• Saturday, 20 April 2024
logo

في الدول اليبرالية الديمقراطية فقط، الفدرالية هي حلُ للمسائل القومية و العرقية

في الدول اليبرالية الديمقراطية فقط، الفدرالية هي حلُ  للمسائل القومية و العرقية
ترجمة / بهاءالدين جلال

قامت محكمة الجرائم العليا العراقية قبل فترة، بتعريف كارثة الانفال و القصف الكيميائي كجريمتين من جرائم الابادة الجماعية،وهذا يعني أن مستوى العنف من قبل النظام العراقي السابق في تعامله مع شعب كوردستان في العراق وصل الى مستوى الهجمات الوحشية واتباع التطهيرالعرقي ضد شعبِ يدعو منذ بداية ثوراته في اربعينات من القرن الماضي و لايزال الى التعايش الاختياري في اطار العراق، وخلال العقود السبعة المنصرمة، قامت الثورات الكوردية من اجل تنظيم هذا التعايش بأختبار ثلاثة طرق وهي عبارة عن:
1- صيغة اتباع اللامركزية ، أومنح بعض الصلاحيات اللامركزية من أجل أن تدار المناطق الكوردية العراقية بصيغة اللامركزي من قبل الكوردستانيين، ولكن لم يتم الاتفاق على هذا المطلب ومن ثم هاجمت الحكومة المركزية بوحشية شعب كوردستان.
2- صيغة الحكم الذاتي الذي تم التوقيع عليه في 11 من آذار عام 1970 من قبل ثورة كوردستان والحكومة المركزية في بغداد و تم تحديد اربع سنوات لتنفيذ فحوى الاتفاقية،ولكن بعد السنوات الاربعة و بدلاً من أن يحل السلام ، كما رأينا،قامت الحكومة المركزية بفرض القتال على شعب كوردستان مرة أخرى، و من اجل أن يسبب النكسة لثورة كوردستان،كان حزب البعث على استعداد للتخلي عن اجزاء من الاراضي العراقية لأيران و توقيع اتفاقية الجزائر، ما أدى ذلك ليس الى تهجير أهالي الالاف من القرى والقصبات و المدن الكوردستانية و تسوية القرى مع الارض و تعريب مدن ومناطق من كوردستان و ترحيل سكانها من الكورد والتركمان و الكلدان و الاشوريين فحسب، بل وصل الى حد استخدام الغازات السامة واتباع عملية التطهير العرقي ضد الشعب الكوردي في اطار حملات الانفال سيئة الصيت ودفن اكثر من 200 ألف مواطن كوردي وهم احياء في مقابر جماعية.
3- بعد الانتفاضة وتأسيس برلمان كوردستان في 4/10/1992،قرر برلمان كوردستان الصيغة الفدرالية لبقاء اقليم كوردستان،قرار برلمان كوردستان مع أنه كان قد تم الاعتراف به سابقاَ و لمرات عدة في مؤتمرات المعارضة قبل سقوط النظام عام2003 وفي القانون المؤقت لادارة المرحلة الانتقالية و من ثم في الدستور العراقي،ولكن لحد الان ، لا العراق تحول الى دولة فدرالية،و لا هناك بارقة أمل في أن تسمح الحكومة العراقية بتشكيل أقاليم فدرالية اخرى في العراق، و الاهم من ذلك ليس هناك أمل بأن اقليم كوردستان كأقليم فدرالي وجغرافي تعود اليه كل المناطق المقتطعة عنه ويعيش بسلام واستقرار في اطار دولة العراق الاتحادية، ولهذا نجد في غضون ثماني سنوات التي تلت سقوط النظام السابق تم اتخذ بعض الخطوات على اساس الفدرالية لتنظيم العلاقات بين أقليم كوردستان والحكومة الاتحادية في بغداد،ولكن نرى خطوات معاكسة اتخذت ضد الخطوات المتخذة نحو بناء دولة فدرالية، ابرزها مساعي حكومة بغداد لجمع الصلاحيات في يدها، في حين وفق الدستور العراقي يجب أن تكون صلاحيات الحكومة الاتحادية محددة وأن تكون صلاحيات الاقاليم والحكومات المحلية واسعة.
