• Tuesday, 23 April 2024
logo

الشعور بالعدالة الاجتماعية وسيلة لأستمرار المجتمع في ادائه و نشاطاته

الشعور بالعدالة  الاجتماعية وسيلة  لأستمرار المجتمع في ادائه و  نشاطاته
ترجمة /بهاءالدين جلال


مشروع السيد مسعود بارزاني رئيس اقليم كوردستان لانجاز الاصلاحات في عموم مجالات الحكم في الاقليم شعورٌ بأنعدام العدالة في المجتمع،والشعور بهذه المسألة يشكل بحد ذاته تجسيداً لمنطق و نهج رئيس الاقليم،حيث كان هذا النهج دائما برنامج عمل سيادته بضرورة أن تصبح كوردستان دولة قانون و مؤسساتية ويشعر المواطنون في ظل سيادة القانون بالعدالة وانهم متساون أمام القانون،واذا ما تم اعتبار مشروع رئيس أقليم كوردستان لبناء العدالة لغاية انتخابات تموز عام 2009 دعوة منه لحث الاحزاب و الاطراف الكوردستانية لجعل تأسيس دولة القانون و بناء العدالة من اولويات البرنامج السياسي في الحكم،ولكن بعد قرار سيادته في عام 2009 جعل شعب كوردستان انتخاب رئيس اقليم كوردستان انتخاباً مباشراً ، و بعد هذا التأريخ فإن بناء مؤسسات دولة القانون والعدالة في المجتمع كان عبارة عن البرنامج الذي عرضه رئيس اقليم كوردستان أمام شعب كوردستان في الحملات الانتخابية وحاول تنفيذه بشكل عملي،وما يستدعي الانتباه و التساؤل هو لماذا لم يبدأ برنامج الرئيس البارزاني هذا، ولم يدخل حيز التنفيذ في وقت أسبق؟وبلاشك فأن الجواب مرهون بعوامل عدة، قسم منها يتعلق بالشأن الداخلي لآقليم كوردستان و العراق و الآخر بالعلاقات الاقليمية و الدولية،والتي كان يتطلب من رئيس اقليم كوردستان كرئيس منتخب لشعب كوردستان تمثيل هذه المسؤولية التأريخية التي تقع على عاتقه، ونشير اليها بعدة نقاط :
1- السيد مسعود بارزاني كرئيس لأقليم كوردستان و اعلى سلطة تنفيذية فيه،قدم هذا البرنامج في 27/10/2009 مع اعلان التشكيلة السادسة لحكومة اقليم كوردستان لتنفيذه في الفترة الرئاسية الاولى.
2- اهم النقاط في البرنامج هي أن رئيس اقليم كوردستان عليه أن يتفقد عموم مناطق الاقليم و يلتقي الناس بشكل مباشر و يستمع الى مطالبهم و ينفذ برنامجه في ضوء تلك المطالب،وفي هذا الاطار فقد زار سيادته مناطق سوران و حوض بيتوين و اجتمع مباشرة مع الاهالي و لبى مطالبهم.
3- اجتمع الرئيس البارزاني مع كافة رؤساء البلديات للأطلاع عن كثب على مشكلاتهم و النواقص و مواقع الخلل في الخدمات و من اجل رفع صلاحيات رؤساء البلديات ليكونوا عند مستوى تنفيذ الخدمات الرئيسة لجماهير كوردستان.
4-كان هدف رئيس اقليم كوردستان من البرنامج هو شعور شعب كوردستان بأن الخطوات تهدف الى معالجة النواقص و بناء العدالة في اقليم كوردستان.
ان الخطوات التي أشرنا اليها تشكل معاً نقطتين اخريين من الممكن استقرائهما في شخصية الرئيس البارزاني،و النقطتان هما:
* السيد مسعود بارزاني هو الرئيس القادرعلى بلورة الرؤى الخيرة وله النية في توظيف تلك الرؤى في مصلحة شعب كوردستان.
