مشروع بناء الامة يعني مشروع بناء الدولة المؤسساتية
بناء الامة يختلف في معناه عن مفهوم بناء الدولة لان الكثير من الامم كانوا اصحاب دول ولكنهم احتاجوا الى بناء الامة في مرحلة من مراحل الامة , لذا يمكننا ان نقول ان مشروع بناء الامة هو اعادة تعريف تلك الدولة التي ترينا عظمة الامة بافتخار، والسؤال هنا هو، اذا لم تكن الامة صاحبة دولة مستقلة فهل بامكانها ان تبدأ مشروع اعادة بناء الامة ضمن اطار كيان مستقل؟
ان تاريخ مشاريع بناء الامم يجيبنا بنعم، ونذكر على سبيل المثال، تايوان التي كانت صاحبة مشروع بناء الامة الخاص بها على الارغم من ان مسألة دمجها يوم من الايام مع الصين لا زالت قائمة حتى الان، سؤال اخر حول هذا المشروع هو، هل بامكان امة مقسمة ان تبدأ مشروع بناء الامة في جزء من الاجزاء؟ ان المانيا بعد الحرب العالمية الثانية وكوريا بعد حرب عام 1953 تجيبان بنعم .
المانيا الغربية بدأت بشكل مباشر بعد الحرب العالمية الثانية وضمن اطار مشروع مارشال ثم اتحدت مع المانيا الشرقية بعد انهيار جدار برلين، فيما بعد, وتحول المشروع الى مشروع عام.
وكذا الحال بالنسبة الى كوريا الجنوبية التي بدأت مشروع بناء الامة بعد العام 1953 الا ان قسما من الامة الكورية في الشمال لم يبدأ البناء بعد.
نفهم من هذه الحالة ان مشروع بناء الامة بمعنى مشروع بناء الدولة المؤسساتية، هي نقطة البداية للحصول على دولة سيادة القانون والدولة الديمقراطية، اذأ فحينما نتحدث عن مشروع مهم للغاية كهذا، من الظروري العودة الى تاريخ بناء الدولة القومية على اعتبار ان كل امة من حقها ان تقرر مصيرها وان يكون لها دولتها المستقلة ونستنتج من هذا ان الدولة لا تنظم هيكل الامة وهويتها دون ان تكون دولة مؤسسات، واذا ما عدنا الى الاستفتاء الذي تم في جنوب السودان واعلنت نتائجه قبل مدة بشكل رسمي باعلان الدولة المستقلة خلال الاشهر القادمة، والسؤال هو هل ان الشعب السوداني يمكنه ان يتم مشروع بناء امته في حال الاعلان عن الاستقلال؟ والجواب هنا هو، كلا، لأن الدولة لا تمنح الهوية القومية وهيكل وارادة الامة اذا لم تكن الدولة دولة عصرية مبنية على قاعدة المؤسسات الدولية وان تعيد بناء البنية التحتية بشكل يوفر الرفاه للمواطنين، في اقل تقدير، نفهم من هذا ان مشروع بناء الامة لا يرتبط بشكل مباشر بوجود الدولة كشرط اساس كما نفهم ايضا ان مشروع بناء الامة ليس مشروعا لتأسيس الدولة القومية.