كيف يتم حل المشكلات القومية والعرقية عبرالفدرالية؟
اللجوء الى الطرق السلمية لحل المشكلات القومية و العرقية في الدول متعددة القوميات ، محاولة لأنهاء حمامات دماء ابنائها،وبدلاً من أن يتقاتل الابناء، يتعاونون فيما بينهم من اجل اعادة بناء بلد مشترك و القوميات المختلفة فيه، كما يقول البروفسور ديفيد كاميرون ، لكي تتمكن من العيش معاً بشكل اختياري في اطار بلد واحد،تقوم بأبرام عقد اجتماعي بينها تسمى الفدرالية، اذن من هذا التحديد للبروفسور كاميرون يتضح أن الفدرالية هي اتحاد اختياري ، وتحالفُ تحترمه الاطراف المشاركة فيه لكي تعيش معاً بموجب العقد الذي بينها، ولكن في حين أن هذه الطريقة تحل المشاكل نظريا و السياسيون يتساءلون، ما هو الهدف من انهاء المشكلات؟ وكيف يتم حل المشكلات القومية التي وصل مستوى عنفها في السابق الى مستوى عالي؟ وقد تم اقتراح عدة احتمالات للأجابة عن هذا التساؤل تشيركلها الى أن المستوى العالي للعنف يحدد اسلوب المعالجة و الوصول الى قرارالسلام،و بشكل عام فأن كافةالبحوث وصلت الى الحقيقة التي تقول: (اذا ما وصل العنف الى مستوى عالى و دموي،فلن يبقى المجال الاً الى الانفصال و الاستقلال كطريق حل آخر لتلك المشاكل،ولكن لو كان مستوى العنف منخفضاً، فهناك أمل في حل تلك المشكلات في اطار بلد واحد). ولكن السؤال الاهم هنا هو هل أن اصحاب القرارات و المصالح الاقليمية و الدولية، ينصاعون الى توجيهات المفكرين و الباحثين بهذه السهولة الذي يرون أن ليس هناك أي حل لانهاء المشكلات غيرطريق الانفصال و الاستقلال، و يدعون الاطراف المتنازعة و يقررون الانفصال؟
و للاسف أن تأريخ المآسي الدموية و التطهير العرقي والابادة الجماعية هي الجواب السيء لهذا الواقع ويقول لنا:في النظام العالمي الجديد( أي بعد سقوط جدار برلين و انهيار الاتحاد السوفيتيي السابق) ليست الدول السابقة للمعسكر الاشتراكي و بالاخص يوغسلافيا اغرقت بالدماء ولم يتم اتباع التطهير العرقي من جديد من قبل الصربيين بحق القوميات الاخرى عموماً والبان كوسوفو على وجه الخصوص، ولم تلجاَ الى الحل المناسب و هو انفصال و استقلال تلك الدول. و انطلاقاً من هذه الحقيقة لجأ الباحثون في مجال الفدرالية وحل القضايا العرقية و القومية الى عدة احتمالات اخرى و يعتقدون:
1- ان توازن القوى بين الشعوب الحاكمة و الشعوب المحكومة يحدد مستوى العنف،وعلى سبيل المثال في حال انعدام توازن القوى بين الشعوب الحاكمة و الشعوب المحكومة ، فأن الاولى تسعى بأقل فترة اخضاع الثانية واحتواء المشكلة بقوة و يجبر الشعوب المحكومة بالموافقة على حلول الشعوب الحاكمة.
2- ولكن في حال عدم وجود فرق كبير لتوازن القوى بين الشعوب الحاكمة و الشعوب المحكومة،أو كان هناك التكوين الجغرافي و الطوبوغرافي للمنطقة( مثل اقليم كوردستان) بشكل يؤدي الى تكوين نوع من توازن القوى بينهما ، فأن مستوى العنف سوف لا يصل فقط الى مستوى حدوث فيضان الدم بل يدمر حتى مناطق الشعوب المحكومة.
