• Friday, 29 March 2024
logo

الحفاظ على التوازن بين عناصر الديمقراطية

الحفاظ على التوازن بين عناصر الديمقراطية
ترجمة/ بهاءالدين جلال

((في البداية من المفروض أن يكون هناك تعاون و تنسيق بين عناصر الديمقراطية،وأن تتعامل كل تلك العناصر فيما بينها وفق القانون،ولكن من الضروري أنْ تتنافس حول بعض المسائل و الاختلافات الحقيقية،لترسّيخ نوع من الثقة في الاختيارات السياسية لدى الجماهير ،وبرأيي أنّ هناك تبايناً بين الحكم الديمقراطي و الحكم الناجح،لأننا ننظر الى الحكم الناجح من منظور العملية الفنية و الادارية وهدفنا هو أنْ تكون المؤسسة البيروقراطية ناجحة،وتتراهن أفكار و وجهات نظر مختلفة حول الحكم الناجح،على أن يكون للعملية السياسية تأثير خارج السياسة،لأن السياسة دون حكومة فعّالة تتبعها اضطرابات،كما أنّ الحكومة دون السياسة تكون غير مسؤولة و غير ديمقراطية،ولكن مايدهشني حول الدول التي هي الآن في المرحلة الانتقالية في المقارنة مع الدول النامية و الديمقراطية هي انّ السبب الذي يجعل الديمقراطية و الحكومة أنْ تظلّان قويتين في الدول الديمقراطية المتقدمة و ليس من الشرط ذاته أنْ يحقق الديمقراطية لتشكّل المقدمة في الدول النامية،لذا فإنّ الشيء الذي يُبقي الديمقراطية و الحكومة قويتين هي محصّلة العملية السياسية و ليس سببها))
مايكل جونستون
يقول آلان تورين إنّ تعريف الجيل الجديد للحرية،هي اعادة لتعريف مفهوم الحرية لدى الجيل القديم، ولكن لو أنّ مفهوم الحرية لدى الجيل القديم حقق الحكم الديمقراطي،فإنّ مفهوم الحرية لدى الجيل الجديد يحقق الديمقراطية المحكومة،ويقصد بذلك إنّ النظام الديمقراطي بكل مكوناته يقع تحت رقابة الافراد و المجاميع والنظام المحكوم لكي يتأهل لأستجابة كل المطالب و الانتقادات التي يتم توجيهها اليه من الافراد و المجاميع،وفي هذه الحالة فإنّ الشعب سوف يصبح صاحب سيادة ويتحكم بالنظام الديمقراطي،و بمعنى آخر يقوم الشعب بتوجيه النظام الديمقراطي بدلاً من أنْ يقوم النظام السياسي بتوجيه الشعب،اذنْ فإنّ هذا التحول في فكر الديمقراطية و السياسة الليبرالية في الدول الديمقراطية الغربية يقود بنا الى إثارة هذا السؤال مرة أخرى حول بداية عملية بناء الديمقراطية في الدول النامية،لماذا توجد دائما تعقيدات بين عناصر النظام الديمقراطي في الديمقراطيات الحديثة و لاتستطيع العمل بشكل متوازن داخل هذا النظام؟ ان جواب هذا السؤال يؤدي بنا الى الوقوف على القيام بالفصل بين تلك المسائل وعلى ثلاثة جوانب:
1- الفصل بين السلطات (التشريعية والتنفيذية و القضائية).
2- اتباع اقتصاد السوق و ليس الاقتصاد المركزي أو اقتصاد الدولة.
3- الفصل بين المجتمع المدني و السلطة السياسية.
إنّ هذا الفصل أو التصنيف تضم مجموعة من العناصر الرئيسة حيث أنّ التوازن بينها سوف يؤدي الى قيام النظام الديمقراطي بالحفاظ على توازنه،والعناصر هي(الاحزاب السياسية،رجال الاعمال و المستثمرين- القطاع الخاص- منظمات المجتمع المدني،وسائل الاعلام) ولو نننظر الى العملية الديمقراطية من خلال الاختلافات بين تلك العناصر ،نجد أنّ الديمقراطية منهج فعال يصور المجتمع الذي يعاني بأستمرار من الخلل و النواقص ويسير بأتجاه التغيير،نشعر بأنّ النظام الديمقراطي خزين من الافكار و التوجهات المختلفة و المتواصلة،,إنّ هذه الآراء المختلفة تقدّم برامج متعددة من الحلول للمشكلات كما أنّها تؤدي الى ايجاد مصادر التعددية للتوجهات السياسية في المجتمع،وكما يقول روبرت دالي لاوجود للديمقراطية بدون التعددية السياسية،ولكن رغم اختلاف التوجهات الاّ أنها تعمل معاً في اطار سيادة القانون،وبالتالي فإنّ كل هذه الاختلافات دليل على أنّ النظام الديمقراطي صحيح و لا مشكلة فيه كنظام،لذا عندما يتراجع المجتمع عن العملية الديمقراطية ، أو حين تصبح الديمقراطية مجرد مجموعة من الشعارات فقط،فإنّ التوجهات المختلفة تشكّل كارثة للمجتمع بدلاً من أنْ تصبح مصادراً لايجاد بديل سياسي لحل المشكلات،و تؤدي تلك التوجهات المختلفة الى نشوب اقتتال داخلي.
