• Saturday, 20 April 2024
logo

تحقيق العدالة كأنصاف، مقوم رئيس للرفاهية والتسامح والتعددية والتعايش

تحقيق العدالة كأنصاف، مقوم رئيس للرفاهية والتسامح والتعددية والتعايش
الحديث عن العدالة كأنصاف (justi as fairness)،وكتقرير ورد في مجلة كولان،اذا كان جزء منه يتعلق بـأن العدالة تشكل احد شعارات المؤتمر الثالث عشر للحزب الديمقراطي الكوردستاني،ويصبح هذا الشعار صميم نضال الحزب ومنهجه منذ بداية العام الجديد،فأن جزءاً آخر منها يتعلق بضمان الحريات والتعايش النموذجي بين مختلف القوميات و الديانات في كوردستان،وهذا سنتطرق اليه بدقة فيما بعد،وهي ثمرة القرارات الصائبة التي اصدرها البارزاني الراحل ابان ثورة ايلول من اجل تعايش وتسامح ورفاهية المواطنين( حسب امكانيات تلك الفترة)،وعندما نقول قرارات صائبة و صعبة، نقصد بذلك ان القرارات التي أصدرها البارزاني الراحل انعكست فيها المصلحة العامة و التعددية الدينية و القومية في كوردستان،اي ا لم يراع فيها ان القرارالذي يصدره اليوم يفيد الكورد غداً عند تنفيذه ويضر بالتركمان،او يفيد المسلمين ويضر بالمسيحيين والازديين،ولكن طرق تنفيذ قرارات وأوامر البارزاني حددت المستفيد منها، ولم يتم مسبقاً تفضيل مصلحة اي ديانة أو قومية أو شريحة على الاخرى،وقبلت بنتائج القرارات وربت مواطني كوردستان على هذا النهج،عليهم تحمُل نتائج تلك القرارات بعد تنفيذها، وهذا يعني أن قرارات وأوامر البارزاني الراحل كانت تؤخذ على اسس اخلاقية وعقلانية، ولهذا نرى أن جميع الاتجاهات ومختلف الديانات والقوميات قبلت بها برحابة الصدر.
السمات الاخلاقية و العقلانية في بناء العدالة كأنصاف
ان العدالة لاتعني المساواة،ولكن في الوقت عينه اعتراف بمساواة الافراد في التوزيع الطبيعي التي تحدد الحد الاقل من قدرات ومهارات الافراد من اجل التعاون فيما بينها و ان تتحول نشاطاتها الى النظام الاجتماعي الذي يبنى على أساس العدالة،ولكي نتمكن من ربط عدم مساواة المجتمع مع مساواة الحد الاقل من القدرات والقابليات لتعاون الاخرين معاً، وعلى ضوءه نقبل بالمساواة الناتجة عن قدرات الافراد المختلفة،عليه فأن هذا البناء يتطلب أن يكون تنظيم العدالة في المجتمع على اساس الحد الاقل من القدرات دون مراعاة الاختلافات في قدرات ومهارات الافراد التي تتجلى من خلال نشاطاتها، وقد سمى جون راولز صاحب نظرية العدالة في الليبرالية السياسية هذه الحالة بالتعاقد وراء حجاب الجهالة، وهذا يعني عدم وضع اعتبارللاختلافات الدينية و القومية و الالوان والقدرات و المواهب بين الافراد التي تنوي التعاقد الاجتماعي، وبمعنى آخر ضمان كل الحريات و الفرص المتوفرة لكافة افراد المجتمع بالتساوي،وبأمكان القدرات المختلفة الاستفادة من الفرص المتاحة على اساس الفوائد المتعددة، ومن هذه النقطة تنطلق انتقادات راولز من جان جاك روسو وجون لوك،لانه حسب العقد الاجتماعي(social contract)،فأن العقد الذي تبرمه الافراد الذين يجرون الحوار من اجل الوصول اليه على اساس المساواة فانهم لايربطون الحد الاقل من القدرات للتعاون الاجتماعي لذلك العقد،وانما يراعون اختلاف القدرات و المواهب البشرية التي منحتها ا الطبيعة الى الافراد، يعتقد راولز بأن الاختلافالمترتب على التوزيع الطبيعي لايوصف باللاعداالة او العدالة، بل انهما يحددان من خلال عمل مؤسسات المجتمع و تعاملاتها مع هذا الواقع، كما انه يزيد من صفة الاخلاقية الشخصية الى عقلانية(كانت) حول ابرام العقد الاجتماعي،وعلى هذا الاساس بإمكان الاشخاص العقلانيين ابرام العقد وتكون كل خطواتهم عقلانية، وبما أن هذا العقد يفضل مصالح جماعة على الاخرى،لذا فأنه لايتسم بالعقلانية،ففي الحالة الاولى فإن الاشخاص ذوي العقلانية يشكٍلون مصدر الانتقاد العقلي العملي ل(كانت)،لان هذا القرارناتج عن تعامل شخص عقلاني،و يعتبرقراراً صائباً وفق الانتقاد العقلي العملي الخالص،ولكن عندما يتم تطبيقه وتجربته على ارض الواقع حينئذِ تظهر فيه اللامعقولية ،وان اعادة تأهيله كقرارِ معقول تعتبر نتيجة للانتقاد العقلي العملي المجرب،وهذا يعتبر بحد ذاته جواباً للذين يفسرون نظرية العدالة بأنهاعائق بوجه الليبرالية السياسية كثمرة العقلانية وكذلك الاقتصاد كانتاج سوقي،ولكن في الاصل فإن نظرية العدالة تعد عاملاً لاعادة تنظيم الليبرالية السياسية في ضوء الانتقاد العقلي المجرب.