وكان هناك بأستمرار وجود نوع من توازن القوى بين ثورات كوردستان العراق و الحكومات المركزية بسبب طوبوغرافيا كوردستان،نجد على طول 70 سنة الماضية،و كان مستوى العنف و التعامل الوحشي للانظمة سنة تلو الاخرى في ارتفاع مستمر،ان هذه الحالة من ارتفاع مستوى العنف بشكل منظم خلال ال70 سنة الماضية ، سبًب نوعاً كبيراً من انعدام ثقة بين الشعب الكوردي و الحكومات العراقية،ولكن القيادة السياسية الكوردستانية كانت متأكدة من أن السياسة الدولية لاتسمح للجوء الى الحل الحقيقي ألا وهو الانفصال و تأسيس دولة مستقلة ،لذا في كل مرة عندما كان يحل مجال المفاوضات بين الثورة و الحكومات المركزية العراقية ، كان الجانب الكوردي يطالب بدخول طرف ثالث،وعلى سبيل المثال الامم المتحدة، أو دول التحالف كما في الوقت الحاضر،ولكن الحكومات المتعاقبة على الحكم في العراق و من ضمنها الحكومة الحالية لم تسمح لدخول الطرف الثالث في المشكلة ليكون كوسيط و شاهداً على الحلول التي تطرح بين الكورد و الحكومة المركزية.
الفدرالية كحل مفروض
في الدول متعددة الشعوب، الشعوب الضعيفة لوحدها ترضى بالفدرالية،ومن هذا المنطلق و بما أن هناك الاتحاد الاختياري و التحالف بين طرف قوي وآخر ضعيف،لذا نجد أن الطرف القوي يسعى دائماً الى إفشال هذا الاتحاد الاختياري و التحالف الذي يسمى الفدرالية،وعندما يرفع الطرف المقابل صوته ازاء خروقات الطرف القوي، يتهمه الطرف القوي بالانفصالي و التهديد على الاتحاد ووحدة البلاد،ان هذه الحالة على طول السنوات الثمانية المنصرمة لم تكن حالة فقط، وانما كانت ظاهرة مستمرة وحكومة بغداد بدلاً من أن توسًع صلاحيات الاقاليم( خاصة اقليم كوردستان، الاقليم الوحيد في العراق)و تعيد المناطق المقتطعة الى اقليم كوردستان،على عكس ذلك حاولت تعزيز صلاحياتها و تقليل صلاحيات الاقليم و المحافظات،و الاكثر من ذلك كما اعلن رئيس الوزراء العراقي قبل اسبوعين في احد اجتماعاته بأن تشكيل الاقاليم يعتبر خطراً على وحدة العراق،اذن الحالة التي يمر بها اسلوب تنفيذ نهج الفدرالية العراقية ، هي مسعى لإبطال مضمون الفدرالية كأتحاد اختياري و التحالف على شكل عقد اجتماعي بين شعوب العراق) ، وحول هذا الجانب سألنا البروفسور هانى زبيدة رئيس مركز(Herzliy) للدراسات الحكومية والدبلوماسية،فأجاب عن هذا الموضوع قائلاً:
( الحكومة الفدرالية تتشكل بين المجاميع التي يسودها التفاهم بشأن طموحاتها على التعاون فيما بينها، في حين عندما ننظر الى الاوضاع في العراق،لايوجد مثل هذا الاتفاق بين الاطراف، بل أن المجاميع في العراق مستعدة للاقتتال والتضحية بأنفسها من أجل مبادئها،وهذه هي المشكلة الكبرى،ولو تأملنا التأريخ الامريكي،عندما تمت المحاولة من أجل تشكيل الحكومة الفدرالية،رغم وجود الحرب والخلافات الكبيرة،ولكن كان هناك تفاهم بدائي بينها و بأن أمراً مشتركاً يوحدها و يجمعها معاً،لا أرى ذلك في العراق في الوقت الحاضر،اذن الفدرالية تتعلق بالتفاهم والقبول الآخر بين المجاميع.
