العقلية الدكتاتورية وإعادة ظهور الدولة المتوحشة.. وأعودة العملية الديمقراطية الى نقطة الصفر
لاري دايموند
وحتى لوكانت الأنتخابات سليمة و نزيهة، فإن مستقبل الحرية و الليبرالية الديمقراطية ستتعرض لمخاطر لأن صناديق الأقتراع ليست الشرط الأساسي لبناء الديمقراطية بل الأساس هو وجود دستور مدني والألتزام به.
إن ما يبعث على القلق والأمتعاض بالنسبة للمفكرين السياسيين والمختصين في البناء الديمقراطي في شتى أنحاء العالم هو أن الأدارات الأمريكية والمنظمات الدولية مثل(فريدم هاوس) إنما تفتخر بنتائج الأنتخابات أكثر من أعتزازها بسبل ترسيخ جذور الديمقراطية وأستمرار العملية الديمقراطية ، وأكثر من ذلك فإن الولايات المتحدة و بعضا من المنظمات الدولية تلك هي التي تراقب العملية الديمقراطية في العالم بحيث تمارس و تأخذ و بشكل أزدواجي أو معايير مزدوجة مواقفها إزاء تلك الدول التي تنفذ دساتير بلادها أو أسس الديمقراطية القياسية، و كمثال على ذلك فأنها تنتقد بشدة الرئيسين الفنزويلي(هوكو شافيز) والروسي(فلاديمر بوتن) لأنها تعتبرهما عدوين للغرب وبالمقابل تنتقد و بمنتهى المرونة دولا أخرى مثل(أثيوبيا والعراق و باكستان) .. و ذلك لأن الولايات المتحدة تعتبرها دولا صديقة وحليفة... هذه الظاهرة نشرت عام 2008 من قبل البروفيسور والمفكر السياسي الأمريكي(لاري دايموند) في بحث بعنوان(عودة الديمقراطية وأنبعاث الدولة المتوحشة) وورد في مجلة(فورن أفيرز) وينبه فيه العالم و يحذ من توقف العملية الديمقراطية في العالم أو جمودها و تراجعها و يفسر فيه ذلك بأنها ستكون السبب في عودة الدكتاتورية و تغيير مظهر الدولة من مدنية الى متوحشة أزاء مواطنيها وعندها ستدخل الدول في مسار منهاج وزارة الخارجية الأمريكية وأدبياتها ب(الدولة الساعية للحروب أو شيطانية الأساليب والممارسات، وهي الدول التي تصفها بأنها(ملاذ الأرهابيين) أو المعادية لأمريكا ولم تصل بعد مرحلة(أن عودة العقلية الدكتاتورية تهدد، كما يهدد الأرهاب السلام والأستقرار العالمي وتعرضهما الى مخاطر.. و يشير البروفيسور دايموند في هذا المسار الى عاملين أساسيين قد تسببا في تعطيل العملية الديمقراطية في العراق و في طريقهما لجعل العراق أو تحويله الى دولة متوحشة أزاء مواطنيها وهما:
1- وجود ظاهرة الأرهاب والعنف السياسي: أي اننا لو أخذنا العراق، على سبيل المثال، إنما نشعر فيه أن ظاهرة ممارسة العنف السياسي و تصفية الخصوم السياسيين من قبل حكومة المالكي لا تقل بأي حال عن الأعمال الأرهابية ما يعني أنه لو أن الحكومة العراقية و شخص نوري المالكي قد أتبعاً سياسة شراكة مشتركة على أساس الشراكة الوطنية، ربما ستكون السبب في أنتصار المكونات العراقية على الأرهاب ومعالجة المشكلة الراهنة، إلا أنه و بسبب أتباعه سياسة التفرد في الحكم و يمارس من جديد سياسة تصفية أعدائه و يثير المشكلات الأتنية والمذهبية والقومية في البلاد توخيا لتعقيد الوضع أخفاء لمآربه الشخصية، فإنه، و فضلا عن تهيئة لأرضية مناسبة لضمان تعقيد أوسع للوضع وتأمين عدم أستقرار و تعطيل الخدمات الأساسية فيها، فقد جعل الدولة العراقية، وعن طريق سيطرته على الجيش و قوات الشرطة والأمن، و حشاً جاثماً على