجاد بيئة لا يفهم أحد فيها الآخر و إبراز مطالب أخرى في مثل هذه البيئة و الحديث يتعلق أيضا بتشبيه بطل تحرير فرنسا و هو الجنرال ديكول بالرئيس الفاشي . في حين يعتبر ،ليس الفرنسيون فحسب ، بل و جميع الناطقين بالفرنسية من أفريقيا و إلى مقاطعة كيوبيك الكندية، ديكول كرمز وطني لهم. و تزامن ذلك مع ظهور مجموعة كانت تعلن أن حقبة القادة الثوريين قد انتهت و حاول القادة الذين انقذوا فرنسا من نير النازية و الفاشية أن يظهروا الأمور ثانية و كأنها نازية و فاشية .. وكانوا لا يرغبون في أن تخطو فرنسا نحو الاستقرار بل العودة إلى حقبة الجمهورية الرابعة حيث كانت الإضرابات السياسية تملأ صفحات جرائدهم بالشتائم و التشهير ...و الأمر هكذا فإن من المهم قراءة هذا التاريخ لأن الانتقاد يفوق كل شيء في المجتمع الديمقراطي و لكل منها سلبياته و إيجابياته ، ولا يمكن اتخاذ السلبيات سلاحا لإسقاط النظام الديمقراطي أو العودة إلى زمن الصراعات الحزبية و الحرب بين الأطراف السياسية . لذا فإن ما أنقذ فرنسا من تلك الفوضى و العاصفة كان السلطة التي منحها الدستور للجنرال ديكول في الجمهورية الخامسة و الذي كان جل غايته تغيير فرنسا ما بعد الحرب و الجمهورية الرابعة إلى فرنسا لائقة بالقرن العشرين ما حدا به ليستخدم جميع سلطاته ليحقق أولا الرد على تساؤلات الناس و من ثم ألا يسمح بوقوع بلاده في أيدي أناس يصفون الديمقراطية الليبرالية بالنازية و الفاشية و غرروا شباب فرنسا بذلك .و لو كان ديكول قد واجه ذلك التحدي الكبير وفق دستور الجمهورية الرابعة لما كان يتمكن من اتخاذ قراره كل البرلمان و إجراء انتخابات مبكرة و تشكيل حكومة جديدة . ولو لم يكن يتمتع بتلك الصلاحيات الدستورية لكانت فرنسا قد عادت إلى حقبة الجمهورية الرابعة و كان البرلمان يتحول إلى قاعة لعرض الشعارات الحزبية و تشويش الرؤية أمام الناس ...أي أن التقييم بالنسبة لفرنسا لا يمكن إجراؤه وفق هذه المعطيات حيث تقاسم الرئيس الفرنسي صلاحياته التنفيذية مع رئيس الحكومة فهو تقسيم يودي بالرئيس نحو الديكتاتورية . لا بل أن النظام نصف الرئاسي الفرنسي و أسلوب ممارسة الصلاحيات من قبل ديكول قد أدى بالرئيس السنغالي آنذاك (ليوبود سنكور) إلى قناعة أن ينظم قصيدة ضد الديمقراطية و اعتبار رحيل ديكول عن مقر (الاليزيه) طاعونا للديمقراطية لأنه كان يعتقد و يرى أن ديكول قد حرر فرنسا مرتين الأولى من براثن النازية و الفاشية و الأخرى من آثار الاقتتال و الحرب التي أوجدها الساعون لعودة الزمن القديم.
نظرة أنظمة الحكم ما دون الانتقاد:
في هذا التقرير حيث نتحدث عن الحكم إنما نقصد به الحكم في المجتمع الديمقراطي ذلك المجتمع الذي يقبل ، في البيئة السياسية التي وفرها النظام الديمقراطي ،إعلان نهاية الديمقراطية كما كانت جميع الدول الأوربية الغربية و الولايات المتحدة تحاول في البيئة الديمقراطية التنوع على المستوى الفكري و الجماهيري لكي يصار إلى اعتبار النظام الديمقراطي بأنه نظام فاشي و نازي ... و يودي سحر المجتمع الديمقراطي هذا في كثير من الأحوال بالمتطرفين إن كانوا يساريين أو منتمين إلى تيار ديني معين ، نحو ذلك الاتجاه و لأنه نظام يقبل أو يتقبل المطالبة بانتهائه ، فإن الأجدر به أن يفنى و يزول ... وهذا أيضا ما يتسبب في تغيير توجه حرية التعبير إلى الاستفادة من حالة أخرى في البيئة الديمقراطية و هي حرية الأنشطة السياسية و التعبير العلني عن الاستنكار و هو أمر يتطلب بالمقابل سلطة بإمكانها حماية هذه البيئة و ألا تصل الأمور مبلغ تحول بيئة حرية التعبير و الأنشطة السياسية و المظاهرات إلى الفوضى و عدم الفهم المشترك و تلك السلطة في النظام الديمقراطي هي سيادة القانون ليس لحماية الحريات فحسب ،بل لحماية الملكية الخاصة و الملكية الفكرية لكل شخص أيضا...إن الشرط المسبق في المجتمع الديمقراطي هو معالجة المشكلات عن طريق الحوار ... وحتى إن لم يعجب الناس أو يتقبلوا السلطة السياسية فإن الحتمي أن يتم تغييرها بصورة سلمية و عن طريق صناديق الاقتراع و في ذلك يقول (كارل بوبر): (النظام الديمقراطي لا يعني أن تصل السلطة بأكثرية الأصوات ،بل يعني التداول السلمي للسلطة و دون عنف أو إراقة دماء).