اعتقد ان هذا هو الجانب المهم للمسألة،لهذا فأن فكرة تجمُع أو تجميع بعض الاقاليم ليست الحل للمشاكل العرقية أو الدينيية،في الحقيقة يجب حل المشكلات القومية و الدينية قبل تأسيس الدولة الفدرالية، والاً لايمكن لتلك الدولة الاستمرار،لأن الفدرالية هي آلية للم المجاميع،ولكن لوانعدم التفاهم بين تلك المجاميع فأن الفدرالية لا يمكنها أن تلقى النجاح،عندها لايكون هناك طريق لاحتواء الخلافات داخل المجتمع،لذا عندما تُفرض هذه الصيغة كطريقة حل، حينها تصبح البلاد معتقلاً،وهنا يجب أن نسأل : ماذا بأمكانك أن تحصل،عندما تفرض طريقة حلٍ على أناس لايرغبون في اتباع هذه الطريقة؟ويعني إن الناس ليسوا راغبين بها، أو لايرغبون أن يكونوا مع الآخرين ، بل يرغبون أن يسلكوا سبلاً أخرى لماذا نمنعهم من ذلك؟أنا لاارى منطقاَ في ذلك،لااعتقد أن الفدرالية تكون حلاً للمجاميع التي لاتريد التعايش مع الآخرين.لنتحدث عن الاسرائيليين و الفلسطينيين،هل بالامكان جمعهم في اطار دولة فدرالية؟))،
حديث البروفسور هاني زبيدة ل(كولان) يتسم بالوضوح و التعمق في المشاكل،وفي هذا الاطار سألناه،ماذا تقولون بشأن مشروع الفدرالية في العراق الذي لم يشهد أي تقدم خلال السنوات الثمانية الماضية؟ أجاب قائلاً: اعتقد أيضاً من الضروري توفير الحرية للمكونات العراقية للتعبير عن قرارهم بكل حرية،ومن ثم توفير فرصة للتقارب بين المجاميع،وفي الوقت الحاضر لاأرى الفدرالية الحل الامثل لمشكلة العراق،لآن المجاميع والاطراف العراقية تتقاتل فيما بينها و تعادي بعضها البعض،وعلى سبيل المثال، الكورد كانوا لفترة طويلة تحت سيطرة الحكومة العراقية،أما الآن فأنهم قلقون على الاجزاء الاخرى من العراق،المسلمون يعادون المسيحيين، الشيعة يعادون السنة،لذا لاأعتقد أن هناك شيئاً يربطهم ببعض،لذا لايمكن تطوير الفدرالية في هذه الظروف، لانها تنجح عندما تعتقد تلك المجاميع أن بينها شيئاً مشتركاَ، تستطيع من خلاله ايجاد حل لخلافاتهم،لهذا لاأعتقد أنه شيْ ممكن في الدول التي فيها انقسامات عميقة،في سويسرا توجد عدة اقاليم مختلفة تعيش معاً،ولكن اوضاع سويسرا تختلف عن اوضاع العراق،وفي هذا الاطار رسالتي الى الكورد فقط هي تمنياتي بتحقيق الاستقلال بأسرع وقت)).
التجارب الفدرالية الفاشلة
عندما نتحدث الآن عن التجربة الفدرالية ، يسطرون لنا فوراً تجارب( بلجيكا،سويسرا،المانيا،كندا، الخ..)ويواجهنا بالسؤال الأتي:شعب موبيك في كندا لم يصوت للأستقلال في ثلاث عمليات انتخابية وقرر البقاء مع حكومة اوتاوا؟ جواب هذا السؤال مع أنه بسيط بالنسبة للكورد وأمثاله من الشعوب،ولكن يبرز هنا سؤال آخر وهو:بعد كم سنة من الآن يصبح اعتيادياً لدى النظام السياسي في العراق كالأنظمة المشابهة له مثل كندا و سويسرا و بلجيكا ليقرر شعب كوردستان البقاء مع العراق أم الاعلان عن دولته المستقلة؟ في الحقيقة لايظهر في الافق أية بارقة أمل من لدن الحكومة العراقية الحالية على الاقل في 10 سنوات القادمة أن يوافق على هكذا قرار،لذا علينا أن نعود الى التجارب التي يتم تعريفها بالانظمة الفدرالية الفاشلة ، وحول هذا الجانب سألنا البروفسورخام خان سوان استاذ العلوم السياسية في جامعة باناراس هيندو ، فأجاب عن مسألة فشل الفدرالية قائلاً: ( الفدرالية صيغة مؤسساتية وغالباَ يتم تطبيقها في البلدان التي تتصف بوجود أنقسامات عميقة في مجتمعاتها،وذلك من اجل جمعها في اطار مؤسسة، و مميزاتها الرئيسة عبارة