صدور مواطنيه.. و كمثال على ذلك نقول إن العرب السنة ينظرون الى تلك القوات نظرتهم لوحش جاثم و ليس كجيش و شرطة وطنية وكأنها جيش و شرطة تابعة لشخص واحد و حزب واحد و يخافونه و يتوارون عن مواجهته.. أما بالنسبة للطرف الكوردستاني، بأعتباره باني قوات الجيش العراقي من جديد والمؤلف بداية من أولى وحدات قوات .. بيشمه ركة كوردستان، نقول أن تلك القوات قد أضطرت الى المرابطة في خنادق الدفاع ضد القوات العراقية تلك والتي جعلها رئيس الوزراء جيش دولة متوحشة و مصدر تهديد على مكون عراقي رئيس والذي هو، وفق الدستور الدائم، شريك أساس في العراق، إلا أن المالكي لا يهدد كوردستان والكوردستانين بجيشه هذا فقط بل وصلت تصرفاته الوحشية حداً يدعو فيه الى أندلاع الحرب بين الكورد والعرب ووضع مؤامراته و دسائسه في إطار إثارة حرب عنصرية.. وهو أمر كان محرماً و بغيضا على مدى الثورات الكوردستانية و سجلت المرجعية الشيعية العليا موقفها التأريخي المشرف أزاء هذه المسألة، وذلك بعدم سماحها بتغيير مسار و فحوى محاربة الثورة الكوردستانية من قتال ضد الأنظمة العراقية الى حرب بين الكورد والعرب ما يبرهن، أن ما يقوم به المالكي الآن هو، و قبل أن يكون ضد شعب كوردستان هو ضد للموقف التأريخي للمرجعية الشيعية الكبرى وهو الراحل آية الله محسن الحكيم، أزاء الثورة التحررية الكوردستانية و شعب كوردستان.. من هنا يستجد لدينا ونرى أنه عندما توصل العقلية الدكتاتورية العملية الديمقراطية مصاف الجمود وتغيير مظهر الدولة من دولة مدنية الى آخر متوحشة فإن الوحشية هذه، كما نلاحظ من التصرفات الراهنة لرئيس الوزراء العراقي هي ليست ضد المقابل ونده فقط وهو قوات البيشمةركة و شعب كوردستان بل تعادي و تضر بتأريخ زاخر بالسمو لشعب وأمة مثل العرب و مذهب الشيعة لذلك نقول: مالم تضع القوى الخيرة والمجاور للعراق والقوى الدولية حدا سريعاً لهذه العقلية الدكتاتورية، فإن تصرفات رئيس الوزراء هذه ستضع العراق ثانية موضع أسوء العواقب والأحتمالات.. وكما حذر البروفيسور(دانيال بايمن) الأدارة الأمريكية في عام 2005 من أن هناك (5) طرق أو حلول سيئة أمام العراق(Five bad option For Iraq)، وأحدها هو أنفجار الوضع والذي يحتمل أن يشمل المنطقة جميعاً.. ولو أمعنا النظر في توقع بايمن هذا و مقارنة بما يحصل اليوم. حيث تعيش المنطقة في ثوران كبير، فأننا سنجد أنفسنا أمام تساؤل: ماذا ستكون النتيجة في حال عدم قطع الطريق أمام تصرفات المالكي وممارساته؟
(أصل المشكلة هو أسلوب الحكم وليس الوجوه والمظاهر)
إن أسلوب حكم رئيس الوزراء العراقي هو محاولة لجعل العراقيين ييأسون من الديمقراطية حيث أن النظام الديمقراطي الجديد يعجز عن جمع عموم الأمكانيات والألوان على مستوى المجتمع والمكونات المختلفة، ولا يبرهن التزامه بالدستور وذلك بأيصال مواطنيه الى قناعة أن النظام الديمقراطي هو أحسن صيغ الحكم، فإن تلك الحكومة لن تتمكن من معالجة مشكلات الحكم أو أن تكون عند مستوى تصورات مواطنيها و طموحاتهم... وتعجز في ذات الوقت عن كبح جماح الجرائم والأرهاب و بناء استقرار البلد.. وعندها، وكما هو وضع العراق الآن، ستغدو الدولة بيئة مناسبة للفساد و محو هيبة السلطة الفضائية