ولو نظرنا إلى هذا الجانب بصورة معاكسة فإن التساؤل سيكون: هل يفكر كل طرف سياسي مؤمن بالمقاييس الديمقراطية داخل المجتمع الديمقراطي في أن يصل السلطة عن طريق أساليب غير ديمقراطية أو تخريب بيئة الحوار و التفاوض؟ .. وهل يمكن لأي حزب قد حصل على إجازة العمل من وزارة الداخلية في حكومته ليؤدي بموجبها نشاطاته السياسية بحرية ، أن يمنح نفسه حق القول بأن هذه الحكومة لا تختلف شيئا عن الفاشية و النازية و البعث؟
ثم نتساءل هل أن رئيس ذلك الحزب مستعد أو يتمكن من الحصول على إجازة العمل من حكومة أو سلطة فاشية و بعثية ؟ . لا شك في أن مقاييس الديمقراطية و كما يطبق على الأحزاب الحاكمة و تسمى حزب السلطة ، فإنه يمارس في ذات الوقت و يطبق على الأحزاب التي تسمي نفسها بأحزاب المعارضة..ما يعني أنه كيف من الكفر ، وفقا لمعايير الديمقراطية ،أن تسمي أحزاب السلطة الأحزاب المعارضة بالمخربة أو الفوضوية كذلك الحال بالنسبة للأحزاب المعارضة إذا ما سمت أحزاب السلطة بالفاشية أو الشبيهة بالنظام البعثي ...فلو كانت الأحزاب المعارضة تهدف من وراء ذلك حث الناس ليصبحوا معارضين جميعا ضد السلطة فإن ذلك حلم لا يتحقق أبدا ، أو أن تسعى أحزاب السلطة لجعل الناس مؤيدين للسلطة و تحديد حجم المعارضة ، هو الآخر حلم سيؤول إلى نتائج وخيمة حتى و إن تحقق .. أي أن جمالية النظام الديمقراطي يتجلى في وجود معارضة قوية شريطة أن تستخدم المعايير الديمقراطية داخل البيئة الحرة لصالح الناس و عدم تعكير البيئة المفتوحة داخل المجتمع الديمقراطي ما يعني أن تلك المعايير و بذات الأسلوب الذي تحدد بموجبها تصرفات أحزاب السلطة و ممارساتها في أن تنصاع لانتقادات الناس و رغباتهم ، إنما تحدد أيضا ممارسات أحزاب المعارضة و أخلاقها في أن تكون المصدر السليم و الصحي لإيصال المعلومات الصحيحة للناس . و من حق المعارضة أن تقول للناس إن الأحزاب التي صوّتّم لصالحها أو أوصلتموها للسلطة إنما غدت غير وفية لأصواتكم و قد آن الأوان أن لا تصوتوا لهم في الانتخابات القادمة . إلا أنه ليس من حق أحزاب المعارضة أن تنصب نفسها سوقا للوطنية و إعادة بيعها شرقا و غربا و من حقها أيضا أن تفتخر بوطنيتها و تفضيل برنامجها على برامج السلطة عدالة و مساواة ... وبالمقابل ليس من حقها رفض برنامج أحزاب السلطة لأن ذلك هو من حق الناس وحدهم قبولا أو رفضا ... و على المعارضة أن تدرك جيدا أن أحزابها و أسوة بأحزاب السلطة يجب أن تكون أدنى من الناس و تنصاع لرغباتهم ، وتدرك أيضا أنهم هم الذين جعلوهم مبلغ المعارضة و جعلوا الأحزاب الأخرى ، أحزاب السلطة ...لذا فإن الأمر يحتم في هذه البيئة المتعادلة حيث ليس من حق الأكثرية أن يستولي أو يحظى بكل شيء(Winner take all) فكذلك الحال بالنسبة للمعارضة إذ ليس من حقها أن تتخذ كل السبل لتصل هي إلى السلطة ...فلو نظرنا من هذا المنظار إلى المباحثات و المناقشات التي تجري الآن بشأن نظام الحكم ، إنما نشعر أنه قد صغرت وحددت تلك المناقشات إلى مبلغ المقارنة بين أسلوبين للحكم .. و هما النظامان الرئاسي و البرلماني ، هذا في حين أن النظام المتبع في إقليم كوردستان هو ليس أحدا من الأسلوبين و هو كلاهما في عين الوقت فهل هذا يعني أنه تشويه للرؤية أمام الناس أم إيصال للمعلومات الصحيحة للمواطنين
النظام نصف الرئاسي بين البرلماني و الرئاسي:
ترى هل هناك بين النظامين البرلماني و الديمقراطي نظام ثالث تم تطعيمه من النظامين ؟.. أي بمعنى آخر تمت فيه الاستفادة من إيجابيات ذلكم النظامين ؟ و هل تمت الإشارة في دساتير الدول التي تتبع أنظمة نصف رئاسية أو مختلطة إلى أنها تتبع نظاما نصف رئاسي ، وهل يشترط أن يطلق ذلك فقط على الأنظمة التي يتم فيها انتخاب الرئيس من قبل الناس أو أن يسمى النظام برلمانيا عندما تناط صلاحيات واسعة للرئيس ؟ . وهل من الممكن أن تطلق على أية دولة فيها منصب الرئيس أنها دولة رئاسية أو نصف رئاسية؟ و بصورة أوضح هل يشمل النظام البرلماني فقط الدول الملكية ؟ و غيرها الكثير من الأسئلة حول الأنظمة الديمقراطية التي يثيرها الخبراء و السياسيون و الصحفيون ... لأن تلك الأنظمة ليست نموذجية كما الأنظمة الديمقراطية و أفضل من أي نظام آخر ...