عن وجود دستور مدون،تقاسم شفاف للسلطة بين المركز والاقليم( الولايات)،كذلك وجود سلطة قضائية مستقلة، ولكن هذه ليست كافية،لذا عندما نتحدث عن فحوى سؤالكم حول تجربة فشل الفدرالية،علينا التأمل في تجارب نايجيريا، أثيوبيا،النيبال،التي تبنت الفدرالية ولكنها فشلت،وهذا كحل عملي للمجتمعات التي تعاني من الأنقسامات،أنا اعتقد أن نفهم الطبيعة الحقيقية للفدرالية ، لأننا في الحقيقة لو فكرنا في الفدرالية ، فأنها لايمكن فرضها، لآنها مرهونة بالأتفاق بين الكيان الوطني(الحكومة المركزية)و الولايات (الاقاليم)للمشاركة وتقاسم السلطات، ولكي تتطور الفدرالية و تثبت أركانها في المجتمعات التي تعاني من الانقسامات العميقة ، يجب أن تكون بشكل أختياري،ولايجوز فرضها و تثبيتها بالقوة أو اجبار الدولة على تطبيقها،احيانا يتم ربط الفدرالية بصيغة التوافق،وعلى سبيل المثال وجود اتفاق على المشاركة في السلطة،وذلك من اجل تحقيق الديمقراطية الحقيقية و الشراكة في السلطة بين الكيانات المختلفة،وبشأن صيغة يوغسلافيا السابقة جرت مناقشة مستفيضة حول هل كانت فدرالية يوغسلافيا السابقة أو الاتحاد السوفيتي السابق ناجحة أم فاشلة،ويعتقد البعض أن تلك الدولتين لم تتبنيا الفدرالية ولا الديمقراطية بشكل متكامل، الاحتمالية هي عندما تحاول تبنى الفدرالية في البلد،فأنها على الاقل بحاجة الى وجود أجواء للديمقراطية،اذن يجب تطوير الديمقراطية، ليست كسياسة فقط، بل كصيغة مؤسساتية،وهذا مهم جداَ،لأن تثبيت الفدرالية في الدستور لوحده لايحقق الديمقراطية،ولكي تتجسد افدرالية على مستوى المؤسسات،فأنك حقاً بحاجة الى اسس و مقومات للديمقراطية)).
الفدرالية و تقاسم الصلاحيات
المشكلة الرئيسة للدول التي تتعرض فدرالياتها الى المعوقات و الفشل هي أن حكوماتها لاتؤمن بتقاسم الصلاحيات و كذلك بالصلاحيات المحددة للحكومة الفدرالية و الصلاحيات الواسعة للحكومات الاقليمية و المحلية،وحول صيغة النظام الفدرالي تحدث البروفسور روبرت ميللر استاذ القانون في جامعة فيلانو ل (كولان) قائلاً: ( الميزة البارزة للفدرالية عبارة عن ثنائية السيادة ، وعلى سبيل المثال، نظام تكون سيادة سلطة الدولة فيه مقسمة بين الحكومة الوطنية من جهة، و بين الحكومات المحلية المختلفة من جهة أخرى، في بلدي، دستورنا هو دستور عام 1789، تبنى نظاماً عن طريق تقاسم السيادة بين الحكومة الفدرالية وحكومات الولايات المختلفة للولايات المتحدةالامريكية. في الانظمة الفدرالية الفكر العام عبارة عن ضرورة منح الحكومة الفدرالية الصلاحيات التي تعتبر مهمة لتحقيق الاهداف التي تهم عموم البلد،وعلى سبيل المثال الدفاع الوطني، التعامل مع القوى الاجنبية لغرض الاتفاقات،تنظيم اعمال التجارة الدولية...الخ.كما تمنح الحكومات المحلية صلاحيات أخرى، هناك عوامل وراء اختيار الشعوب للأنظمة الفدرالية،ولكنني اشير فقط الى عاملين، الاول: النظام الفدرالي هو الدفاع ضد الدكتاتورية،وعلى المستويين للحكومة الفدرالية و الحكومات المحلية،النظام الفدرالي يحدد احتكار الصلاحيات من قبل الحكومة الفدرالية،وذلك بسبب طبيعة النظام الفدرالي التي تكون فيها صلاحيات الحكومة الفدرالية محدودة لأن بعض الصلاحيات تقع في اطار الحكومات المحلية،وفي الوقت ذاته لاتسمح بأحتكار الصلاحيات من قبل الحكومات المحلية،و ذلك لأنه اذا ما قامت احدي الحكومات المحلية بأحتكار الصلاحيات ، عندها يكون المواطنون أحراراً في ترك تلك الولاية و الانتقال الى منطقة اخرى التي تحكمهاحكومة محلية أخرى،هذا دون أن يتركوا وطنهم،العامل الثاني:النظام الفدرالي يُسهِل التعايش السلمي للذين يحملون أفكاراً مختلفة حول كيفية ترتيب المجتمع، في اجابتي عن سؤالكم الثاني اتحول الى الحديث عن هذا الموضوع....