* السيد مسعود بارزاني ، هو الرئيس الذي يشعر بأهمية العدالة ويتفهم مبادئها وكيفية تنفيذها،والاهم من ذلك فأن سيادته يهدف في قراراته وتوصياته أن تصب في مصلحة شعب كوردستان وبالتالي تكون عند حسن ظنه،ومن هذا المنطلق كان برنامج سيادته على هذا النحو، حيث أن تنفيذه بحاجة الى تعاون عموم الشعب و الاطراف الكوردستانية( الاطراف ذات السلطة و المعارضة معاً)، كما بيًن لنا البرنامج أنه يتطلب اتخاذ قرارات حاسمة و صعبة وأن هذه القرارات الصعبة عندما تشمل أي طرف عليه أن يتقبلها و يتحمل نتائجها.

تأخر تنفيذ البرنامج
تزامناً مع بدء الدورة الرئاسية الاولى للسيد مسعود بارزاني كأول رئيس منتخب من قبل شعب كوردستان بشكل مباشر،اتخذ العراق ايضاً اجراءاته استعداداً للأنتخابات الجديدة،وإن الانتخابات العراقية هذه، أشغلت العراق وكذلك الدول الجارة والاقليمية والاتحاد الاوروبي و الولايات المتحدة الامريكية،وكان هذا سبباً رئيساً لزيارة السيد مسعود بارزاني الى الولايات المتحدة الامريكية ولقاء الرئيس اوباما و المسؤولين الآخرين في البيت الابيض،وبعد عودته نجد أن العراق انشغل كلياً في الحملات الانتخابية، وبما أن الاحزاب الكوردستانية لم تشارك في انتخابات ايار عام2010 بقائمة واحدة ، وكما اوضح الرئيس البارزاني في لقائه مع (كولان) في شهر تموز من عام 2010،بسبب الحملات الانتخابية ولكي لاتدخل زيارة سيادته كجزء من الحملة الانتخابية لصالح قائمة التحالف الكوردستاني، فقد أوقف برنامجه هذا،وبعد الانتخابات دخلت أوضاع العراق في أزمة حكم ليس لها مثيل في العالم الديمقراطي لحد الآن،وبالرغم من مرور نحو 15 شهراً على انتهاء الانتخابات ولاتزال لم تستكمل الحكومة العراقية بشكل نهائي،وهناك العديد من المشكلات بقيت عالقة حتى الآن،لعل أبرزها مشكلة تأسيس المجلس الاعلى للسياسات الستراتيجية،ولهذا نجد أن هذه المشكلات وإن لم يكن لها التأثير المباشر على برامج الرئيس البارزاني، ولكن كان لها التأثير غير المباشر عليها،وفي المحصلة النهائية فإن مشكلات تشكيل الحكومة تمت حلها بفضل المبادرة التي اطلقها رئيس اقليم كوردستان في شهر تشرين الثاني لعام 2010 حيث فتحت المبادرة بوابة لحل المشكلات، والاهم من كل هذه الامور هو أنه تم بمبادرة رئيس أقليم كوردستان اعادة منصب رئيس الجمهورية للكورد مرة أخرى،وبعد تشكيل الحكومة العراقية ،عقد المؤتمر ال 13 للحزب الديمقراطي الكوردستاني ،حيث أن الحزب غيّرشعاره الى( العدالة و التجديد و التعايش)وفي الوقت ذاته اقترح السيد مسعود بارزاني كرئيس للحزب الديمقراطي الكوردستاني على المؤتمر أن يكون حق تقرير المصير أحد برامج الحزب للمرحلة القادمة، وهذا يعني أن برنامج الرئيس البارزاني فضلاً أنه مبني على العدالة، والعدالة ذاتها أصبحت شعاراً للبارتي للمرحلة القادمة، ولهذا نرى أن سيادته قبل سفره الى ايطاليا، اجتمع في مطلع عام2011 مع ممثلي الاحزاب و الاطراف السياسية الكوردستانية ودعاهم لاعداد برنامج لكي يتمكن بعد عودته من سفره الى بذل الجهود المشتركة لبدء عملية الاصلاحات في كوردستان.

