• Saturday, 27 April 2024
logo

العراق في مرحلة (ما بعد الفدرالية)

العراق في مرحلة (ما بعد الفدرالية)
إن مصطلح(بوست فيدراليزم) لم يستخدم في هذا التقرير بمعنى(ما بعد الفدرالية) وذلك لأن(بوست) عندما يتقدم مصطلحاً سياسياً أو فلسفياً إنما يعني أنتهاء أو فشل تلك المرحلة.. فعلى سبيل المثال، عندما يقال(عراق بوست صدام حسين) فإن ذلك في نتيجته الحتمية يعني أن صدام و نظامه قد أنتهيا ولن يعودا ثانية.. وكذلك الحال بالنسبة لمصطلح(بوست مودرين) ويعني ذلك وفق المدرسة الفكرية الفرنسية أن مرحلة الحداثة والعصرية أو(الموديرن) قد أنتهت و يفترض أن تبدأ مرحلة أخرى ما جعل بعض المفكرين المعاصرين، عندما يتحدثون عن( ما بعد أحدى المراحل- إنما عليهم أن يتحفظوا من أستخدام كلمة( post) واللجوء الى كلمة(مابعد ذلك lqte) وذلك بمثابة تنوية الى أن الحديث يجري حول مرحلة بذاتها وألا يعني بالضرورة فشل المرحلة السابقة أو أنتهائها ما يجعل التقرير ينوي صراحة في أستخدام مصطلح(البوست فدرالية في العراق) التأكيد على أن الفدرالية كفلسفة سياسية لتنظيم دولة كنظام فدرالي أتني و قومي متعدد(M ultina tonal and multi ethnic Federalism shard )، والذي يعني الحكم المشترك(shared ruli)، أو الحكم الذاتي (Self rule)، في إطار الدولة قد أصبح تأسيسه في العراق في أعماقه السحيقة وأن محاولة إعادة تعديل تلك العملية هي مسألة في غاية الصعوبة إن لم تكن مستحيلة ومن الصعوبة جداً أن يصبح عراق ما بعد صدام والبعث ذلك العراق الديمقراطي والفدرالي والتعددي والتعايشي الأختياري الوارد في الدستور العراقي الدائم.

فدرالية التعددية القومية و رفض التعايش القسري
الكورد أو شعب كوردستان في العراق ليس لهم الحق في فرض النظام الفدرالي على القسم العربي من العراق إلا أن لهم الحق أن يحددوا شروطهم للتعايش الأختياري في البقاء ضمن أطار العراق، ما يبرر أن الشروط التي حددها الطرف الكوردستاني للبقاء في أطار العراق، هي بأمس الحاجة الى التزام الجانبين، أقليم كوردستان والحكومة الفدرالية في بغداد والأعتراف به ويطبقا معاً وبالتعاون ذلك الدستور الذي يضمن إعادة بناء العراق الذي تم التصويت عليه في الدستور إلا أن السؤال هنا هو: ما هي الشروط التي يصر عليها الجانب الكوردستاني لبقائه في إطار العراق؟ وجوابا على ذلك نقول الشروط هي:
1- الأعتراف بإن العراق دولة مشتركة بين القوميتين الرئيستين (الكورد والعرب) مع أحترام حقوق القوميات الأخرى المتعايشة فيه.
2- نظام الحكم في العراق يجب أن يكون نظاماً فدراليا ذا تعددية قومية وأن يكون لأقليم كوردستان والحكومة الفدرالية في بغداد وجودهما على الأقل، ولو تم إنشاء أقاليم أخرى في الأقسام الأخرى من العراق مماثلة لأقليم كوردستان فإن ذلك شئ جيد وحتى لولم يتم إنشاؤها فإن من الواجب أن يشمل أقليم كوردستان، وفق حدوده الجغرافية والطبيعية، جميع المناطق التي تعتبر أراضي للأقليم، وهذا يعني أن يكون للكورد والعرب أتحادهما في إطار العراق وأن يكون لكل منهما حقه، في إطار حدوده التأريخية والجغرافية، في حماية خصوصياته السياسية والقومية والثقافية وتطوير مصالح الأقتصادية.