و ينظر المسؤولون المقربون لرئيس الوزراء نظرة تعال لسيادة القانون ولن تبقى في البلاد أية سلطة تتمكن من محاسبتهم وبذك فإن المواطنين يصلون درجة وحدا من اليأس والأحباط أزاء العملية الديمقراطية يضطرون معه للبحث عن بديل آخر وهو، وكما برهنت تجارب الدول الأخرى، اللجوء الى الحكم العسكري والدكتاتورية الأقوى كما أوجد المالكي وحزبه هذه الحالة في بغداد عن طريق الرعب و تصفية خصومهم... هنا نرى أن البحوث على مسار أنحرف الديمقراطية في الدول النامية تشير الى أن هذه الحالة قد بدأت، على مدار العقد الأخير نحو ممارسة الدكتاتورية، بتجاوز رؤساء الحكومات أو, الرؤساء المنتخبين حدودهم الدستورية وتوسيع سلطات حكوماتهم وفق تصوراتهم الشخصية نحو تهميش السلطات الأخرى و حاولوا بالمقابل وبشتى الوسائل، وحتى لوكان ذلك باللجوء الى أستخدام قوات الجيش، وتصفية منافسيهم السياسيين والى التزوير في الأنتخابات ما تسبب في محو الأسس المهمة لديمقراطية وأستجد نتيجة تحريف العقليات الدكتاتورية في العالم أجمع توجيه حكم البلاد نحو مهالك و مبالغ سيئة في اشارات عدة ومنها.
1- تحويل قوات الشرطة والأمن والجيش الى قوات سيئة وأن يخاف منهم الناس بدل شعورهم بالأمن والأستقرار في ظلها، بل و أستخدامها لقمع خصومهم السياسيين.
2- وأن تكون ظاهرة القمع والقهر و فرض البرامج على المستوى المحلي وعلى اساس الأخلاف المذهبي والقومي، هي الظاهرة البارزة، والمسيطرة..
3- وتحول مؤسسات الدولة الى أخرى بيروقراطية بغيضة و عائقا أمام أيصال الخدمات للمواطنين و تسيير أمورهم ومعاملاتهم.
4- ويصبح الفساد فيها ظاهرة تعجز السلطة القضائية عن مقاضاتها.
5- وستغدو النخبة الحاكمة، فضلاً عن الفساد مرتشين يستخفون بهيبة الدولة و يعجز القانون عن مساءلتهم أو محاسبتهم.
6- لا يبقى أي معنى للمشاركة السياسية للمواطنين بل تغدو جهة كارتونية يقتصر دورها في منح الشرعية للممارسات الديقمراطية.
7- ستجري الأنتخابات إلا أن الوضع يسوده صراع بين المفسدين وبين الأحزاب التي تؤمن بالديمقراطية.
8- وسيكون للبرلمان والحكومة وجودهما إلا أنهما لا يكونان إنعكاساً للطبقات والمكونات المختلفة في البلاد حيث يكون أحد المكونات هو المتمكن ويكون مصير الأخريات هو التهميش.
9- سيكون هناك دستور في البلاد إلا أن جميع ممارسات الحكومة ستكون غير دستورية و يتم فيها خرق الدستور علنا.
هذه النقاط لم تدرج وليست نابعة عن أي بحث كتب خصيصا عن العراق بل عن تلك البحوث التي تعرف بصورة عامة عودة الدولة المتوحشة من جديد، وقد لا تتجتمع النقاط التي اشرنا اليها أنفا في دولة واحدة.. إلا أن التساؤل الأهم هو: أي من تلك النقاط لا وجود لها في أسلوب الحكم الراهن في العراق من قبل المالكي و حزب الدعوة؟ ويكون الرد على ذلك متجسداً في مخاوف الممارسات الراهنة للحكومة العراقية على المستوى الأقليمي والدولي وذلك بإن تلك الممارسات ستكون على الدوام كارثة للعراق وللمجتمع الدولي بأسره، ما يعني أن منع هذه الممارسات هو ليس فقط من واجب العراقيين، بل الواجب أن يكون المجتمع الدولي سنداً للأرادة الخيرة للأطراف العراقية التي حددت المشكلة وأنها تكمن في أسلوب الحكم وخرق الدستور العراقي الدائم.