العدالة كمشروع لسيادة قانون
لو نبدأ انطلاقاً من هذه الحقيقة بان كل فرد يسعى الى تحقيق مصالحه الشخصية، لذا لايجوز أن لا نراعي ايضاً حقيقة اخرى وهي أن الفرد الذي يرى بأن شعوره يمثل قانوناً خاصاً و شرعياً من اجل مصالحه الشخصية، عليه أن يعتبر هذا الشعورشرعياً للآخرين ايضاً، أي عليه أن تكون تعاملاته بالشكل الذي يعتبرفيه أي شيء مشروعاً بالنسبة له كي يصبح قانوناً عاماً،وهذا يعني أن تكون للفرد رؤى خيرة للمجتمع ويسعى الى التعاون من اجل توظيفها لما فيها خدمة المجتمع،ومن هنا عندما نتحدث عن العدالة الاجتماعية أو المجتمع الذي ينبغي أن تسود فيه العدالة ،علينا أن نشير الى اننا لانقصد بذلك الرعاية الاجتماعية،وفي الوقت ذاته لايعني ذلك بأن الرعاية الاجتماعية ليست لها اية علاقة بالعدالة الاجتماعية،بل نريد القول بأنه يجوزضمان العدالة الاجتماعية (الى حد ما)في بلد ما،ٍ توجد فيه الرعاية الاجتماعية ايضاً، وهنا عندما نعرٍّف وجود العدالة ب(الى حد ما)، نقصد بها المحافظة على الفوارق الطبيعية للافراد،لتكون حافزاً لاستمرارية نشاطات المجتمع و حث الافراد على تطويرقدراتها والانجاح الاسرع لعملية التنمية.لذا فأننا فصلنا بين المفهمومين( العدالة الاجتماعية و الرعاية الاجتماعية) متعمداً،وذلك لأننا لانستطيع القول بأنه عند وجود العدالة الاجتماعية في أي بلد، يعني أن للرعاية الاجتماعية وجوداً ايضاً،الدخول الى فحوى هذين المفهومين المهمين ينقلنا الى اتجاه مختلف،ويعود هذا الاختلاف الى أنه في حال قراءة مفهوم الرعاية الاجتماعية كأحدى نتائج العقد الاجتماعي،فأن متابعة و تقييم مفهوم العدالة الاجتماعية تُقرأ كأنتقاد لنواقص العقد الاجتماعي وكأسلوب في تطبيق نظام الليبرالية الديمقراطية،ان هذه الانتقادات التي يتم التعبيرعنها احياناَ في اطار مفهومها الفلسفي بصيغ و مصطلحات اخرى،تُقرأ كأحد نواقص النظام الليبرالي ومؤسساته وبالنتيجة تسبب في تباطؤ افراد المجتمع و تجميد نشاطات المجتمع،وحول فهم مفهوم العدالة و تعريف المجتمع العادل،سألنا البروفسور بريج موهان استاذ علم الاجتماع في جامعة لويسيان حيث أجاب عن السؤال ل(كولان) بما يلي:((هذا سؤال جيد و صعب في الوقت ذاته، العدالة هي مشكلة العالم برمته،و عندما نتحدث عن المجتمع العادل علينا مراعاة ثلاثة اعتبارات:الاول عبارة عن سيادة القانون،من الممكن أن يؤدي وجود سيادة القانون في المجتمع الى اعتباره مجتمعاً عادلاً و من الممكن ايضاً أن لا يُنظر اليه بهذا الشكل،وهذا يتوقف على ما بناه المجتمع من قانون و مؤسسات لفرض وتحقيق القانون و انظمته،حيث أن ستالين كان يمتلك قوانين و انظمة ، وكذلك ماوتسي تونك،ولكن هل أن كل تلك القوانين والانظمة تمت صياغتها لتحقق في النهاية العدالة و المساواة للجميع؟