هذان في الواقع هما شرطان منصوص عليهما في الدستور العراقي ويتعرضان الى التهديد من سلطة الحكومة الأتحادية العراقية، لذا فإن الكورد في هذه الحالة، حيث للكوردستانيين تأريخ مر من التطهير العرقي والأبادة الجماعية(الجينوسايد) على أيدي الأنظمة العراقية السابقة، من حق هذا الشعب أن يتخوف من تكرار ذلك التأريخ ويصر على العوامل والنقاط التي تحمي النظام الفدرالي و يقف على أهبة الأستعداد لمواجهة كل المحاولات التي تعيد العراق من دولة فدرالية الى أخرى مركزية ما يعني أهمية أن نقف أمام العناصر التي تحمي النظام الفدرالي وبكل جدية ومنها:
أولا: يكون التعايش أختيارياً في الدولة الفدرالية وليس قسرياً وعلى سبيل المثال نرى أنه يجري في أقليم كيوبيك الكندي أستفتاء للرأي كل عدة أعوام لأستبيان آراء المواطنين الفرنسيين في ذلك الأقليم عما إذا كانوا يرغبون في البقاء ضمن كندا ام أن تكون لهم دولة مستقلة. إن هذا الأستفتاء لا يعني إطلاقاً أن الحكومة الكندية لم تفكر في أن مواطني أقليم كيوبيك ذوي اللغة الفرنسية يهددون وحدة كندا و سيادتها.. بل جاء تفسيره بإن من حق هؤلاء أن تكون لهم دولتهم المستقلة إلا أن المصالح العليا للقوميتين من ذوي اللغتين الفرنسية والأنجليزية تقضى وتتطلب أن تتعايش القوميتان في إطار الدولة الكندية وتديران البلاد بصورة مشتركة ولكل منهما حقها في إدارة أقليمها.... غير أن الكورد في العراق، ومع الأسف، لم يمنحوا هذا الحق في التعايش مع القومية العربية في إطار العراق بصورة أختيارية بأعتبارها قومية مختلفة .
وذلك بسبب الحاق هذا القسم من كوردستان بالعراق دون رغبة أو أرادة شعب كوردستان و جعلت السياسة الدولية ذلك الألحاق أمراً مفروضاً ما يجعل الكورد يشعرون أنهم يعيشون في العراق بالقوة القسرية وجاءت أهداف القيادة السياسية الكوردستانية بعد عام 2003 وفي مرحلة ما بعد صدام والبعث أن يفكر القادة العراقيين الجدد وبأسلوب جديد و محو ذلك التأريخ الأسود، وذلك لكي يقرر الشعب القومية العربية في العراق بإرادته الحرة إلا أن السنوات العشر الأخيرة لم تجد خلاف ذلك فحسب بل تكرار سيناريوهات دول الأتحاد السوفيتي السابق ويوغسلافيا السابقة والتي تم جمعها بصورة قسرية في أطار دولة واحدة غير أن تعلمناه من تجارب الأتحاد السوفيتي و يوغسلافيا السابقة هو أنما تلك القوميات، قد بقيت وصمدت وأصبحت لها دولها المستقلة وبالمقابل محيت من الوجود والخريطة السياسية للعالم الدول التي تم تأسيسها قسريا...
ثانياً/ الأنحراف عن المبادئ الديمقراطية نحو أسلوب التفرد في الحكم، وهوأمر ملحوظ في الحكومة العراقية بأعتباره دليلاً على فشل فدرالية التعددية القومية بل أن شخص رئيس الوزراء يتوجه نحو هذا المنحى ولو كان تصور رئيس الوزراء في مسار التوجه نحو التفرد في الحكم بعيداً عن المسار الديمقراطي بهدف إبقاء العراق موحداً، فإن التجارب العالمية تبلغنا بإن هذه الخطوات إنما تسارع في تفكيك الدولة وكما أنفصلت بنغلاديش عن الباكستان وسلوفينيا و كرواتيا عن يوغسلافيا السابقة وفيما بعد تسببت مواصلة السياسيين الصرب على ذات المسار في انفصال البوسنة ومونتينكرو و كوسوفو عن تلك الدولة وبقاء الصرب وحيدين.
ثالثا/ كما أن التعامل مع الأمم المشتركة في البلاد على أسس من العنصرية وأعتبار الأخرى غريبة عنها في إطار مبدأ القومية المتسلطة والقومية المحتلة هو سبب آخر في عجز وعدم تمكن القوميات من التعايش في إطار بلد واحد.. والمثال هنا هو رغم وجود أتفاق سابق على تعايش جنوب السودان في أطار أدارة فدرالية إلا أنهم قد أنفصلوا في النهاية.