التوازن بين عناصر النظام الديمقراطي

وبما أنّ الحكومة هي السلطة التنفيذية في النظام الحكم الديمقراطي،فإنّها تصبح مركز الدائرة التي تستطيع الحفاظ على التوازن بين العناصر الاخرى،وفي هذه الحالة وفي المرحلة الاولى وهي الفصل بين السلطات التشريعية و التنفيذية و القضائية نجد أنّ الفصل بين تلك السلطات هو من أجل التقليل من صلاحية الحكومة ووضع رقابة من أجل تحديد سلطات الحكومة في اطار القانون،وفي هذه الحالة فإنّ التزام الحكومة بأحترام السلطة القضائية كسلطة رقابية بين سلطتي التشريعية و التنفيذية،وكذل التزام الحكومة بمراقبة أعمالها من قبل البرلمان،ترسم صورة لحكومة ديمقراطية في المجتمع،انّ هذا الجانب مهم جداً بالنسبة للدور المهم للحكومة في توزيع الصلاحيات،كما تتضح اهميتها اكثر بالنسبة الى الحفاظ على التوازن مع العناصر الاخرى خارج السلطة السياسية و الحكومة تستطيع توازن العلاقات الاعتيادية بين كافة العناصر الاخرى وهي:
1- الاحزاب السياسية
2- القطاع الخاص
3- منظمات المجتمع المدني و النقابات والمنظمات المهنية
4- الأعلام
إنّ تلك العناصر الاربعة التي لها التأثير المباشر يومياً في برامج الحكومة،فإنّها جميعا ومع الحكومة تطرح اختلافاتها في اطار قوانين البلاد وعليها جميعاً احترام الطرف المقابل في اطار القانون،لذا عندما تتوتر تلك العلاقات المتفاعلة بين العناصر وبين الحكومة أو تصل الى المستوى الذي يظهر فيه تداخل في امور الحكومة كالسلطة التنفذية مع السلطتين التشريعية و القضائية،هذا يعني أنّ الحكومة إما تعتبر ضعيفة و لاتستطيع أداء مهامها بشكل منظم، و إما العناصر التي من المفروض العمل بالتوازن مع الحكومة أو تقوم الحكومة بالحفاظ على التوازن بينها،هي أنّ العناصر لم تتعاون مع الحكومة ولا الحكومة لها القدرة على الحفاظ على التوازن بين العناصر.
انّ هذه الاشكالية يُشعَر بها في الدول الديمقراطية الغربية أقل مما في ديمقراطيات الدول النامية،لأن ديمقراطية الدول الغربية والتي اساسها هو الفصل بين السلطات الثلاث قد تم اتخاذ خطوات بشأنها من دستورها الليبرالي،بينما في الدول النامية اتخذتْ للديمقراطية خطوات انطلاقاً من صناديق الانتخابات،الفرق في هذه النقطة هي أنّ الدستور الليبرالي يجعل الانتخابات وسيلة لتغيير الحكومة و محاسبتها،ولكنه يجعل صندوق الانتخابات وسيلة لتكريم الحكومة أو الاحزاب السياسية لتبقى في السلطة فترة أطول،و يقول الاستاذ مايكل جونستون رئيس قسم الاجتماع في جامعة كولكايت في معرض رده على سؤال ل (كولان): ((مايثير دهشتي حول الدول التي الآن في مراحل انتقالية مقارنة مع الدول النامية كدول ديمقراطية هو أنّ السبب الذي يجعل الديمقراطية و الحكومة أنْ تظلان قويتين في الدول الديمقراطية النامية ،وليس من الشرط أن يحقق السبب ذاته الديمقراطية لتصبح بداية للدول النامية)) اذا كان هذا القول للأستاذ جونستون تتضمن في البداية بعض التعقيدات ويتساءل مواطنو الدول النامية كيف أنّ العوامل التي تحافظ على الديمقراطية في الغرب هي ليست ذاتها التي تحقق الديمقراطية في الدول النامية؟ إنّ جواب هذا السؤال يعود حتماً الى الاجواء السياسية الموجودة لدى المقارنة الحالية بين الدول النامية وبين الدول الغربية النامية،ومصدر الاختلاف هو أنّ مؤسسات الدول الديمقراطية الغربية هي الآن في مرحلةتقوم بوضع حدود لسلطات الحكومة وتوسيع أفاق الحريات،ولكن مؤسسات الدول النامية هي في مرحلة مهامها هي أنّ تكون كل العناصر متعاونة معاً لترسيخ الديمقراطية ،حيث بعد هذه العملية تصبح المؤسات رقيبة لتحديد صلاحيات الحكومة،و السؤال هنا هو ماذا يعني تحديد صلاحيات الحكومة؟ وهل أنّ النظام الديمقراطي يتطلب وجود حكومة ضعيفة لاتتمكن من تنفيذ برامجها؟وحول جواب هذا السؤال يشير الاستاذ توم جي بالمر في أحد بحوثه بعنوان( دور المؤسسات و القانون في تطوير الاقتصاد) الى أنّ الهدف من تحديد صلاحيات الحكومة هي (من اجل فهم العلاقات اللبرالية التي تتبناها المؤسسات في المجتمعات الديمقراطية ،علينا أنْ نسأل أنفسنا سؤالاً بسيطاً هل أننا ضد الحكومة أم يتم تحديد الصلاحيات لصالح الحكومة؟في الكثير من المرات يتم الخلط بين هاتين المسألتين،ويحدث ذلك من قبل أناس معروفين بعدائهم للبرالية،ولأنّ اعداء اللبرالية يرغبون بعدم تحديد صلاحيات الحكومة وأنْ يكون للأخيرة الحق في كل الامور،ولكن اللبراليين الذين يتطلعون الى تعزيز وتفعيل الحكومة، يسعون الى أنْ يكون للحكومة بعض الاعمال المعينة فقط،اذنْ فإنّ تحديد صلاحيات الحكومة ليس لاضعافها بل لتكون اكثر فاعلية وقانونية،وبصراحة اكثر تكون حكومة فعّالة و مقتدرة على تنفيذ الامور التي تُحّدد لها))ولكن اذا كان هذا الامر قد اتّخذ نهجاً للديمقراطية الغربية، فالسؤال المهم هو كيف يمكن بناء هذا النهج في الدول النامية؟
البناء الديمقراطي وحمايتها

مثلما هناك تداخل بين تحديد صلاحيات الحكومة و حقوقها لتنفيذ صلاحياتها،نجد أنّه يوجد تداخل واشكالية ايضاً بين بناء الديمقراطية و المحافظة عليها،حيث أن هذا التداخل يشكل في معظم الدول النامية عاملاً لأنحراف عملية بناء الديمقراطية عن طريقها أو فشلها،لذا فإنّ النقطة الأهم في بداية العملية الديمقراطية هي كيفية قيام الحكومة بعمل ما يؤدي الى حث كل العناصر للعمل معاً،وعندما نقول الحكومة لوحدها نقصد بذلك أنّه عندما يتم انتخابها بعملية ديمقراطية فإنّها تنفّذ البرنامج الذي كانت قد قدّمته للمواطنين،لذا حينما يتم منح حزب أو تحالف الثقة في عملية الانتخابات،من المهم أنّه قد درس مسبقاً كيفية التعامل مع مختلف العناصر داخل العملية الديمقراطية في اطار القانون وكيف بأمكان تلك العناصر خدمة العملية بمختلف اتجاهاتها،هذه الحالة ليست غريبة بالنسبة لنا ايضاً،حيث هناك شعور واضح بوجود نوع من التعقيدات في العلاقات بين عناصر الديمقراطية ولم يتم لحد الآن بناء توازن في هذا الجانب،أو على الاقل قيام العناصر بالعمل معاً وفق القانون،ونقف هنا على تلك العناصر بعدة نقاط:
1- الاحزاب السياسية
بعد انتهاء عملية الانتخابات و تشكيل الحقيبة الوزارية للحكومة من قبل الحزب الفائز أو الاحزاب الفائزة،يتم تعامل الحكومة مع كل الاحزاب بما فيها الحزب الذي ينتمي اليه رئيس الوزراء بنفس المستوى في اطار قانون الاحزاب السياسية،حيث أنّ قانون الاحزاب السياسية قد اعطى المجال امام مشاركة جميع الاحزاب في الحكومة و تشكيلها معاً كما سمح بوجود احزاب معارضة، ووفق القانون فإنّ الطرفين من الاحزاب السياسية المشاركة في الحكومة أو المعارضة لها مواقعها الشرعية و القانونية، وبمعنى آخر إنّ الحكومة مثلما تحتاج الى تعاون الاحزاب المشاركة فيها فإنّها بحاجة ايضاً الى الاحزاب المعارضة لمراقبة عملية تنفيذ برنامجها،أو طرح برنامج بديل على الجماهير،ولكن ما يُلاحظ في الدول النامية هو أنّ صناديق الانتخابات تجعل من الحزب الفائز حاكماً و المعارضة محكومة،ويتم تعريف الحاكم ب (القائد) و المحكوم ب(الخاضع)،هذا في الوقت الذي قامت صناديق الاقتراع بتوزيع عملية الحاكمية و المحكومية بين الاحزاب المعارضة و المشاركة في الحكومة،صحيح أنّ اعضاء المعارضة داخل الحكومة(ليس من المفروض في حال عدم مشاركة المعارضة من