ان اعادة تنظيم السوق حرة على اساس المساواة للحد الاقل لقدرات ومهارات الافراد من اجل التعاون القائم في المجتمع،وهذه تشكل معاً العودة الى الحالة الاصلية التي كانت عليها الافراد قبل ابرام العقد الاجتماعي حيث لم تبدأ بالتعاون والنشاطات على أساس العدالة،عليه فإن لم تنتج العدالة عن التعاون و العمل المشترك والتعايش بين الافراد في المجتمع ،فهذا يعني أن العقد الاجتماعي في سبيل اعداد مجتمع عادل لم يزل غير مبرمٍ لحد الآن،لذا لو أردنا اعادة بناء المجتمع على اساس العدالة علينا اعادة النظر في العقد الاجتماعي والفريق المحاور من اجل الوصول الى العقد على اساس الوضعية الاصلية للمجتمع والذي يراعى فيها مساواة الحد الاقل للقدرات،ويتم الاتفاق عليها، ويعرف راولز الوضعية الاصلية( قبل اختبار القدرات والمواهب المختلفة) بما ياتي: (اهم خصائص هذه الوضعية "الوضعية الاصلية" هي،ان احداَ لايعرف مكانته او موقعه الطبقي و وضعيته الاجتماعية في المجتمع،ولا احد يعرف نصيبه من التوزيع الطبيعي للقدرات والمواهب كمستوى ذكائه و قوته وماشابه ذلك،لذا يمكننا القول هنا بأننا نستسلم لهذا الواقع الذي لايعلم فيه احدنا تصوره للخير و نوازعه النفسية الخاصة،وبهذا يتم اختيار مبدأ العدالة خلف ستار من الجهل، وهذا مايضمن تكافؤ بين الافراد،بحيث لايكون هناك من يكون في وضعية مؤاتية او من هو في وضعية غير مؤاتية،لاختيارالمبادئ التي تخدم وضعيته الخاصة،لذا فإن العدالة ستأتي نتيجة تعاقد منصف).
واذا ماعدنا الى القرارات والاوامر التي اصدرها البارزاني الراحل،نجد أن كل شرائح ومختلف مكونات المجتمع قد تضررت من جرائها شيئاً،ولكنها استفادت منها كثيراً، ولم يستفيد منها طرف على حساب طرف آخر،العودة الى هذه الوضعية ،أي كما يقول جون راولز هي العودة الى الوضعية الاصلية ،ويعني ذلك ان الاوضاع التي اتخذ فيها البارزاني الراحل قراراته وأوامره الصعبة لم يراع فيها مصلحة أي طرف،بل كان يراعي فيها مصالح كل الاطراف،أي انه أرسى مبادئ العدالة كإنصاف داخل المجتمع.السؤال الرئيس هو: كيف نتمكن مرة أخرى من اعادة بناء العدالة كإنصاف مثلما فعل البارزاني الراحل؟ وهل نقوم مرة أخرى بإتخاذ وتنفيذ القرارات والاوامر التي اصدرها البارزاني الراحل في حينها؟ وبدون شك فإن كل عصر وفترة بحاجة الى قراراتها وقوانينها الخاصة،ولايمكن اعادة تنظيم فعاليات المجتمع بقرارات وقوانين تعود الى قبل نصف قرن تقريباً،والسؤال هنا : في هذه الحالة ان لم نتمكن من العمل بنص القرارات والاوامر الصادرة من البارزاني الراحل ابان ثورة ايلول،إذن ما هو الحل في أن تكون قراراتنا و قوانينا المستقبلية كما عند البارزاني الراحل تتسم بالعدالة كإنصاف؟ بلا شك فإن الاجابة على هذا السؤال سهلة جداً، لانه علينا العودة الى الاساليب التي اتبعها البارزاني الراحل حينها في اصدارقراراته واوامره الصعبة وتحمل نتائجها التي ترتبت عليها، وهما ( الاخلاقية و العقلانية) واللذان يشكِلان معاً نهج البارزاني ويعلماننا كيف نبني العدالة كإنصاف من جديد.
الاخلاقية والعقلانية في نهج البارزاني
قبل التطرق الى تحليل مفهومي الاخلاقية والعقلانية في نهج البارزاني الراحل،من المهم أن نعرف ماهية المفهومين وكيف أن الاخلاقية والعقلانية تشكلان معا عاملاً لاصدارالقرارات الصعبة والمعقولة تنال رضا الجميع دون استثناء،و لفهم المفهومين والربط معاً،يعتقد راولز أن المتعاقدين الاجتماعيين على اساس العدالة،اشخاص اخلاقيين،ولايقبل التعاقد الاٌ الشخص الاخلاقي، لذا عندما يتم تحديد سلوك الشخص الاخلاقي، فأنه يستند على خاصيتين مهمتين:
1- ان تكون له القدرة على تشكيل تصور للخير.