مشروع بناء الامة في بلدان ما بعد الحرب او البلدان المستقلة حديثا
كان العراق في العهد الملكي (1920- 1958) عضوا في عصبة الامم كما كان عضوا في الامم المتحدة ايضا، ولكن العراق بدأ مشروع بناء الامة بعد سقوط النظام الملكي عام 1958 بمعنى ان يتحول العراق الى تلك الدولة التي يعتبر الناس فيها انفسم عراقيين، ولهذا فعند كتابة الدستور والبند الثالث الذي كان ينص على ان العراق وطن مشترك بين العرب والكورد، ابدى الكورد دعمهم للدستور واستعدادهم للدفاع عن العراق، ولكن وبعد تراجع عبدالكريم قاسم عن وعوده، تعرض مشروع بناء الامة في العراق للفشل، والكورد لم يتخلوا عن الدفاع عن العراق، فحسب بل اعلنوا الحرب على كل الحكومات العراقية المتعاقبة من اجل ان يضع مشروع بناء العراق على طريقه الصحيح وان ينعم الكورد والعرب والتركمان والكلدو اشوريين والايزدية بحقوقهم القومية والدينية، ولكن هذه المحاولات بقيت عقيمة حتى سقوط النظام في 2003 ولهذا السبب بدأ البارزاني الخالد مشروع بناء الامة الكوردستانية مع بدأ ثورة ايلول، بمعنى ان كل امم كوردستان متساوية فيما بينها مع اختلاف السنتها واديانها،
من حيث حق المواطنة، هذا المشروع نفذه البارزاني الخالد اثناء الثورة، وحّد ارادة وطاقات وقدرات الامة الكوردستانية ليس من اجل بناء دولة كوردستان المستقلة بل من اجل ان يوفر للعراق الفرصة المناسبة لصنع السلام ومن اجل ان يتمكن العراق من توحيد ارادة العراقيين ودفعها باتجاه ان يكون كل العراقيين بمختلف اممهم واديانهم ان يكون لهم حق المواطنة والحفاظ عليهم على انفراد،رغم اختلافاتهم الدينية واللغوية والفكرية، وهذا هو الواقع الحالي في اقليم كوردستان، الفرد الكوردستاني ( كورديا كان ام تركمانيا ام كلودو اشوريا) او ( مسلما او مسيحيا او ايزديا او صابئة) الكل سواء من حيث حق المواطنة وكافراد في اقليم كوردستان وان الهوية القومية او المعتقد الديني اواي شئ اخر، لا يزيد او ينقص من هذه المواطنة.
تجربة اقليم كوردستان كمحاولة موفقة في مشروع بناء الامة
قبل ان تكون تجربة اقليم كوردستان موجودة، كان الشعب الكوردستاني موجودا، الا ان هذا الوجود لم يكن معروفا على نطاق المجتمع الدولي، غير ان تنظيم هذا الوجود ضمن هيكل وهوية هذا الشعب في اطار مؤسسات الدولة في اقليم كوردستان، فاننا لا نرى اعترافا بارادة هذه الامة فحسب بل نرى ان العالم يسعى لأن تكون له علاقات مباشرة مع اقليم كوردستان وهي تسعى الى افتتاح قنصليات وممثليات لها في الاقليم، والجدير بالاشارة والتأمل هو ان كل العالم بات يتعامل مع مؤسسات الاقليم على انها مؤسسات دولة عصرية، ولكنهم غير مستعدين للاعتراف بها على انها مؤسسات دولة مستقلة، وهنا لا يمكننا ان نعاتب دول العالم على عدم اعترافها بالاقليم كدولة مستقلة لأن احد اهداف الحركة السياسية في اقليم، هو الفدرالية والديمقراطية ولأنها لم تطالب بالانفصال عن العرااق، هذا اولا .
وثانيا، يأمل العالم ان يتحول اقليم كوردستان الى نموذج ناجح لمشروع بناء الامة العراقية، ومن جهة اخرى، اذا ما نظرنا الى تجربة مشروع بناء الامة في اقليم كوردستان وتساءلنا اذا لم تكن محاولاتنا من اجل بناء دولة مستقلة فلماذا بدأنا بهذا المشروع؟
للجواب على هذا السؤال يقول البروفيسورانطونيو داماتو المستشار القانوني لتأسيس دولة كوسوفو، في لقاء خاص بكولان :
قبل اعلان الدولة المستقلة، لا بد من توفير الارضية القانونية لدولة كوردستان.
وهذا يعني ان البروفيسور داماتو يطالبنا بتوفير الشروط القانونية في اقليم كوردستان، قبل اعلان الدولة المستقلة، بمعنى ، في حال توفير الشروط القانونية لللكيان السياسي، حتى وان لم تستقل الدولة وتصبح عضوا في الامم المتحدة فان العالم سيكن لها الاحترام ويتعامل معها كدولة حقيقية ويمكنها ان تصبح عضوا في المنظمات العالمية الاخرى كما هو الحال مع تايوان التي ليست دولة مستقلة ولكنها عضو في منظمة التجارة العالمية ( دبليو تي او) .