انا لااعتقد ذلك،تصوّر أحياناً من الممكن أن يصبح القانون سبباً في الارباك،لأن كل المجتمعات تسير في مرحلة النمو و التطور،أي من مرحلة نامية حديثة الى مرحلة متطورة، وفي هذه المرحلة تمر المجتمعات بتغييرات كبيرة،وليس من المرجح أن تكون التغييرات لصالح الشعب،في الحقيقة يجب أن تكون المؤسسات القانونية منسجمة مع آمال و تطلعات وقيم المجتمع،الاعتبار الثاني هو ضرورة أن يكون لنا مجتمع مدني،وهذا يعني أن يحترم بعضنا البعض رغم اختلافاتنا السياسية و الاجتماعية،ان مشكلة المجتمعات حالياً هي أنها تتجه كثيراً الى عدم التسامح و اللجوء الى العنف و الارهاب لتحقيق اهدافها السياسية وذلك على حساب أبناءالمجتمع، أي بمعنى تخصيص مزيد من الموارد للحرب و الدمار،بدلاً من أن تُنفق لبناء المدارس و المستشفيات ومساعدة الفقراء،والذي اريد قوله هو أنه لو كان هناك احترام متبادل على المستوى الاجتماعي،فأن الموارد والاموال التي تُرصد للأقتتال،نستثمرها لتحسين و تطوير حياة وصحة اطفالناوعموم افراد المجتمع)
وفي اطار حديثه حول تحوّل المجتمع الى مجتمع عادل، اضاف البروفسور موهان: (انتم تستخدمون مصطلحاً جيداَ، والذي تسمونه تحوّل المجتمع، أنا في كتاباتي تحدثت عن " التبادل" الاجتماعي، ولم أكن أقصد في ذلك تغيير الوان العمارات أو مظاهر الاشياء،بل كنت أقصد اعادة احياء التراث بشكل بنّاء،بحيث يترك الاثر في حياة الشعب،وما يسمى بالمجتمعات النشطة ، في الحقيقة ليست هي بالناشطة،لأن دوافعها و أسباب عملها تكمن في المصالح الضيقة و الاقتتال بينها،لذا فمثل هذا المجتمع لايمكن أن يكون ناشطاً و ناجحاً، لأن مهماته لاتتحول فيه الى افعال، و العوامل التي تؤدي الى تغيير المجتمع هي تبنّي هذا المجتمع التعامل مع المسائل المتعلقة بالعدالة الاجتماعية و عدم المساواة،إن نظرتي الى الحرية هي أنها تجتمع في عمودين رئيسيين،وهما العدالة و المساواة،في الحقيقة إن لم يكن للعدالة والمساواة وجود فلا يكون للحرية أي معنى،أنا لا اؤيد الحرية التي تسمح بقتل المنافسين،أو تسمح بالتعامل اللاانساني مع الاشخاص المخالفين،اذن بأمكاننا صياغة معنى مشترك للعدالة الاجتماعية على مستوى العالم. وعلينا ايضاً أن نعلم بأن الحرية مماثلة للمسؤولية،أي أنك تتحمل المسؤولية عندما تكون حراً و أن تعطي الفرصة للآخرين لكي يكونوا أحراراً،لذا اقولها بصراحة إن المجتمع الذي يقدّرالعدالة الاجتماعية و السلامة الاجتماعية هو المجتمع الذي يعمل بشكل من الاشكال الى فلسفة المساواة، أما في المجتمعات التي لاتهتم بالسلامة الاجتماعية ،وعلى سبيل المثال،الباكستان،أو بعض الدول الاخرى، أو نرى فيها العنف و الارهاب،لانجد فيها أي اهمية للقيم و حقوق الانسان،اذن بأستطاعتنا القول أن السلامة الاجتماعية و العدالةالاجتماعية وجهان للعملة الواحدة)).

