• Sunday, 22 December 2024
logo

الاعلام الحر واخلاق الصحافة المهنية

الاعلام الحر واخلاق الصحافة المهنية
حينما تضمن الدولة حرية الحصول على الخبر من مصادرها الرئيسة فان هذا لا يعتبر امتيازا تمنحه الدولة للصحفيين , بل هو دليل التزام الدولة بممارسة الحرية بشكل مسؤول من اجل تطوير الديمقراطية والمجتمع المدني , وبالمقابل , حينما يتوفر للصحفي هذا الحق ,فعليه ان يتعامل ضمن هذا الاطار ,على اساس قيم اخلاق العمل الصحفي المهنية مع هذه الحرية ومصادر الاخبار هذه .

ومثلما لا يمكن اعتبار هذه الحرية وتوفير مصادر الاخبار ,هبة او امتيازا من جانب الدولة للصحفيين , فعلى الصحفين ايضا ان يلتزموا باخلاق وسلوك الصحفي المهنية وعلية ان يتحمل مسؤولية توفيرالمناخ والبيئة المناسبة لتقدم الديمقراطية والمجتمع المدني في المجتمعات النامية والحيلولة دون تغيير تلك البيئة بشكل ينعكس سلبا على المشروع الديمقراطي.

تقول السيدة اب ليوك الباحثة في معهد يوفاسكولا للصحافة والعلاقات في تارتوي استونيا الفنلندية , في دراسة لها بعنوان ( الحرية للاعلام .. الاخلاق الصحفية في استونيا ) تقول وبصراحة ان الدول الحديثة التي تلت سقوط الشيوعية لا تتمتع بالتجربة الكافية مع الاعلام الحر والسوق الاقتصادية الحرة والحكم الديمقراطي , ولهذا السبب فان تطور الاعلام في هذه البلدان قد اخذ شكلا اخر.

ولكن ما تؤكد علية البروفيسورة ليوك في دراستها هو ان بعضا من تلك الدول التي كانت جزءَ من الاتحاد السوفيتي السابق وتاسست بعد سقوط الاتحاد السوفيتي مثل ( مولدافيا وبيلاروسيا وروسيا الفدرالية و اوكرانيا )لم يتطور فيها الاعلام الحر كما ينبغي , ولكن الدول التي تأسست بعد سقوط الشيوعية وكانت ضمن المعسكر الشيوعي مثل ( بولونيا ورومانيا وجمهورية الجيك وبلغاريا )فان حرية الصحافة قد تطورت فيها الى حد ما , ولكن لتواضع تجربة هذه البلدان مع الاعلام الحر والديمقراطية وعدم نضوجهما , فاننا نرى ان الاعلام لا يتعامل مع هذه الحرية المتاحة بشكل مسؤول وفي اطاراخلاق الصحافة المهنية ,ولهذا فان الدولة تلجأ الى المحاكم في بعض الاحيان , غير اننا نرى العكس في بعض دول ما بعد الشيوعية التي قطعت فيها الديمقراطية اشواطا متقدمة واقتربت من الكمال اذ نجد فيها ان الاعلام هو الاخر قد بلغ افاقا مسؤولة في تعامله مع المؤسسات الديمقراطية , كما هي الحال في ( سلوفاكيا واستونيا وليتوانيا) ففي هذه الدول استطاعت وسائل الاعلام ان تنأى بنفسها عن الحكومة وعن الاحزاب السياسية وان تضطلع بدور الرقيب السياسي على المجتمع كما هو الحال في الغرب, ولهذا حينما تتحدث البروفيسورة ليوك عن ضمان حرية التعبير كعامل اساس لتطور وكمال الاعلام في البلدان حديثة التطور او الدول التي تأسست بعد سقوط الشيوعية والتي لازالت في المرحلة الانتقالية ,فانها تشير صراحة الى ان حرية التعبير وحدها لا تكفي لتطور الاعلام اذ ان المهم هو: كيفية التعامل مع هذه الحرية؟

