مشروع بناء الامة
ولهذا فاننا حينما نقرأ تاريخ مشروع بتاء امة ما , فاننا نرى ان نجاح المشروع لا يعود الى تاسيس الدولة فحسب , بل يعود الى بناء دولة المؤسسات ودولة القانون, ولهذا يصفون نجاح مشروع بناء الامة في دول شرق اسيا , بالمعجزة , اننا نرى تايوان التي تحتل المرتبة الاولى في هذا المشروع , كدولة مستقلة وهي عضو في مجلس الامن الدولي , على الرغم من انها ليست دولة , فيما نرى الصين التي هي احدى الدول الخمس الممثلة الدائمة العضوية في الامم المتدة وهي تسعى منذ 30 عاما من اجل الوصول الى اقتصاد السوق الحر , غير انها لا يعتبر من الدول الناجحة في مشروع بناء الامة , على عكس جمهورية هونك كونك الواقعة داخل الصين ذاتها , والتي تعد من مثالا ناجحا في مشروع ابناء الامة .
واهم من هذا , نذكر سنغافورة , الدولة التي هي بحجم حي كبير من احياء بكين وعدد نفوسها لا يتجاوز عدد نفوس احد حواري بكين , فانها لا تعتبر نموذجا مثاليا لنجاح مشروع بناء الامة فحسب, بل انها تعتبر معجزة لنجاح التجربة .
هذه السطور كانت ظرورية كمدخل لهذا الموضوع المهم والحساس , ولان هناك العديد من الامور المتشابهة والمتضادة التي لا يمكن تجاوزها اثناء التحليل , منها :
1 ـ ان مشروعبناء الامة هو اشارة الى بناء دولة المؤسسات وسيادة القانون وعبرها تتجسد اسس اقتصاد السوق والمنافسة , هذا هو وجه التشابه في المشروع الذي تسعى كل الامم للوصول اليه .
2 ـ يتميز المشروع بان لكل امة خصوصية معينة ولا يمكن لامة ما ان تقلّد تجربة امة اخرى وهذا ما يشير اليه الرئيس السنغافوري السابق ( لي كوان يو ) في كتابه الموسوم " قصة سنغافورة : من العالم الثالث الى العالم الاول " , يجب على كل امة ان تكتب لها كتابها الخاص حول عملية البناء القومي .
يقول لي كوان يو في كتابه :
( هناك كتاب يعلمك كيف تبني اسرة , كيف تصلّح جهازا ما , كيف تكتب كتابا ,الا انني لم ار ابدا كتابا يعلّمك كيف تصنع دولة من مجموعة من الرحالة البائسين القادمين من الصين والهند وبريطانيا والمحيط الهندي و من الهولنديين , كما انني لم ار كتابا حول كيفية تامين لقمة العيش لشعب ما , حينما تدير تلك الدولة ظهرها للاقتصاد القديم كمركز للواردات والصادرات .
في عملية البناء , كنت اريد ان اقلّد تجربة هونك كونك فوجدت ان شعبي لا يمكنه ان يدفع الضريبة التي تؤخذ من هونك كونك. حاولت تقسيم الثروات القومية ولكنه لم يكن عملا سهلا وكان سيحوّل شعبى الى شعب كسول ويجعل من سنغافورة دولة" رعاية اجتماعية " ولهذا حاولت ان ابني سنغافورة على طرازنا , وهذه هي حكاية سنغافورة : من العالم الثالث الى العالم الاول ).
هذا هو ما يقوله لنا رئيس دولة ومؤلف ذلك الكتاب الذي سجل نجاحا في مشروع بناء الامة.