واقليم كوردستان الذي لا يمكن مقارنته بتايوان من بعض النواحي اذ ان تايوان كانت دولة مستقلة حتى العام 1971 وكانت تمثل نفسها والصين ايضا، في الامم المتحدة، غير اننا يمكن مقارنتهما معا من حيث بناء المؤسسات والانفتاح الاقتصادي والخطوات المتسارعة من اجل التطوير، فاقليم كوردستان شبيه بتايوان ليس في هذه الجوانب فحسب بل انه يتجاوز تايوان في الكثير من المجالات ولا سيما في مجال الديمقراطية والحرية والتعددية الحزبية وحرية التعبير، ولكن لا شك اننا لا يمكن ان نقارن كوردستان بتايوان من ناحية تجاوز المراحل الانتقالية.
المهام الثقيلة لمرحلة بناء الامة
في مقدمة هذا التقرير قلنا ان مشروع بناء الامة يعني مشروع تقوية وترسيخ مؤسسات الدولة ، ومن جهة اخرى، عادة ما يبدأ مشروع بناء الامة في بلدان ما بعد الحرب بمشروع استبدال ثقافة الحرب بثقافة التعايش وبناء المؤسسات.
حول مسألة استبدال ثقافة الحرب بثقافة السلام والتعايش المشترك، سألنا البروفيسور ستيفن ايف جونز استاذ العلوم السياسية في جامعة ماونت هايكول والمتخصص في مجتمعات ما بعد الشيوعية، فقال لكولان:
بكل اطمئنان اقول ان بالامكان استبدال ثقافة الحرب بثقافة السلام والتعايش السلمي عن طريق مشروع بناء الامة،ويمكننا الاشارة هنا الى تجربة دول اوربا التي تلت الحرب العالمية الثانية التي استطاعت ان تتعلم كيف يمكنها ان تعيش معا وان تتعاون مع بعضها البعض، اذ ان هذا ليس مستحيلا، على الرغم من ان تجربة اوربا تختلف الى حد ما اذ توفر لها دعم كبير ولا سيما من خلال امريكا وعن طريق " خطة مارشال "، اذا فان الدول التي تتجاوز مرحلة الحرب، تكون بحاجة الى مساعدات كبيرة من اجل اعانة الناس على الوقوف على ارجلها من اجل بدء حياة طبيعية لأنك حينما تبدا حياة طبيعية فانك ستصبح اكثر تفهما وتسامحا ازاء ثقافة المجاميع التي تعيش معها.
على سبيل المثال لننظر الى كوسوفو، لقد حظيت كوسوفو بدعم ومساعدة المجتمع الدولي، فتوفرت لها فرصة افضل للتقدم وتطبيق الديمقراطية.
وعلى العكس فاننا نرى السودان التي جرى فيها الاستفتاء على مصير البلاد ويبدو ان دولة جديدة قد ظهرت الى الوجود باسم جنوب السودان، فانها لم تحظ بالدعم الدولي المطلوب لذا فان عوامل التطور الديمقراطي غير متوفرة لانها دولة فقيرة جدا، انا لا اقول ان بالامكان توفير الديمقراطية من خلال مساعدات المجتمع الدولي، ابدا، انا لا اقصد ذلك لكن لا بد من ان تكون الديمقراطية نابعة من صلب الناس انفسهم، غير ان هكذا مشروع يحتاج الى مصادر كبيرة.
تحتاج الى خلق فرص عمل وتحسين الظروف الاجتماعية وهنا يمكن للمجتمع الدولى ان يؤدي دوره في ابداء المساعدة.
وحين اقول ليس شرطا ان تكون الديمقراطية سبيلا لبناء السلام فانني اعني ان المشروع الذي يسمى بـ " الدمقرطة " مشروع معقد وصعب للغاية، فعلى سبيل المثال، يمكن تأزيم الموقف وتعقيده اثناء الحملات الانتخابية حينما تقوم نخبة سياسية معينة بتأليب وتحريك الناس لصالح مجموعة اثنية معينة، الامر الذي يمكنه ان يعقد الوضع بدلا من يدفعها نحو الافضل
اذا فان هذا المشروع مشروع طويل الاجل ومشروع للتعلم طويل المدى وقد تتعرض الى اخطاء كثيرة في هذا الطريق الى ان تصل الى قناعة ان مراعاتك لمصالحك الشخصية فقط ، لا يكفي لتوفير الامن والاستقرار.