ان ما أشار اليه البروفسور موهان هو خلاصة التفكير ذاته الذي صاغه البروفسور اميتاي ايتزايوني في كتابه( المجتمع النشط-(Active society كنظرية لمنع خمول المجتمع، يسعى ايتزايوني في كتابه الى استمرار الحوار بين افراد المجتمع على اساس الاخلاق لكي يبقى المجتمع الليبرالي الديمقراطي الامريكي مستمراًعلى نشاطه، و السؤال هنا هو : هل تمكنت نظرية ايتزايوني من حل مشكلات الليرالية السياسية الامريكية؟الجواب كلاّ،حيث اكد بعده، البروفسور جون راولز في كتابه(نظرية العدالة، العدالة كأنصاف A Theory of Justice: Justice as Fairness))و كأنتقاد لليبرالية السياسية الامريكية كأول محاولة في القرن العشرين اعادة تعريف العقد الاجتماعي واعادة العقد الى وضعه الاصلي- Original position أي قبل ابرام العقد الاجتماعي وقبل أن يخضع المواطنون الى أوامر وقرارات العقد.
ولهذا نجد أن نظرية العدالة كأنصاف، تعلّمنا من الضروري اولاً: النظر الى نظام المجتمع كنظام تضامني على أساس ضمائر الافراد،وبلورة افكار وآرائهم لتنسجم مع هذا المفهوم،وهذا يعني أن بأمكان الافراد المشاركة الفاعلة في المجتمع ويكون لهم الدورالمؤثر فيه،ويتحلّون بالصفات التي توجههم لتقدير كافة الواجبات و الحقوق،ويُنظر الى تلك الحقوق والواجبات كتعاون وجداني بين الافراد أنفسهم،وحول كيفية تهيئة الظروف لأعادة الافراد الى الوضع الاصلي،توجّهنا بالسؤال الى البروفسور مارجوري زاتس مدير مركز العدالة والتحول الاجتماعي في جامعة اريزونا،وكان جوابه ل( كولان) كالأتي: ( هناك تعريفات عدة للعدالة،وبالأخص للعدالة الاجتماعية،وحسب رأيي، ان العدالة الاجتماعية بحاجة الى توفر فرص مساوية الى حدٍما للآستفادة من الحقوق الاجتماعية، الاقتصادية،الثقافية، السياسية،والمدنية،وليس فقط الاستفادة من القانون و التنظيم الاجتماعي في ظل سيادة القانون،و لوأن هذه تعد نقاطاً بدائية،وحول هذا الموضوع يثير ايريس ماريون يونك في كتابه(من سنة 1990،ص 48-65) نقطة مهمة،حيث يحدّد الاستبداد في خمسة ظواهر،وهي: الاستغلال، التهميش،الضعف،العنف المنظم،و الاستعمار الثقافي، لو اردنا تحقيق مجتمع عادل،علينا العمل لآزالة كل تلك الاشكال الاستبدادية، ان سؤالكم ينسجم كاملاً مع مفاهيم الضعف و التهميش، يجب أن يكون أبناء المجتمع قادرين على المشاركة في القرارات المتعلقة بظروف العمل و الحياة،كما يجب أن لا يكونوا مستبعدين اذا ما أردوا المشاركة في المجتمع.
بناء هذا النوع من المواطنة التي لها الفرصة للمشاركة في السلطة، سوف يؤدي الى بناء مجتمع ناشط،كما تعبّرون عنه، ولذا اذا ما تمكننا من بناء مجتمعٍ قادر على الابتعاد عن الاستغلال، التهميش،الضعف،العنف المنظم،و الاستعمار الثقافي، يكون قد اتّخذ خطوات كبيرة بأتجاه تحقيق مجتمع عادل و سالم )).