اذا ما اردنا ان ننظر الى مشروعبناء الامة في اقليم كوردستان الذي تنطبق عليه كل تعاريف بناء الامة فسنجد وبكل وضوح ان مشروع بناء الامة في كوردستان هو جزء من الكتاب الذي كتبه الرئيس مسعود البارزاني والذي يعكف على كتابة فصوله الاخرى, الان , وحال الانتهاء من تأليف كل فصول الكتاب , فانه سيسرد حكايته للعالم , دون شك ان الكتاب الذي يكتبه الرئيس مسعود البارزاني هو حكاية نجاح مشروع بناء الامة لاقليم كوردستان .وسيستقبله العالم باهتمام بالغ و اكثر حماسا من استقباله لكتاب لي كوان يوو, والدليل الملموس هو ان العالم ادرك بعد 35 من البناء واقتنع ان لي كوان يو, قد اضاف شيئا جديدا الى علوم الدولة و ادارة الدولة , في حين ان الرئيس مسعود البارزاني لم يكتب سوى الفصل الاول من كتابه ورغم ذلك فقد اعجب العالم بسياسته وبمنطقه وطلب منه سياسيو وزارة الخارجية الامريكية , النصح والمشورة من اجل تطبيق ذات السياسة لبلدانهم ,في بلدان الشرق الاوسط .
في لقاء مع هارفارد بولوتيك ريفيو, جرى في اوائل تسعينيات القرن الماضي , يشير البارزاني وبصراحة الى اننا في اقليم كوردستان لا نحتاج الى المساعدة الخارجية الا الى حين نقف على ارجلنا فحسب,و قصد البارزاني هو ان يقول للعالم ان كوردستان بلاد غنية واننا نعلم كيف سنبني بلادنا .
ومع سقوط النظام العراقي السابق وبدأ عملية البناء في عامي 2005/ 2006 اعلنت سياسة الرئيس مسعود البارزاني و شهد العالم بدأ نجاح كتاب البناء الخاص بالبارزاني .
من المفيد هنا ان نطبّق كلام لي كوان يو على اقليم كوردستان , وان نسأل كل القراء , هل هناك كتاب اخر او حتى صفحة واحدة لبناء كوردستان ,قبل الشروع بسياسة بناء كوردستان من قبل البارزاني ؟
لقد تم تأسيس مركز البارزاني في الجامعة الامريكية وعقد مؤتمره الاول تحت شعار ( الكورد والبحث عن الهوية ) حينها , وعلى الرغم من ان اقليم كوردستان كان يرزح تحت نير حصارين ( عراقي وعالمي ) فقد كان اقليم كوردستان حتى عام 2003 يسمى بـ ( الملاذ الامن ) هكذا كان الاقليم على الرغم من انه لم يكن لدينا كتاب يرشدنا كيف يمكننا انجاح مشروع بناء الامة في كوردستان , كما لم يكن هناك كتاب يخبرنا كيف نحوّل هذا الملاذ الامن الى اقليم فيدرالي ضمن اطار دولة العراق الفيدرالية , عندما انتهت عملية تحرير العراق ,اقترح بول بريمر فدرالية اقتصادية , كل الشعب الكوردستاني يشهد على انه , لولا الرئيس مسعود البارزاني , ما كان اقليم كوردستان قائما الان , وعلى هذا الاساس فان دور رئيس الاقليم مسعود البارزاني في مشروع بناء الامة في اقليم كوردستان , لا مثيل له حتى الان , على مستوى العالم وقد تحقق ذلك على ارض الواقع وهذه بعض الامثلة :
1 ـ في ظل سياسة الرئيس مسعود البارزاني تم ترتيب البيت الكوردي وكل الاحزاب السياسية ( السلطة والمعارضة) تشارك معا في الحكم .
2 ـ في كوردستان تعيش كل القوميات والاديان جنبا الى جنب , على خلاف كل دول الشرق الاوسط , فان التعايش الاخوي الموجود في اقليم كوردستان لا مثيل له في اي مكان .
3 ـ كل الكوردستانيون يشاركون ضمن مكون واحد في المشروع السياسي العراقي ومشروع تشكيل الحكومة العراقية الجديدة , ويشاركون في الحوارات ككتلة برلمانية واحدة .
4 ـ في ظل سياسة البارزاني , تم ـ حتى الان ـ افتاح 17 قنصلية في اربيل العاصمة وافتتاح القنصليات في ازدياد يوما اثر يوم .
5 ـ تم افتتاح قنصليتان لكل من ايران وتركيا في اقليم كوردستان وهذا دليل على ان اقليم كوردستان بامكانه ان يلعب دورا مهما في اشاعة الامن والسلام العالمي .