هل يمكننا ان نتعامل مع حرية التعبير كحرية مطلقة دون ان نأخذ اشياء اخرى بنظر الاعتبار ؟
ماذا نقول وكيف نقول؟
هل هناك حاجة لوجود اطار معين لكي يتعامل الصحفي مع حرية التعبير بموجبه بشكل مسؤول ليعرف ماذا يكتب وكيف يكتب ؟
والاهم من كل هذا وذاك هو ان يعي و ـ كصحفي بروفيشنال ـ الهدف مما يكتب .
لا شك ان البروفيسورة ليوك لا تنسى الاشارة الى ضرورة ان يصبح اخلاق الصحافي المهنية , اطارا للتعامل السيلم مع حرية التعبير ومع المعلومات , بل انها تشير الى ان الصحفيين ينتهكون الاخلاق المهنية ويخرقون سلوك العمل الصحفي المهني , ولهذا لابد من وجود قانون خاص في تلك البلدان يقطع الطريق على خروقات من هذا القبيل .

وهنا تخرج المناقشة من اطار دفع الدولة الى وضع الرقابة على حرية الصحافة وحرية التعبير , وتخرج ايضا عن اطار الدعوة التى التضييق على حرية التعبير عن الرأي , كلا ليس هذا هو الموضوع والمسألة تنحو منحى اخر وتنحصر في نقطتين هما :
1 ـ احترام حرية الصحافة وحرية التعبير عن الرأي وتطبيقها بشكل صحي .
2 ـ احترام اخلاق وسلوك الصحافة المهنية وعدم السماح بانتهاك هذه الاخلاق وهذا السلوك من قبل الصحفيين .

تأثير الاعلام على المؤسسات الديمقراطية
يعبر الرئيس الامريكي الثالث توماس جيفرسون عن رأيه حول الاعلام الحر ويقول ( لو خيروني بين الاعلام الحر والبرلمان الحر فسأختار الاعلام الحر ).
والسؤال هنا هو : ما المقصود بالاعلام الحر؟
لا شك ان القصد من الاعلام الحر هو تطبيق تلك الحرية التي وردت في ( بيان استقلال امريكا ) الذي كتبه جيفرسون نفسه مستلهما عصر النهضة في اوربا واستخدم الحرية بمعناها الليبرالي الذي يعتبر الانسان حرا طالما لم ينتهك حرية الاخرين و بشكل ادق : اي تلك الحريات التي تنظمها وتحفظها قوانين الدستور اليبرالي , بنفس المعنى الذي استخدمه ابرهام لنكولن حين قال ان الحرية لا تعني حرية البيض الامريكان من الذين كانوا يرضخون تحت نير الامبراطورية البريطانية بل ان الحرية تعني ان يكون الامريكان ( بسودهم وبيضهم ) احرارا .

الحرية هي التي عبر عنها ويلسون الذي كان يعتقد ان الامن والسلام لا يستتبان في العالم من دون الحرية وعلى هذا الاساس ايضا اقترح على الكونغرس تأسيس عصبة الامم وحاز على جائزة نوبل للسلام عام 1919 , ولكننا اذا ما سألنا : لماذا يفضل جيفرسون الاعلام الحر على البرلمان الحر؟ فالجواب هو ,لأن الاعلام الحر هو العين الخافرة للحفاظ على الحريات التي تأسس على اساسها النظام الليبرالي في امريكا , واذا ما تم الحفاظ على النظام الليبرالي , فان المجتمع لن يكون بحاجة الى وجود برلمان , واذا لم يكن موجودا فان الاعلام الحر بامكانه ان يوجده , ومن هذا المنطلق فان كل القوانين التي يصدرها البرلمان في الدول الليبرالية ,الهدف منها هو الحفاظ على النظام الفيدرالي , ولكننا لو تساءلنا مرة ثانية : هل ان النظام الليبرالي هو نظام لا يخلومن نقص ؟ ويجيب كارل بوبر على هذا السؤال بالنفي الا انه يقول : ورغم القصور وانواقص التي تكتنف النظام الليبرالي الا ان البشرية لم تنتج نظاما افضل منه لادارة الحكم والحفاظ على الحريات الفردية داخل المجتمع , بمعنى اخر , ان النظام الليبرالي يسمح بنوع من النقد يضع كل مقدسات السلطة تحت طائلة المساءلة , واذا ما تساءلنا ياترى هل استطاع صحفيو الولايات المتحدة الامريكية ممارسة الصحافة والحفاظ عل النظام اليبرالي ,كما تمنى حيفرسون ؟