(وكيف السبيل لقطع الطريق أمام تلك العقلية؟)
إن مشكلة ظهور العقلية الدكتاتورية في مرحلة البناء الديمقراطي هي مشكلة عالمية ولها وجودها من أمريكا اللاتينية وحتى فلسطين و من سيراليون حتى سلوفاكيا و من باكستان حتى الفلبين.. لذلك نقول لوكانت مواجهة العقلية الدكتاتورية هي أول الواجبات الملقاة على عاتق شعوب تلك الدول، فإنها ستكون في جانبها الآخر مسؤولية دولية وبالأخص الدول المانحة والمؤسسات الدولية التي تساعد الدول النامية في المرحلة الأنتقالية إلا أن الأختلاف سيكون أكبر بالنسبة لدولة مثل العراق مقابل مثل تلك الدول وذلك لأن القوات الدولية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية قد أسقطت نظام صدام بصورة طوعية و ذلك لأنهاء اي وجود للدكتاتورية في العراق، وأن التعريف الأمريكي لفوزها في حرب العراق ضمن سياسة تلك الدولة هو بناء عراق ديمقراطي وفدرالي لذا فإن عودة العراق الى حكم الحزب الواحد والتفرد والدكتاتورية تعني أن كل تضحيات الولايات المتحدة و حلفائها من أرواح وأموال قد ذهبت سدى وكل ما حققه هو تبديل دكتاتور بآخر، كما أن أقليم كوردستان في هذه الحالة، وبمشكلاته الراهنة مع بغداد حدا وصل الى خطورة الصِدام العسكري بينهما، هذا الأقليم وفضلا عن أنه كان جزءاً من التحالف الدولي لبناء الديمقراطية في العراق، قد أصبح تجربة ناجحة لبناء الديمقراطي في الشرق الأوسط، لذا فإن تلك الدول، في حال عدم مساعدتها لهذا الأقليم فإن ذلك يعني أنتكاسة بل فشل المكسب الديمقراطية الوحيد الذي تفتخر به الولايات المتحدة على المستوى المحلي والعالمي أيضا.. والأهم من ذلك ولأن مطالب أقليم كوردستان لتصحيح أسلوب ومسار الحكم هي الألتزام بالدستور وأن عدم مساندة الولايات المتحدة والدول الحليفة لتلك المطالب يعني أن تلك الدول تهيئ الأرضية المناسبة للتهنئة بظهور الدكتاتورية الجديدة.. وقطعاً للتوجه السئ للحكومة العراقية الراهنة لا بد من الأشارة الى عدة نقاط أعتماداً على جملة من البحوث السياسية.:
1- كان العراقيون، وعلى مدى أكثر من(80) عاماً من الشتاء السياسي للدكتاتورية بانتظارحلول ربيع الحرية بفوز و نجاح عملية تحرير العراق إلأ أن غالبية السلطة لحزب سياسي مثل حزب الدعوة وتسلطه قد عطلت أتجاه هذا الربيع وخدرت العملية السياسية.
2- ونتجية للصمت الأمريكي والحلفاء ازاء خرق الأسس والمعايير العالمية للديمقراطية وعدم الألتزام بالدستور، فقد تغير مسار الحكم في العراق من الديمقراطية الى المذهبية والقتال بين الشيعة والسنة والآن الى تهديد لأقليم كوردستان.
3- ولكي يتم إيقاف هذا التوجه وحصره عند نقطة معينة، من الضروري جعل النفوذ الأمريكي في العراق ، وبدعم من الحلفاء، ضمانة لأحياء العملية السياسية في البلاد وأنصياع رئيس الوزراء لحكم أساسه الشراكة الوطنية وفي أطار حكومة شراكة وطنية.
4- ضرورة ممارسة الضغط على الحكومة العراقية لصرف موازنة العراق لخدمة مواطنيه و ملاحظة تقرير الشفافية الدولية الذي أعتبر العراق ثالث دولة من حيث الفساد وبغداد ثالث عاصمة من حيث أنتفاء النظافة فيها و عدم فسح المجال لتمرير ذلك على الحكومة.
5- على الولايات المتحدة على وجه الخصوص والدول المانحة بصورة عامة التي تساعد في أعادة بناء العراق أن تجعل تلك المساعدات مشروطة و بحيث تؤدي ممارسات الحكومة الراهنة الى أيقاف تلك المساعدات.