2- ان تكون له القدرة على الاحساس بالعدالة و وفهم مبادئها و تطبيقها.
ان هاتين الخاصيتين تدلان على ان هذا الشخص، شخص يقرر على اساس الاخلاقية و العقلانية ليتمكن من بناء العدالة ويؤمن بأن الحد الاقل من قدرات ومواهب الافراد وصلت الى مستوى يجعلها أن يتعاون فيما بينها داخل المجتمع من اجل نظام عادل،ولكن السؤال الآخر هنا هو:كيف يتم تعريف الشخص العقلاني وتميزه عن الشخص المعقول؟ وحول هذا الجانب يعتقد راولز: (ان الشخص العقلاني يتصرف معنا بسلوك عقلاني ويضع بين ايدينا المبادئ التي تمكننا من تحقيق الاهداف بأكبر مايمكن من الفعالية والنجاح، اما العقلانيون لايراعون أحياناً المبادئ الاخلاقية من اجل تعاون منصف،وهذا لايعني أن المعقول يشعر بكافة المبادئ الاخلاقية ويراعيها،بل يراعي الحد الاقل منها للدخول في تعاون منصف ويقبل به.وبمعنى آخر ان العقلاني لايراعي دائماً المصالح المشتركة و الاعتبارات الاخلاقية،ولهذا نجد أن المرء يكون عقلانياً في اختياراته الى ابعد الحدود ،ولكن اختياراته قد تكون غير معقولة من الناحية الاخلاقية).
ومن هذا المنحى لو حددنا مواصفات الشخص المعقول لبناء العدالة، ينبغي مراعاة النقاط الآتية:
1- ان يكون الشخص مؤهلاً لاقتراح شروط تعاون منصف مع افراد المجتمع يكون من المعقول الاعتقاد بأن الآخرين سيقبلونها.
2- الالتزام ببنود اتفاقيات التعاون على اساس الانصاف ولكن شريطة أن يلتزم بها الآخرون.
3- الاعتراف بصعوبة اصدار الاحكام على اساس العدالة وقبول مايترتب عن هذه الصعوبة من نتائج، ان هذه النقاط تشكل جوهرالمعقول في حالة اصدار الاوامر،والجوهر يتجلى اكثرلأن الشخص المعقول لايصدر الامر المطلق،بل يصدره على اساس القرار الافتراضي،وهذا مايجعل المعقول ينحصرفي اطارالنظرية السياسية للعدالة،ففي المقام الاول يدل على الاعتراف بصعوبة اصدار الاحكام، وقبول النتائج المترتبة عنه في المقام الثاني، ولو سألنا لماذا تكون القرارات العادلة صعبة و تترتب عليها نتائج عديدة؟ من دون شك فأنه وفق النظرية السياسية للعدالة تعود لاسباب نشوءالخلاف المعقول وغير المعقول،ولاشك ان الناس يدافع عن الاراء التي تؤيد مصالحهم الشخصية،ففي هذه الحالة تتضارب الاراء مع الاراء التي تدافع عن المصالح العامة ،وتؤدي الى ظهور خلاف معقول،ولكن في الحالة الثانية فإن نشوء الخلاف يتعلق بأن ينظر الناس الى الامركل وفق مستوى ذكائه ومهارته وتقييمه ايجابياً وسلبياً ونتيجة للاوامرالتي تترتب عليها العدالة فإنهم يرتكبون أخطاء غير معقولة و التعصب الاعمى ما يؤدي الى نشوء الخلاف غير المعقول.
