• Saturday, 27 April 2024
logo

مناهضة الفساد وأهميتها في تنفيذ البرنامج الحكومي

مناهضة الفساد وأهميتها في تنفيذ البرنامج الحكومي
ترجمة: دارا صديق نورجان




الفساد، ورغم كونه ظاهرة ذات علاقة بنظام الحكم في أية دولة، إلا أنه قد أولى، على مستوى السياسة الدولية، أهمية قصوى مع نهايات تسعينات القرن الماضي وحلول وأقتراب الألفية الثالثة... وكان المجتمع الدولي يبذل مساعيه لصياغة العديد من الأتفاقيات لتصبح عملية مواجهة ومفاداة الفساد أساسا لألتزام دولي بها، وقد أعلن البنك الدولي في عام 1997، على سبيل المثال ستراتيجية مناهضة الفساد ومساندته الثامنة في عام 2007 لجماعة الحكم والتنمية ومناهضة الفساد(GAC) وأعلنت منظمة الأقتصاد والتعاون والتنمية(OECD) معاهدة مناهضة الرشوة(Anti-Bribrry) والتي وقعتها أكثر من(38) دولة فيما أعلنت الأمم المتحدة نهاية عام 2005 برنامجا عاماً لمناهضة الفساد.. إن هذه المساعي الدولية ترينا أن الفساد الآن، وإن كان ظاهرة محلية، يتعرض الى وقفة جدية من قبل المجتمع الدولي والذي يتخذ الفساد في الحالات المتعلقة بالتعاون الدولي، لأية دولة شرطا أساسا لمساعدتها حتى أن مساعدة الدول الفقيرة قد ربطت هي الأخرى بمستوى الفساد فيها، إن التاكيد الدولي هذا على مواجهة الفساد يبين لنا أن هناك أجماعاً على المستويين الأكاديمي والسياسي لمناهضة الفساد، إلا أن السؤال المهم هو ألا تتغير أساليب مواجهة الفساد من دولة الى أخرى؟ وفي ردها على هذا التساؤل فأن جميع المنظمات والوكالات الدولية والبحوث الأكاديمية تجمع على أن مستوى الفساد يختلف من بلد الى آخر ما يحتم تصنيف الأولويات بالنسبة لكل دولة لوحدها وأيجاد الحلول المناسبة لها و يؤدي ذلك بالتالي الى مراعاة نقطتين مهمتين هما:
أولا: بسبب النقاط المتبعة لسبل مناهضة الفساد، فإن الأمر يحتم أن يصار الى تحديد أولويات بالنسبة لكل دولة في برنامج عملها لمكافحة الفساد واي الطرق هي أنفع من غيرها في هذا المسعى.
ثانيا: التمييز بين المجتمعات التي فيها مستويات عالية من الفساد وبين ما سواها مما سيطرت على هذه الظاهرة لأن هناك مجموعة عوامل تسود المجتمعات الأولى تدفع بالمسؤولين للجوء الى الفساد والرشوة أو القبول بها.. وهما نقطتان تؤديان بنا الى تصنيف آخر يحدد مستوى الفساد وأداء الحكم في الدول التي تسودها هذه الآفة.. أي أن البنك الدولي قد حدد جملة وسائل وصيغ وبرامج عمل لكل دولة أو مجتمع وصنف الدول الى(3) أشكال:
1- الدول التي يسودها مستوى عال من الفساد وحكم وأدارة ضعيفة كما في عراق اليوم وتكون أولوياتها عبارة عن محاولة أتباع سيادة القانون وتقوية المؤسسات والحث على مشاركة أكبر والشعور بالمسؤولية.
2- وتكون الأولوية في مكافحة الفساد، بالنسبة للدول التي فيها مستوى متوسط من الفساد وحكم الأقتصاد مع وضع آلية مناسبة لتقييم مستوى إدارة الأعمال في القطاع العام ووجود حافز للتنافس في تقديم الخدمات الأساسية والعامة للمواطنين.
3- في الدول التي فيها مستويات متدنية من الفساد وتمت السيطرة عليه الى حد كبير مع وجود حكم راسخ وقوي، حيث يجب أتباع برنامج واسع لمكافحة الفساد وتعزيز النظام المالي وبرامج التوعية العامة والحكومية طريقا نحو أجتثاث الفساد فيها.