دون شك يمكننا الاجابة بالنفي , لأن صحفيو امريكا , وعلى غرارالصحفيين في دول ما بعد الشيوعية والدول حديثة التطور , استغلوا الحرية بشكل سيئ حتى وصلت الصحافة في نهاية القرن التاسع عشر واوائل القرن العشرين الى حد ان مالك صحيفة نيويورك وورلد ( جون بوليتز ) حذر من مخاوف مستقبل الجمهورية الامريكية من ان الصحفيين ليسوا ممن تتسخ ايديهم بحبر المطابع لينشروا كل ما وقع في ايديهم فحسب , بل اكد ان العمل الصحفي هو علم وفن و يجب على الصحافة ان تمارس دورها داخل المجتمع بشكل علمي وفني والصحافة الجيدة تنتج مجتمعا صحيا , والعكس صحيح فان صحافة سيئة تساعد على نشوء مجتمع سيئ ومن هذا المنطلق اقترح على جامعة كولومبيا افتتاح كلية للصحافة ووعد بوضع كل امكاناته وامواله في خدمة ذلك, ومن هذا المنطلق ايضا كتب على خلفية البوستر الخاص بجائزة بولتزر التي تمنح سنويا لافضل عمل صحفي ( مستقبل جمهوريتنا ومستقبل صحافتنا ينتظرهما مصير واحد ومستقبلنا رهن ايدي صحفيونا القادمين ).

هذه الخلفية المهمة جعلتنا ان نكون صريحين في تعاملنا وتقييمنا للحرية في مجال ممارسة العمل الصحفي , ومن اجل ان يكون طريقنا واضحا , وانا لا اعني بالتقييم , القمع , او اهمال دور الاعلام بل اعني ابراز دور الاعلام في المجتمعات الديمقراطية و التأكيد على ان الدولة التي لا نجد فيها صحافة حرة وتعبير حر عن الرأي فاننا لن نجد فيها ديمقراطية .

لذا فان هذا التقرير هو خطوة على طريق الكشف عن الاخطاء واحترام اخلاق العمل الصحفي ,
وحينما نضع ايدينا على مواطن الخلل في صحافتنا فاننا سنشعر بان الاعلام عندنا قد اضطلع بدوره كسلطة رابعة وامتد الى حياة المواطنين في النظام الليبرالي , ومثلما ان النظام الليبرالي لا يخلو من مواطن الخلل , فان مكونات النظام ( الاحزاب السياسية , منظمات المجتمع المدني و اصحاب المال والشركات , الصحافة والمنظمات غير الحكومية ) لا تخلو كل منها من العيوب ايضا, والنظام الليبرالي استغرق عدة قرون حتى تمكن من ان يكتمل وان يطبق الديمقراطية الليبرالية عن طريق المؤسسات ليتحول الى نظام تفتخر به الانسانية وتنظر اليه على انه الضامن الاكيد للحريات .
اذن من الضروري ان نجد اطارا لتعريف الحرية وحرية الصحافة , من اجل ان نتمكن من اجراء حوار متوازن, وهذ الاطار وعلى نهج هذا التقرير,ملتزم باسس الليبرالية وليس على خداع النفس وتقليد الليبرالية الديمقراطية .