هناك مسألة معقدة اخرى نجدها بشكل خاص في بلدان ما بعد الشيوعية وهي مسألة بقاء الفكر التوتاليتاري ،على الرغم من انها مسألة شائكة الا اننا من السهل ان نقول انها مرتبطة بثقافة المجتمع.
اذا ما عدنا الى فلادمير لينين الذي كان قائدا للاتحاد السوفيتي قبل عقود، فاننا نجده انه كان شخصا مؤيدا لاندلاع الثورة، كان مؤيدا لبناء الدولة الجديدة على اساس تسيير امورها على شكل التعاون الاخوي، لينين قبل مماته كان قد اشار الى ما يجعل المشروع يسير بشكل جيد وناجح هو الثقافة، وكان يقصد بالثقافة، التربية و وجود التسامح تجاه الاخرين، كما انه اشارالى التطور المتدرج خطوة خطوة ، واشار الى ان عملية التطور لا يمكن ان تكون اسرع مما هو ممكن، اذا فان لينين الذي كان ثوريا راديكاليا،كان يدرك ان هذا المشروع مشروع صعب وانه بحاجة الى التعلم وانه ليس بحاجة الى قادة سياسيين فحسب، بل الى التغيير في التفكير ووجهات نظر الناس وانه ليس مشروعا سهل الحدوث والمنال.
ان اداء بعض الدول التي كانت في ظل الشيوعية افضل قياسا الى بعض الدول الاخرى، على سبيل المثال، اذا ما نظرنا الى تجربة هنغاريا وجمهورية الجيك، فاننا سنكتشف حقيقة ان هاتين الدولتين ارغمتا على الالتزام ببعض القواعد المعينة بسبب انضمامهما الى الاتحاد الاوربي، ولهذا كانتا موفقتين جدا في هذا الجانب.
في حين ان الدول التي كانت تحت نفوذ الاتحاد السوفيتي السابق لم تصبح اعضاءً في الاتحاد الاوربي وليس لديهم تلك المصادر التي نجدها في بلدان الاتحاد الاوربي.
اذا فان هذا مشروع طويل الامد، وهنا نجد ان مصطلح تعلم الديمقراطية مصطلح مهم للغاية لانه مشروع تطبيق و متابعة والمسألة ليست مسألة دولة تطلب منكم الالتزام بقواعد معينة لتسير الامور كما ينبغي ودون تعقيد، لأن الثقافة والظروف الاجتماعية تختلف من دولة الى اخرى ولها خصوصيتها ومنابعها الخاصة)
ما يؤكده البروفيسور جونز هنا هو ان مشروع بناء الامة مشروع طويل الامد ومن هذا المنطلق سألناه :
الى اي حد يمكننا تغيير تلك الثقافة عن طريق المؤسسات وتطبيق سيادة القانون ؟ فأجاب:
( انه سؤال جيد لأنه مرتبط بكيفية تشجيع الناس على احترام القانون والالتزام به، وهذا مرهون بالثقافة السياسية، على سبيل المثال يمكن الاشارة هنا الى الصين التي صاغت دستورها بمساعدة الولايات المتحدة الامريكة وقد تحقق لها سيادة القانون في كل الاحوال، ولكن هذا كان ظرفا خاصا لان اليابان كانت قد خسرت الحرب، وكانت الولايات المتحدة الامريكية صاحبة اقتصاد قوي واستغرق المشروع وقتا طويلا .
من جانب اخر، اذا ما نظرنا الى جورجيا التي عاشت لفترة طويلة في ظل الحكم الاتحاد السوفيتي، لم يكن فيها سيادة القانون مترسخا الى ما قبل ثماني سنوات والفساد فيها كان مستشريا وعلى الرغم حكومتها لا تزال تعاني من القصور الا ان ما يحدث في جورجيا دليل على امكانية العمل من اجل سيادة القانون والتقليل من مظاهرالفساد لأن الفساد هي المشكلة الكبرى التي تحول دون سيادة القانون، فحينما تتلوث النخبة السياسية بالفساد فلا احد يعتقد بامكانية وجود لسيادة القانون ، والعمل من اجل الحد من الفساد بحاجة الى ارادة سياسية، بحاجة الى ان يصل الجميع الى قناعة ان محاربة الفساد يصب في مصلحة كل الاطراف لأنها ستوفر فرص عمل افضل وظروف ومناخ افضل لتربية الاجيال القادمة).