رابعاً/ توزيع الأيرادات بصورة عادلة و وجود المساواة في تنمية الأقتصاد و تطويره، وقد قبل أقليم كوردستان ، ووفق الدستور الدائم، بإن يعيد أيرادات الثروات الطبيعية الى الحكومة الفدرالية وتوزيعهاً بصورة عادلة على المواطنين العراقيين كافة إلا أن حكومة بغداد، وفضلاً عن أيجاد حجج متنوعة كل سنة على حصة أقليم كوردستان عدم صرفها لموازنة البيشمه ركة بأعتبارهاً جزءا من الموازنة نظام الدفاع الوطني، إنما تدفع حصة الأقليم المحدودة وفق عدد السكان وتتلكأ في دفعهاً وتجدها زائدة على الأقليم ولا يستحقها اهله إن هذا التحنر والنأي عن العدالة هو سبب آخر لفشل فدرالية التعدد القومي وتقسيم البلاد والمثال الأقرب هنا هو أنفصال الجيك والسلوفاك.
خامساً/ أستمرار سياسة ترسيخ محو الهوية القومية والأصرار على سياسة أقتطاع الأراضي وأجراء المناورات للترهيب وحشد القوات إنما يولد شعوراً لدى القومية الأخرى المقابلة بإن التعايش مع عقلية كهذه أمر محال، والمثال أن رئيس الوزراء العراقي عندما يغير أسم المناطق المقتطعة الكوردستانية المذكورة في الدستور الدائم بالمناطق (المتنازع عليها) يغيرها الى (المناطق المختلفة فإن ذلك يعني أن هذه الحكومة إنما تخرق نصاً دستورياً وهو تطبيق وتنفيذ المادة (140) من الدستور العراقي وذلك يعني لدى شعب كوردستاني وبكل صراحة العودة الى سياسة التعريب والترحيل والتهجير القسري التي مارسها النظام السابق ضد كوردستاني تلك المناطق بكوردهم و تركمانهم و مسيجيهم ما يشكل خطراً كبيراً على وحدة العراق وهي خطوة لا يقبل بها شعب كوردستان.
إن وجود أي من النقاط الأنف الذكر هو إشارة الي حقيقة أن النظام الفدرالي في العراق يحث الخطى نحو الفشل، كما أن وجود أي من تلك الأشارات، وكما بينتها التجارب العالمية، يكون سبباً في تفكيك دولة إلا أن هناك في عراق اليوم جميلة مسبباتً تشكل كلها تهديداً على مستقبل النظام الفدرالي كوحدة أختيارية لبقاء شعب كوردستان في أطار العراق.. والسؤال هنا، و قبل الدخول في تفاصيل مرحلة ما بعد الفدرالية في العراق-: لو توفرت فرصة سانحة لتعديل مسار العملية السياسية في العراق فكيف للعراق أن يخطو مرة أخرى نحو دولة فدرالية؟ هنا لا بد من الأشارة الى أن النظام الفدرالي أو بالأحرى فدرالية التعددية القومية إنما تحتاج الى جملة من المعطياتً تشكل بمجموعها حق النقض(الفيتو) للقومية المقابلة أو الأخرى في عيشها الأختياري في إطار تلك الدولة وعدم قبولها للتعايش القسري ويتخلص كل ذلك في عدد من النقاط:
1- يجب أن تكون إعادة النظام فدرالي التعددية أتحاداً أختيارياً بين القوميتين الكوردية والعربية في العراق أي أن نتوصل القوميتان الى قناعة أن هذا الأتحاد هو أختياري و من مصلحتهم معاً وليست الفدرالية مقترحاً مفروضاً من الأمم المتحدة، والولايات المتحدة أو أية دولة أخرى.
2- ولكي يتجاوز شعب كوردستان تصور أنه قد بقى في العراق وبالقوة والفرض بأعتباره قومية مختلفة.. بل يجب أن يصوت شعب كوردستان على اسلوب الأتفاق على ذلك الأتحاد الأختياري أو أجراء أستفتاء عليه.
3- من الأهمية بمكان أن تتولد لدى الحكومة العراقية الحالية من جديد قناعة أن الشرط الأساسي لنجاح الفدرالية تعددية القومية هو وجود الديمقراطية وبناء أرضية وبنية راسخة لمؤسسة الليبرالية الديمقراطية فيها ، أي أنه يجب أن يطبق الدستور قبل كل شئ في العراق وحماية سيادة القانون و من ثم تهيأ الأرضية المناسبة لتأمين أجراء أنتخابات حرة و نشاطات الأحزاب السياسية و حرية التعبير.