ان الفارق الذي يوجده هذا التقرير بين الليبرالية والليبرالية الديمقراطية ليس الهدف منه العداء او ازاحة اللثام عن سلبيات وسوء الليبرالية الديمقراطية بل الهدف منه هو الوصول الى تلك القناعة ,التي يشير اليها صراحة, فؤاد زكريا , رئيس تحرير نيوز ويك في كتاب ( مستقبل الحرية ) وهي ان الدولة يجب ان تكون صاحبة دستور مدني ليبرالي , من اجل ان تخطو نحو بناء الليبرالية الديمقراطية وليس العكس ,اي ان تثبّت الديمقراطية والانتخابات الحرة و اسس البناء الليبرالي و وهذه الظاهرة يمكننا ان نراها بوضوح في الفراق بين مستوى التقدم الديمقراطي في دول ما بعد الشيوعية ( كما اشرنا في مستهل هذا التقرير ) فالفارق بين ليتوانيا ومولدافيا عن روسيا و روسيا البيضاء هوان مولدافيا وليتوانيا كان فيها بعض اسس الليبرالية على عكس روسيا وروسيا البيضاء , ان العودة الى اسس الليبرالية تضع امامنا تلك الحدود التي تبدو في مشاهد الضرب والاشتباك بالايدي , بين اعضاء البرلمان الياباني او المكسيكي او الارجنتيني , علينا ان لا نترجم هذه الظاهرة لمواطنينا على انها جزء من الحرية ومن العملية الديمقراطية ومن المهم ان نشير الى ان هذا التلاحم والاشتباكات بالايدي بين برلمانيي هذه الدول , هو تاكيد على ان هذه الدول لم تصل بعد الى المستوى الذي يمكننا ان نقول فيه ان هذه الدول بلغت مستوى متقدما من الديمقراطية الليبرالية ودليل هذا هو ان : لا الاحزاب الحاكمة تطبق الديمقراطية بالشكل الصحيح , ولا احزاب المعارضة تقدم البرنامج البديل للمواطنين والناخبين , بشكل صحيح .

واذا كان هذا الكلام مجافيا للحقيقة فاننا كنا سنجد مشاهد الضرب هذه في برلمانات اخرى لدول تمكنت من ربط اسس الليبرالية والديمقراطية , مثل برلمانات ( هولندا , المانيا , بريطانيا , امريكا ...).
ومن هذا المنطلق واذا اردنا ان نتناول تأثير الاعلام على احترام وترسيخ المؤسسات في المجتمع الديمقراطي فاننا سنستشهد بما اشار اليه كل من البروفيسور ( كرستوفر كوين من جامعة فيرجينيا والبروفيسور بيتر ليسون من جامعة جورج ماسون ) في دراستهما المشتركة والمسماة ( الية تغييرودعم مؤسسات المجتمع الديمقراطي ) حيث اعتمدا بولندا وروسيا كنموذجين مختلفين في الدراسة, وهدفهما توضيح الفارق و التاكيد على ان تاثير الاعلام على مؤسسات الدولة في المجتمع الروسي لم يكن بالمستوى المطلوب , على عكس بولندا التي كانت موفقة في هذا المجال , وفي هذا الاطار يمكن حصر تأثير الاعلام في النقاط الثلاث التالية :
1 ـ بامكان الاعلام ان يغييَر المؤسسات بشكل تدريجي من خلال وضع الافكار الجديدة والمعاني الجديدة والبدائل الجديدة , في متناول الافراد داخل المؤسسات , وهذا لا يؤدي الى تغييرالمؤسسات بشكل جوهري غير انه يساهم في تبلور نوع من ( التجمع ) وهذا يسمى بالتغيير التدريجي .
2 ـ بامكان الاعلام ان يساهم في التغيير الجذري والسريع من خلال منحه الفرصة للكشف عن النقاط المحرجة من اجل ايجاد تغيير اجتماعي اساسي , وهذا يسمى تاثير الاعلام في الكشف عن النقاط .
3 ـ حينما تظهر المؤسسات الجديدة الى الوجود فان الاعلام يدعم هذه المؤسسات ويحاول ان يزيدها قوة , وهذا النوع من الاعلام يسمى بـ ( اثر الاعلام في دعم المؤسسات الديمقراطية) .