حول كيفية تطوير النظام الفدرالي،في الحقيقة إن هذا الموضوع له علاقة بتأريخ الشعوب،في بلدي،بنيت مختلف الولايات في البداية كمحتلة من قبل بريطانيا العظمى،ثم نالت الاستقلال وأصبحت صاحبة الحكم المطلق ابان الثورة الامريكية عام1776،بعده قرر المواطنون الامريكيون ضم الولايات لبعضها في اطار نظام فدرالي وتشكيل حكومة فدرالية للولايات المتحدة،أما الانظمة الفدرالية للشعوب الاخرى فإنها بنيت بصيغ مختلفة، كما أن ميزة اخرى للنظام الفدرالي هي أنها تهدف الى وضع حد للخلافات بين المجاميع المختلفة، في بلدي،المواطنون هم من مكون متعدد الاعراق،الامريكيون في كاليفورنيا و تكساس و نيويورك لهم نقاط مشتركة،حتى لو وقع الجدال بينهم ، فأنهم لايشعرون به ابداً،في شعب يضم أختلافات واضحة بين المجاميع و القوميات و الديانات، على أية حال،من الممكن أن يصبح النظام الفدرالي وسيلة للتقليل من الخلافات عن طريق احالة المشكلات الى الحكومات المحلية التي هي سبب لتجزئة المواطنين ، من اجل ايجاد حلول مناسبة لها. كما أعتقد أنه يجوز أن تحاول المجاميع المختلفة العيش في منطقة جغرافية مستقلة،كل مجموعة بأمكانها أن تفعل ذلك،بحيث تتصرف عن طريق الحكومات المحلية و تصدر القوانين التي تراها مناسسبة،وبأمكان كل مجموعة أو جماعة لاتروق لها قوانين منطقة معينة و الصادرة من الحكومات المحلية ،أن تنتقل الى منطقة اخرى تروق لها قوانينها،كما بأمكان المجاميع المختلفة أن يكونوا متفقين على المسائل الكبرى بشأن السياسة الوطنية و احالة تلك المسائل الى الحكومة الفدرالية،النظام الفدرالي يوفر الفرص للتسهيلات حول تعايش أناس قد تكون مختلفين بصدد بعض المسائل المهمة جداً)).
والامر الذي يشير اليه البروفسور روبرت ميللر و يعتبره عاملاً لنجاح الفدرالية،هوأنه يجب توفير أجواء ديمقراطية أو ثقافة ديمقراطية لقبول الآخر، وحول هذا الجانب سألنا البروفسور كارل سي كالتنتالنر استاذ العلوم السياسية في جامعة أكرون (Akron) ، وفي معرض اجابته بشأن الخلاف بين المكونات عبًرعن رأيه ل(كولان) كالأتي: ( في بعض الاحيان تكون الفدرالية مفيدة لحل الخلافات العرقية و الدينية، ولكن في أي بلد لاينظر المواطنون فيه نظرة صداقة و وتنعدم الثقة المتبادلة ويكثر الحقد بينهم، حينها يكون الحل الامثل هو تقسسيم البلد الى وحدات وطنية ثانوية مع السماح للمجاميع العرقية و اللغوية أو الديانات المختلفة بأدارة شؤونها بنفسها،لعل ابرز نموذج لذلك هو بلجيكا التي تقوم "والون" و "فلامينك" فيها الى حدِ ما بأدارة شؤونهما،كما أن هناك نماذج حول كيفية وجود الفدرالية كمشكلة،لذا من الضروري بناء توازن في الدول التي تتشكل على اساس الفدرالية،بحيث تمنح المجاميع الحكم الذاتي مع الابقاء على العوامل من أجل بقاء المجاميع في اطار الدول،احد العوامل الكبيرة وراء ظهور الخلافات في الدول الفدرالية هو توزيع الموارد،و على سبيل المثال اذا كان توزيع موارد الدولة تحت تصرف جزء منها،عندها لاتقبل الاجزاء الاخرى من المحافطات أوالاقاليم بهذه الوضعية،الاً عندما يتم توزيع الموارد و الاموال بالتساوي بحيث لايؤدي ذلك الى تشكيل ولاية