4- يجب بذل المساعي لضمان أن تكون العلاقة بين القوميتين الكوردية والعربية في العراق على أساس الأعتراف المتبادل وأحترام القوميات والديانات الأخرى...
5- أن يجري أتفاق على توزيع الأيرادات يرضى به أقليم كوردستان والحكومة الفدرالية وبالأخص على قانون النفط والغاز والذي تحاول الحكومة الأتحادية بأستمرار أن يكون بشكل يخدم فقط توجهاتها المركزية وليس مصالح حكومة فدرالية تشعر معها المكونات المختلفة أنهم شركاء حقيقيون فيها.
6- والأهم من كل ذلك هو أتباع بعض الأساليب الدستورية العملية التي تمنع أية محاولات مستقبلية تعمل على إعادة النظام الفدرالي الى نظام مركزي.
7- يجب توزيع السلطات في العراق على أسس أفقية وعمودية، بين مختلف المكونات والتي من الواجب أن تشارك، على أساس نسبة أعداد سكانها، في مؤسسات الدولة الفدرالية ومنها ( الجيش والشرطة والأمن والقضاء) وذلك بسبب كون الدولة هي شراكة بينها جميعاً.
8- عدم أجراء الحكومة الفدرالية، ومن طرف واحد، تغييرات في عملية توزيع السلطات أو التلاعب بنسب مختلف المكونات داخل المؤسسات، و يتوجب عند هذه الحالة، ودون مراعاة قلة أعداد القوميات أو كثرتها، أن يكون لأي مكون حقه في رفض أو نقض تصرفات و ممارسات الحكومة المركزية بشكل رسمي أو غير رسمي.


( معالجة المشكلات القومية بعد فشل الفدرالية )
لقد صادق برلمان كوردستان العراق بتأريخ 4/10/1994 أي فقط زهاء 4 أشهر ما بعد الأنتخابات البرلمانية، وفي قرار تأريخي، على النموذج الفدرالي كقرار لبقاء شعب كوردستان في إطار العراق، وقد جرت مناقشة هذا القرار بين صفوف المعارضة العراقية، على مدى أعوام(1992-2003) – أي قرار الأتحاد الأختياري بين القوميتين الكوردية و العربية في العراق- على أساس أن الفدرالية تعني الأنفصال و ليس الأتحاد أو التعايش، إلا أنه وبعد مناقشات محتدمة وعقد مؤتمر دولي حول الفدرالية في جامعة(سانت كلن) السويسرية بمشاركة العراقيين الكورد والعرب ومن ثم أنعقاد مؤتمر ثان في معهد مصطفى البارزاني بمركز السلام العالمي في جامعة أمريكا بعنوان (الكورد هم مفتاح أستقرار العراق) ، فقد رضيت المعارضة العراقية أن يكون اقليم كوردستان كأقليم فدرالي في أطار العراق، وأصبح أقليم كوردستان، بعد سقوط النظام السابق وفي مسار صياغة القانون المؤقت للمرحلة الأنتقالية وفيما بعد في الدستور العراقي، أقليماً فدرالياً للأمر الواقع وفق حدوده ما قبل عام 2003 وفي أطار الدولة العراقية التي هي، ووفق فقرات الدستور وبشكل صوري، دولة فدرالية..إلا أنه من الناحية العملية لم تتخذ أية خطوات جوهرية للنظام الفدرالي متعدد القوميات بل سارت الخطوات والى الآن بأتجاه العمل على إعادة اللامركزية فيه، ولذك معنى واحد فقط وهو أن صيغة التي اختارها الطرف الكوردستاني لمعالجة مشكلات شعب كوردستان في إطار الشعب العراقي وصادق عليها برلمان كوردستان العراق، لا يجري تطبيقها على أرض الواقع.. فبعد عشر سنوات من السقوط النظام السابق نرى مرة أخرى أن التعقيدات القائمة بين الأقليم وبين بغداد قد وصلت حداً أضطرت معه قوات البيشمه ركة لأتباع حالة التأهب وتقف في المناطق الكوردستانية خارج الأقليم في مواقع الدفاع عن أرض كوردستان والحقوق المشروعة لشعبها.. ولو أرتكبت قوات جيش حكومة المالكي أية مغامرة، لا سمح الله، وعرضت أمن تلك المناطق واستقرارها الى الخطر، فإن قوات بيشمه ركة كوردستان لن تقف مكتوفة الأيدي وتبدأ من جديد الدفاع والمقاومة ما يبلغنا بكل صراحة أن قضية شعب كوردستان لم يجري حلها ليس خلال العشر سنوات الماضية فحسب، بل تزايدت تهديدات الحرب والعنف في دائرة أوسع ، حيث يهدف رئيس الوزراء العراقي بتغيير القتال الى حرب بين الكورد والعرب، وهو أكبر المخاطر المحدقة بالعراق على مدى تأريخ الثورة الكوردستانية والحكومات العراقية المتعاقبة حيث لم يتحول القتال بين الثورة و بين تلك الحكومات المتعاقبة، في يوم ما الى حرب بين الكورد والعرب، ما يبرر حقنا، نحن الكورد والكوردستانيين من التساؤل ثانية والذي يشغل الباحثين والسياسيين في العالم،( كيف تنتهى المشكلات القومية ؟ ).