في تصنيفهما لدور الاعلام في بلدان ما بعد الشيوعية , يحاول البروفيسوران ليسون وكوين ان يعالجا اشكالية العلاقة بين المؤسسات و تأثير الاعلام , ولابد للاعلاميين من ادراك حقيقة الديمقراطية و النظام المؤسساتي وان الهدف من انتقادات الاعلام هو تقوية و تأشير ومعالجة مواطن الخلل في المؤسسات من اجل تقويتها وترسيخها .
كما ان الهدف من هذه الدراسة هو ان يدرك المسؤولين حقيقة انه لا يمكن للمؤسسات ان تقوى وتتطور الا من خلال مراقبة الاعلام , ومن هذا المنطلق فان هذه الدراسة تعالج الاشكالية بين الاعلام والمؤسسات وتضع مسؤولية بناء المؤسسات وتقويتها على عاتق الاعلام ومسؤولي الحقائب العامة وتتناول الدراسة الموضوع على النحو التالي :
( ان دراستانا هذه توضح العلاقة المتضادة بين الاعلام والمؤسسات من حيث ان الاعلام يضطلع بدوره الرئيس في عملية التغيير , في كلتا الحالتين ( التدريجي والجذري ) وهو في ذات الوقت يدعم المؤسسات, الامر الذي يؤدي الى معالجة الاشكالية الموجودة بين المؤسسات والاعلام , بمعنى ان المؤسسات ستكتسب القوة والثبات وان الاعلام ايضا سيمارس دوره في عملية المراقبة , ولكي نسلط الضوء على الموضوع فاننا سنستشهد بتجربة بولندا وروسيا حيث كان التغيير فيهما من خلال الاعلام, في كلتا الحالتين, تدريجيا ثم تحول الى تغيير سريع وجذري من خلال اثارة النقاط المحرجة وفي النهاية , حصل نوع من التوازن بين المؤسسات التي دعمها الاعلام.
ولهذا فان هذه الدراسة ستركز على العوامل المؤثرة و قدرة الاعلام على عملية التغيير وعلى دعم المؤسسات ).
واذا دققنا النظر في كلا التحليلين الواردين في التقرير المشار اليه فاننا سنجد :
1 ـ الفصل بين حالتين متمثلتين في : الاعلام المسؤول الملتزم باخلاق وسلوك الصحافة المهنية فضلا عن الصحفيين الذين يخرقون وينتهكون مبادئ الاخلاق وسلوك الصحافة المهنية .

2 ـ للاعلام والمؤسسات ,هدف واحد ,يتمثل بتقوية مؤسسات النظام الديمقراطي .
لذا فحين تصاب المؤسسات بالهزال فان الاعلام يضع التصورات الجديدة والافكارالبديلة في متناول مسؤولي الحقائب من اجل تغيير تصوراتهم في ادارة المؤسسات , ثم يعمد الاعلام الى اثارة النقاط المحرجة من اجل تغيير المؤسسات من مؤسسات هزيلة الى مؤسسات قوية وفعالة .
ان فهم مسؤولي الحقائب والاعلاميين والصحفيين, لهاتين النقطتين , يحد من الحساسية الموجودة بين المؤسسات والعمل الصحفي .
وفيما يخص الدول التي تمر بمرحلة انتقالية كما هو الحال في اقليم كوردستان الذي يسعى للوصول مشروع ديمقراطي متكامل , فان هدف الجميع يتركز حول ازالة المعوقات التي تعترض طريق الوصول الى ديمقراطية المطلوبة , وفي هذا الاطار فان مسؤولية الاعلام هي الاكبر , قياسا مسؤولية المؤسسات والى مكونات الدولة الديمقراطية , وان مستقبل النظام الديمقراطي ومستقبل الحرية في كوردستان ـ كما اشارجون بولزتر قبل 100 عام ـ يقع على عاتق صحفيي هذه المرحلة وعلى عاتق جيل المستقبل , من صحفيي كوردستان الجريئين , وجراة الصحفيين تعني ان لا يسمح الصحفيون انفسهم, بانتهاك اخلاق الصحافة المهنية وان يأخذوا هذا الموضوع بنظر الاعتبار , كما هو الحال مع المسائل المهمة الاخرى, داخل المجتمع .
ان الصحافة يمكنها ان تكون مؤثرة و جريئة حينما تعمل ضمن اطار اخلاق الصحافة المهنية على مراقبة السلطة وفي فرض نفسها في المجتمع على انها سلطة رابعة .