6 ـ ان الاستقرار الامني والسياسة المتبعة في كوردستان , اصبح عملا لكي يتحول الاقليم الى ( ورشة عمل ) كبيرة .
كل الاهتمامات كانت قبل اعوام قلائل منصبة على استدراج المستثمرين والشركات الاجنبية الى اقليم كوردستان , اما الان فان الشركات تتسابق للعمل في الاقليم وتعلن عن استعدادها للاستثمار في كوردستان .
7 ـ في ظل سياسة البارزاني , استطعنا ومن خلال الصلاحيات الممنوحة لاقليم كوردستان في الدستور العراقي ان نصوغ قانون النفط والغاز ,الاقليمي وان يتم المصادقة عليه في برلمان الاقليم ,وهذا كان سببا في استثمار النفط والغاز في كوردستان وبالتالي تصديره الى الخارج وان يتبوأ الاقليم مكانا بارزا على خارطة الدول المنتجة للطاقة.
8 ـ يتم التعامل ـ الان ـ مع اقليم كوردستان على صعيد العلاقات الدولية مثل دولة مستقلة ولا سيما من الناحية الاقتصادية والتجارية ويتم توقيع مذكرات التفاهم معها , بدءَ من شرق اسيا حيث جمهورية كوريا الجنوبية وصولا الى الغرب , ممثلا بفرنسا .
* * *
دور الرئيس واهمية سياسته في مشروع بناء الامة
ان سجل تجارب مشاريع بناء الامة في عموم العالم , غير مشجع , وعدد الدول الناجحة في هذا المجال اقل بكثير من الدول الفاشلة , ونجاح هذا المشروع صعب الى درجة انه , بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وبدء مشروع بناء الامة في اليابان والمانيا ودول اخرى في غرب اوربا , عمدت امريكا الى صياغة مشروع ( مارشال ) من اجل انجاح هذه العملية , وعلى الرغم من مرور ما يقارب الستين عاما على بدء المشروع فان امريكا وكل الدول الغربية يعتبرون مشروع مارشال مكسبا كبيرا من مكاسب بناء الامة ,في العالم
كل دول العالم الثالث ومعها اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية , وعلى الرغم من ان معضم هذه الدول , بدأت مشروع بناء الامة ,بعد الاتهاء من الكولنيالية , الا ان عدد التجارب الناجحة في عموم افريقا لا تتجاوز الدولة الواحدة او الدولتين .
وفي اسيا ايضا هناك بعض الدول مثل اليابان وسنغافورة وكوريا الجنوبية وتايوان وماليزيا .
اننا , في هذا التقرير نقف باهتمام عن المشروع المهم لكي يفهم قراء كولان اهمية وثقل وتعقيدات هذا المشروع , كي يفهموا , ماذا يعني تغيَر سياسة تركياء ازاء اقليم كوردستان بنسبة 180 درجة على حد قول هنري باركلي , وان يدركوا ايضا , ماذا يعني ان يستقبل الرئيس الفرنسي ساركوزي , مسعود البارزاني في قصر الالزيه ويوقع مذكرة تفاهم رسمية بين فرنسا واقليم كوردستان ؟
لمتابعة اكثر لهذا الموضوع , سألنا البروفيسور راج ديساي , كبير محللي معهد بروكينكز والمتخصص في عملية التطور ومشروع ( نيشن بيلدين ) عن مدى اهمية رئيس الدولة في هذه المرحلة وفي السياسة التي يتبناها في بناء الامة ؟ وكان رده لكولان , على النحو التالي :
( اعتقد ان وجود قائد متمكن ضروري للغاية, ولكن الاهم من هذا هو ان نعرف ما يتوجب على هذا القائد ان يفعل؟ان ما هو اهم من وجود قائد متمكن , هو , تلك السياسة المطبقة في عملية بناء الامة , واذا نظرنا الى بعض الدول متعددة الشعوب والاديان , فاننا سنجد ان معضم الطرق التي يعتمدونها , تتركز على التربية وعلى تعليم الاطفال وعلى المناهج الدراسية ومواضيع التربية الفردية , منذ سن الطفولة .