وهي مشكلة تتم معالجتها عن طريق السلام والحوار او فسح المجال أمام القوميات للأنفصال وأعلان الأستقلال...عن هذا الجانب يتحدث لمجلة كولان الباحث العالمي في مجال معالجة المشكلات الأتنية والقومية البروفيسور(آر. وليم . آيرس) في بحث أجراه بعنوان(الأنفصال أو الأحتواء- تقييم الأحتمالات لأنهاء المشكلات الأتنية و القومية، ) ويؤكد: لقد غدت عدم معالجة المشكلات القومية، ما بعد أنتهاء حقبة الحرب الباردة، ظاهرة عينها داخل السياسة الدولية ويتساءل خبراء السياسة والباحثون:
كيف تنتهى تلك المشكلات ؟ لا شك في أن هناك العديد من المشكلات في العالم ومنها قضايا فلسطين والكورد و كشمير التي لا تزال مستمرة عبر السنين حتى أصبح هؤلاء على قناعة بصعوبة حلها ورغم أن مساعي معالجتها في بعض المراحل وبصورة سلمية، قد حققت بعض النجاح وأوجدت الآمال بحلول سلمية لها ، إلا أنها قد تزامنت مع مخاوف حقيقية بعودة ظهور تلك المشكلات مرة أخرى والمثال عودة مشاكل يوغسلافيا السابقة الى الظهور حد وصولوها الى الأبادة الجماعية والتطهير العرقي ماحدا بالسياسيين والباحثين على مستوى العالم الى التساؤل:
1- هل يمكن معالجة تلك المشكلات بطرق سملية؟
2- ولو أمكن ذلك ألا يمكن أن تعود الأطراف المختلفة ثانية الى دائرة العنف والأنتقام؟

(وأي الطرق الأجدى لمعالجة المشكلات)
هناك الكثير من الحلول التي يمكن اللجوء اليها لمعالجة المشكلات القومية أو تم اللجوء اليها بالفعل ولكن ما هي أفضل طريقة لذلك وكيف السبيل اليها؟
ويؤكد البروفسيور(آيرس) في رده على هذا السؤال على عنصر رئيس في المشكلات القومية ويشير الى(إن مستوى العنف في المشكلات القومية يبقى أمامنا طريقا واحداً للحل وهو الأنفصال، أي حق الأنفصال للقومية التي تطالب بحريتها وأستقلالها هو الطريق الأمثل والنهائي لحلها) ولكن الوقائع قد تشير الى أن ما يمكن تحقيقه لأمة معينة لا يمكن تحقيقه لغيرها في فكر سياسي مخيف على مستوى العالم والأمور برمتها تعيدنا في هذا المسار الى حل آخر وهو تدخل طرف ثالث مثل الأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة الأمريكية غير أن هذا التوجه قد أتجه في حالات عديدة مثل مشكلة أو أختيار الفدرالية لبقاء البوسنة في إطار يوغسلافيا نحو الفشل وترك آثار دامية ما أضطرهم هم أيضا الى الأنفصال.. ما يبرر حقيقة أن الوضع السياسي الدولي يحدد أحياناً أوجه أيجاد حل مناسب لمعالجة مشكلة القوميات ويضعنا ثانية في إطار(أن نربط مستوى العنف و التطهير العرقي بأسلوب المعالجات الممكنة والمستحيلة) ونقول : صحيح أن مستوى العنف أزاء قومية معينة مثل الكورد الذين تعرضوا الى أقسى درجات القصف الكيمياوي والأنفال العنصرية أي(الجينوسايد) وأمام مرآي من العالم ومسمع منه يصلنا هذا المستوى الى مرحلة أستحالة التعايشي القومي.. ومع ذلك ولأن السياسة الدولية تعتبر الحل النهائي الذي تحدثنا عنه وهو تأسيس الدولة المستقلة أمراً مستحيلاً... فقد أضطر الكورد في هذه الحالة للبحث عن حل ممكن والذي هو، حسب ما يشير