6- ولمارسة الضغط على الحكومة العراقية يجب تعليق عضوية العراق في مجموعة من المنظمات الدولية و بما فيها الجامعة العربية... لأن الممارسات الراهنة للمالكي بإثارة حرب مذهبية بين الكورد والعرب في العراق هي خرق لمبادئ الجامعة أيضا كما أن على منظمة الدول الأسلامية أن تتخذ ذات الموقف بأعتبار ممارسات المالكي هي فتنة وعلى الدول الأسلامية ألا تقف صامتة أزاءها.
7- وتفادياً لأي صِدام بين قوات البيشمه ركة وبين جيش المالكي فإن من المستحسن الأسراع في وضع ونشر قوات حفظ السلام بينهما والملاحظ الآن هو ظهور خطوات ودور مهم للأمم المتحدة وهي المطلعة على الموقف السلمي لأقليم كوردستان لمعالجة المشكلات عن طريق الحوار وفي ذات الوقت التصرفات الأستفزازية والأنتشار العسكري الأخير لجيش المالكي لذا فإن عدم أتخاذ المنظمة الدولية خطوات اخرى وعدم أرسال قوات الى المنطقة قد يتسبب في خروج الوضع عن السيطرة .
8- من الممكن أن تساعد الأمم المتحدة والولايات المتحدة والتحالف الدولي سلطات رئيس الجمهورية ففي حال عدم أنصياع المالكي للواقع فإن على رئيس الجمهورية أن يقرر أجراء أنتخابات مبكرة.. فلا يمكن أن يوجد في دولة ما دستور صادق عليه المواطنون وأيدوه فيما تكون أعمال الحكومة وممارساتها غير دستورية و تخرق الدستور ويتم التغاضي عن ذلك لذا فإن من الأهمية بمكان أن تؤكد تلك الدول والأطراف على الألتزام بالدستور و سحب الشرعية القانونية من أي شخص أو طرف...
شاره الدوماني لمجلة كولان: من الخطورة عودة العقلية العسكرية للدول النامية.
البروفيسور بشاره دوماني هو أستاذ التأريخ والدراسات العربية في جامعة بيرلكي و مختص في تأريخ المجموعات الأجتماعية وتأثيرها على مسار الحكم في المجتمع وقد تحدث عن تأثير الأنظمة العسكرية على حياة المجتمع.
-إن ظهور العقلية العسكرية و فرض السلطة لهو مخاطرلها أساسها لأن هناك نماذج عديدة لتعرض المجتمع الى أزمات في مرحلة الأنتقال نحو الديمقراطية إلا أنني لا أرى أن الدكتاتورية هي آيديولوجية فكرية في حد ذاتها بل أن نظام الحكم هو الذي ينتج أو يستخدم آيديولوجيات مختلفة لتبرير تصرفاته... لذا فإن القوى المشاركة في العملية السياسية و تحدد إن كانت البلاد ديمقراطية أم لا وليست الأحزاب السياسية وحدها والتي سنحت لها القوى التي تشكل تلك الأحزاب في أجراء تحولات سياسية.. فلو تواصلت ثورة جماهيرية نحو الأنتخابات والتي تكون بدورها السبب في تولي حزب معين غير ديمقراطي مقاليد السلطة عندها سيكون أمام ذلك الحزب مجال محدود للمناورة لأنه يدرك جيداً أنه قد تولى السلطة عن طريق ثورة وقد يتعرض الى ثورة أخرى إن لم يكن ديمقراطيا، أي أنه محكوم ومحدد بالأطار الذي سمح له منذ البداية بالوصول الى السلطة، لذا فإن، التحول لا يتحقق بمجرد التبادل السياسي بل هو بأمس الحاجة الى تبادل أقتصادي وأجتماعي أيضا. أي أنه عندما يتولى حزب سياسي معين السلطة ولم يتمكن من تحقيق الماليب والتطلعات الأقتصادية والأجتماعية للمواطنين فإنه من الممكن أن يفقد السلطة كما أن تأمين المتطلبات الأجتماعية والأقتصادية يعني أن يتبع سياسة تلبي مصالح الناس وذلك ما يقول لنا أن الديمقراطية هي ليست فقط من نتاج الأنتخابات أي أجراء عملية الأنتخابات والتصويت لمرة واحدة فقط، بل بحاجة ماسة الى سيادة القانون والمشاركة في عملية أتخاذ القرار السياسي وذلك بصيغة(من الأدنى الى الأعلى) كما أنها متعلقة بكون الناس لهم دورهم في صياغة مستقبلهم بأنفسهم.. وهناك طرق عديدة لتحقيق هذا المكسب الديمقراطي أي أن الأمرلا يقتصر فقط على أجراء الأنتخابات في موعدها المحدد وألا تكون أية نشاطات أو فعاليات خلالها أي أن المسؤولية هي جزء من ثقافة الديمقراطية وبرأيي أن هناك العديد من أوجه التأريخ والثقافة والأجتماع في الشرق الأوسط والتي تبين وجود عدة مواقع أو مديات للمسؤولية ولها في ذلك تجارب زاخرة وغنية وسواء كان ذلك ضمن العائلة أو في أطار القرية، أو غيرها والتي تفرض الأعتماد على ثقافتنا لأيجاد الحلول.