كما ان الافراد يتم تربيتهم بصيغة تحولهم الى رموز قومية داخل المجتمع ويغرسون بينهم فكرا بامكانه ان ينسجم ويتآلف مع الجميع , بشكل خاص في مجال التقليل من احتمالات الاقتتال وحل النزاعات داخل مكونات المجتمع .
وسأستشهد هنا ببعض الدول حديثة الاستقلال ومجتمعاتهم متعددة الاديان ,مثل الهند وبعض بلدان قارة افريقيا , وبشكل خاص جنوب افريقيا , التي كانت عملية بناء الامة فيها صعبة للغاية , بسبب وجود تنوع كبير ومعقد داخل المجتمع , في كل هذه النماذج ,كان الرؤساء يضطلعون بدور مهم للغاية, كمنديلا في جنوب افريقيا ونهرو وغاندي , في الهند ويوليوس نايريري في تنزانيا , هؤلاء القادة استخدموا بعض الرموز التي كانت سببا في توحيد كامل لمجتمعاتهم).
اذا توقفنا عند حديث البروفيسور ديساي فاننا سنرى انه استعرض لنا في عدة سطور ,اسماء بعض القادة المعدودين في العالم مثل غاندي ونهرو ومنديلا ونايريري , هؤلاء القادة استطاعوا ان ينجحوا في مشروع بناء الامة في مجتمعات متعددة الشعوب والاديان ,لهذا فان عملية تنظيم صفوف المجتمع ورص صفوف الامة والاديان المختلفة في اقليم كوردستان ,التي قرر البارزاني انه ليس فيها وجود لاكثرية واقلية, فالامة هي امة والدين هو دين ويجب احترامهما ,وهذه الظاهرة لم يظهر لها مثيل , في الشرق الاوسط حتي الان .
ضمن نفس الاطار وحول تقييم دور الرئيس بارزاني وسياسته في مرحلة البناء القومي , وعن اسباب عدم نجاح مشروع البناء القومي بشكل عام , سألنا البروفيسور في جامعة ستوكهولم والمتخصص في التطوير الاقتصادي في الصين ودول اسيا , فقال :
(هذا السؤال هو سؤال " من يربح المليون " ! الاجابة على هذا السؤال صعب للغاية , ولكنني يمكنني ان اجيب على الشق الاول من السؤال واقول : لا شك من ان وجود قائد جيد شئ ظروري , لأن مشروع بناء الامة لا يكتب له النجاح دون وجود قائد مؤهل , لأن عملية بناء الامة بحاجة الى بناء المؤسسات , وعملية بناء الامة بحاجة الى بناء مؤسسات دائمية ومستقرة داخل المجتمع .
اما فيما يتعلق بالشق الثاني من السؤال فجوابي هو ان غالبية المتخصصين في علم الاقتصاد والسياسيين منهمكون في هذا الموضوع وهم لم ينتهوا بعد الى رأي محدد , لأنهم توصلوا من خلال بحوثهم الى العديد من وجهات النظر المختلفة حول الموضوع ,في اعتقادي , وبشكل عام , ان كل دولة من دول شرق اسيا , استطاعت ان تبني نوذجا ناجحا, فكل واحدة من هذا الدول تتمتع بمكانة قوية ولكنني ارى من الاجحاف ان نقارن دول اسيا مع دول افريقيا !
لأن اغلب دول افريقيا لم تكن صاحبة دول قوية ـ في البداية ـ كي تكون اساسا لبناء الامة ,في بلدانهم .
لقد كان اغلبها تابعا للدول الاوربية وبعض المستعمرين الذين لم يحاولوا ان يؤسسوا البنية التحتية للحكم , في تلك البلدان . ولنذكر دولة بلجيكا في الكونغو, على سبيل المثال, لقد تخلت بلجيكا عن الكونغو دون ان تبني فيها مؤسسة قوية .
قيما يتعلق بدول امريكا اللاتينية واغلبية دول افريقيا , كان فيها قادة اقوياء و جيدون في مرحلة التحرر الوطني , الا انهم اخطاوا في مرحلة البناء القومي , ولهذا السبب فهم يتحولون , في النتيجة ,الى دكتاتوريات و قادة ظالمون .