اليه بعض الباحثين عن القضايا المشابهة لوضع كوردستان ، أنتظار تدخل طرف ثالث لحل المشكلة بطريقة سلمية كما الوضع الكوردستاني حيث يتوقع تدخل طرف ثالث ، سواء كان الأمم المتحدة أم الولايات المتحدة وبشكل جدي و فعال لمعالجة المشكلة القائمة بين الأقليم وبغداد بطريقة سلمية... والمفروض ألا يكون مجرد تدخل، رغم فعاليته، بل مراعاة وملاحظة العنف الذي استخدم ضد الكورد في السابق و مراعاة أساس آخر في شكل المعالجة وبما يضمن حقوق شعب كوردستان هذا فضلاً عن مراعاة ذلك الطرف الثالث حقيقة أن لا تشوه الحكومة المركزية معادلة القوى بشكل تفرض فيه رأيها هي، ما يثير تساؤلاً آخر: ما هو الهدف من أنهاء المشكلة؟ فإن كان الهدف هو تحقيق حل نهائي وضمان عدم تكرار ممارسة عمليات الأبادة الجماعية والتطهير العرقي والجينوسايد ضد شعب كوردستان، فإن الأمر يتطلب مراعاة حقيقة أنه إذاما وصلت تلك الممارسات ضد الشعب المضطهد حد أرتكاب تلك الممارسات العنصرية، عندها سيكون الحل في غاية الصعوبة إن لم يكن مستحيلاً...
ولولم تمنح تلك القومية، وبشكل من الأشكال، حق الأستقلال في الأدارة الذاتية وحق تقرير المصير، فإن المشكلة ستبقى عالقة دون حلول.. وعندها يتطلب الأمر والواقع أن تكون خطوات الطرف الثالث واقعية لحل المشكلة القومية و موافقة لقناعة الطرفين، الأقليم والحكومة العراقية بضرورة معالجتها.. صحيح أن الحل النهائي لأية مشكلة مماثلة للمشكلة الكوردية في العراق هو الأنفصال وإعلان دولة كوردستان المستقلة، وإن لم يحصل الأنفصال فالأمر يتطلب أن يكون هناك نوع من الأنفصال يتمكن معه شعب كوردستان من تقرير مصيره في أطار الواقع الدولي الراهن... أي أنه مالم يتمكن الوضع من أعلان الدولة بصورة رسمية، فإن الواجب يحتم أن تكون استقلالية سلطات أقليم كوردستان في مستوى يتمكن معه من الدفاع عن شعبه أو أن يتمكن، عند الضرورة، من اللجوء الى الطرف الثالث وأتباع الطرق القانونية لحماية شعبه.... ما يبرر أن تكون المآسي التأريخية تعرض أما الشعب الكوردي عاملاً رئيسا يقرر نتائج أي أتفاق مستقبلي مع بغداد وفي ذلك فإن، الخبراء يحددون عدة أحتمالات وهي:
1- عندما تصل الممارسات الوحشية مستوى الأبادة الجماعية (الجينوسايد) التي نفذت في كوردستان بطريقتين هما القصف الكيمياوي وعمليات الأنفال العنصرية، فإن على الطرف الثالث، إن كان الأمم المتحدة، أم الولايات المتحدة أو الناتو أو الأتحاد الأوروبي، أن تعلم جيداً أن الحل الأسلم لهذه المشكلة هو الأنفصال والأستقلال.. وكثيرة هي النماذج المماثلة لدى الأتحاد الأوربي، صحيح أن هناك دولاً هي الآن أعضاء في الأتحاد ومارست في السابق جرائم بشعة ضد بعضها البعض، إلا أن علينا ألا ننسى حقيقة أن تلك القوميات لم تغتصب حقوقها في دولتها المستقلة ودخلت الأتحاد كدول وليس كقوميات لذا من المحتمل أن تكون كوردستان، بعد قيام دولتها، في إطار الأتحاد العراقي، عضواً أو قسماً من العراق لذا فإن الغاية من حديثنا عن الأنفصال أو بالأحرى الفصل هي أنهاء المشكلة.