بل أن أفضلية النظام الديمقراطي هي أنها أفضل حتى الآن من جميع الأنظمة التي لجأت إليها الإنسانية على مدى التاريخ و جربتها في الحكم ، لذا فإننا إذا ما أسكرتنا أفكار إعلان نهاية التاريخ و اعتبار الديمقراطية النهاية كما فعل (فوكوياما) ، فإننا إنما نعود لاحقا و نندم كما ندم هو و نكتب ثانية عن مستقبل التاريخ لأنه لا يعتبر المخاطر القائمة على الديمقراطية بأنها شرعية كما ذكر في بحثه المعنون (مستقبل التاريخ ) في عدد آذار و نيسان من عام 2012 من مجلة (فورن أفيرز) بل يعتبرها ظهورا للطبقة ما دون العمال و التضخم العلمي الذي يحوز على الطبقة الوسطى و يهلكها ما دفعه ليتساءل : أين يكون مستقبل الديمقراطية إذا ما انتهت الطبقة الوسطى ؟ إن الغاية من عودتنا إلى فوكوياما هي أن الديمقراطية ذاتها ليست نظاما نموذجيا ...وهل يمكن أن يكون أحد الأنظمة المتبعة للحكم الديمقراطي نموذجيا دون غيره؟ فالمؤسف أن أطراف المعارضة في إقليم كوردستان يسعون لإفهام الناس أو إيهامهم بأن النظام نصف الرئاسي في الإقليم إنما هو نظام رئاسي و أن كل نظام رئاسي هو دكتاتوري أو يولد الدكتاتورية . و يجعل من رئيس البلاد دكتاتوريا !! و السؤال هنا هو : إذا ما فرضنا أن النظام هو رئاسي كما النظام الأمريكي حيث يتولى الرئيس بصورة مباشرة و فردية رئاسة السلطة التنفيذية و أنه لا يعود إلى البرلمان عند الضرورة بل إلى من أدلوا بأصواتهم له. هل أوجد كل ذلك مثل هذا النظام في الولايات المتحدة على مدى 250 عاما من عمرها الزمني ... أو بالأحرى ألا يخشى من هذا النظام من ظهور الدكتاتورية .... والجواب الوافي لدى عموم الخبراء و المختصين في مجال القانون الدستوري هو أنهم يرون مثل هذه المخاوف في كل نظام ، إلا أنه يتعلق بفكر الرئيس و عقليته أكثر من العلاقة بذلك النظام لأن أمامنا نماذج في غاية الديمقراطية في الأساليب الثلاثة المختلفة في الحكم (البرلماني و الرئاسي و نصف الرئاسي) و بالمقابل نماذج فاشلة أيضا ...فالناجحة هي مثلا نماذج النظام البرلماني في كل من بريطانيا و هولندا و السويد و بالمقابل أنظمة برلمانية فاشلة كما في العراق و أفغانستان و كذلك باكستان حيث أجرى برويز مشرف انقلابا عسكريا ... و هي الآن في مقدمة الدول ذات الحكم السيئ في العالم أسوة ما يجري في العراق و أفغانستان. كما أن النظام في تركيا مازال برلمانيا و يفكرون الآن في تغييره إلى نظام رئاسي أولا يعني ذلك أن تركيا تشعر بأنها قد أخفقت في إتباع النظام البرلماني؟ ما يعني أن التغني بأي من هذه الأنظمة إنما هو إغفال للناس و ذر للرماد في عيونهم ، لأن لكل نظام حسناته و سيئاته كما أن هناك وجهات نظر مختلفة بين خبراء السياسة و القانون الدستوري و تتباين حول تسمية الأنظمة إن كانت برلمانية أم رئاسية أو نصف رئاسية. غير أن هناك شروطا عدة لاعتماد النظام في أي من هذه الأساليب لدى بعض الخبراء ... وكمثال على ذلك : في النظام الرئاسي يتم انتخاب الرئيس من قبل الناس بشكل مباشر و هو صاحب الأكثرية البرلمانية ... و هو رئيس الحكومة و يختار وزراءه بشكل مباشر و يقيلهم أيضا ... كما أنه يتم انتخاب الرئيس في النظام نصف الرئاسي من قبل الناس بصورة مباشرة إلا أن سلطاته تفوق سلطات رئيس يتم انتخابه من قبل برلمان اعتيادي . كما أن البرلمان يمنح رئيس الحكومة و الوزراء (أي التشكيلة الحكومية ) ثقته أو يستردها منهم . و أن للرئيس حق حل البرلمان كما فعل ديكول في عام 1968... و بالنسبة للنظام البرلماني هناك رئيس أو ملك إلا أن رئيس الوزراء هو رئيس السلطة التنفيذية بشكل مباشر . و من حق البرلمان استدعاء رئيس الوزراء و الوزراء و مساءلتهم.... هذه المسائل بالنسبة للخبراء و المفكرين الأوربيين هي شروط أساسية لتعريف أي نظام و لنقل (توب أو نيل) الذي كان رئيسا للكونغرس الأمريكي لحقبة من الزمن له رأي آخر و يقولون ( يعتبر أي نظام أو دولة لها رئيسها و بصلاحيات محدودة أكثر من صلاحيات الملوك في النظام البرلماني ، نظاما رئاسيا أو مختلطا...