إن تصنيف البنك الدولي هذا والذي يربط بين مستوى ظاهرة الفساد وبين مستوى الأداء الحكومي هو أشارة صريحة الى أن المستوى العالي من الفساد علامة واضحة على نقص كبير في أداء الحكومة وإذا ما طبقنا أو أعتمدنا هذا التصنيف بالنسبة لأقليم كوردستان ، فإن الحقائق تفرض وضع الأداء في الأقليم وفق التصنيف الثاني أعلاه حسب المواصفات الدولية كمستوى مقبول للحكم فيه وهو مستوى مقبول وبدرجة كبيرة بالنسبة للدول النامية أو بلدان العالم الثالث وهذا التصنيف في مجال تحديد الفساد يودي بنا للعودة الى نواقص الحكم وسلبياته في بلدنا وتحديد أفضل الوسائل الواجب أتبعاها لوضع حد للفساد ما يستلزم أن يكون في برنامج مكافحة الفساد نوع من خريطة الطريق التي تصنف الأولويات ويقيم بشكل نظري وعملي الواقع القائم قي البلد والأهم من ذلك أن الفساد يستشري ويرسخ جذوره عندما يظن الموظفون والمسؤولون العامون ويرون ضرورة الأستفادة من أية صفقات حكومية أو عامة، ما يعني أن البرنامج الناجح لمكافحة الفساد يعمل على إنقاص وتحديد المنافع الشخصية والتشديد ورفع مستوى العقوبات الخاصة بممارسة الفساد سيما أولئك الساعين لجني مكاسب كبيرة من وراء هذه الظاهرة، والواقع أن تلك البرامج تؤثر على الفساد وفق 4 آليات فعالة هي:
1- تقليل عدد المعاملات التجارية التي يعمل فيها المسؤول العمومي.
2- تحديد وتقليل أخر منافعهم في أية معاملة تجارية.
3- رفع مستويات العقوبات لمارسة الفساد.
4- رفع مستوى العقوبة المادية بالنسبة للذين يرتكبون المخالفات أو التلكؤ فيها.


مواجهة الفساد في عملية التنمية والتطور
إن غالبية الدول التي نجحت في عملية التنمية والبناء القومي هي الدول حيث يعتبر بارك جانك الأب الأسطوري لعملية إعادة بناء كوريا الجنوبية.
حيث قد وضع في أولى خطوات عملية التنمية الحد للفساد وتمكن من ضبط القطاع الخاص وذلك ليس بإعادته الى القطاع العام ثانية بل بدعوته لجميع أصحاب الشركات للقيام بمهماتهم وواجباتهم في مرحلة التنمية والتطور.. إلا أن التعاون الرئيس في أنجاح برنامج(بارك جانك) يعود الى(شول لي) رئيس شركة(سامسونك) المعروفة وهذا يعني أن القطاع الخاص يؤدي دورا مواكبا لدورالحكومة في عملية التنمية وإعادة البناء وكذلك الحال في كل من اليابان وسنغافورة والى حد كبير في تايوان كان تحديد مستوى الفساد السبب الرئيس في التنمية والتطور والتقدم التي تعيشها اليوم.