2- لقد أصبح حل المشكلة الكوردية في العراق على مدى زهاء(100) عام أمراً محالاً أي أنه لم يتخذ القرار المسؤول حتى الآن لمعالجتها وأن الحكومات العراقية المتعاقبة ومنذ العهد الملكي وحتى الآن لم تتوصل بعد الى قناعة أجراء الحوار على الحل النهائي لها ولم ترغب في تحديد أقليم كوردستان في العراق بحدوده الجغرافية والتأريخية وذلك كي يمكن شعب كوردستان ضمن موقعه الجغرافي والتأريخي، وهو أرضه ووطنه، من حماية خصوصياته السياسية الثقافية ولغته القومية ويقرر مصيره بنفسه.. وهذا الحق والقرار إذا ماكان يعني قرار الأستقلال بالنسبة لقومية معينة فإنه يعني بالنسبة لقومية أخرى مثل الكيوبيك في كندا البقاء في إطار دولة كندا.
3- وهناك نقطة أخرى كثيراً ما تناور الحكومة العراقية الحالية حولها و هي تشويه وإخلال معادلة القوى بين قوات البيشمةركة وبين الجيش العراقي وكذلك تأسيس الجيش على اسس عنصرية و لتهميش الكورد والقوميات الكوردستانية الأخرى هذا فضلاً عن عقد العديد صفقات شراء الأسلحة وفرض القوة أو أستعراضها أمام المقابل، وإذا لم يراع الطرف الثالث هذا الجانب ولم جر محاولة قطع الطريق هذا أمام رئيس الوزراء العراقي فإن تسلط القوة العسكرية يبعدنا عن الحل النهائي للمشكلة وتعمد حكومة المالكي الحالية، على غرار الحكومات العراقية السابقة، الى أستخدام الجيش لحسم المشكلات والنزاعات الداخلية وإعادة العراق ثانية الى نطاق الحرب الداخلية وقمع شعب كوردستان ما يعني أن قطع الطريق أمام ممارسات حكومة المالكي بشأن هذه الممارسات واللجوء الى القوة سيؤمن معالجة المشكلة بشكل أسهل.
4- أي أن اسلوب الحل هو عامل آخر ينبري من هذه الأحتمالات ومنها أساليب الطرفين والطرف الثالث أيضا في حلها ونقول على سبيل المثال أن أقليم كوردستان يطالب بمعالجة المشكلات وفق الدستور فيما يدعى الطرف الحكومي أن خطواته دستورية! ويطالب الطرفان في هذه الحالة بتطبيق الدستور! عندها يستلزم الأمر أن يكون الطرف الثالث ذا قوة دبلوماسية وفعلية وعملية على أرض الواقع في العراق لكي تتمكن من وضع أو تحديد آلية عملية لتطبيق الدستور وسد النواقص التي تحول دون تمكن المؤسسات من تنفيذ الدستور كما ينبغى... كما يجب أعلان وكشف الألاعيب التي أعدت لعدم تنفيذه ونذكر على سبيل المثال المحكمة الفدرالية والسلطة القضائية في العراق واللتين لا يثق بهما أحد في هذه البلاد بأستثناء حزب الدعوة و قائمة رئيس الوزراء وذلك لشعوره بأنهما مسيستان لصالح طرف معين.
(سلطات أقليم كوردستان ليست هدايا أوهبة من بغداد و تتحكم فيها على هواها نحن كشعب كوردستان ، و سواء كنا جزءاً من العراق أم دولة مستقلة، فالأمر يتطلب أن تختلف سلطاتنا عن بغداد وإذا كانت حكومة بغداد هي حكومة فدرالية فإن الأختلاف في سلطات الأقاليم في دولة فدرالية وفي أخرى مستقلة هو فقط علاقتنا الخارجية و سياستنا الدفاعية في الدول المستقلة هي تخصنا و تتبعنا وحدنا بينما نكون في الدولة الفدرالية شركاء حقيقيين، والأهم من هذا هو أن النموذج الفدرالي الذي صيغ بموجب الدستور العراقي كنظام سياسي للبلاد يحقق توسيع سلطات الأقاليم وتحديد سلطات الحكومة الفدرالية و هذا يتطلب إما أن تصل حكومة بغداد الى قناعة ان نظام الحكم في العراق هو نظام يضم طرفي(شراكة الحكم والحكم المستقل) معاً أو أن يتخذ أقليم كوردستان قراره في الأحتفاظ بحقوقه الواردة في الدستور العراقي كأدنى حد من حقوقه القومية وإعادة المناطق الكوردستانية خارج الأقليم كأمر واقع، الى أقليم كوردستان.