الناحية السياسية في الحكومة أنْ لايكون لها وجود في مفاصل الحكومة)تقوم بتنفيذ أوامر الحكومة وتلتزم بها،ولكن من جهة أخرى من خلال مشاركة المعارضة في البرلمان،نجد أنّ احزاب المعارضة تصبح هي الحاكمة على الحكومة ويُدعى وزرائها الى البرلمان للمسائلة، نفهم من هذه المعادلة أنّ في المجتمعات الديمقراطية سواء المعارضة أو المشاركة في الحكومة فيها يحق للجانبين أن تتحولا في آن واحد الى الحاكمة و المحكومة،ولكن بسبب اعتبار المعارضة في الدول النامية بالمحكومة، لذا من المستحيل أنْ تقوم المعارضة و الاحزاب المشاركة في الحكومة بالعمل معاً في اطار القانون أو تطوير العملية،ومن هذه النقطة اذا نظرنا الى القرارات الاربعة للسيد رئيس اقليم كوردستان حول استئناف الاجتماعات بين الاحزاب المعارضة والحزب الديمقراطي الكوردستاني و الاتحاد الوطني الكوردستاني،نشعر بهذه الحقيقة بكل صراحة، وذلك بوجود نوع من التقصير في التعامل مع الاحزاب المعارضة وهي بحاجة الى اعادةنظر،بحيث لايتكرر ذلك في التشكيلات الحكومية القادمة.
2- القطاع الخاص
مفهوم القطاع الخاص في اقتصاد المجتمع الديمقراطي ويعني تسلّم الاقتصاد من الدولة و طرحه في الاسواق وتنظّم المنافسات الحرة للسوق العلاقات الاقتصادية،وهذا يشكل عاملاً في قيام القطاع العام بدور المراقب و يتقلص هيكل القطاع العام يوماً بعد يوم ويتوسع هيكل القطاع الخاص،انّ هذه الخطوة التي لاتُتّخذ في اغلب الدول النامية ومعها اقليم كوردستان بالأتجاه الصحيح،سببه إنّ هذه الانتقالة الاقتصادية لا تصل بصورة مباشرة من الدولة الى الاسواق وقبل ذلك تمر بالاحزاب السياسية،وهذا يعني أنّ السياسيين بدلاً من قيامهم بوضع برنامج لاحزابهم كي تراقب الاسواق،يضعون البرنامج لاحتكار أحزابهم الاسواق،انّ هذه الحالة التي كثيراً ما تُنظّم بقوانين وأنها تُستخْدم بشكل تصب في مصالح السياسيين داخل تلك الاحزاب،ويكون ذلك سبباً في أنْ يصبح الفساد عملية منظمة تستند الى مجموعة من القوانين يصعب السيطرة عليها او وضع حد لها،وهذه احدى النقاط التي اصبحتْ عائقاً أمام عملية اصلاحات رئيس اقليم كوردستان وجعلتها تضطر الى اصدار العديد من القوانين و القرارات و التعليمات الجديدة للتخلص من تلك القوانين و التعليمات التي مهدت الطريق سابقاً أمام الفساد أو سوء الاستفادة من عملية انفتاح السوق والتنمية في اقليم كوردستان،الجانب الآخر و المهم الذي يُظهر امكانية الحكومة في المرحلة الانتقالية عبارة عن كيفية الانتقال من اقتصاد الدولة الى اقتصاد السوق ،خاصة اذا كانت الحكومة وريثة لمؤسسة بيروقراطية كبيرة للأنظمة السابقة ويجد المواطنون ضمان مستقبلهم من الوظائف،عندها يجب أنْ تكون هذه الخطوة بطيئة و مبرمجة،وهذا لايعني أنّ القطاع الخاص يستطيع التجارة مثلما يشاء و الحكومة تملأ مؤسساتها تدريجياً بالموظفين الذين لا عمل لهم،كلا الهدف من ذلك هو اتخاذ خطوات للانتقال من اقتصاد الدولة الى اقتصاد السوق تدريجياً ولاتتنازل الحكومة عن كل شيءفي آن واحد ولايكون القطاع الخاص عند المستوى الذي يستطيع من خلاله حفظ التوازن بين العمل و السوق،وعلى سبيل المثال من اكبر مشكلات اقليم كوردستان هي مشكلة سكن المواطنين،كان من المفروض عدم توجيه برنامج حل تلك المشكلة 100% الى القطاع الخاص،لانها لم تتمكن فقط من حل المشكلة بل زادها تعقيداً لأنه لم يتمكن من كان بحاجة الى الدور و الوحدات السكنية الاستفادة منها،وكان بالأمكان وضع حلول لهذه المشكلة على مستويات ثلاثة وهي:
• لأن هناك وزارة في حكومة اقليم كوردستان بأسم وزارة الاعمار و الاسكان وانها امتداد لوزارة الاشغال و الاسكان والوزارة هذه، كانت في عهد الحكومة العراقية وحتى سقوط النظام عام 2003 تنفذ مشاريع الاسكان و الطرق بشكل(التنفيذ المباشر)أي انها تمتلك تجربة كبيرة و بنية يتمكن من خلالها لعب دور التنفيذ في المرحلة الانتقالية،ومن الممكن توجيه جزء من مشكلة السكن سيما للمستأجرين و ذوي الدخل المحدود الى هذه الوزارة،وليس الى القطاع الخاص.
• كان من الممكن عقد مشاريع مشتركة بين الوزارات و الشركات،من أجل أنْ تستطيع الوزارات الحكومية ايجاد فرص العمل لمهندسيها و منتسبيها في المشاريع وتخفف عن كاهل الحكومة، و في هذه الحالة تنخفض تكاليف المشاريع و يتم تنفيذ الاعمال على اكمل الوجه،وعند اجراء أي مقارنة نجد أن امكانيات الوزارات الحكومية من الناحيتين الفنية و الادارية اكبر من امكانيات الشركات التي لاتمتلك أي خبرة في مجال الاعمار.
•كان بأمكان الحكومة أنْ توكل الحكومة جزءاً من عملية الاعمار والاكبر من قدرات الوزارات و كوادرنا المحلية والتي بحاجة الى تجربة و خبرات الدول الاخرى الى الشركات الاجنبية،و على سبيل المثال( بناء المطارات ،الانفاق و الجسور الضخمة و الطرق السريعة،و كذلك المستشفيات و العمارات و الفنادق و المواقع السياحية)ان هذه الجوانب والتي تحتاج الى اكثر من امكانياتنا كانت عاملا لتصبح مكملة لأعمالنا.
ان هذا الجانب الذي يمكن انْ يُنظر اليه من ناحية بشكل بسيط،ولكنه يشكّل المفصل الرئيس للمعوقات في عملية تطوير اقليم كوردستان و اذا كانت وجهات النظر في بداية العملية على هذا النحو،فإنّ هذا الطريق يعتبر صحيحاً بالنسبة الى التطوير، لذا يجب اعادة النظر فيها في التشكيلات الوزارية الاخرى مع اجراء تعديلات في القوانين المتعلقة بهذا الجانب.
3- منظمات المجتمع المدني
وجود منظمات المجتمع المدني في المجتمعات الديمقراطية مهم على احد المستويات ولكننا نستطيع القول أنها لايمكن أنْ تحلّ محل الاحزاب السياسية،والسبب في ذلك هو أنّها تمثل مختلف شرائح وفئات المجتمع،بينما تمثل الاحزاب عموم المجتمع كما انها تنظّم شؤون منظمات المجتمع المدني،ولكن أهمية منظمات المجتمع تكمن في أنها لاتتدخل في السياسة و تتصرف في اطار مصالح الشرائح التي تمثلَها،و ليس من منظور انتماء اعضاء منظمات المجتمع المدني الى أي جهة أو حزب سياسي،وهذه الحالة التي هي التداخل بين عمل منظمات المجتمع المدني والاحزاب السياسية، اذا كانت الاحزاب السياسية هي السبب، أي أنّ الاخيرة تريد أنْ تتحول المنظمات الى توابع لها،ففي هذه الحالة بدلاَ من أنْ تصبح الاحزاب عاملاً لبناء الديمقراطية، فإنها تشكّل سبباً لتدمير أحدى ركائز المجتمع الديمقراطي أي منظمات المجتمع المدني،واذا كانت التداخل من قبل جهة خارجية أو الدول المانحة أو المنظمات الدولية بالشكل الذي يولى اهتمام بتلك المنظمات وتتجاهل الاحزاب السياسية كما هو الحال في بعض الدول العربية أو الدول مابعد الشيوعية،فإنّ الاهتمام بمنظمات المجتمع المدني على حساب الاحزاب السياسية سوف يصبح عاملاً لتجاهل سيادة القانون و المؤسسات وخلق ارضية لظهور قادة شعوبيين،لذا من المهم أنْ تتنبه الحكومة الى حفظ التوازن ويجب أنْ لاتعطى اهمية بمنظمات المجتمع المدني على حساب الاحزاب السياسية،كما ينبغي عدم فسح المجال أمام منظمات المجتمع المدني لتصبح توابع للأحزاب وأنْ تصبح مقاراً اخرى للأحزاب السياسية،وإنّ هذا الجانب في بلادنا كما هو الحال في الدول النامية لايزال فيه اشكالية و لم يتمكن من حفظ التوازن بين الاحزاب و ومنظمات المجتمع المدني لذا من المهم أن يتم مراجعة هذا الجانب مرة اخرى.