غير ان غالبية الدول الناجحة في شرق اسيا بشكل عام ,كانت صاحبة نظام حكم قوي , منذ البداية , كان لها دور مهم في عملية التطوير الاقتصادي , ثم عمدت الى تطبيق سياسة الانفتاح الاقتصادي الداخلي , بشكل هادئ وتوجيهه نحو المنافسة الاقتصادية على مستوى العالم, ما ادى الى متانة مكانة بلدانهم على النطاق الوطني , ولدينا كوريا الجنوبية كمثال, والحديث هنا ينجرّ نحو اهمية السوق الحرة , فمعضم البلدان الناجحة في شرق اسيا , سعت ومنذ بداية مشروع البناء الديمقراطي , نحو الاقتصاد العالمي والانفتاح الاقتصادي بشكل كبير .
اعتقد ان هذا المشروع مشروع بعيد المدى وان مؤسسات الدول تضطلع بدور كبير في انجاحه , ولكن البدايات تكون هادئة عادة , ومع مرور الايام والوقت تستتب الامور وتستقر الاوضاع ).
جانب اخر من دور المؤسسات وسياسة رئيس البلاد المتبعة في عملية بناء الامة, يكمن في ايجاد الية لمشاركة الافراد في عملية البناء و بشكل واسع .
حول سبل دفع الافراد للاشتراك في المشروع , يقول البروفيسور راج ديساي لكولان :
( تسألون عن مدى امكانية دفع الافراد للاشتراك في مشروع بناء الامة , ولكنني اقوا ان السؤال هو على النحو التالي: ما هي فرص المشاركة ؟ اعتقد ان هذا منوط بمدى القدرة والفرص المتوفرة للافراد من اجل المشاركة في الامور العامة وفى مجال تطور المجتمع والحكومة المحلية , فاذا كانت البنية التحتية لنظام الحكم في المجتمع , منغلقا , حينها سيكون اشتراك الافراد صعبا للغاية .
وحتى اذا ما تم تحفيز الافراد للمشاركة في بناء البنية التحتية , فان هذا العمل سيكون بعيد المنال .
على كل حال , اذا ما كان المجتمع منفتحا ويعيش في اجواء ديمقراطية وتكون الفرص متوفرة , اعتقد حينها , يمكن تحفيز الافراد للمشاركة في المشروع . وانا اعتقد ان احد عوامل النجاح في مشروع بناء الامة في دول شرق اسيا , كان مرهونا بالنجاح في المجال الاقتصادي , على عكس دول افريقا وامريكا اللاتينية .
كما اعتقد ايضا ان السبب الاخر هو اللا مساواة . ان دول شرق اسيا يتميزون بعدم مساواة كبيرة .
النقطة الثالثة هي نظام الحكم والبيروقراطية في اليابان وتايوان وسنغافورة وكوريا والى حد ما ماليزيا و اندونيسيا والى جانبها كل دول شرق اسيا, كان يسير بشكل جيد , وكانت نشطة وفاعلة , على الرغم من وجود الفساد الى حد ما , الا انه لم يكن بالحجم الذي يمكن اخذه بنظر الاعتبار , كما ان هذه الدول , كانت صاحبة استثمار جيد في المجال المعرفي والعلوم وفي كيفية التطوير في المجال الاقتصادي لبلدانهم . كما استطاعت تلك البلدان خلق المنافسين في مجال بناء السوق , على العكس من دول افريقا التي لم تتمكن من فعل ذلك .
اما النقطة الاخيرة , فانا اعتقد ان هناك عوامل سياسية للنجاح في المجال الاقتصادي في اليابان وفي تايوان وسنغافورة , لأن هذه الدول ليس فيها فوراق كبرى بين مجاميع المجتمع من النواحي الاثنية والدينية او من ناحية اللغة , على عكس البلدان الافريقية وبعض بلدان امريكا اللاتينية , طبعا , هناك فوارق كبيرة للغاية بين القبائل والعشائر في افريقيا , كما هناك فوارق كبيرة ايضا في دول امريكا اللاتينية بين المواطنين الاصلاء وبين اولئك الذين يعودون الى اصول اوربية , ولابد لي هنا من الاشارة الى ان بعض دول افريقيا وامريكا اللاتينية كانت ناجحة للغاية في مشروع بناء الامة , واهم تلك الدول هي تشيلي وكوستاريكا وباتسوانا , في افريقيا . لكنني اعتقد ان الاوضاع الان قد تغيرت في افريقيا وامريكا اللاتينية ).