من هنا لو نعيد قراءة مفهومي الاخلاقية و العقلانية في نهج البارزاني الراحل،نجد بأن هذا النهج اكبر من ان يقتصر على تفكيرمصطفى بارزاني الراحل،بل يعود الى النهج الذي يمتد من الشيخ عبدالسلام بارزاني الى الشيخ احمد بارزاني و ان مصطفى بارزاني هو مكمل النهج.وهذا يعني أن مصطفى بارزاني استلهم المعقولية من اخلاقية و عقلانية قرارات الشيخ عبدالسلام بارزاني و الشيخ احمد بارزاني في فترات مختلفة،مرة اخرى وفي ذات النهج ،اثبت موهبته لانشاء تصور الخير للجميع،وحاول تطبيق التصور على ارض الواقع،ولقد شعر بالعدالة وتفهم مبدأه وتطبيقه،وكلما اصدر القرارات شعر بصعوبتها وبان بعض الناس من مختلف المكونات الكوردستانية قد يتضرر جراء قراراته واوامره،ولكنه تحمل ردود فعلها لأنه كان مطمئناً انها تصب في النهاية في خدمة مصالحهم العامة،في هذا الموضوع القصير لانستطيع الاشارة الى نماذج من قرارات وأوامر البارزاني الراحل،ولكن نقف كثيراً على الالية العقلانية التي طرحها البارزاني الراحل لنا على اساس مراعاة الاخلاقية لكي نحقق بها اهدافنا بشكل معقول،لذا فأننا في هذا الموضوع اشرنا فقط الى الاليات التي اوجدت لنا مبدأ العدالة،ولكن السؤال هنا هو:عندما يرفع البارتي في مؤتمره ال(13) شعار العدالة، كيف يريد أن يطبق هذا المفهوم المستلهم من نهج البارزاني الراحل مرةاخرى بين جماهير كوردستان؟
الحزب الديمقراطي الكوردستاني و التوجه نحو العدالة
ان الشئ الذي يسرنا بمفهوم العدالة في المرحلة القادمة للبارتي،هو أن الرئيس مسعود بارزاني قد شعر بوجود ظلم في آلية توزيع الواردات وعدم المساواة في الفرص المتوفرة امام الجميع،ويريد الرئيس البارزاني أن يجعل البارتي اداة لازالة هذا الظلم و ارساء دعائم العدالة في المجتمع،نحن كشعب كوردستان، نعرف الحقيقة أن الاحزاب السياسية الكوردستانية مهما كانت حججهم ولو لم تكن هي السبب في اللاعدالة، فانها لم تكن عامل خير لمواجهتها،لذا لو ينظرالبارتي بمنظار وتوجهات الرئيس البارزاني بأنه عامل لرفاهية جماهير كوردستان،نستطيع القول بأن:
1- اذا كان البارتي قد تجاهل في وقت سابق بعض الاعضاء والكوادرالذين استفادوا من مواقعهم الحزبية مفضلين مصالحهم فوق مصالح الغير في ظهور اللاعدالة في المجتمع،فأنه من الآن فصاعداً لايغض الطرف عن هكذا حالات، لذا ينبغي اعادة بناء العدالة على اساس الانصاف.
2- اذا لم يكن البارتي من قبل عامل خير لاعادة العدالة كأنصاف، فانه يصبح في المرحلة القادمة عامل خير لأنشاء تصور خير و المحاولة من اجل تطبيق هذا التصور في المجتمع.
3- خطوة الرئيس البارزاني هذه، وكذلك المؤتمر ال(13) للحزب دليل على أن بناء العدالة في المجتمع بات ضرورياً ويفهم مبادئ تطبيقها، ولكن مايثير التساؤل وللمرحلة المقبلة ويواجه البارتي هو:عندما نعود الى نهج البارزاني هل نشعرحقاً بأن مفهوم العدالة في عهد مصطفى بارزاني قد توسع بمستوى الذي صنع الهوية الكوردستانية وتم تطبيق معاني العدالة كأنصاف في رقعة جغرافية شاسعة وشملت العدالة مجالات أخرى التي لم تكن موجودة كضرورة أو ظاهرة في عهود أخرى؟.
مما لاشك فيه ان جواب هذا السؤال يواجه الرئيس مسعود بارزاني قبل أي شخص كرئيس منتخب للبارتي و اقليم كوردستان ومن ثم يواجه كافة أعضاء البارتي و جماهير كوردستان،ولكي يلقى الرئيس البارزاني النجاح في برنامجه ويجعل البارتي وسيلة لرفاهية جماهير كوردستان، ينبغي أن ننقل الاسس الاخلاقية و العقلانية لنهج البارزاني الى خارج اطار الحزب وان يكون البارتي بحد ذاته عاملاً تحت تصرف الرئيس البارزاني وجماهير كوردستان من اجل تحقيق وبناء العدالة، وهذه أمنية من المؤمل تحقيقها في المرحلة المقبلة لنضال البارتي،ليصبح عاملاً لاعادة تعريف المواطنة على أساس أخلاقي و عقلاني ، والاساس ذاته يشكل نموذجاً سياسياً للمواطنة النموذجية في المجتمع الديمقراطي، ولكن السؤال هو: كيف نبني روح المواطنة وننميها؟ الجواب هو: ان ذلك دون شك يتحقق بالتربية والتعليم على أساس الاخلاقي و العقلاني الذي يتضمنه نهج البارزاني .