ما اشار اليه البروفيسور جونز على نطاق تجارب العالم، عامل من العوامل التي تنير لنا الطريق في مشروع بناء الامة غير انه من الظروري ان نراعي حقيقة انه وعلى الرغم ان العديد من دول العالم نجحت في مشروع البناء القومي غير انها لم تكن موفقة في عملية اعادة البناء .
حول اسباب عدم النجاح في مشروع بناء الامة، سألنا الدكتور كيوان انور استاذ التاريخ في جامعة السليمانية فكان جوابه على كولان على النحو التالي:
(هناك مجموعة من العوامل المشتركة التي تربط مابين الامة، ابتداءً من اللغة والوطن وصولا الى الثقافة المشتركة والمصير المشترك، ولهذا فان كل هذه العوامل تعمل معا من اجل بناء الامة ولكن حينما تجتاز الامة حروب عدة وتتعرض للاضطهاد وعدم الاستقرار خلال تاريخها القديم والحديث، فان هذه الامة تتعرض الى مشكلة الانفصام والتشتت وسيتجذر الصراع بشكل يؤدي الى التصدع بين الافراد والعشائر والقبائل والمناطق، وحينما يزداد اسهام القوى الخارجية في تعقيد وتفاقم الاشكالات الموجودة بين الافراد والاطراف والمجاميع المختلفة فان المشاكل تتحول الى مأزق وتتحول الى عامل هدم لمشروع بناء الامة بمجمله، وفي احيان كثيرة يعاني الفكر الايديولوجي الضيق يؤدي بالافراد في المجتمع او الامة الى الانفصام والتصدع.
وفيما يتعلق بالامة الكوردية فقد توفرت له قيادات جديرة عبر التاريخ لتحقيق بناء الامة ونيل الحقوق المشروعة للامة الكوردية غير ان القوى المعادية والصراع الداخلي كانا عائقا امام للوصول الى مرحلة بناء الامة.
والامة الكوردية في اجزائها الاربعة كانت ضحية كبرى لهذه القوى المتخاصمة.
غالبا ما تستولي هذه القوى باسم الثقافة والحرية ـ في الحقيقة انها تدمر الثقافة ومعاني الحرية وحقوق الانسان ـ على السلطة لمصلحتها الخاصة فتدمر معاني الحرية وحقوق الانسان الى درجة انها تتحول الى سبب مباشر لحدوث قلق سياسي وتعميق الفوارق والعمل على ثقافة الغاء الاخر وبالتالى يؤدي الى اظطراب الاوضاع وتغيير التوجه الحقيقي المطلوب من الامة الكوردية ان تسعى اليه، في هذه المرحلة، وهو بناء المؤسسات القانونية والشرعية وترسيخ الكيان الديمقراطي.
قبل الوصول الى مرحلة اعادة البناء، لابد من ان يشعر الناس بالطمأنينة وان تمر البلاد بظروف مستقرة وهادئة، حينما تتطلع الامة الى الوصول الى مرحلة البناء، من الضرورى ان لا يسمح لأي طرف او مجموعة ،ان تثير ازمات داخلية، حينها يمكننا ان نكون اصحاب نظام جديد وان ننجز الاصلاحات وان نصل الى مرحلة التقدم الانساني.
ان تاريخ شعوب بلدان اوربا المتقدمة والكثير من بلدان العالم الاخرى، لم تصل الى هذه المرحلة بسهولة ، المرحلة التي كانت القوى السياسية تقبل ببعضها البعض وكانت كل القوى بما فيها المعارضة، تعمل على اساس الانتماء القومي و الارض.
محور اخر خاص ببقايا الفكر التوتاليتاري للاحزاب السياسية وبشكل خاص الاحزاب الستالينية اذ من المفترض استبدال هذا الفكر بالفكر المنفتح والديمقراطي ، وهذا يبدا من الاحزاب، ينبغى على كل الاحزاب والكيانات الموجودة داخل المجتمع، ان تراجع نفسها من اجل ان تتحرر من هذا الارث الذي رسخته الاحزاب الشمولية في اعماق الانسان.