وحول صعوبة هذه المرحلة وكيفية العمل لانجاح المشروع ,سألنا البروفيسور بيتر ميلاهي استاذ الاقتصاد في جامعة بودابيست وقلنا ان دولة هنغاريا ايضا اجتازت هذا المشروع فاجابنا على النحو التالي :
(قبل كل شئ ’ وبشكل عام لابد من القول ان القادة يضطلعون بدور مهم في عملية بناء الامة , ان القادة الكبار كان لهم دور كبير عبر التاريخ , وهم لا زالوا حتى عصرنا هذا ,يضطلعون بدورهم هذا في مشروع بناء الامة.
اما حول المشروع ذاته , فانها مهمة صعبة , لأن الناس لها وجهات نظر مختلفة حول المسألة , الا انني اذكّر هنا باهمية التطوير التربوي لأنه عامل مهم من عوامل التقدم على الصعيد الفردي وعلى صعيد المجتمع , ولهذا فانا اقول وبصراحة وبتعبير في غاية البساطة, ان تحقيق التقدم بشكل عام والازدهار الاقتصادي , الناجح والمتواصل , عملية نادرة للغاية وليس هناك سوى دول قلائل حالفها النجاح او يحالفها النجاح في هذا المشروع , ويمكننا القول في هذا الصدد ان الفشل هي القاعدة والنجاح هي الاستثناء ,لهذا فمن الضروري ان تخضع هذه التجارب للدراسة,ولا سيما من توظيف رأسمال في مجال تطوير التربية , قبل الشروع ببناء اقتصاد قوي, لأنه من المهم للغاية ان تبني شعبا يمتلك القدرة على القراءة والكتابة , ويجب ايضا ان نأخذ المساواة بين الرجل والمرأة , بنظر الاعتبار ).
وفي ذات الاطار وحول موضوع عدم نجاح دولة عظمى مثل الولايات المتحدة الامريكية ,في عملية بناء الامة في العراق , اجاب البروفيسور راج ديساي :
( اذا ما دققنا النظر في طبيعة تكوين العراق فاننا سنجد ان هناك فارقا بين شماله وحنوبه , كما ان هناك فوارق من الناحية الدينية بين السنة والشيعة , فضلا عن الفوارق بين المذاهب والطوائف الاخرى و كما ان نسبة اللا مساواة او التباين ,مرتفعة جدا في العراق , ولهذا فاننا اذا ما استشهدنا بالدول التي لها ظروف مشابهة لظروف العراق من ناحية التعددية القومية والتعددية الدينية , اذا ما قارنا تجارب هذه الدول على ارض الواقع فاننا سنجد تغييرا كبيرا في الاشياء , على سبيل المثال : باتسوانا في افريقيا او تشيلي في امريكا اللاتينية , فان اسباب التغيير في هذه البلدان تكمن في ان النخب والمجاميع المتنفذة التي كانت تدير الحكم في البلاد , توصلت الى حقيقة ان مصالحم مرهونة بتحسين وتطوير الحياة العامة للمواطنين , وحينما توصل القادة والحكومة الى هذه الحقيقة, بدأ ت المحاولات الجادة ودبّ الحماس للعمل على الاصلاح ومجابهة الفساد .
ولكن , حينما ارسلت الولايات المتحدة الامريكية قواتها الى العراق في العام 2003 , لم تكن مطلعة على الاوضاع في العراق عن كثب , كما ان العديد من الاخطاء ارتكبت في السنة الاولى اثناء عملية نقل السلطة , وتعرضت مؤسسات الدولة لاضرار كبيرة ولم تتح الفرصة لاستتباب الامن والاستقرار للعراق , على سبيل المثال :
حل الجيش و قطع الرواتب عن الموظفين , لقد اثرت اعمال كثيرا في المواطنين العراقيين ما دفعت الناس الى العصيان والتمرد وممارسة الفساد مع اقتراف العديد من الافعال الاخرى التي لم تكن في مصلحة العراق والمواطنون , ليس في الشمال او الجنوب فحسب , بل بين كل شعوب العراق , ما تحول الى عائق امام الوصول الى امة قوية .