جيرالد بوستيما ل( كولان) :- ان مفهوم العدالة يعود الى ماقبل مفهوم الديمقراطية ، والاخيرة هي احد مبادئ العدالة. ان الرؤية الفلسفية لمفهوم العدالة،هو وجه آخر لهذا المفهوم الهام، ومن هذا المنطلق وللمزيد من الحديث و تقييم هذا الجانب، توجهنا بالسؤال الى البروفسور جيرالد بوستيما استاذ الفلسفة في جامعة نورس كارولينا والمتخصص في الفلسفة السياسية والاخلاقية، فأجاب ل (كولان)قائلاً: (تعود العدالة والديمقراطية في اليونان الاغريقي الى تاريخ قديم وزمن طويل وقبل نشأة فكرة الديمقراطية،ولهذا نجد مفهوم العدالة في مناقشات افلاتون والفلاسفة القدامى،حيث تم في تلك العهود نشوء مفهوم الديمقراطية،ولايقبل الشك بأن هاتين الفكرتين تطورتا معاً،ولكن هناك العديد من المناقشات حول أن مفهوم العدالة لاتمت الى الديمقراطية بصلة،السؤال الاهم هنا هو:ما مدى العلاقات بين المفهومين؟من المحتمل أن يكون الجواب كالآتي:الديمقراطية مبدأ من مبادئ العدالة،لأن مبادئ العدالة لها صلة باسلوب صنع القرارات السياسية وعدالة المجتمع، اذن للعدالة أبعاد عدة،هنك عدالة تتعلق بالبنية التحتية للنظام الاقتصادي والروابط الاجتماعية،يمكن تسميتها بعدالة التوزيع،والتي تتعامل هنا مع مسألة المصادرالمتوفرة لدى الناس و مع مهمته عن كيفية حماية المجتمع،وتشير هذه النظرية الى انها من الضروري أن تتعامل العدالة بالتساوي مع كل أفراد المجتمع،وتسمى هذه العملية أحياناً الفرص المتساوية لتحقيق الاهداف وتطبيق اقتصاد عادل. حتماً ثمة نوع آخرمن العدالة تتعلق بعدالة سلطات البلاد و تطبيق العقوبات،وهذه تسمى عدالة العقوبات التي تستند على الاحتمال و المسؤلية و الجدارة. لذا علينا التحدث عن العدالة في اطارمجتمع عادل، التي ترغم افراد مجتمع معين أن يراعوا حقوق ومطاليب الافراد الاخرين، اذن بأمكاننا تحقيق العدالة في مجتمعنا ، ولكن علينا الالتزام بمراعاة حقوق الآخرين والا لانصبح مجتمعاً شرعياً،هناك بعدان مختلفان للعدالة وقد يكونا متناقضين أحياناً،لذا علينا معالجة هذه الحالة كي لاتؤثر على الحقوق الاخرين الرئيسة اينما كانوا.
انا اؤمن بضرورة وجود كل اشكال المساومة و المصالحة ازاء مطالب المجتمع و المتعلقة بحقوق الافراد،ولكن مطالب العدالة والمجتمع تتعلق بنوعية مطالب افراد المجتمع واحترامهم للآخرين. وعلى هذا الاساس اذا ما نظرنا الى العدالة نجد أنها تبدأ من النظرية التي تؤمن بأحترام حقوق ومطالب الاخرين،ان احترام الأفراد هو مبدأ رئيس للعدالة، ولو تعمقنا في مفهوم العدالة لوجدنا انها عبارة عن مراعاة متطلبات و حريات واصلاح كل افراد المجتمع،ولأن الليبرالية تضم العديد من الاراء و وجهات النظرحول بناء مجتمعنا،لذا اعتقد انها عبارة عن مكونين رئيسين:الاول هو الاعتراف بتساوي مكانة كل فرد في المجتمع، والثاني هو الاعتراف بالمتطلبات والحاجات الرئيسة لكل الافراد،كما أن الليبرالية تتعلق بتوفير الحريات للافراد كافة و بشكل موسع،وبمعنى آخر تأمين الحريات للافراد بالتساوي، عليه ينبغي ان يتفق المكونان معاً،الاعتراف بالمتطلبات الرئيسة للافراد كنقطة البداية لنظرية الليبرالية،ثم الاعتراف بالحرية أو شكل من أشكال الحكم الذاتي والذي يعد عاملاً رئيساً و مهماً لنا جميعاً،وعلى هذا الاساس ننظر الى البنيىة التحتية للقوانين و الاتفاقيات الدستورية والسياسية، التي تؤدي الى ضمان الحريات لكل افراد المجتمع.
مادلين ايدلمان ل (كولان) :- نظرية العدالة مرهونة بنوع النظام السياسي في المجتمع لذا من الضروري أن ترتبط العدالة بالنظرية السياسية.
نظريةالعدالة كجزء من الليبرالية السياسية عبارة عن النظرية التي تتطلب أن يكون لحقوق الانسان في ظل العدالة نوع من الحصانة،ولايجوز خرق هذه الحصانة حتى و لوكانت من اجل المصلحة العامة،وحول هذه المسألة توجهنا بالسؤال الى البروفسورمادلين اديلمان استاذ الانتروبولوجي في جامعة (Duke ) فأجابنا قائلاً: (انه سؤال واسع الجوانب وبما أني انثروبولوجي لذا أحاول ان اجيبكم في اطار بعض الامور العصرية، استطيع القول ان العلاقات بين الديمقراطية و العدالة معقدة، واينما توجد الديمقراطية وجد نموذج من العدالة، وفي الوقت ذاته اعتقد أنه بالامكان ارساء العدالة وبأشكال مختلفة من الحكم،ولهذا برأيي أن نظرية العدالة ترتبط بنوعية النظريات السياسية،وعليه يجب أن تكون نظرية العدالة مرتبطة بالنظرية السياسية داخل المجتمع، لأن كل النظريات مرتبطة بعضها بالآخر، الليبرالية تتجه باتجاه الديمقراطية ، والديمقراطية تتجه هي الأخرى نحو اتجاهات الحكم،ومن هنا تتحقق نسبة قليلة من فكر العدالة،وفي ضوء الليبرالية فأن فكرالعدالة تعني أن لكل الافراد قيم وحقوق مطلقة للمشاركة و المبادرة في تكوين الحياة اليومية.