غنية وأخرى فقيرة،في حين أن هذا الامر في الولايات المتحدة الامريكية يكون في مستوى ادنى،بحيث أن بعضاً من الولايات هي فقيرة جداً بينما هناك ولايات غنية ايضاً، وسبب ذلك يعود الى أن الضرائب تجمع على مستوى الحكومات المحلية،هذه المسألة ليست مهمة الى هذا الحد، ولكنها تثار بين فترة وأخرى بين المواطنين،في حين في بعض الدول الاخرى،مثلاَ في بلدكم العراق ،من الممكن أن تكون هناك خلافات بشأن توزيع الموارد،وذلك بسبب وجود النفط في بعض المحافظات في حين لايوجد في الاخرى،لذا تبرز هناك خلافات حول كيفية توزيع واردات النفط العراقي على المحافظات،وبصدد دول الاتحاد السوفيتي السابق،فأن مشكلة الاتحاد السوفيتي السابق كانت تكمن في أن الدول التي تشكل منها الاتحاد لم تكن بينها أية نقطة علاقات،لآنها تم ربطها بالاتحاد قسرياً،واذا ماتأملنا تأريخ الاتحاد السوفيتي نجد أن غالبية المجاميع العرقية التي كانت جزءاً منه هي دول محتلة والحقت به بالقوة،ولهذا عندما تم السماح لها للأنفصال عن ( الكومنولث)و تشكيل دول مستقلة خاصة بها،اختارت مباشرة الانفصال وليس البقاء ضمن النظام الفدرالي،ان هذه المسألة تتعلق أكثر بمستويات العداء و الثقة و شعور الجماهير فيما بينها،لآنه في حال وجود الثقة المتبادلة بين المواطنين فأنهم يستطيعون حينئذٍ التعاون و العمل معاً،وبعكسه لايمكن للديمقراطية أن تجدي نفعاً بهذا الصدد،والنموذج البارز في اوروبا هو دولة بلجيكا،حيث لم يتمكن"والون"و"فليمينك"مطلقاَ التنسيق و العمل معاً،قسم من خلافاتهما يتعلق بالاموال،ولكن القسم الاكبر منها هو انعدام الثقة بينهما،بحيث أن "والون"لايثق ب"فليمينك"والعكس صحيح،اعتقد أن" فليمينك" هو الذي لايثق اكثر ب"والون"،لا اقصد العودة الى بلدي،ولكن على سبيل المثال في العراق تنعدم الثقة بين الشيعة و السنة والكورد والمكونات الاخرى، لذا من الممكن بناء النظام الديمقراطي لكي يكون عوناً في توفير الفرص للمواطنين للتعبير عن مشاعرهم و آرائهم حول السياسة و فرص الانتخابات بين السياسيين مع قبول أو اقصاء السياسيين .ولكن في حال انعدمت الثقة بين المكونات المختلفة بمستوى كبير،عندها لاتكون الديمقراطية حلاً سحرياً للمشكلات،ومن هنا عندما نأتي الى اوضاع العراق، فأن العراق حالة مختلفة و نادرة، احتل العراق من قبل الولايات المتحدة الامريكية و قامت بالتنسيق مع قوات التحالف بتشكيل حكومة و فرضتها على العراقيين،اظن أن الجزء الاخير من الحكومة العراقية لم يتم تدوينه الى الآن وليس معلوماً 100% كيف تكون هيكلة الحكومة العراقية مستقبلاً،من المرجح أن يكون هناك احتمال لانشاء كوردستان مستقلة،ولكنكم تعرفون اكثر مني إن الاوضاع معقدة للغاية لآنه في خارج اطار العراق هناك كورد آخرون،مثلاَ يعيش الكورد في سوريا و ايران،لذا فأن انشاء كوردستان مستقلة سوف يؤدي الى مشكلة دولية معقدة وسيكون التعامل معها صعب جداَ. هناك أمثلة اعتبرت فيها الفدرالية حلاَ ولكنها لم تلق النجاح، مثلاَ (نايجيريا)كان نظاماَ فدرالياً، ولكنها لم تكن نموذجاَ لامعاً في نجاح الانظمة الفدرالية. وبلجيكا لم تكن ناجحة جداً.أما سويسرا و المانيا كانتا ناجحتين جداً، ولكن تلك الدول غنية وفي الوقت ذاته مستوى العداء بين مجاميعها العرقية في اقاليمها ليست عميقة الى هذه الدرجة،وكما أشرت اليه من قبل فإن الفدرالية ليست حلاً سحرياً للمشكلات،قد تكون ناجحاَ احياناً أوتكون فاشلة احياناً اخرى)).
Top