العدالة من سمات المجتمع الديمقراطي و المشكلة الرئيسة للمجتمع
اذا كانت العدالة بشكل عام و العدالة الاجتماعية على وجه الخصوص يشكلان الهدف الذي يتحقق في المجتمع الديمقراطي،فلاشك أن هذا الهدف يصبح المشكلة الرئيسة لذلك المجتمع ويتطلب تكثيف كافة الجهود من أجل تحقيق هذا الهدف،ولكن السؤال هنا ايضأ هو:ماهي الآليات التي تسمح بهذا الشكل لتغيير وجهات نظر المجتمع و تجعل الافراد يسعون لتحقيق ذلك الهدف؟وبدون شك فأن جواب هذا السؤال يحتّم على الأفراد أن يعيشوا في مجتمع ديمقراطي و في الوقت ذاته يكونون احراراً،و الاشخاص الذين يمثلون الافراد الاحرار، ينبغي أن يكونوا في مستوى يؤهلهم مراعاة العقلانية و الاخلاقيات عند اصدار القوانين و القرارات وتكون نابعة من العقول و الاخلاق،لكي لاتكون تلك القوانين و القرارات مقبولة و مفضلة لدى بعض و مرفوضة لدى الآخرين، أي يجب أن تكون معقولة الى حدِ يرضى بها الجميع،وكما اشار اليه عمانوئيل،يجب أن يكون تصرف وتعامل الفرد العاقل في المجتمع بأتجاهٍ يعتبر نفسه بأنه من المشرعين في مملكة المصلحة العامة،التي صاغها جون راولز صاحب نظرية العدالة ويفسر فيها أن مفهوم الانتماء الى عضوية مملكة المصلحة العامة يجب أن يتم تصويره بحيث يصدر المشرعون قراراتهم و قوانينهم على اساس الوضع الاصلي(Origi position)و و خلف ستار الجهل وغير مطلّعين على المصالح، behind a veil of ignorance،و لايعرف المشرعون ما يصدرونه من القوانين تدخل في مصلحة(القومية،الدين،فئة معينة... الخ)،وهذا يعني أنه قام بمراعاة الاسس الاخلاقية و العقلانية في القوانين وساوى بين القدرات و المهارات المختلفة لدى افراد المجتمع أمام الفرص الموآتية،وبما أن كل الفرص و المجالات مفتوحة أمام الافراد بشكل متساوي، لذا فأن الاستفادة من المهارات المختلفة وفي الفرص المختلفة،تولّد اختلافاً في المجتمع،ويصبح ذلك الاختلاف معقولاً لدى الجميع والاكثر من ذلك يشجع المجتمع على الأستمرار في نشاطاته وأن يصبح الشكل الافقي لتقدير الواجبات والحقوق بين الافراد تعاوناَ وجدانياً يسود بموجبه الاحترام بين الجميع،وحول كيفية مراعاة المصالح العامة أو مراعاة معقولية القوانين والقرارات، سألنا البروفسور جيفري آن روس استاذ العدالة الجنائية في جامعة بلتيمور، جيث عبّر عن رأيه ل(كولان) بهذا الشكل: (في الحقيقة انه سؤال صعب،هناك جدال فلسفي ، ما هو الشيء العادل و غير العادل،اذن إنه سؤال معقد،الذي يجب تفسيره من المنطلق الفلسفي و كذلك مناقشته من الجوانب الواقعية و العملية، ليس من حقي فرض تعريفي و مفهومي الخاص للعدالة على مجتمع معين ،واعتقد على المجتمع الوصول الى النتيجة التي يضع على ضوئها ما هو مناسب للمجتمع العادل عن طريق الحوارات و المناقشات و التحليلات،وفي الوقت ذاته يجب وضع معايير و ضوابط للعدالة،و أن يضع في الحسبان أن هذه المعاييرغير ثابتة، و بعبارة أخرى أنها تتغير بمرور الوقت،وعلى أساس التجارب أو المعرفة أو عن طريق التعلّم و أخذ الدروس و العبر من ظروف وأوضاع و دول و مجاميع أخرى،وبمعنى آخر أن مايُعتبر عادلاً في مجتمع ما،لايٌنظر اليه بهذا الشكل في مجتمع آخر،انا أشرت في احد كتبي الى أن المجتمعات التي تعرضت لفترات طويلة الى القمع،غير متحمسة للمشاركة في العملية السياسية،ولعدة أسباب احدها هو تعرضها الى العقوبات عند مشاركتها سابقاً في العملية السياسية ، وتلك العقوبات الحقت اضراراً بحياتها المعيشية،و السبب الآخر هو عندما ينشغل الشعب كلياً بالبحث عن مصادر عيشه،لايستطيعون المشاركة في العملية السياسية،في الوقت الذي يكون فيه من واجب كل فرد من أفراد المجتمع المشاركة في تلك العملية،لأنك في النهاية تمثّل هذا المجتمع وتشكِل الحكومة التي ترغب فيها،حيث لايجوز لك السكوت عند اللامعقول،لأن سكوتك يجعلك شريكاً أو مسانداً لذلك المجتمع،و بأختصار حينما تشعر بعدم الرضا،عليك أن تعبّر عن ذلك،ومن هذا المنحى علينا تهيئة الاجواء ليتمكن الناس التعبير عن أنفسهم ، وهذا يتم أما عن طريق وسائل الاعلام أو يكون بناء الحكومة بشكل توفّرفرص المشاركة لاكبر عدد من الناس)).