وهي الحريات الرئيسة للأنسان،ولكن بأمكان المبدأين الانسجام فيما بينها،الديمقراطية تعني اشياء مختلفة،واعتقد أن هناك تجارب مختلفة للديمقراطية، ويجوز ان تعني الديمقراطية توفيرفرص من الأنظمة الديمقراطية الى المواطنين من أجل اعادة تنظيم أنفسهم،وخلق عالم وفق توجهاتهم والذي يمكن أن يكون مختلفاً عن الاخرين،و بمعنى آخر،خلق العالم الذي نريد العيش فيه،مع بذل الجهود لتغييره، لذا استطيع القول ان العلاقات بين العدالة و الديمقراطية مرهونة بنوع التجربة الديمقراطية،وحسب اعتقاد الكل فإن العدالة تعني المساواة في التعامل مع كل الافراد،بغض النظر عن اصل ومصدروطبيعة الاشخاص ، من هم ومن اين ظهروا،وفي الوقت ذاته ان العدالة لدى البعض الآخر هي مفتاح حل لتحقيق امور أخرى،لأنهم بدأوا من شئ قليل ولديهم مطالب وطموحات أخرى،سيما أن تعريف النظام الليبرالي للعدالة عبارة عن المساواة و التعامل بالمثل والفرص المتساوية كواجهة نحو تحقيق العدالة، وهذا يعني على سبيل المثال ان لكل فرد حق في فرص العمل ولايجوز التمييز بين الرجل والمرأة في بعض انواع المهن والاعمال، ويعني ايضاً ان يتساوى الجميع امام المحاكم ،وهذا هو اصل العدالة،ان يتم التعامل مع كافة الافراد بالتساوي مع توفير فرص عمل لهم دون استثناء.
زيف توجنبيرك ل ( كولان) :-
لم تكن العدالة في العهد اليوناني القديم مسألة سياسية فحسب ،بل كانت عموماً مسألة اخلاقية و نفسية،العدالة كأحد المفاهيم السياسية المهمة للفلسفة السياسية،عمرها بصورة عامة يوازي عمر تاريخ الفلسفة، لذا فأننا سألنا البروفسور زيف توجنبيرك استاذ الفلسفة والسياسة الاجتماعية في جامعة اوكلاهوما بخصوص تعريف مفهوم العدالة فأجاب : (بالعودة الى اليونان القديم ، فأن هذا السؤال كان قد أثير من قبل بلاتو لمعرفة هل هناك نظام سياسي ديمقراطي يستطيع ان يصبح عادلاً،فهو يعتقد أن مسألة العدالة ،لم تكن مسالة سياسية فقط،أي لم تكن مرتبطة بنوع التنظيم السياسي السائد في البلاد و العلاقات بين الدولة ومواطنيها ،وفي الوقت ذاته العلاقات بين المواطنين انفسهم،بل كانت غالباً مسألة اخلاقية ونفسية،وبمعنى آخر نوع الانسان الذي كان يعيش في ذلك الوقت،وبالنسبة له العدالة لم تكن فقط مفهوماً سياسياً وقانونياً، وانما في الغالب كان مفهوماً شخصياً،كنت اذكر مرارا لطلبتي بأن مفهوم العدالة لدى بلاتو،اقرب ما يكون الى مفهوم الحقيقة،أي ان الشخص العادل هوالصادق أيضاً،وبمعنى آخر أن الشخص الذي يتصف بالخلق الحميدة خاضع للمعايير الاخلاقية.
اذن ما يهتم به بلاتو،هل هو نظام الديمقراطي، حيث مثلما هو عاش في ظل نظام أثينا الديمقراطي وحث على تحقيق العدالة،أم نظام تكون فيه الدوافع الشخصية هي الفاعلة في ما يرونه مناسباً يقومون بأنجازه،أي لايكون غير عادل، عندها يمكن أن نقول بأن نظرية بلاتو حول النظام السياسي، لاتحقق النظام الديمقراطي السياسي بالكامل، لكنه نظام يوفر الفرصة للمواطنين ليكونوا في ظل هذه الدولة مواطنين يتصفون بالعدالة و الاستقامة. وعلى نفس المنوال لم يكن ارسطو شخصا يساند الديمقراطية كثيراً،ومفهومه الشخصي للعدالة كان أقل اهمية،بل كان يهتم بالفكرة التي تؤمن بظهور القادة الديماغوكيين( النفعيين) في ظل النظام الديمقراطي حيث يتسلمون السلطة في سياق الديمقراطية،كانت تلك مراجعة قصيرة حول نظرة اليونانيين القدماء لمفهوم العدالة،ولكن طرأت تغييرات كبيرة على هذا النظرة في العهود المعاصرة،وفي الوقت الراهن فأن مفهوم العدالة تتعلق بشكل كبير بالنظامين القضائي والاجتماعي،أي أقل ما يؤكد على الصفات الشخصية للأفراد،حيث يهتم أكثر بالعلاقات القائمة بينها،وبمعنى آخر يؤكد على وجود علاقة سياسية بين الدولة والمواطنين وتنظم تلك العلاقات بأنظمة وتعليمات مناسبة،اذن لو كان التعبير صحيحاً فأن الاهتمام بمفهوم العدالة قد اتخذ جوانبها الخارجية وليس الداخلية،الفكرة الاساسية لدى الفلاسفة المعاصرين عبارة عن المحافظة على الالتزام أومواصلته، ومن هذا المنطلق فإنهم يولون المزيد من الاهتمام بالعقد الاجتماعي، والعقد هذا أصبح صورة اساس للعدالة،وان الذي يجعل النظام الاجتماعي عادلاً، هو ان يرضى عنه المواطنون ، ومن هذا المنظور فأن الشئ الذي يحول سلوك المواطنين الى سلوك عادل هو العمل وفق هذا النظام الاجتماعي،ومن هنا يمكن الحديث عن انسجام الديمقراطية مع العدالة، لآن الانتخابات تجري في ظل الديمقراطية،بمعنى أن المواطنين يقومون عند اداء هذه المهمة بالتأكيد على رضاهم عن هذا الاتفاق والعقد،وهذا هو الخلاف الكبير بين التفكير والتأمل العريق مع التأمل والتفكير المعاصر حول العدالة، كما يتم الحديث عن اساليب اخرى من العدالة ،وما يسمى ب(عدالة التوزيع) والمفهوم هذا، مشتق من فكرة توزيع العدالة.