حتى و أن تم تحديد الرئيس من قبل البرلمان .. كما أن هناك وجهات نظر متباينة بشأن النظام نصف الرئاسي و الذي يعتبره البعض نظاما مختلطا... فبعضهم كما الحال مع (موريس فرجيه) يعيد تسمية نصف الرئاسي إلى اسم من استخدم هذا المصطلح في حين يرى آخرون أن تسمى تلك الأنظمة بالمختلطة و ليس نصف الرئاسية أو المطعمة بين الرئاسية و البرلمانية و يعتمد من يؤيدون هذا الرأي على حقيقة أن صلاحيات رئيس الجمهورية في أيرلندا من المحدودية و القلة بحيث لا يمكن تسميتها بالمختلطة كما أن هناك تباينا بين الأنظمة في النمسا و فنلندا و أيسلندا و فرنسا ... إلا أن سلطات الرئيس في ألبانيا الذي ينتخب من قبل البرلمان هي أكثر من النظام الرئاسي المختلط ...مما يدفعنا للوقوف عند الأساليب أو الأنظمة الثلاثة و نتساءل بالتالي : لماذا تم اللجوء في إقليم كوردستان إلى النظام المختلط و انتخاب الرئيس من قبل الشعب مباشرة؟
"إقليم كوردستان و النظام الرئاسي المختلط"
معلوم لدى الجميع لماذا قرر السيد مسعود بارزاني انتخاب الرئيس من قبل الشعب و بشكل مباشر ... و الجواب هو لأن البارزاني عندما تم انتخابه من قبل برلمان كوردستان العراق كرئيس لإقليم كوردستان فإن انتقادات بعضهم كانت تنصب في أن هذه الرئاسة هي صفقة سياسية بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني و بين الاتحاد الوطني الكوردستاني و يجب أن ينتخب الرئيس من قبل الشعب مباشرة ... وصور الأمر و كأن السيد مسعود بارزاني لن يحقق الأصوات اللازمة إذا ما عمد إلى ترشيح نفسه بصورة مباشرة لمنصب رئيس الإقليم بل سيكون الأمر محرجا بالنسبة له ما حدا بالسيد مسعود بارزاني ،كما الجنرال ديكول، أن يتحدى ذلك الواقع و يعلن صراحة أنه لن يكون مستعدا لقبول رئاسة الإقليم ثانية إذا ما تم انتخابه من قبل البرلمان بل إن على شعب كوردستان أن يحسم هذا المنصب ، و كان أن رشح نفسه بمنتهى الشجاعة و منحه شعب كوردستان ثقته و انتخبه رئيسا للإقليم و بذات النسبة التي حصل عليها ديكول في الانتخابات الفرنسية و هي أكثر من 70 % من أصوات الشعب . و هي أعلى بكثير من النسبة التي حققها تحالف البارتي و الاتحاد باسم القائمة الكوردستانية لأنهما حصلا معا على 59% منها ،إلا أن السؤال هو : عندما رشح السيد مسعود بارزاني نفسه للرئاسة هل كان ذلك بصفة شخصية أم كرئيس لتحالف البارتي و الاتحاد و رئيس للقائمة الكوردستانية و نتذكر في ذلك جيدا أن الدكتور برهم أحمد صالح كان رئيسا للقائمة الكوردستانية و في ذات الوقت نائبا للسكرتير العام للاتحاد الوطني الكوردستاني و تولى هو أيضا منصب رئيس مجلس الوزراء في التشكيلة الحكومية السادسة أي أن يكون رئيس الإقليم هو رئيس حزب الأكثرية . بل يمكن في هذا النظام أن يحصل الرئيس بصورة شخصية على أكثرية الأصوات و يكون حزبه ضمن المعارضة في ذات الوقت و خير مثال في ذلك كان الرئيس الراحل فرانسوا ميتران الذي كان رئيس الحزب الاشتراكي الفرنسي خلال أعوام 1986-1988 و كان الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك رئيس وزرائه ما يعني أن حزب الرئيس ميتران كان حزب المعارضة في البرلمان ، كما أن رئيس الوزراء ، في التشكيلة السادسة لحكومة الإقليم ، ينتمي للاتحاد الوطني الكوردستاني و كان الحزب الديمقراطي الكوردستاني له 30 مقعدا في البرلمان فلو تم استرداد الثقة من رئيس الوزراء د . برهم صالح في حينه و تآلف تحالف آخر داخل البرلمان عندها لم يكن الحزب الديمقراطي الكوردستاني بمقاعده الـ30 من بناء أو الحصول على أكثرية برلمانية و كان البارزاني عند ذاك ، و كما كان فرانسوا ميتران خلال أعوام 1986 – 1988، يكون رئيسا للإقليم و دون أن يكون لحزبه أكثرية في البرلمان
سلطات الرئيس أم أسلوب انتخابه:
أن السؤال الذي بقي حتى الآن دون جواب هو : هل أن أطراف المعارضة الكوردستانية و بالأخص حركة كوران (التغيير) هي ضد السلطات الممنوحة للرئيس أم ضد أسلوب انتخابه من قبل الناس ؟ و هو جواب له أهميته نظرا لأنه يجوز أن ينتخب الرئيس من قبل الناس و تكون صلاحياته محدودة في ذات الوقت كما هو الحال مع رئيس جمهورية أيرلندا ... و يضيف موريوس دوفرجيه صلاحيات الرئيس و سلطاته في الأنظمة المختلطة من الأكثر إلى الأقل : فرنسا و فنلندا و إيمار و البرتغال و النمسا و أيسلندا و أيرلندا، حتى أنه ينوه إلى أن سلطات الرئيس في أيرلندا هي من القلة و المحدودية بحيث لا يمكن تسميته بأنه نظام رئاسي مختلط ، و هنا نتساءل ثانية : ترى هل أن السيد مسعود بارزاني قد أصدر قراره بأن يكون انتخاب الرئيس من قبل الناس و بصورة مباشرة بسبب محدودية أو قلة سلطاته أم كان تحديا جاء كرد على الأشخاص و الأطراف الذين كانوا ينتقدون الرئيس المنتخب عن طريق البرلمان ، و الجواب كما أشرنا "آنفا"أن السيد مسعود البارزاني و كتحد لهذا الواقع قد قرر أن ينتخب الرئيس من قبل الشعب من جهة و من جهة أخرى ترشيح و انتخاب البارزاني من قبل الناس ليس بالمرة الأولى بل كان إبان الانتخابات البرلمانية في عام 1992 أحد المرشحين لرئاسة إقليم كوردستان و رغم أن هذا الأمر لم يحسم في حينه إلا أن شعب كوردستان قد منح السيد مسعود بارزاني صوته الأول ولو كانت قد جرت الدورة الانتخابية الثانية للرئاسة لحسم الأصوات لكانت قد حسمت لصالح أحد المرشحين الرئيسين السيدين جلال الطالباني و مسعود بارزاني ما يعني أن الغاية الرئيسية للسيد مسعود بارزاني كانت أن يحسم الشعب هذا الأمر و لكن لنتساءل بالمقابل : ما هي أسباب مخاوف أطراف المعارضة و بالأخص حركة كوران من السلطات الواسعة للرئيس ؟ هنا لابد من الإجابة و القول أن البرلمان هو الذي يقرر سلطات رئيس الإقليم إلا أننا لو تعاملنا مع هذه المسألة بصورة واقعية و اعتبرنا حق و صلاحيات الرئيس في الحالات الاستثنائية ،في حل البرلمان و الدعوة لانتخابات مبكرة هي مخاوف حقيقية ، يكون من الحق أن نتساءل هل استخدم السيد مسعود البارزاني تلك الصلاحية الاستثنائية الشرعية البرلمانية أم أن رئيس حركة كوران السيد نوشيروان مصطفى الذي ليست له أية صلاحية شرعية هو الذي أصدر بيانا يدعو فيه لحل البرلمان و تشكيل حكومة تكنوقراط في الإقليم ، و تغيير النظام السياسي من جذوره؟ و لا شك في أن رئيس حركة كوران هو الذي أصدر هذا البيان دون أن يستخدم رئيس إقليم كوردستان سلطاته التشريعية في ذلك ثم نتساءل : كيف تعامل رئيس الإقليم مع بيان حركة كوران (التغيير) هذا و هل قرر أنه نظرا لعدم وجود أية سلطات شرعية لدى الحركة كجهة حزبية ، في حل البرلمان فإنه يتوجب في هذه الحالة سحب إجازة العمل منها أم أنه اجتمع مع الأحزاب السياسية الكوردستانية و بحث معهم هذه المسألة بمنتهى الصراحة .... وكي لا تستجد أية أوضاع معقدة و توخيا لإضفاء الشرعية على البيان سباعي النقاط للحركة فقد تم منحها إجازة رسمية للتظاهر و تأييد نجاح انتفاضة الربيع العربي و تهنئة السلفيين و الإخوان المسلمين في مصر!! ... إلا أن تلك المظاهرة تم تسييرها مسارا آخر، أسوة بمظاهرات باريس عام 1986 ،و الجميع على علم بحقائق ذلك المنحنى و تحول من التظاهر لدعم الإخوان و السلفيين إلى التظاهر ضد (الفساد) و سوء أداء نظم الحكم في الإقليم إذ نعود و نتساءل : ترى كيف تعامل (ذلك النظام الفاسد و السلطة السيئة) مع ذلك الوضع ؟ حيث أعلن رئيس الإقليم أن مطالب الناس مشروعة و لو أرادوا حل البرلمان فإن الساحة مفتوحة أمام الجميع لكي يجتمعوا و يقرروا إجراء انتخابات مبكرة ... والملاحظ أن رئيس الإقليم قد تقاسم ، في تلك الظروف أيضا جميع الصلاحيات الممنوحة له مع جميع الأطراف السياسية ثم هل تناهى إلى أسماعنا أن د. برهم أحمد صالح رئيس مجلس الوزراء في التشكيلة الحكومية السادسة و هو نائب السكرتير العام لاتحاد الوطني الكوردستاني قد أبدى أية معاتبة في أن رئيس الإقليم هو جزء من السلطة التنفيذية و قد مارس حصته فيها حتى أن الوزراء الذين كانوا يرافقون السيد رئيس الإقليم في جولاته الميدانية لعموم مناطق كوردستان من زاخو إلى خانقين كانوا الوزراء ذوي العلاقة المباشرة بمطالب المواطنين فقط و كان رئيس الإقليم يوجه المطالب تلك إلى الحكومة لتنفيذها لا أن يجعل صلاحياته آلية لكسب نفوذ سياسي.