4- الاعلام
بما أنّ احد الأعمدة المهمة للمجتمع الديمقراطي هو الايمان بحرية التعبير و الانشطة السياسية وتشكيل المجاميع و الجمعيات و الاحزاب السياسية و الايمان بحقوق الملكية الخاصة و الملكية الفكرية،لذا يكون العمل البدائي للحكومة هو ترسيخ تلك الحقوق وفق القانون،حتي لايتمكن أحد من خرقها، سواء تستفيد من تلك الحقوق مجموعة لتأسيس حزب اسلامي أو علماني أو ديمقراطي أم لا،فهذه مسألة يقرها القانون ويفسح لها المجال أم لا،وحول عمل الأعلام الذي يقع ضمن اطار حقوق حرية التعبير،كما إنّ هذا الجانب ينظمه القانون ايضاً و في مرحلته التمهيدية يحاسبه القانون،ومن اجل تثبيت كل تلك الحقوق داخل المجتمع على الحكومة تخصيص ميزانية خاصة واتخاذ الخطوات اللازمة بشأنها، وتخصيص الميزانية لكل الحقوق ولايعني أنّها تتصرف كيفما يشاء بل عليها العمل وفق القانون الذي حدد حدود الحريات،اذن شرط منح الميزانية أو تأمينها للعمل الاعلامي، هو العمل في اطار القوانين في كوردستان،لذا عندما توجد حرية الاعلام والتعبير في دولةما،ليس ثمة مشكلة أنْ يتم تمويل احدى وسائل الاعلام من قبل حزب سياسي أو شركة، لأنه مثلما يوجّه الحزب السياسي الاعلام لمصلحته السياسية،وبنفس الشكل فإنّ الشركة توجّه الاعلام لصالحها،ولكن هناك فرق بين عملية البداية الديمقراطية وبين عملية التكامل و حماية الديمقراطية،وهو أنّ هدف الآعلام في بداية العملية الديمقراطية هو بناء الديمقراطية أمّا هدف التكامل الديمقراطي هو تعزيزها. من هنا يجب الادراك بخطورة عدم التوازن بين تلك العناصر على العملية الديمقراطية،ولكن المهمة الصعبة لتنظيم هذا التوازن تواجهها الحكومة، ولكن على تلك العناصر أن تتضامن من اجل نجاح العملية في اطار القانون.