ومن هنا يبرزسؤال وهو:ماهي افضل وانسب اساس لهذا التوزيع؟وهذا على الاكثر يتعلق بأقتصاد المجتمع،وعلى سبيل المثال، عندما يتحدث الناس عن العدالة في مجال الاقتصاد،يقصدون بها الاسس التي تتحكم في التوزيع غير العادل للثروات و الاموال،أو يتحججون بهذا النوع من التوزيع ،اذن ثمة آراء بهذا الخصوص،فمن الاراء الراديكالية التي تدعو الى أن يمتلك الافراد عموماً الكمية المتساوية من الاموال والثروات،مع التوجه الذي يدًعي انه امر اعتيادي اذا ماوجد اختلاف كبير من جانب الاموال والثروات شريطة أن لايكون ذلك جراء التجاوز على حقوق الآخرين،يجري الحديث عن دور الدولة في هذا المجال،ويشار الى ضرورة وجود التوافق مع هذا النوع من العدالة السائدة في المجتمع.
وعلى سبيل المثال فأن بلاتو يفضل على الاكثر التوزيع العادل للثروات،ويدعو الى تدخُل الحكومة في الاقتصاد لكي تحقق على الاقل هذا التوزيع العادل.
بعض الفلاسفة العصريين يحملون نفس التوجه ويتحدثون عن ضرورة تدخل الدولة لتحقيق هذا الهدف،ثم أن ماركس و انصاره اتبعوا النهج ذاته.واذا ما عدنا الى بدايات التعبير الصريح عن النظرة الليبرالية، كما نجدها في توجهات الفيلسوف الانكليزي جون لوك،الذي يشير الى أن المجالين السياسي و الاقتصادي لهما خصوصيتهما و ولو تركنا المجال الاقتصادي يعمل دون التدخل،حينذاك يحدث عدم المساواة في الاموال والثروات،بسبب أن هناك أناساً أكثر نشاطاً في المجال الصناعي وجمع الثروات والاموال،ولكن دور الدولة يكمن في منع االتدخل غير الشرعي في هذه التغييرات الخاصة،واذا ما عدنا الى العقد الاجتماعي ، نستطيع أن نقول بأن فكرة العقد الاجتماعي فكرة مثالية تماماً،فمثلاًالذين تحدثوا عن العقد الاجتماعي امثال روسو وهوك وهوبز،يتصورون وضعاً مثالياً،اي مجموعة اجتماعية معينة المنفصلين تماماً عن المجتمعات الاخرى،حيث يجتمعون معاً ويصلون الى اتفاق جماعي،وهذه وضعية محتملة،ولكن الفكرة هي أننا نحاول أن نعلل سبب ارغام هذه المجموعة الانصياع الى حكومتها،ومن هنا يأتي السؤال وهو:ماذا يكون موقع وأوضاع الاقليات؟لاننا نعلم عندما ينشأ مجتمع ما،لا يتوقع أن يكون لجميع أفراده اراء ووجهات نطر موحدة،و ربما نسأل لوكنت أقلية كيف يكون وضعك؟ احد الاجوبة عن السؤال هو:اذا كنت حاليا أقلية فمن المحتمل أن تصبح أكثرية فيمابعد،اذن في المدى البعيد شئ منطقي أن تظل بأستمرار ضمن المجتمع،لأنه حتى وإن لم تحرز الاصوات والثقة، فأنك في المدى البعيد تتوفرلك فرص أخرى،وإن وجدت اخطاء وخلل ينبغي أن تنال الثقة الاغلبية من اجل تقويم الاخطاء،في الحقيقة ان هذا الحديث في هكذا وضع مثالي يعود بنا الى فكرة حسن النية مبنية على الفرضية التي تؤكد أن الناس يتصرفون على اساس حسن النية،ولكن بوجود هذه الفكرة ووجود الفساد في الوقت ذاته،فهذا يعني أن الفكرة لاتستطيع أن تصف بدقة كيف يعيش العالم على أرض الواقع،وحول اعادة ربط العقلانية بالاخلاقية لتحقيق العدالة كأنصاف ، قال البروفسور توجينبيرك وفي معرض حديثه ل(كولان): (ان ربط العقلانية بالاخلاقية معاً،مشكلة كبيرة جداً،تحدث عنها الفلاسفة كثيراً،ولكن بصورة عامة هناك اجابتان لهذه المسألة،احد التوجهات تشير الى أنه بأمكان اناس أن يتصرفوا في بعض المرات او الاحيان بغيرعقلانية ،اي ان هذه الفكرة فكرة محافظة أيضاً، ثمة حركة بين الفلاسفة بأسم الديمقراطية الليبرالية،يشيرون الى أنه من الصعب جداً أن تزرع العقلانية في ظل أوضاع مضطربة،في الوقت الذي تحاول أن تقنع الملايين الذين لهم آراء وافكار مختلفة،اذن ما نستطيع انجازه هو بناء المؤسسات على المدى القصير،يستطيع فيها المواطنون على شكل المجاميع الصغيرة أن يتحاورون فيما بينهم بعقلانية و يجعلون من ذلك أساساً لبناء مؤسسات وطنية فيما بعد التي يتم في اطارها اجراء مثل هذه الحوارات).