ان الاعلام عامل مهم من عوامل المجتمع الديمقراطي وهو يضطلع بدور ملحوظ , وللحديث عن اهمية دور الاعلام في المرحلة الانتقالية , سألنا الصحفية بوني براولي البروفيسورة في مجال الصحافة في جامعة انديتنا , فاجابت كولان على النحو التالي :
( على الاعلام , و في كل المراحل, ان يضطلع بدوره في توفير المعلومات الصادقة بشكل منطقي ,بعيدا عن الاساليب التي تلحق الضرر بالمواطنين وبالرأي العام.
مهمة الاعلام هي بث الطمانينة بين المواطنين وفي اعتقادي ان الاعلاميين وحدهم لا يستطيعون ان يمارسوا دورهم لوحدهم دون وجود قناعة لدى المسؤولين الحكوميين, بأن وجود الاعلام المنفتح هو من مصلحة المجتمع .
انا ادرك ان الحديث هو ااسهل من التطبيق ولكن الاعلام , جزء من المجتمع , جزء غيرمنفصم , ولهذا السبب عليه ان يكون انعكاسا للمجتمع ).
وفي جانب اخر من حديثه لكولان وحول سبب فقدان الاعلام احيانا , طريقه , في المرحلة
الانتقالية ؟ قال(الاعلام في كل بلدان العالم بما فيها بلادي ـ المقصود امريكا ـ ربما تفقد طريقها , في بلادي يقول الكثيرون ان الاعلام قد تحول الى خدم لمالكيه ( بشكل عام رجال الاعمال الكبار) .
لدينا مقولة مفادها ( في الاعلام , من يدفع الضرائب وثمن البطاقات , يحق لهم ان يقرروا حول المضمون ) وعلى الرغم من ان هذه الحالة لا تدخل ضمن هذا الاطار بشكل مطلق, الا ان هناك جدل يثار احيانا حول كون استقلالية الاعلام تتعرض للوهن حينما يسكح الصحفيون للجانب التجاري للاستقواء.
ربما كان هناك العديد من العوامل الاخرى التي تؤثر على الاعلام , ففي المكسيك هناك الان تجار المخدرات الذين تسللوا الى كل جانب من جوانب المجتمع بشكل لم يعد بامكان الاعلام ان يكتب وينشر عن الموضوع بحرية .
بلدان اخرى فيها حكومات اوتوقراطية تضع التحديات امام الاعلام وربما لا تسمح له ان يمارس عمله بحرية , بأي شكل من الاشكال .
ولكوني ادرَس الصحافة في كلية الاعلام منذ 30 سنة , اعتقد ان التربية الصحفية لها جانب ايجابي واخر سلبي و انا انحو نحو الصحافة الاحترافية ( البروفيشنال ) لسبب واحد هو ان طلاب الصحافة يتعلمون التأريخ ,يتعلمون الادب , يتعلمون العلوم والرياضيات .كما انهم وفي جزء من دراستهم يعتمدون جوانب الممارسة الصحفية ( ممارسة العمل الصحفي في بلدانهم وفي بلدان اخرى ).
و جانب من الدراسة يتناول المؤهلات الصحفية ( نشر المعلومات ,الكتابة , التحرير, العمل التلفزيوني ... الخ ) ودون شك هناك جانب من الدراسة يتناول القانون والاخلاق , ولهذا فان الطلاب تتوفر لهم فرصة مجابهة مشاكل الواقع , اعتقد ان كل هذه الاشياء توفر قاعدة لهم صلدة .
من جهة اخرى , اعتقد انه ليس شرطا ان تتاح لكل من درس وتمرن على هذه الدروس , فحسب , فرصة ان يصبح صحفيا و لأن الحياة مليئة بالاذكياء والمؤهلين ممن لديهم الكثير كي يقدمونه للصحافة ) .
وفيما يتعلق بجانب( تمويل الاعلام )الذي تشير اليه السيدة بوني سألناها عن مدى ( مشروطية ) هذا الدعم وعن مدى الضرر الذي يلحقه هذا الدعم , بالناس ودور الصحافة داخل المجتمع ؟