جون مايكل كاري ل( كولان) : الشيء الاهم للمرحلة الانتقالية تاسيس مفوضية الانتخابات
البروفسور جون مايكل كاري استاذ العلوم الاجتماعية في القسم الحكومي لجامعة دورتموس و المتخصص في السياسة المقارنة و الدستور و الانتخابات و سياسة دول امريكا اللاتينيةلبناء الديمقراطيية،عبّر عن رأيه حول دور الاحزاب السياسية و الانتخابات في المرحلة الانتقالية قائلاً ل(كولان) : ((أحد الامور المهمة جداً لدى بعض من الديمقراطيات الحديثة في السنوات الاخيرة هو تسليم زمام عملية الانتخابات من قبل الاحزاب السياسية الى هيئة محايدة أو مؤسسة حكومية مستقلة،فعلى سبيل المثال فقد تم استحداث تشكيل مفوضية الانتخابات في العديد من الدول في غضون عشرين الى خمسين سنة المنصرمة،
بحيث لم يتم فيه تحديد مجال لاكثرية الاعضاء من حزب سياسي معيّن،و الجانب الايجابي في هذه العملية هو أنّه عندما تكون الاحزاب السياسية قوية جداً أو متنفذة،فإنّها تسيطر على معظم شؤون الحكومة، وفي الديمقراطيات العريقة و المؤسساتية فإنّ السياسة المتخذة ازاء هذا الامر هي محدودية القدرة على التعيينات في القطاع العام من قبل الحزب الفائز،فمثلاً نحن ندافع عن اغلبية الموظفين الحكوميين في امريكا بحيث لانسمح بفصلهم لاسباب سياسية،اذن ليس من المهم أن يكون انتماؤه الى أي حزب أو مؤيد الى آخر،وهذا أحد أساليب منع الاحزاب السياسية من أنْ تكون لها السيطرة الكاملة داخل النظام،ولهذا السبب يربط غالبية الناس بين الحكم الناجح مع وجود أقل مستوى من الفساد،وأقل خروقات للحقوق المواطنين من قبل السلطات السياسية و المؤسسات الحكومية،ولكنه يرتبط بالديمقراطية بقساوة،لأنّ الديمقراطية أكبر تهديد للسلطات السياسية التي ترغمهم على عدم اللجوء الى الفساد وعدم خرق حقوق المواطنين،وهناك حالات شهدتْ الادارة الناجحة في الحكم حتى في غياب الديمقراطية،ولكنها كانت نادرة،أي يعني أنّ تقوم الحكومة في غياب الديمقراطية بتأمين الخدمات الاساسية للمواطنين بشكل فاعل و لاتخرق حقوقهم.ولكن هذا أمر عجيب،وبأعتقادي العنصر المهم في العملية الديمقراطية هو وجود مؤسسة قضائية مستقلة،حيث أنها تعتبر حكماً في كل المنازعات و المشكلات التي تنشأ بين هذا القطاع و مختلف اللاعبين في المجتمع،وعلى سبيل المثال اذا أردتَ أنْ لاتقوم الحكومة و حتى القطاع الخاص بتحديد حرية الاعلام، فأنك تجد على الآقل في الديمقراطيات العريقة و طويلة المدى أنّ السلطة القضائية لاتسمح بذلك لذا نرى أنّ الانظمة القضائية تعتبر مهمة جداً.
تيموسي تي هيلويك ل(كولان): المرحلة الانتقالية معقدة لايمكن الاستعجال فيها ويجب ادارة العملية بتأني
البروفسور تيموسي هيلويك استاذ العلوم السياسية في جامعة هوستن والمتخصص في العملية الديمقراطية لدى الدول النامية أو العالم الثالث،والمتخصص ايضاً في الانتخابات و سلوك الناخب في تلك الدول،وللحديث حول حساسيةالعملية الديمقراطيةفي تلك المرحلة عبّر البروفسور هيلويك عن رأيه بما يأتي : ((في البداية أود الحديث عن الديمقراطيات في شرق آسياو امريكا اللاتينية هاتان المنطقتان فيهما تنوعات كثيرة بين الدكتاتورية و الديمقراطية وبين الحكم الشمولي و المفتوح في الحكومات الديمقراطية،وبالأخص دول امريكا اللاتينية التي تضم أنظمة كثيرة،أنا اعتقد أنّ وجود احزاب سياسية مهم جداً في مثل هذه الدول،ويجب أن تكون ذات اتجاهات سياسية و على اساس اجندات واسعة وليست اجندات ضيقة لمصلحة مجموعة عرقية أو دينية معينة بشكل لاتستعد لأي مساومة،أنا لاأقصد هنا أنّ الاحزاب السياسية في الولايات المتحدة الامريكية ليست لديها أخطاء،ولكن أحزابنا السياسية تسعى بشتى السبل من أجل تحقيق اتجاه سياسي و الابتعاد عن تحقيق مصالح شخصية،وبرأيي أنّ هذا هو الحل الآمثل لنجاح الديمقراطية.و بالنسبة لحساسية المرحلة الانتقالية،فبدون شك علينا تحديد المشكلات بكل صراحة،لأن هذه المرحلة تعتبر معقدة جدا وقد أثبت التأريخ هذه الحقيقة،وعلى سبيل المثال في حالات الاتحاد السوفيتي و اسيا الوسطى أثبت التأريخ أنه لاوجود للأنتخابات المفتوحة و الدول غير الديمقراطية لاتتحول الى الديمقراطية،وهذه عوامل رئيسة للاسراع في العملية،ولكن يفترض سن بعض القوانين لحماية الملكية الخاصة و سيادة القانون مع دستور مرن يسهل تطبيقه،وبرأيي لايمكن الاسراع في الامور عند المرحلة الانتقالية و كذلك من الديمقراطية و من مؤسسات المجتمع المدني،بل يجب أنْ تكون المرحلة الانتقالية واضحة و شفافة،حيث بعد سن القوانين تتهيأ الاجواء لازدهار مؤسسات المجتمع المدني،ولكنني أعتقد بانّ التأريخ قد بيّن لنا بأنّه من الضروري وجود مرحلة نتعلم من خلالها كيفية اداء هذا الامر،ولكن المشكلة تقضي بأنجاز المرحلة الانتقالية،بحيث يتم فسح المجال أمام مؤسسات المجتمع المدني و الأعلام لتقديم نشاطاتها بعد الانتهاء من وضع القوانين،لذا أعتقد أنّه مع مرور الزمن يمكن جذب مؤسسات المجتمع المدني و الأعلام و الشركات المختصة الى العملية الديمقراطية،،وفي الوقت ذاته من المحتمل أنْ تكون العملية فوضوية، واقصد بذلك أنْ تصبح المرحلة الانتقالية عملية صعبة.