مارجوزي زاتر ل( كولان):الديمقراطية والعدالة مفهومان متشابهان،بحيث أن الديمقراطية تصبح مرتكزاً للعدالة في المجتمع،العلاقة بين الديمقراطية الليبرالية و العدالة تشبه العلاقة بين التوأمين،صحيح لايمكن وصف كل الانظمة الليبرالية الديمقراطية بالعادلة،ولكن مستوى العدالة الاجتماعية في هذه الانظمة مقارنة بالأنظمة الاخرى هي أكثربروزاَ وشمولاً، وحول العلاقة بين الديمقراطية و العدالة وجهنا سؤالاً الى البروفسور مارجوري زاتز مدير مركز العدالة والمساواة الاجتماعية في جامعة اريزونا، فأجابنا قائلآ: ( هذان المفهومان،العدالة و الديمقراطية مفهومان متداخلان، ولكن في الوقت ذاته هناك تعريفات مختلفة لمفهوم العدالة،أي المجتمعات التي تتعامل بعدالة وديمقراطية مع ابنائها والذي يشكل بحد ذاته عنصراً ومرتكزاَ في تلك المجتمعات.
ولكن في الواقع هناك اساليب اخرى للتنظيم السياسي التي يمكن أن تراعى فيها العدالة،من جهة أخرى يجوز في النطام الديمقراطي مراعاة تطبيق العدالة،اذن هناك مجموعة من المفاهيم ليست من الضروري أن تكون متداخلة،ولكن يتوقع ان توفرالديمقراطية النظام المؤسساتي بحيث يتم التعامل مع كل الافراد بشكل عادل،أي وجود نظام اقتصادي- اجتماعي وقضائي،يوفر فرص التعامل العادل مع الافراد عموماً،وهذا يعني توفير المجال امام الاشخاص لتطوير أنفسهم والمحافظة على خصوصياتهم وامتيازاتهم.
واحدى الوسائل هي وجود نظام قضائي يقوم بتأمين الحماية لحقوق الافراد،ولكن وجود مجتمع قوي ضروري في هذه الحالة،تشعر فيه الافراد بأنهم جزء من نظام اجتماعي أكبر و محمون في ظله،كما يجب حمايتهم من الناحية الاقتصادية ،أي تكون الحقوق الاساسية للافراد قد تم ضمانها،انا اعتقد هناك اساس عقلاني لتصرف الافراد بشكل عادل،فالعقلانية من جهة عبارة عن ارساء التعليمات والضوابط التي يجب تطبيقها على كل افراد المجتمع،والموضوع يتعلق أيضاً ببعض المعايير و القيم،كقبول الآخر،والتناقض يكمن في مواقف الاشخاص الذين يحققون مكاسب كبيرة جراء عدم تطبيق العدالة،والصعوبة في كيفية اقناع هؤلاء بضرورة تغيير البنية الاجتماعية،وهذا يعني أن لايبقى هؤلاء في مواقعهم السابقة،اي اقناعهم بأن صياغة بناء مجتمع يكون اكثر عدلاً يخدم مصالحهم بشكل افضل،ويكون وسيلة لتحقيق المزيد من المكاسب، وتكون القناعة على اساس عقلاني، قد يجوز أن تكون مسألة التعامل الاخلاقي بسيطة جداً،لانها تتعلق بتعامل الناس فيما بينهم،اي يتعاملون مثلما يرغبون ان يتم التعامل معهم،في الوقت الذي تتعلق مسألة العقلانية بالمصالح البعيد المدى وأقل من ما لها العلاقة بالمكاسب الحالية،لذا يجب العمل في البداية على تقليل وازالة الفوارق بين الرجل والمرأة،اي بذل المساعي لاتباع الطرق والوسائل للتقليل من هذه الفوارق،وبقدر مايتعلق الامر بالليبرالية ، اعتقد أن هذا يخص النظام الاجتماعي الذي ينبغي أن يتم فيه التعامل مع كافة اعضائه بالعدل و تكون حقوقهم فيه محفوظة) .



ترجمة/ بهاءالدين جلال
Top