ان الاعتراف بالاخطاء والنواقص ليس جرما او جريرة، الجريمة هي ان ترى نفسك انك مصيبا وحيدا على الساحة وترى كل ما عداك اسودا وعلى خطأ وان لا تسعى الى انتماء الافراد الى الامة والوطن للتنتهي في النتيجة الى الدمار والخراب والى تعقيد الاوضاع السياسية او العسكرية.
المشكلة هنا وفي هذه المرحلة الحساسة هو ظهور مجموعة او جماعة تسعى الى تأزيم الامور وتعقيدها اكثر، بمعنى انها تعترض على كل الناس والاطراف الافكار بحرية مغلوطة وتعتقد ان كل ما قد انجزه الطرف المقابل، خطأ! البعض يسعى في كوردستان الى دفع المجتمع باتجاه تفقد فيه الحريات كل معانيها ليتحول ا لمجتمع الى مجتمع حرب وتشهير و تحطيم للقادة والاشخاص والهجوم على كل الاعراف والتقاليد الجميلة في المجتمع، لا وجود للحرية المطلقة في اي بلد من بلدان العالم واذا كان الاعلام مضللا و هجوميا، يحطم قادته ويلغي كل المكاسب التي تحققت ،فان الفرد والمجتمع سيدفعان الضريبة، في النتيجة).
توحيد الصفوف والقدرات عامل مهم في نجاح المشروع
في كثير من الاحيان يختلط مشروع بناء الامة مع مشروع البناء الديمقراطي وفي بعض الاحيان تعمد بعض دول غرب اسيا ( كوريا الجنوبية، تايوان، سنغافورة، ماليزيا واليابان) نظرا الى صعوبة المشروع وعدم امكان انجاح المشروعين في ان واحد، فان بعض تلك البدان تعمد الى البدء بمشروع بناء البنية الحتية المؤسساتية وسيادة القانون والانفتاح الاقتصادي بالتزامن مع مشروع بناء الامة، ولكننا نجد بعض التراجع في مشروع البناء الديمقراطي ( لا سيما الجانب السياسي منه).
ينظر فريد زكريا صاحب كتاب مستقبل الحرية بتفاؤل وامل الى مستقبل الديمقراطية في تلك البلدن ويعتقد بامكان ايجاد البنية التحتية من خلال مشروع بناء الامة، لتصبح بنية تحتية لليبرالية كبداية لمشروع ليبرالي ديمقراطي.
حول ذات العوامل التي تقف عائقا امام هذا المشروع يقول البروفيسور مالاجي هاكوهين استاذ التأريخ في جامعة( ديوك) في لقاء خاص بكولان :
(في مشروع بناء الامة اعتقد ان هناك بعض الاختلاف بين محاولات بناء الثقافة السياسية الموحدة واشتراك كافة المواطنين في مشروع الحكم، مع الحفاظ على سمات التعددية الثقافية، اذا فان مشروع بناء الامة يعتمد اساسا على الصراع بين خلق الاتحاد ، من جهة، والحفاظ على عملية تطور التعددية، من جهة اخرى.
واذا اردت ان اجيب على سؤالكم حول اسباب نجاح هذا المشروع في بعض البلدان القليلة ففي هذه الحالة لا بد من الرجوع الى البناء والى خصوصية و الظروف الخاصة في كل مجتمع،هذا ليس بالمشروع السهل ولكننا لدينا في هذا المجال التجربة التاريخية التي تم فيها انجاز هذا المشروع ،اذا يمكننا ان نستشهد في هذا الاطار بتجارب بلدان اوربا ما بعد الحرب العالمية الثانية التي اتحدت وتمكنت من تطويرالظروف الاقتصادية فيها، وكان هناك دعم دولي لهذا المشروع ايضا وكان لها عدو مشترك ـ تمثّل بالاتحاد السوفيتي ـ ونعود الى سؤالك حول كيفية تغيير ثقافة الحرب بثقافة السلام فنقول ان هذا مرهون بالمصالحة الداخلية والتدخل الدولي وتحسين الظروف الاقتصادية للبلاد، كما انه مرهون بالتزام النخبة السياسية بالعمل على تحقيق وبناء هذه الثقافة، وان هذا يتحقق حينما تدرك النخبة حقيقة ان تحقيق ثقافة من هذا النوع فيه نفع لهم ولكافة المواطنين.