مايكل جونستون ل( كولان) :
السياسة بلا حكومة فاعلة تعتبر كارثة والحكومة بلا سياسة ليست بالديمقراطية
البروفسور مايكل جونستون استاذ العلوم السياسية في مركز شارل دانا و مدير قسم الاجتماع في جامعة كولكايت ومؤسس صحيفة( الفساد و الاصلاح)و كان كاتباً في الصحيفة خلال أعوام 1985-1996،البروفسور جونستون صاحب كتابة الديمقراطية داخل الاحزاب السياسية على المستويين النظري و العملي و ألّف كتباً حول الحكم و الديمقراطية، وللحديث عن التوازن بين عناصر الديمقراطية، عبّر البروفسور مايكل جونستون عن رأيه قائلاً : ((افراد المجتمع ليسوا احراراً فقط من حيث الدفاع عن مصالحهم،بل احرار في وضع نظام سياسي للدفاع عن مصالحهم،وأحد الاخطاء التي نكررها كثير من المرات هي أنْ نفترض بوجود دوافع مثالية و مدنية لدى كل الاشخاص عند عملية بناء الديمقراطية،وفي حين من الضروري أنْ تتوفر دوافع حقيقية للأستمرار في مشاركة الناس.
وبالنسبة للأحزاب السياسية يجب بناؤها على أساس المصالح الحقيقية الموجودة في المجتمع و مايمكن أنْ تكون المصالح من الأدنى الى الأعلى،أنا أؤيد أنْ تكون الاحزاب السياسية الاطراف الرئيسة في عملية بناء الديمقراطية،ويعتقد بعض المسؤولين إنّ الخطأ الذي نرتكبه احياناً هو أننا نتعامل مع الاحزاب كمؤسسة عامّة وننتظر منها اداء بعض المهام العامة،ولكن تلك الاحزاب تعبّر عن نفسها وتتنافس فيما بينها،ولكن من المهم وجود الثقة داخل المجتمع و اعتقد أنّ أحد عوامل بناء الثقة هو تأمين الخدمات الاساسية بشكل فاعل وعادل و لعموم ابناء المجتمع،كالسلامة الشخصية،التربية،المياه النقية،و الامور غير المهمة ولكنها اساسية لتحسيين حياة الناس،لأنك اذا تمكنت من اداء هذه الامور بشكل عادل فأنك تستطيع بناء الثقة مع مرور الزمن و يترك الناس الاعتقاد بأنّ هذا الحزب السياسي ينتمي الى هذه المجموعة العرقية،أو أنّه اداة شخصية بيد شخص قوي،وعندئذٍ يعتقد الناس أنّ الاحزاب السياسية تعبّر عن شرائح و طبقاته المختلفة،بالرغم من أنّ العملية تستغرق وقتاَ طويلاً، ولكن من المفروض في المرحلة الانتقالية أنْ تتعاون العناصر فيما بينها وأنْ تتصرف وفق الانظمة و القوانين،كما عليها المنافسة حول بعض المسائل و الاختلافات الحقيقية،لتترسخ لدى الناس القناعة في الاختيار السياسي،وما يتعلق بالشطر الثاني من السؤال اعتقد أنّه في الحقيقة لايوجد اختلاف كبير بين الحكم الديمقراطي والادارة الناجحة،بالرغم من أننا نتصرف كأن هناك اختلافاً بينهما،ولكن ننظر الى الحكم الناجح كعملية فنية و ادارية ونعمل من أجل نجاح المؤسسة البيروقراطية،وفي الحقيقة توجد العديد من الافكار حول الحكم الناجح وتفرض أنْ تكون العملية السياسية وتأثيرها خارج عملية الحكم،في حين أعتقد من المفروض وجود اتحاد اقرب بين الحكومة و السياسة،لأن السياسة بدون حكومة فاعلة تؤدي الى الاضطرابات،كما أنّ الحكومة بدون سياسة تعتبر غيرمسؤلة و غير ديمقراطية.
Top