اعتقد ان الولايات المتحدة الامريكية لم تعر اهمية للفوارق الموجودة بين مكونات العراق ولم يأخذها بنظر الاعتبار , كما انها نسيت ان دكتاتورا كان يحول بين وجود الصراعات والنزاعات بين المكونات المختلفة في العراق ولم تكن تفكر بما سيحصل في حال زوال الدكتاتورية .
ولهذا السبب , حينما ازيلت الدكتاتورية وبدأت الفوارق بين مكونات العراق بالظهور , فان الولايات المتحدة الامريكية لم يكن بمقدورها فعل شئ ولم يكن لديها الحل المناسب لمعالجة الاوضاع المستجدة ).
حول ذات القضية وحول عدم تمكن الولايات المتحدة من انجاح مشروع بناء الامة في العراق, على غرار المانيا واليابان , عبّر البروفيسور بول ليفن لكولان , على النحو التالي :
( ان الولايات المتحدة الامريكية جاءت الى العراق من اجل انقاذ البلاد والاجهاز على الطاغية , كان بول وولفيوتس ـ وهو احد مهندسي حرب عام 2003 ـ قد اعد خطة لعراق ما بعد الحرب , الا انهم باشروا بتنفيذ الخطة في وقت متأخر , من جهة اخرى وفيما يتعلق باقليم كوردستان العراق فان السيد مسعود البارزاني قد تصرف بشكل جيد وحسنا فعل فيما يتعلق باستقرار الوضع في الاقليم من النواحي الاقتصادية والاستقرار السياسي و الفضل كله يعود الى البارزاني .
في اعتقادي , من الاهمية بمكان ان تتم عملية بناء الامة , دائما , من قبل المواطنين , و اعني ان ينبع من الداخل وليس من قبل قوة او جهة خارجية , لأنه , اذا جاء المشروع بتأثير جهة خارجية فان معارضة ما او احتجاجا سيظهر الى السطح , وفي العراق , اذا ما استثنينا اقليم كوردستان , فان مشروع بناء الامة لن ينجح الا اذا توفر الامن والاستقرار السياسي والاقتصادي وتحسنت الاوضاع في البلاد .
وحول دور الرئيس مسعود البارزاني بصفته رئيسا وطنيا , في انجاح مشروع بناء الامة والسعي نحو مستقبل افضل , سألنا البروفيسورة غراشيانا ديل كاستيللو , المتخصصة في الدول ذات الازمات وما بعد الازمات , والاستاذة في جامعة كاليفورنيا , والمنهمكة حاليا في تأليف كتاب عن مشروع بناء الامة في افغانستان والعراق , وكان جوابها على النحو التالي :
( ان القائد هو عامل اساس في عملية بناء الامة وبناء البلاد , بعد ان تحل بها الكوارث الكبرى , كالحرب او تغيير النظام او التدخل العسكرى او اية كارثة طبيعية , على كل حال , انا لا اوافق على اي شئ له علاقة بهذين المصطلحين , لأن المسألة تتعلق بالتدخل الخارجي , في الحقيقة , ومن اجل نجاح اي مشروع لبناء الامة او للاعمار , بعد ان تحل الكارثة ببلاد ما , لا بد ان ادارة عملية بناء الامة من قبل جهات وطنية لأن عملية بناء البلاد بحاجة الى جهود التعاون والتنسيق بين كل افراد المجتمع, الا في حالة عدم اطمئنان المواطنين الى المشروع , وفي هذه الحالة , لن يعم السلام ولن تتم سياسات البناء بشكل فعال , ولهذا وعلى الرغم من انهم يصدرون القرارات الحساسة ويدعون المجتمع الدولي الى الدخول في المشروع من اجل الدعم وتقديم الاموال , يتوجب على مسؤولي مشروع بناء الامة , ان يوفروا دعما ثابتا للمشروع .هذا ما يجعل منهم قادة للامة .