لذا فأن الأمر يتطلب أن يكون للحكومة، ومع بدايات عملية التنمية، دور فعال لمراقبة الأداء العام... عن هذا الجانب فقد توجهنا بالسؤال الى البروفيسور(فرانك أنيجياريكو) استاذ القانون والحكم في جامعة هاملتن حول كيفية السيطرة على الفساد في مرحلة التنمية وأبدى رايه لمجلة كولان قائلا: سأبدأ في مستهل أجابتي في مسألة التدقيق والشفافية لأن هاتين المسألتين برأيي هما مهمتيان كبداية فالمعروف أن الأستثمار في الدول النامية كثيرا ما يشكل خلافات وذلك بسبب تقديم بعض التسهيلات في تلك الدول للفت انظار المستثمرين ما يوجب على الحكومة أن تمارس بعض الأجراءات منذ البداية وفق المقاييس المهنية الدولية في مجال إبرام العقود ضماناً لتنفيذها بكل حذر عندما يتوافد المستثمرون والشركات الأجنبية للأستثمار في البلاد الى جانب قيام سلطة تدقيقية مستقلة بمراجعة عقود الأستثمار وتفاصيلها وأن تكون سلطة حكومية ولكن تحت سيطرة البرلمان وليس الحكومة، والأفضل أن تكون مستقلة لوحدها.. وأبرز نموذج في هذا المجال هو بريطانيا وكتب الثقة والمساءلة الحكومية في الولايات المتحدة والمستقلة هي الأخرى(The U.S Gover nment Accountability Office(GAO). والأفضل للدول النامية أتباع هذا الأسلوب بأسرع وقت كونه يستغرق وقتا طويلا، وبهذا الصدد، يضيف أنيجياريكو) لدى زميل له بحث أو دراسة هو موقف فيها الى حد بعيد واسمه(مايكل جوسنتن) وجاء فيها:
إن المؤسسة القوية ومشاركة المواطنين في الشؤن المدنية هما مسألتان مهمتان لمناهضة الفساد إلا أنني أرى، كوجهة نظر شخصية، أنه لا يمكن تعزيز المؤسسات وتقويتها بدون السيطرة على الفساد وأرى أيضا أنه لا يمكن تأسيس رقابة على الفساد قبل أجراء أتفاق بين السلطتين التشريعية والتنفيذية بصدد أهمية مثل هذه الرقابة كما يحتم الأمر أن تكون الرقابة مستقلة وتضمن مدى المساءلة وذات شفافية جيدة وهذا هو الجانب الأصعب من الموضوع... إن ما يؤكد عليه البروفيسور(فرانك فيلب نيكولس) أستاذ الدراسات القانونية وأخلاقيات الأعمال في جامعة بنسلفانيا يعرض المسألة في أطار مراعاة خصوصيات أية دولة في عملية مناهضة الفساد و أعلن في تصريح خاص لمجلة كولان:
أرى صعوبة في تحديد الأجابة حيال مشروع مناهضة الفساد ، لأنه ظاهرة تختلف وتتباين من موضوع لآخر وتختلف الأجابة من قضية لأخرى.. فهناك أشياء من الممكن القيام بها و هي المصداقية والشفافية فكثير من البلدان المتقدمة تعاني من مشكلات بسبب أنعدام المصداقية.. فنورد على سبيل المثال أنعدام الثقة في أوجه صرف المبالغ الممنوحة والتمويلات الأستثمارية التي كثيرا ما تجهل تلك الأوجه، لذا فإن من رأيي أن أيجاد نوع من الشفافية والثقة سيساعد في تحديد مستوى الفساد وصرف التمويلات تلك وهذا ما يصعب أو يسهل من عملية التنمية وكمثال على ذلك نقول: هناك أكثر من(60) دولة من مختلف أنحاء العالم تنفذ أعمال الأستثمار في دول العالم وهي دول تتوفر لديها المصادر اللازمة لمراقبة الفساد ومناهضته، وخير مثال هو أن شركة(ولمارت) كانت لديها أستثمارات في المكسيك إلا أنه تبين بعد ذلك أن الشركة قد قدمت الرشاوي للمسؤولين في الحكومة المكسيكية وحدث ذات الأمر مع شركة ألمانية ثبت عليها تقديم الرشاوى في أعمالها وكان أن أحيلوا الى القضاء ونالوا جزاءهم، وهو مصداق لقول أن العوامل الخارجية تعيق عملية مناهضة الفساد في الدول النامية، ومع ذلك فأن بأمكان العوامل الخارجية أن تؤدي دورا أيجابيا وفعالا ويجب أن تكون كذلك، كما أن بأمكان الأعلام أن يؤدي هو الآخر دورا فعالا كونه يحقق في بعض المسائل التي لا تتمكن الحكومات و مؤسساتها من أجرائه بهذا