ديفيد و الندر لمجلة كولان: بفشل العملية الديمقراطية تكون عودة الدكتاتورية حتمية.
- البروفيسور ديفيد والندر هو أستاذ العلوم السياسية في جامعة فيرجينيا و مختص في شؤون الحكومات والحكم وبناء الدول والتنمية يحدثنا عن معضلة العقلية الدكتاتورية في العملية الديمقراطية.:
• من الواضح وقبل كل شئ أن المتبع في الدول النامية كان وجود مرحلة الأنتقال نحو الديمقراطية و فشل الديمقراطية وعودة البلاد ثانية الى الدكتاتورية أي أن ذلك ليس شيئا خاصا بمنطقة الشرق الأوسط وثانيا أن هناك عدا، سباب لفشل الديمقراطية في الدول النامية وعودة الدكتاتورية اليها من أهمها عجز النظام الديمقراطي فيها عن معالجة بعض المشكلات العميقة للمجتمع سواء كانت ثقافية أم أجتماعية أم غيرها، بحيث تتولد لدى المواطنين القناعة بإن، ذلك النظام غير قادر على معالجة المشكلات وبالتالي يفكرون في أيجاد بديل آخر أي أنه في حال وجود خلافات عميقة داخل المجتمع ولم يتم حلها في أطار ديمقراطي، فإنه ليس بالأمر غير الطبيعي أن تعود الدكتاتورية ثانية والسبب الثالث هو عندما يفقد القادة المنتخبون بصورة ديمقراطية الأمل في تحقيق التحولات التي سعوا اليها فإنهم يعمدون الى(تهشيم) الديمقراطية من الداخل أي أنه ربما يتم أنتخاب رئيس ما إلا أن يسير أكثر وأكثر نحو الدكتاتورية لذا فإن مثل هؤلاء القادة عندما يتولون السلطة إنما يعملون بشكل تضعف فيه الديمقراطية أو أنهم يتورطون في الفساد بمستوى عال ورفيع بأغناء أنفسهم وأصدقائهم وذويهم... أي أنهم ورغم أنه ليست لديهم أية مبادئ دكتاتورية، إلا أنهم يتصرفون بشكل ينم عن الدكتاتورية فليس بإمكاننا أن نتصور دكتاتوراً يساند بصدق جماعة معينة في المجتمع دون غيرها... أو سياسي يسعى الى لفت نظر المجتمع نحو جماعية معينة وأشغاله بغية عدم التفكير في مواجهة الدكتاتورية وفي كلتا الحالتين فإ، منع هذه التوجهات هو في غاية الصعوبة.. لأنه ليست هناك سياسة فعالة، وعندما يتم اللعب بشعور الناس ومشاعرهم وإيهامهم بأنهم معرضون للهجوم من الأطراف الأخرى عندها سيتولد لديهم الميل نحو مساندة الدكتاتورية.. وعلى المدى القصير على الأقل... أنتم تسألون عن رأيي في المصالحة إلا أنه لوكان هناك سياسي فاسد قد سيطر على ثروات ضخمة وأجهزة المخابرات وأشغل الناس بالتركيز على المجموعات الأخرى، وسواء كانت دينية أم قومية مختلفة فإن ذلك سيكون وضعا في غاية الصعوبة وليس هناك جواب مناسب له.