لماذا لا يتم انتخاب الرئيس من قبل الشعب:
و نتساءل هنا : هل أن انتخاب الرئيس من قبل الشعب يجعل نظام الحكم نظاما رئاسيا و الرئيس دكتاتورا؟ هذا سؤال علينا أن نواجهه بشجاعة لأنه ليس في رغبة أو نية أعضاء البارتي أو الاتحاد أو الأشخاص المستقلين و حتى أعضاء المعارضة الذين منحوا أصواتهم لرئيس إقليم كوردستان أن ينصبوا أنفسهم دكتاتورا عليهم... كما أن هؤلاء هم واثقون بأن (خلق) الدكتاتور هو ذو علاقة بعقلية ذلك الشخص أو أسلوب تفكيره و ليس بأسلوب الحلكم و المثل على ذلك نرى أن في العراق برلمانيا حسب قولهم و ينصاع فيه رئيس الوزراء للبرلمان ... إلا أن ما يشير إليه العالم بكل صراحة و يبينه هو أن نوري المالكي يخطو نحو الدكتاتورية فيما يقف البرلمان عاجزا و أنه قد وظف كل إمكانيات الدولة لخدمته هو و حزبه لتصفية خصومه السياسيين . و لو اتبعنا وجهة نظر المعارضة في تفسير ذلك لكان الواقع يقول بأن تكون بصورة معاكسة و كان المفروض أنه نظرا لكون النظام برلمانيا أن تكون الديمقراطية سائدة في العراق و يعاني إقليم كوردستان من (مغبة إساءة استخدام سلطات رئيس الإقليم) و المفروض أيضا أن تتظاهر حركة التغيير في الإقليم و بدل المطالبة بحل البرلمان ضد أي قرار للرئيس بحل البرلمان الكوردستاني الصياح بأن رئيس الإقليم قد استخدم صلاحياته في ذلك و بالتالي عدم انتخابه من قبل الشعب !!!
أما إذا تواصلت إدعاءاتهم بأن الحزب الديمقراطي الكوردستاني هو صاحب النفوذ الأول في الإقليم و يكون الأول في الانتخابات و أنه من الصعب أن يكون السيد مسعود بارزاني موضع منافسة أحد ،فالرد هنا يكون بلا شك : هذه في الواقع هي قدر الديمقراطية و كمثال على هذا النمط نرى أن أردوغان هو رئيس حزبه في تركيا بينما نائبه هو رئيس الجمهورية ما يبرر وقفة جدية و حكيمة على قدر الديمقراطية.
كولاديا ديريكس لمجلة كولان:
خصوصية البلاد هي التي تحدد نظام الحكم ولا مجال لقرار مبكر " البرفسورة كلاوديا ديريكس هي أستاذة العلوم السياسية في جامعة فيليبس في مالبورك الألمانية و مختصة في السياسة المقارنة و التنمية الدولية و خبيرة في شؤون الحكم في آسيا و الشرق الأوسط و قد حدثتنا عن تحديد أسلوب نظام الحكم:
"الفرق الرئيس بين النظام الرئاسي و البرلماني هو عبارة عن كيفية ممارسة عملية البحث و الموازنة بين السلطات أنا شخصيا مواطنة ألمانية و في بلادي مستشار هو الرئيس المباشر للسلطة التنفيذية إلا أنه يتم انتخابه من قبل البرلمان كرئيس للوزراء فيما يتبع النظام الرئاسي في الولايات المتحدة و له حق النقض (الفيتو) في معظم المجالات و قد تمت في النظام شبه الرئاسي محاولة الاستفادة من النظامين أو التجربتين ، ما يعني أن اختيار أحد النظامين لا علاقة له بأفضلية أحدهما على الآخر بل لكل بلد مظهر و اختيار خاص به من حيث الثقافة و الدين و العرق و الاقتصاد و الجغرافية و السياسة ، ما يعني أن يقرر جميع المواطنين أي نظام هو أفضل من غيره بالنسبة لبلادهم و انتخاب الأسلوب الذي يلائمهم ما يحتم أن يصار إلى تثبيت أسلوب مناسب للحكم قبل إعلان التشكيلة الحكومية التي يتم فيها ضمان مشاركة المواطنين في العملية السياسية و من ثم الفصل في أن يكون نظام الحكم فيه رئاسيا أم برلمانيا أم مختلطا من النظامين و أن عملية الانتخاب هي التي يكون لها القرار الحاسم في ذلك ومن جهة اخرى من حق المواطنين المشاركة في عملية المصادقة على الدستور إلا أنك لو استطلعت رأيي كعالم سياسي ،فأقول ، ليس من المهم كيف يكون نظام الحكم طالما توفرت الفرص حتى في الدول النامية أمام المواطنين و جميع الأقليات ليختاروا السياسات التي يفضلونها و بما يلائم البلاد و الشعب بصورة عامة و ليس بمقدور أحد أن يقول بأفضلية أي من الأنظمة البرلمانية أم الرئاسية أو المختلطة و أعتبر من يفعل ذلك جاهلا لأن لكل بلد اختلافاته عن بلد آخر لأن تأثيرات كل الاختيارات تكون هي المؤثرة على المواطنين : و ليس لأحد أن يقرر ذلك بشكل عشوائي و كيفا اتفق ، لأن ذلك تجاهل لشخصية البلاد و خصوصياتها.