وقد يثير البعض تساؤلات حول: كيف يمكن أن يكون أقليم كوردستان جزءا من العراق وفي ذات الوقت له سلطاته المستقلة؟
ورداً على ذلك نقول: الى جانب كون أقليم كوردستان لديه تجربة الأدارة المستقلة خلال الأعوام(1992 -2003) وتمكن من تحقيق النجاح في ذلك ، فإن الكورد يتمكنون اليوم، إذا ما أرادت حكومة بغداد منع حقوقهم الدستورية وغمطها عن طريق مناورات عسكرية و سياسية، يتمكنون من الدفاع عن حقوقهم الدستورية بأعتبارها شروطاً مسبقة لموافقة الكورد على بقائهم الأختياري في العراق ، هنا نقول: إما أن تتفق الحكومة العراقية مع الكورد وبشكل معين على حقوقهم الدستورية أو أن تعيد، وعلى طريقة(سلوبودان ميلوسوفيج)وتكرر تأريخ يوغسلافيا وفي هذه الحالة حيث تؤيد كل الأحتمالات و تسير بأتجاه أنه(لا رئيس الوزراء العراقي الحالي يحظى بموقع بين الشيعة يماثل موقع ميلوسوفيج بين الصرب ولا لديه قوات كالتي كان يمتلكها سوفيج في يوغسلافيا السابقة، هذا جانب أن يوغسلافيا لم تكن آنذاك تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة أي أن التدخل في يوغسلافيا كان أصعب قياساً بالعراق كما أن خلل أوضاع تلك الدولة لم يكن محسوباً على أية دولة غربية فيما نجد أن تدهور وضع العراق هو محسوب على الولايات المتحدة و يعود بأفدح الأضرار على المصالح الأمريكية في المنطقة ولكل هذه الأسباب وغيرها فإن أية مغامرة من الحكومة العراقية تعتبر لعباً بنار تحرقها قبل غيرها ما يحتم أبرام نوع من الأتفاق لتقسيم السلطات بينم الأقليم والمركز وكتب البروفيسور(براندن أوليري) الذي كانت له توقعاته بشأن هذه الأوضاع الراهنة قبل كتابة الدستور العراقي الدائم في دراسة عنوانها (فدرالية التعددية القومية، توزيع السلطات- الكورد في العراق) و يقول فيها: الكورد ممتعضون و قلقون بأستمرار من ألا تقبل بقية اقسام العراق أسلوب الدولة ذات القوميتين و متعددة الأقاليم و في مثل هذه الحالة فإن الطريق الوحيد أمام الكورد هو الأتفاق مع بغداد على الأسلوب الفدرسي ما يعني أن يقبل بإن يكون العراق دولة وحدوية أو مركزية على غرار الفدرالية الأمريكية شرط أن يكون للكورد هذا النوع من الأدارة(الفدرسية) وهو نهج فدرالي ولكنه ليس جزءا من الدولة الفدرالية بل أقليم شبه مستقل و مختلف في المؤسسات الدستورية وخصوصيات الدولة المركزية لذا فإن هذا الأقليم يتقاسم سلطاته مع المركز..
ويكون ذلك بشكل دستوري ولا يمكن لأي طرف التدخل في هذه السلطات لوحده وأكثر من ذلك وضع الآلية القضائية على المستوى المحلي والدولي يكون من شأنها معالجة أية مشكلة قد تحصل بين الجانبين وهذه السلطة المتاحة للأقليم (الفدرسي) ليست هبة ممنوحة من الحكومة المركزية بل هي محددة بشكل دستوري كما أن لمثل تلك السلطة حق النقض(الفيتو) أزاء أية تغيرات في ميزان القوى وتتم حماية من قبل المجتمع الدولي وبأتفاقيات قوية وفعالة أي أن الكورد سيتمكنون من الأصرار على اسلوب الحكم هذا إذا ما عجزوا عن ضمان أتباع النظام الفدرالي في باقي أنحاء العراق وبالتالي أمكانية ممارسة حق تقرير المصير.

ترجمة/ دارا صديق نورجان
Top