ان البلدان التي تحررت من الحكم الشيوعي، استطاعت ان تخطو نحو الديمقراطية ونحو تطوير الاقتصاد في تلك البلدان، ما عدا يوغسلافيا التي كانت مثالا سلبيا من هذه الناحية.
احد الاسباب، كان الانضمام الى الاتحاد الاوربي، اذ ادركت هذه البلدان ،حقيقة ان العودة الى الخلافات و اندلاع الحروب والنزاعات الاثنية فانها لن تقبل في هذا الاتحاد، اذا فان اخذ هذا الهدف بنظر الاعتبار كان له الاثر الايجابي، ويمكننا ان نشير هنا الى تجارب كل من بولندا واوكرانيا وهنغاريا وبلغاريا ورومانيا, باستثناء يوغسلافيا التي كان فيها الاداء سيئا للغاية لأنها لم تكن تسعى لأن تصبح عضوا في الاتحاد الاوربي ولم تعمل على تطوير اقتصاد البلاد، بل على العكس حصل فيها الكثير من عمليات التطهير العرقي الامر الذي ادى الى حصول الكوارث.
من الافضل ان نسأل كيف يمكن لكوردستان ان تستفيد من تجارب بعض بلدان اوربا الشرقية، مع التذكير بعدم وجود اتحاد في الشرق الاوسط على غرار الاتحاد الاوربي).
اذا فان ما يشير اليه البروفيسور هاكو هين هو توحيد عنصرين نحتاج للربط بينهما الى ثقافة ديمقراطية وهذين العنصرين يتمثلان بـ ( الحفاظ على وحدة الصف و احترام التعددية والاختلافات ).
حول كيفية الربط بين هذين الجانبين سألنا البروفيسور كيدان منجستيب استاذ العلوم السياسية في جامعة بنسلفانيا والمتخصص في شؤون افريقيا قال في حديث خاص بكولان :
( بناء الامة عبارة عن مكونين.
أ ـ بناء السيادة ومن ثم بناء القدرات المؤسساتية للدولة بشكل يقدم خدمة على طريق تطور مصالح المواطنين باوسع شكل. وهذه الانظمة المؤسساتية عبارة عن نظام الامن والبنى التحتية للحكم والانظمة القانونية التي هي حق لكل المواطنين، فضلا عن ايصال الخدمات العامة التي تساهم في اسعاد وراحة المواطنين.
ب ـ اما المكون الثاني فيمكن الاشارة اليه كـ ( بناء الامة ) ، بمعنى ان في هذا ايضا اشارة الى قدرة الدولة في الحفاظ على وحدة مختلف المواطنين في ظل نظام مؤسساتي مشترك.
بمعنى اخر، يتوجب على الدولة ان تقوم ببناء نظام قانوني من اجل معالجة الاشكالات بشكل يرضي الاطراف والمجاميع المختلفة داخل المجتمع.
ان وضع نظام مؤسساتي مشترك من هذا القبيل مرتبط بتاسيس نظام ديمقراطي يحتضن بين ظهرانيه المكونات المختلفة للمجتمع، لأن مكونات البلدان عبارة عن مجاميع متباينة في اكثر الحالات، وهذه التعددية مرتبطة بالعرق او الدين او السلطة او اي شئ اخر ، ربما كانت العلاقة بين هذه المجاميع المختلفة من الناحية التاريخية قد انعكست الى خلافات وتحيزو اعمال عنف. ان بناء المؤسسات وثقافة التسامح في هكذا قضايا يعتبر تحديا كبيرا للغاية ، هذا يحتاج الى قيادة قديرة ومقنعة كما انها بحاجة الى تمثيل متساوي للمجاميع المختلفة، وهي بحاجة ايضا الى توجه للاطراف غير المتساوية.
بشكل عام ، تحتاج الى وعي في ادارة التعددية، بمرور الوقت.