الكسندر كيتروف لمجلة كولان:
في سبيينيات القرن الماضي كانت هناك محاولات فاشلة لعودة الدكتاتورية الى اليونان واسبانيا
* البروفيسور الكسندر كيتروف هو أستاذ التأريخ في جامعة هارفورد وخبير و مختص في التأريخ المعاصر وبالأخص التأريخ السياسي لأوروبا، وقد حدثنا عن فشل العملية الديمقراطية بسبب العقلية العسكرية والفرض السياسي قائلا:
- إن مجال خبرتي وأختصاصي هو أوربا والعالم و مطلع على تجربتي اليونان وأسبانيا في سبيعنيات القرن الماضي حيث حاولت مجموعة من الجنود، في أعقاب مرحلة التحول، إعادة الدكتاتورية وعقارب الساعة الى الوراء.. وتم حل هذه المسألة في أسبانيا بجعل هؤلاء الجنود جزءاً من المرحلة الأنتقالية رغم صعوبة ذلك من الناحية العملية- أي أنه سيبقى أحتمال عودة الدكتاتورية قائماً وهناك أناس يحاولون بأستمرار لأعادة عقارب الزمن الى الوراء، كما أن وصول حزب غير ديمقراطي للسلطة هو الآخر خطر داهم لأنه قد يستخدم مثل هذه الأحزاب الأنتخابات لألغاء النظام الديمقراطي أو الذي سمح لهم بالوصول الى السلطة أي أنه هناك مشكلة مفادها أنه: إن لم تكن راغباً في وجود نظام ديمقراطي فإن عليك أن تسمح للأحزاب السياسية بالصراع وقد يكون بعضها ضد الديمقراطية أساسا وبرأيي يتوجب أجبار تلك الأحزاب على أن تتفق فيما بينها وتتعهد وتلتزم بحماية العملية الديمقراطية وليس العودة الى نظام دكتاتوري، وهو معيار أمثل إن أرادت المشاركة في تلك العملية وبعكس ذلك فأنا لا أفهم كيف تتمكن تلك الأحزاب من المنافسة في الأنتخابات الديمقراطية فكل الدول متعددة الأتنيات تواجه معضلات عديدة في عملية الأنتقال نحو الديمقراطية و ذلك لأن العنف الأتني أو مهاجمة مجموعة أتنية معينة أو أقليةما أو أستخدام مجموعة أتنية لفرض نظام ديمقراطي- قد يقصد بذلك نظاماً دكتاتورية- هو خطر محتمل بأستمرار و تحدث هنا عن المجال الثالث وهو عبارة عن أحترام حقوق تلك المجموعات والأقليات.. فأنا أعيش في الولايات المتحدة والتي لها تأريخ طويل في ذلك حيث قدمت جميع الأتنيات المختلفة الى هذه البلاد ما سهل عليها تكوين مجتمع تعددي و ديمقراطي إلا أنه لو سعت مجموعة أو مجتمع معين للسير نحو الديمقراطية و معالجة مسألة تلك المجموعات في ذات الوقت ، فإنه سيواجه في هذه الحالة مشكلات أكثر هنا بودي القول بضرورة ووجوب أن يكون المجتمع الدولي واعيا لهذه المسألة ويحاول بشتى السبل حماية حقوق تلك المجموعات ومنع استغلال أو أستخدام السلطة السياسية من قبل مجموعة دكتاتورية معينة تستغل الهوية الأتنية لأغراضها الذاتية وبأمكان المجتمع الدولي، حسب قناعتي – أن يقنع دولة ما و يجبر قوى ذلك الدولة على حماية الحقوق الديمقراطية و حقوق الأتنية في القرن الحادي والعشرين.. والأمر هذا يتطلب وجود نظام قضائي مستقل و تحقيق العدالة في المحاكم لتحديد و تشخيص الفاسدين و معاقبتهم، أي أنهم بحاجة الى عملية سياسية و سلطة قضائية في ذات الوقت ويساندهم فيها قضاة ترسخ بمجوعها سيادة القانون، وهي عنصر في غاية الأهمية ويتعرض النظام الديمقراطي الى العديد من المشكلات في غيابه؟
ترجمة/ دارا صديق نورجان