قبول الاختلافات كنتيجة المساواة
عند عملية تطبيق العدالة في المجتمعات ذات الفوارق الطبيعية،مثل القدرات الجسدية و الذكاء و الالوان و الديانات و القوميات و المذاهب،لايجوز أن يكون لها تأثير على القرارات و القوانين التي يتم بموجبها تطبيق العدالة في المجتمع،بل يجب النظر الى الفوارق الطبيعية عن طريق العقود وعلى اساس وضعه الاصلي،وذلك لأنه ليس بأستطاعة أحد أن يشير الى تلك االفوارق بأنها عادلة أو غير عادلة، وعلى سبيل المثال نجد فرداً أذكى من غيره أو آخر اقوى من غيره جسدياً،اذن لايجوز الحكم عليه بأنه عادل أو غير عادل، و القرار في ذلك يعود الى تعامل المؤسسات العاملة في المجتمع مع ذلك الواقع،وهذا يتطلب التعامل معه بحيث لايعتبر اي من الجهات أو الأشخاص من مشرعي القوانين أنفسهم ممثلين عن جهة معينة،لذا امام المشرعين و لحين اصدار القوانين،فأن أي من هؤلاء الاشخاص المتعاملين معها لايعرفون مصالحهم،وأن هذا الجهل بالمصالح يسبب في اصدار قانون يسمى قانوناً ذا انصاف أو قانوناً يعتبره الجميع معقولاً، ومن هنا اذا ما لاحظنا ذلك بدقة، نجد أن الفوارق الطبيعية قد هُمّشتْ،أو لم تراعى عند اصدار القانون،ونرى الافراد متساوون كلهم من وجهة نظر المشرعين للقوانين ، ولكن تعامل الافراد بأختلافاتهم الطبيعية تتمخض عنها امور متفرقة،وحول الاختلافات التي تتولد من القوانين،سألنا البروفسور نيل فيدمار استاذ القانون في جامعة (DUKE) حيث اجابنا قائلاً: (في الحقيقة انه سؤال معقد ، ولكن هناك اساساً أمرين نستطيع التفكير فيهما، احدهما يتعلق بما حققتَه وهل حقاَ أنك تستحق ذلك أو لك الحق في تحقيقه، والثاني يتعلق بما لديك من قضية أو مشكلة مع أحد وعندما تلجأ الى المحاكم أو أي مؤسسة أخرى، تشعر بأنه قد وفرت أمامك فرصة عادلة للتعبير عن وجهات نظرك وأدلتك،البحوث التي اجريتُها مع زملائي،توضح أنه حتى عندما يخسرون القضايا فأن هؤلاء الاشخاص يقبلون بالنتائج بعدما يشعرون بأن محاكم عادلة حَسمتْ قضاياهم،ومُنحوا فرصة عادلة لطرح أدلتهم القانونية،اذن انهما مكونان للعدالة الاجتماعية،من جهة أخرى هناك الكثيرون في بلدنا يشعرون بأنهم لم يتم التعامل معهم بشكل عادل في اطار النظام،و بالاخص المهاجرين من أهالي دول امريكا اللاتينية والناطقين بالاسبانية،والامريكيين من الاصول الافريقية،ويعني أننا لانملك نظاماً متكاملاً،ولكن لدينا المؤسسات التي تحاول الى حدما تحسين الحياة المعاشية لهؤلاء و تحقق نوعاً من