روكر سميث لمجلة كولان:
للنظام المختلط سجل مشرف في تاريخ الحكم
-البرفيسور روكر أم سميث هو رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة بنسلفانيا و رئيس البرامج في معهد بين (Penn) و مختص في العملية الديمقراطية و الأساليب المختلفة في النظام الديمقراطي في مختلف دول العالم و قد حدثنا عن أنواع أنظمة الحكم قائلا:
" في النظام البرلماني ،ينتخب المقترعون حزبا أو تحالفا برلمانيا متمكنا و من ثم يقومون بانتخاب رئيس الوزراء فيما يكون تصويت الناس في النظام الرئاسي لانتخاب مسؤول للسلطة التنفيذية أو رئيس للبلاد إلى جانب انتخابهم للبرلمان أو السلطة التشريعية و من المفروض في النظام البرلماني أن يكون رئيس السلطة التنفيذية منتميا إلى الحزب الأكبر في البرلمان في حين يمكن ، في النظام الرئاسي ، أن يكون الرئيس منتميا للحزب المعارض أو التحالف المسيطر على السلطة التشريعية إلى جانب النظام المختلط و الذي يضم رئيس الدولة و الوزراء و على أساس أن يتولى الرئيس و بشكل خاص مسؤولية السياسة الخارجية و يتعامل وفقها في حين يتولى رئيس الوزراء بالدرجة الأولى السياسة الداخلية ... لذا فإن ليس لرئيس الدولة حتى في النظام الرئاسي كامل الصلاحيات بل إن النظام الدستوري في مثل هذه الدول يكون بشكل يتم تقسيم السلطات فيها إيقاف بقية السلطات عند حدودها و بإمكان رئيس الولايات المتحدة ، من الناحية الدستورية ، أن يعلن الحرب عندما يوافق الكونغرس على ذلك و ليس بإمكان الرئيس إعلان الحرب و الأمر بإجراء عمليات عسكرية للدفاع عن الأمن القومي دون أن يوافق الكونغرس على تأمين المصادر المالية لإجرائها أو تمديدها . و هو بحد ذاته سبب مهم في ألا تغدو صلاحيات الرئيس فيها سلطة دكتاتورية ، لأن الدستور قد قسم السلطات بين المكونات الحكومية و لا بد من ذكر حقيقة إتباع الرئيسين أبرهام لينكولن إبان الحرب الأهلية و روزفلت خلال الحرب العالمية الثانية موقفا قويا للدفاع عن الأمن القومي و تجاوزا بذلك كل صلاحياتهما الدستورية و كان ذلك في خضم ضغط كبير للرأي العام و كانا على حق في ذلك فقد كانا يدركان بضرورة اتباع تلك الممارسات فقط عند الحاجة الوطنية القصوى في الدفاع عن الأمن القومي و أن مآل ذلك الوضع الاستثنائي إلى الزوال فيما يتم تقييم جدي بالنسبة للنظام المختلط من قبل الخبراء السياسيين حيث يفضله البعض بكون منهم إذ يكون له سلطة تنفيذية فعالة لكن ذات صلاحيات محدودة و تتحمل بالدرجة الأولى مسؤولية مختلف مصالح البلاد فيما يرى البعض الآخر أنه ليس بإمكان النظام المختلط (إنتاج) رئيس تكون له ذات الصلاحيات التي تتمتع بها السلطة التنفيذية كما ينبغي و برأيي أن للنظام المختلط سجلا جيدا و أراه الطريق الوحيد للحل .يجب أخذه محمل الجد غير أن على كل دولة أن تتبنى جملة مؤسسات ملائمة و تخدم مصالحها.
البرفسور دانيال كارماني لمجلة كولان:
النظام المختلط يعني مرونة النظام البرلماني و فاعلية النظام الرئاسي
البرفسور دانيال كارماني هو مدير مركز العلوم السياسية لجامعة سانت كلن في سويسرا ذات الأهمية القصوى بأساليب الحكم و هو مختص في ذات الجامعة في مجال الديمقراطية و الحكم في مختلف مناطق العالم و قد حدثنا عن أساليب و أنظمة الحكم الثلاثة قائلا:
" الاختلاف الرئيس بين النظامين الرئاسي و البرلماني هو أن في الأول يتم انتخاب السلطة التنفيذية بصورة مباشرة من قبل الناس فيما يتم انتخابها في الثاني من قبل البرلمان و يتم في النظام الرئاسي تقاسم السلطات و لن يكون للبرلمان صلاحيات سحب الثقة من الرئيس فيما يكون من صلاحيته حل البرلمان .. بينما يتمكن البرلمان في النظام البرلماني من أن يمنح الثقة للحكومة و يستردها منها .. أي أن البرلمان لا يختلف أو يستقل عن الحكومة بحيث يتمكن من تغييرها إن لم يكن راضيا عن أدائها في حين يتوجب في النظام الرئاسي أن يكمل الرئيس دورته الرئاسية ، و هناك بين النظامين آخر ثالث و هو شبه الرئاسي على غرار ما هو موجود في فرنسا و دول أوربا الشرقية التي تسعى للاستفادة من النظامين في جوانبهما الإيجابية و التوافق بها أي مرونة النظام البرلماني و فاعلية النظام الرئاسي و يحدث في الدول حديثة الديمقراطية عادة الخلط بين النظامين لأن لديها رغباتها في بناء المؤسسات المنتخبة وتسعى لترسيخ الأسس الديمقراطية و بالإمكان القول أيضا أن النظام الرئاسي هو أكثر فاعلية من البرلماني لأن في الأول يوجد رئيس لا يتقاسم سلطاته مع التحالفات الأخرى . كما يحصل عادة في الأنظمة البرلمانية و بالمقابل يكون الحكم فاعلا في النظام البرلماني أيضا و كما هو معمول به في بريطانيا أو أستراليا حيث هناك حزب واحد في الحكم هو الذي يتخذ القرارات لذا فأنا لا أشاطر الرأي القائل بأفضلية و فاعلية النظام الرئاسي أكثر من النظام البرلماني لأن للمؤسسات دورا محدودا واجب الاحترام فالديمقراطية هي ليست الانتخابات فحسب بل هي عبارة عن سيادة القانون و ضرورة التزام الجميع بالقانون و بمن فيهم الرئيس و من يتولون السلطات و لن تكون هناك ديمقراطية بغياب مثل هذه المعادلة. و يكون من الواجب احترام المعطيات و الأقليات أي لا يتمكن الفائزون من فعل ما يشاءون بل يجب احترام الأطراف المعارضة أيضا و يكون الرد المقتضب لمثل هذا التساؤل هو احترام سيادة القانون و ألا يعلو أحد فوق القانون.