في عملية وضع ستراتيجية البناء , يتوجب على قادة الامة التأكد من توجيه سياستهم بشكل صحيح , وان يأخذون التحديات الامنية بنظر الاعتبار , ان تكون تقديراتهم للاوضاع الاقتصادية والاجتماعية صحيحة , مع الاصرار على اشراك كل الطاقات البشرية والمؤسسات بشكل فاعل , في مشروع البناء .
وحول نحاج اقليم كوردستان في هذا المشروع واخفاق الولايات المتحدة الامريكية في العراق , اعادت السيدة غراشيا السبب الى دور السيد مسعود البارزاني كقائد امة وطني وقالت:
(نجاحكم انتم كورد العراق في بناء الاقتصاد في بلادكم مرتبط بشكل مباشر بالنقطة التي اشرت اليها انفا وهي اهمية وجود قائد للامة بمستوى المسؤولية , من الداخل .
اما عن اخفاق الولايات المتحدة الامريكية قي اعادة بناء العراق بعد سقوط النظام , فيمكنني ان اتحدث في هذا الموضوع الى ما لا نهاية !
في كتابي الموسوم " الدول المنفصمة بعد الحرب " خصصت قسما منه لهذا الموضوع , لقد فشلت الولايات المتحدة في العراق لأن كل ما فعلته كان خاطئا ,ومن اهم الاخطاء التي اقترفتها السلطة الموقتة للحلفاء , هو ابعاد كل منتسبي حزب البعث عن وظائفهم وحل الجيش العراقي بدون الاعتماد على خطة معينة لازالة الاسلحة او احالتهم على التقاعد , وهذان القراران كانا عاملا في وجود ما يقارب الـ 400 ـ 500 الف حالة بطالة بسبب العسكريين المقالين . انها كارثة حقيقية , ولهذا فان مظاهر الفوضى والتخريب وانعدام الامن والاستقرار بدأت بالظهور, وثأتيرات هذين القرارين لم ينسحبا على الوضع السياسي فحسب بل انه حرم الخدمات المدنية ايضا , من الخبرات المهمة للتكنيكيين و المتخصصين .
لا يمكننا , باي حال من الاحوال ان نحلل سذاجة وقصر نظر هذه السياسة ولا سيما انها كانت سببا في بطالة %60 من اهالي العراق , والمحاوات التالية التي جاءت لاصلاح الاضرار لم تكن مجدية , والطامة الكبرى كانت في التعاقد مع الشركات الاجنبية و الفاسدة , في توفير الحماية والامن والسعي الى الخصخصة في مجال النفط والفشل في اعادة بناء البنية التحتية وتوفير الخدمات الاساسية , فضلا عن العديد من الاخطاء الاخرى التي ادت , بمجملها الى فشل مشروع بناء العراق ).
ما استخلصناه من متابعاتنا لكتابة هذا التقرير ومن اراء المتخصيين من اساتذة العالم ,هو ما خلص اليه البروفيسور بيتر ميلاهي من جامعة بودابيست الذي افادنا بأن النجاح في هذا المشروع ليس بالعمل السهل وان الفشل هو القاعدة والنجاح هو الاستثناء , وكما افادتنا البروفيسورة غراشينا من ان نجاح مشروع بناء الامة في اقليم كوردستان يعود الى دور ذلك القائد الوطني والقومي الذي يرأس اليوم , اقليم كوردستان .
ان هذا الجانب الذي يتشير اليه البروفسورة غراشينا , المتخصصة في شؤون العراق والتي امضىت جل عمرها في دراسة " مشاريع بناء الامة " كما قالت لكولان ,قد توصلت الى مدى اهمية دور الرئيس وسياسته الحكيمة .
وهذا لا يمنعنا من ان نشير الى دور قائد اخر , ان عدم النجاح في المشروع ,لا يعني عدم اهلية القائد .
والبروفيسور راج يحيب مرة ثانية ويقول بكل صراحة " ان هؤلاء القادة كانوا قادة وطنيون وقادة عظام في مرحلة التحرر الوطني وكانوا ابطالا لشعوبهم , لكنهم اخطأوا في مرحلة مشروع بناء الامة ولم يتمكنوا ان يبنوا مؤسسات الدولة القوية و ان يجعلوا السيادة للقانون , ضمن اطار مشروع بناء الامة .
ترجمة عبدالرحمن باشا