لا شك ان المكونات المختلفة للمجتمع ستشعر بأن فوائد هكذا انظمة تنسحب على الجميع ،من المحتمل ان تشارك هي الاخرى في تقوية هذه الانظمة )
من جهة اخرى وحول قراءة الوضع في كردستان على ضوء المرحلة الراهنة التي تمر بها كوردستان، قال الدكتور محمد رؤوف الخبير في السياسة الاقتصادية في جامعة السليمانية لكولان :
( ان تجاوز مشروع بناء الامة والوصول الى دولة المؤسسات وتطبيق القانون، ليس بهذه السهولة، لأن الامم ليس لديها التجربة والقدرة القوية، في بداية كل مرحلة، كما اننا ومنذ المراحل الاولى لبناء الامة، نفتقرالى وجود الخبراء والمختصين من اجل صياغة وتطبيق الانظمة.
من جهة اخرى فان الفرد في المجتمع قد امضى حياته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ـ سابقا ـ في ظل حكم انفرادي مركزي، ولهذا فان الوعي المطلوب في هذه المرحلة غير كافي، وعلى افتراض اننا استقدمنا خبراء اجانب واعتمدنا على خبراء من خارج البلاد من اجل تطبيق انظمتهم المتقدمة هنا فاننا سنختلف معهم في مستوى وعينا ومرحلتنا والكثير من عاداتنا وتقاليدنا وثقافاتنا .
ولهذا فانا على اعتقاد ان الامم التي تسعى من اجل بناء الامة، تحتاج الى وقت اطول، بمعنى ان المرحلة الانتقالية تحتاج الى وقت اكبر لكى تستطيع تلك الامة ـ ومن ضمنها نحن الكورد ـ ان تمتزج بالعالم المعاصروهذا هو العامل الاهم والرئيس في اخفاق العديد من الامم في الوصول الى بناء الامة، والتاريخ الانساني قد كشف لنا عن الكثير من التجارب الفاشلة في هذا مجال، لامم اخفقت في ان تصبح صاحبة مؤسسات منتظمة ولم توفق في ترسيخ القانون، وفي كثير من الاحيان فان بعض تلك البلدان التي لا تنجح في مرحلة بناء الامة، تتعرض للحروب والدمار).
حول كيفة استبدال ثقافة الحرب والدمار بثقافة السلام والتعايش المشترك يقول الدكتور محمد رؤوف:
( تغيير ثقافة الحرب وشريعة الغاب الذي يتغلب فيه منطق القوة والسلطة على القوى المسالمة و الجوانب المعرفية ، له علاقة مع مستوى وعي المجتمع، على سبيل المثال ففي العصور الاولى للانسانية وما تلاها من مراحل فان الانسان كان مرغما على ايجاد نظام لحماية الحريات واحترام الانسانية وتقدم المجتمع، في اعتقادي ان نظام الحكم ظهر الى الوجود منذ الازل من اجل حماية حقوق الافراد ولهذا فان الوعي الاجتماعي ونظام حكم متقدم ومتطور كفيل بتغيير الكثير من الثقافات الضارة والمتخلفة الموجودة داخل المجتمع.
وفي يومنا هذا فان السعي من اجل السلام والتعايش السلمي اصبح حقيقة وبدون ثقافة السلام، لا يمكننا ان نسعى الى تحقيق الديمقراطية).
ان بناء الامة يعني دعم قدرات مؤسسات الدولة وبناء العلاقات بين الدولة والمجتمع وحماية الدولة من التدخلات الخارجية، كلها دلائل لمشروع بناء او هوية الامة من خلال استخدام سلطة الدولة، الهدف من هذا المشروع هو توحيد الامة داخل الدولة بشكل تكون فيه الدولة مستقرة سياسيا وباستطاعتها الحفاظ على مواصلة ذلك الاستقرار السياسي، ويفترض ان تكون للامة القدرة على تنظيم البنية التحتية للبلاد بشكل توفر فيه الرفاه للمواطنين.
بشكل عام، فان بناء الامة، اشارة الى تلك المحاولات التي تنطلق من اجل تلك الامم التي استقلت حديثا او اعادة تنظيم لتلك الامم التي كانت كولونيالية، على مدى طويل.
ترجمة: عبدالرحمن باشا