الشخصيات:

وينستن تشرشل:
ولد عام 1847 في العاصمة لندن و يعتبر أحد الأغنياء في التاريخ المعاصر لبريطانيا و تولى رئاسة الوزارة البريطانية عام 1940 خلال فترة الحرب العالمية الثانية. و قد تمكن في تلك الفترة و بجدارة و نجاح من إدارة البلاد في خضم الحرب و يكون أحد الحلفاء الرابحين فيها.
و في عام 2002 و بناء على استفتاء أجرته هيئة الإذاعة البريطانية (بي. بي . سي ) أختير إحدى الشخصيات المائة المشهورين في بريطانيا... وقد أدار الحكم ضمن نظام برلماني إلا أنه كان زميلا مقربا للرئيس روزفلت و تمكنا معا من تحويل اتجاه الحرب العالمية الثانية و تحطيم جميع الخطط الفاشية و النازية , ما كان السبب الكامن وراء فكرة إحلال منظمة الأمم المتحدة محل عصبة الأمم في بداية الأربعينيات من القرن الماضي و التي أصبحت اليوم منظمة عالمية للدفاع عن السلام و الأمن الدوليين.

فرانكلين روزفلت:
ولد عام 1882 و هو الرئيس الــ 32 للولايات المتحدة الأمريكية و الرئيس الوحيد الذي تم انتخابه لأربع دورات انتخابية أمريكية و رأس بلاده لمدة 12 عاما أي (1933 - 1945)و رحل في السنة الأولى من دورته الرئاسية الرابعة.
يعتبر روزفلت في التأريخ السياسي الأمريكي ثالث أعظم رئيس أمريكي بعد جورج واشنطن و أبرهام لنكولن كونه قد تمكن من تغيير وجهة حرب مفروضة قاسية لصالح بلاده و العالم أجمع و الحيلولة دون انتصار الفاشية و النازية فيها ... إلى ذلك كان روزفلت الرئيس الذي تمكن من ممارسة و استخدام سلطاته القوية لاتخاذ قرارات جريئة بشأن مستقبل الولايات المتحدة و العالم أيضا....
و تلك السلطات الواسعة هي إحدى الخصوصيات الأساسية للرئيس في النظام السياسي الأمريكي و قد برهن روزفلت أسوة بسلفيه لنكولن و جورج واشنطن جدوى استخدام سلطات الرئيس لاتخاذ قرارات مصيرية و هي ذات القرارات الشجاعة التي تحدد مصير الأمة . و هي نموذج ناجح للنظام الرئاسي في تاريخ الحكم الديمقراطي.

الجنرال شارل ديكول:
ولد ديكول في عام 1890 و كان جنرالا عسكريا و سياسيا فرنسيا فذا و نال خلال الحرب العالمية الثانية رتبة جنرال و قائد لفرقة عسكرية و تولى في 1943 رئاسة اللجنة الفرنسية للتحرير و الإنقاذ الوطني و أصبح في حزيران من عام 1944 رئيسا للحكومة الفرنسية المؤقتة في لندن . يعتبر الفرنسيون الرئيس ديكول الأب الروحي للجمهورية الخامسة و بطل التحرير الوطني ... و كان أول شخص في التاريخ السياسي الفرنسي تخلى عن النظام البرلماني و مارس النظام نصف الرئاسي و أنقذ فرنسا من أزمة كبرى في الحزبية و عدم الاستقرار ما جعل الجمهورية الفرنسية الخامسة تعتبر في التاريخ المعاصر نموذجا للنظام الرئاسي المختلط . و هو نظام ينتفع من النظامين الرئاسي و البرلماني و تعتبر فرنسا خلال مرحلة الجمهورية الخامسة ،حيث تم استخدام هذا النظام ، دولة ديمقراطية على مستوى العالم لذا فإنه عندما يجري الحديث اليوم عن الأسلوب الناجح لمختلف أنظمة الحكم الديمقراطي فإن النظام الفرنسي المختلط و أسوة بالنظامين البرلماني في بريطانيا و الرئاسي في الولايات المتحدة الأمريكية، يعتبر نظاما ناجحا في الحكم.

ترجمة : دارا صديق نورجان
Top