فاجابت على النحو التالي :
( انتم تثيرون مسالة متداخلة , وهناك عدة اسئلة تثار في هذا المجال : ياترى كم هى الفرصة المتاحة امام الصحفيين للحديث والمناقشة حول شروط التمويل ؟
وماهي هذه الشروط ؟وهل ان الاتفاقات هي من انواع المعاملات التي يمكن الحديث فيها ؟وهل هناك موضوعات معينة قد تجاوزت الحدود ؟
انا افكر فيما اذا كان لدى الصحفيين قدرة العمل بموجب التعليمات وهل بامكانهم ان يكونوا مطلقين وشفافين مع القراء والمشاهدين للحديث عن تلك الشروط .
هل بامكان الاعلام ـ صحيفة ما على سبيل المثال ـ ان تخصص صفحة من صفحاتها يوميا, للكشف عن مصادر تمويها وعن تلك الشروط , لقرائها ؟
اذا استطاعت فعل ذلك ,حينها ستنبه المواطنون الى الحدود والى الخطوط , وانا على ثقة بان المواطنين يكنون كل الاحترام للاعلام الذي يتبنى الانفتاح والصراحة ).
بالامكان تخصيص شخص ما من كوادر الصحيفة لسماع حديث الناس والى مشاكلهم ومعوقاتهم وبالتالي كتابة تقرير اسبوعي يتناول فيه مشاكل المواطنين .
( هناك مواقف من هذا القبيل في صحيفة النيويورك تايمزوبعض الصححف الامريكية الاخرى) .
( الكتاب العموميون) لا يشهّرون بأحد في الصحف بل على العكس فان الصحف تتلقى مطالب واحاديث المواطنين وتركز على جانب معين ثم تسعى للحصول على اجوبة من كتاب الصحيفة ثم تنشر النتائج ايام الاحاد ).
هناك ستراتيجية اخرى للصحفيين ربما تتمثل في استخدام صحفيين من بلدان اخري من المولعين بالاعلام وان يتبادولوا الاراء والافكار فيما بينهم وبين ممولي المنظمات غير الحكومية من اجل ايجاد افضل السبل للتمويل من اجل التطور , كما يمكنهم التنسيق مع اشخاص اجانب ولا سيما اولئك الذين يتسمون بالجرأة ويمارسون العمل الصحافي بانفتاح ومصداقية , او التنسيق مع المحاضرين والسياسيين والاناس العاديين .
اذا ما تحدثت مجموعة من المواطنين العاديين بصوت عالي فيما يتعلق بمتطلبات الصحافة , فلا شك ان ذلك سيكون له اثر قوي.
انا واثق من ان قول هذا الكلام سهل ولكن تطبيقه ليس بهذه السهولة , ولكنني اعتقد ان المجاميع الممولة , وبالتحديد في المجتمعات المنفتحة ,يتفهمون قضاياكم جيدا , انهم ينتمون الى نظام منفتح ولهذا فهم يفرحون حينما يتحدث الصحفيون عن مزايا الانفتاح ولا يمانعون في عقد اتفاقات ثنائية , ستراتيجية ومشروطة , من اجل تحقيق هذه الامال ).
في حديث خاص بكولان عن اهمية الاعلام المنفتح في المجتمع الديمقراطي , يقول البروفيسور ديفيد بونيك استاذ الصحافة في جامعة انديانا والمتخصص في اصول الصحافة والتحرير:
( انا استاذ في الاعلام وادرّس الصحافة واعتقد ان الصحافة بامكانها ان تضطلع بدور مثالي في مجال نشر المعلومات ,واذا كان هناك اعلام قوي ومستقل الى حد ما فان بامكانه ان يوفر المعلومات للمواطنين ولكن المهم هو ان لا يكون ذلك الاعلام تحت نفوذ حزب سياسي او ايديولوجيا معينة ,وضمن هذا الاطار اعتقد ان الاعلام في هذه الحالة يجب ان يكون مدعوما ماديا وجماهيرا .