الشكل... أن للأعلام دوره المهم في المبادرة بشأن الحوار الثقافي فهو يقطع الطريق أمام الفساد ويصعب ممارسات الفاسدين وتفاصيلها كما أن مسألة سيادة القانون هي الأخرى أمر صعب الفهم ويمكن تعريفها بأنها تعني أنعدام الفساد لذلك فأنا أرى أن سيادة القانون هي ليست السباقة أو المبادرة لمناهضة الفساد بل هي نتاج هذه العملية.. وبفهمي الشخصي أن سيادة القانون تشمل عدة مناح مهمة واحد جوانبها هو أن القوانين هي التي تنظم الممارسات وليس القادة.. فمثلا إذا كان هناك قائد أو رئيس فاسد فإن الأمر يتطلب تطبيق القانون عليه وهناك عدة دول تتغاضى عن ممارسات المسؤولين الحكوميين وهذا ما يخالف سيادة القانون.. وأشار البروفيسور(فيليب) الى انه كثيرا ما تكون الشركات الأجنبية سببا لمواجهة الفساد لأنها تتعرض للمحاسبة والمساءلة من قبل بلدانها هي.. وكان أن تحدثت البروفيسوره(تارين فيان) أستاذة السياسة العامة في جامعة بوسطن لمجلة(كولان) عن عملية الأستثمار في الدول النامية كالآتي:
برأيي أن الدولة تحتاج بالدرجة الأولى الى الأستثمار الداخلي والمحلي والى الأستثمار الخارجي أيضا من أجل تحقيق التنمية، إلا أنه يجب أن يمارس الأستثمار في بيئة مناسبة وصحية ويسودها حكم رشيد يضمن دوافع وحوافز لمستثمري القطاع الخاص بهدف العمل وتأمين فرص العمل بحيث يساعد على تقدم البلد، إلا أن قيام المستثمرين بدفع الرشاوي في عمليات المناقصة طريقا للفوز بالعقود الأستثمارية سيتسبب في بروز ظاهرة الفساد و بابعاد الشركات الأستثمارية الصادقة والجيدة التي تنوي خدمة عملية التنمية في البلاد... ما يوجب ضرورة وجود الحكم الجيد(الرشيد) لتطوير البلاد غير أنه ليس شرطا دائما أن يتسبب وجود الشركات الأجنبية في تفشى الفساد والمهم أن تتواصل المساعي لتوثيق الأجراءات في جميع شؤون القطاعات الحكومية ونشر المعلومات بهذا الصدد لأن الفساد يستشري عادة في المفاصل ذات الضبابية بالنسبة لأجراءات الحكومة ويجهل المرء من المسؤول عن الأعمال والممارسات فيها.. وضمانا لوجود الشفافية فأن على المواطنين أو المنظمات الدولية مراقبة الحكومة والضغط عليها فالشفافية ومعرفة المواطنين بتفاصيل ما يحدث هي الكفيلة بأيلاء االحكومة مسؤولية أتخاذ القرارات كما أن سيادة القانون والأعلام الحر الصادق هما مكونان مهمان جدا لمناهضة الفساد، فالمعروف أن أحد عوامل تفشى الفساد يعود الى التغاضي عن الممارسات غير القانونية لأن الشخص المفسد يكون عادة واثقا من أنه، حتى لو مارس الفساد أو أعتقل بسببه فأنه مطمئن من العقوبة كما أن أطمئنان الأفراد وعدم خوفهم من العقوبة أو السجن، يعني توفر الدافع الأقتصادي لديهم لممارسة الفساد، وبعكسه سيؤدون واجباتهم بكل أمانة متى ما شعروا أنهم مراقبون وهناك عقوبات للفاسدين، وكما اشرت في السابق الى أهمية وجود الشفافية، فالواجب يحتم وجود أعلام فعال يحث المواطنين لمواجهة الفساد وبأمكان الأعلام أداء الكثير في هذا المسعى ومنها:
أولا/ الكشف عن الفساد كي لا يتمكن الأفراد من ممارسة ووضع الحكومة أمام مسؤولية معاقبتهم.
ثانيا / توعية و تعليم المواطنين على المشاركة في الحياة السياسية وصنع وأتخاذ القرارات فقد يصار أحيانا الى فرض سياسة صحية في القطاع الصحي، على سبيل المثال تعود بالنفع والصالح لجهة متمكنة أو غنية في القطاع الخاص ولها نفوذها على الحكومة .
وأن توضح الأمور على حقائقها هو من أهم واجبات الأعلام وكذلك تحليل المسائل السياسية وعرض منافعها وأضرارها على المجتمع ما يضمن ألا يتمكن القطاع الخاص من أن تدير السياسات وتوجهها لصالحه وهي من أهم واجبات الأعلام بهذا الأتجاه.
Top