العدالة الاجتماعية،من جهة أخرى ثمة أناس في بلدنا يشعرون أن نظام الولايات المتحدة الامريكية للعدالة غير متكامل،ولكن لديها فكرة حول كيفية معالجة تلك القضايا،المشكلة هي أن المؤسسات الدستورية هذه ، ليس لديها أي وجود في الدول الاخرى،ولهذا يجب بناء تلك المؤسسات وعلى مهل،لانها بحاجة الى الوقت كي يتعلم منها الناس و التأقلم مع الظروف الخاصة لتلك المجتمعات،ولهذا السبب يجب أن تكون القوانين عامة و مجردة،ولكن المشكلة هي أن تجريد القوانين يحول دون تغطية كل المسائل و الاحداث، لذا هناك مؤسسات معينة، وعلى سبيل المثال القضاة،أو توجد في الولايات المتحدة الامريكية " هيئة المحلفين"تحسم شرعية الاحداث أو عدم شرعيتها،ومن المحتمل أن لايلقى مثل هذا النظام النجاح في الدول الاخرى،وعلى أيةحال من الضروري وجود مثل هذه المؤسسات و القضاة لتنفيذ نصوص و فحوى القوانين،اذن يجب أن يضم الدستور و القوانين تلك الضوابط التي يستفيد منها الناس،أو يتمكنون من خلالها رفع شكواهم بحيث يُمنحون الفرص العادلة لحسمها وفق تلك الضوابط)).

وحول اعتبار العدالة رمزاً للحكم الناجح، اوضح لنا البروفسور فيدمار (( فلسفة الحكم الناجح هي حكم مشروع،لانه بعيد عن الفساد الى حدما،ولكن في الوقت ذاته يتطلب وجود أناس مستعدة للعمل، التي هي جزء من مؤسسة الحكم،وتتحمل المسؤولية لأن تلك المؤسسات تعمل بشكل منظم و تراعي مطالب و مصالح الناس، اذن الحكم الناجح هو الذي يبقى الى حد ممكن بمنأى عن الفساد و الرشا،وهو ليس نظاماً مبنياً على الانحياز أو على أساس من يمتلك السلطة القوية أو موارد كبيرة،ويجب على الاقل أن تتوفر فيه الحرية لكي تستطيع التعبير عن وجهات نظرك،وتكون امامك الفرصة لتحقيق ماتراه صحيحاَ و عادلاً،لأنه عندما لايتم توفير تلك الفرص فأن الناس يشعرون بالاستياء، وعلى سبيل المثال في كثير من دول منطقتكم يشعر الناس بالخمول و الضعف،وذلك أما بسبب عدم وجود تلك المؤسسات أو عمل المؤسسات فيها نوع من التفضيل لمجموعة معينة على حساب المجاميع الاخرى،ولهذا اكررها مرة اخرى بأن المسالة تتوقف على مدى وجود الحرية التي يمكن أن تعبّربها الناس عن آرائها،وهذا نابع من المنظور الخاص للديمقراطية الغربية و الامريكية،تكون فيها للناس الفرص للتعبير و التصويت و يشعرون بأن وجهات نظرهم ومصالحهم أُخذتْ على محمل الجد،واحياناً يشكل ذلك مشكلة صعبة،ولكن يجب بذل الجهود من اجل ايجاد حل لكي لايشعر الناس بأنهم منعزلين و ضعفاء))
Top