نحن في الولايات المتحدة الامريكية لدينا نموذج اقتصادي يقوم بتأمين مصادر انتاج الاخبار لوسائل الاعلام المستقلة والمحايدة الى حد ما , داخل الاحزاب السياسية .
والمطلوب هو, قاعدة اقتصادية من اجل توضيفها كأساس لبناء صحافة مستقلة ولكنني على ثقة ان توفير ذلك عمل في غاية الصعوبة في المجتمعات النامية , وفي ظل وجود الكومبيوتر والانترنيت يمكن الاستفادة من المصادر الاكترونية , ومن هذا المجال العريض الذي لا يكلف كثيرا, واذا لم يتوفر الكومبيوتر والانترنيت فالمشكلة ستكون كبيرة دون شك .
واذا ما عدنا الى الاخلاق الصحفية في المجتمع الديمقراطي فيمكنني ان اقول ان العنصر الاول في الاخلاق الصحفية يتمثل في تقصي الحقائق بشكل يوفر المعلومات الدقيقة والصحيحة ونشرها بين الناس من اجل ان يكون المواطن مطلعا على الاحداث , ولا بد لنا من ادراك حقيقة ان , كل الناس لديهم صفات كي يكونوا صحفيين ,و على المواطن ان يفصل بين الاعلام المسؤول وغير المسؤول , لان المواطن وحده يمكنه ان يقررذلك .
ربما كان هناك بعض اجهزة الاعلام التي تكون تحت تأثير سلطة ما , لها وجهة نظر معينة ازاء المجتمع او الحكومة او العالم ولكن كل ما نتمناه هو ان يسعى المواطن الى مصدر مستقل لتوفير الخبر وان يعتمد المصادر الخبرية المحايدة , هذا هو ما يحدث في الغرب , علينا ان نثق بالمصادر التي تنقل لنا افضل المعلومات التي يمكن للمواطن ان يعتمدها ,واعتقد ان هذا الكلام ينسحب على كل مكان ).
وفي معرض حديثها لكولان وحول مخاوفها من عدم اعتماد قواعد المهنية في الصحافة , في البلدان النامية , قالت البروفيسورة بونيك : ( ان عدم وجود الصحافة المهنية يعتبر معضلة كبيرة لأنك تريد ان توفر المعلومات الحقيقية والصادقة للمواطنين, والسؤال هنا هو من ياترى لديه السلطة للحصول على ذلك ؟الحكومة او الحزب السياسي ؟
من هنا وجب علينا العمل من اجل تنظيم الاعلام لهذا الغرض , ثم علينا ان نفكر, لنعرف , من الذي بمقدوره ان يرغم الاعلام لفعل ذلك , وعلينا ان نعرف اجنداتها وعلينا ايضا ان لا ننسى ان معضم الاعلام الامريكي في الاعوام الماضية, كان له توجهات سياسية تمليها احزاب سياسية , ولكننا ومع مرور الوقت عملنا على ايجاد اعلام مستقل عن الاحزاب السياسية .
حبذا لو كنت املك جوابا قصيرا وحقيقيا لما يجب فعله ولكنني اعتقد في النهاية ان المواطنين انفسهم يضعون ثقتهم في مصدر مستقل للحصول على المعلومات الدقيقة والصحيحة و التي يسعون للحصول عليها , والمسألة ليست اكثر من مسألة وقت ومع مرور الوقت تتبلور هذه المصادر الحقيقية ولهذ وفي الختام اقول انه لا داعي للحديث اكثر من هذا عن الاعلام , والحديث الان لا بد ان ينصب على التأكيد على الفوارق ين المؤسسات الاعلامية , فكل مؤسسة لها وجهة نظر واجندة مختلفة ولكل منها طريقتها الخاصة في صناعة الاخبار , وفي ظل هذا العدد الكبير من المؤسسات الاعلامية المختلفة , الناس وحدهم يميزون بين الجيد والسئ .

ترجمة عبدالرحمن باشا
Top