• Saturday, 24 August 2024
logo

هل الكورد في كوردستان سوريا يحتاجون لشخصية كاريزماتية ‌أم لسلطة كاريزماتية؟

هل الكورد في كوردستان سوريا يحتاجون لشخصية كاريزماتية ‌أم لسلطة كاريزماتية؟
فاطمة يوسف محمد

كثيراً ما يعاب على الجزء المسمى"صغيراً" من كوردستان الكبرى، والملحق قسراً بالدولة السورية، افتقاده لشخصية كاريزماتية وطنية قادرة على جمع غالبية الشعب الكوردي حولها، قائدة للمجتمع، تعبر عن تطلعاته وتساهم في وحدته، توجهه إلى ما يخدم مصالحه أسوة بغيره من شعوب ودول العالم وكذلك الأجزاء الأخرى من كوردستان.

هذا الافتقاد وغيره من الأسباب والظروف الذاتية والموضوعية ساهم في تبعية أبناء شعبنا الفكرية والايديولوجية والسياسية لأطراف كوردية كوردستانية، لدرجة أن هذا الشيء أصبح سبباً رئيساً في انقسام أحزاب الحركة الكوردية لتشكل أقطاباً وأحلافاً تابعة في خطها السياسي، ما انعكس سلباً على أداء وسوية النضال الحزبي والشعبي في هذا الجزء، ونشبت بينها حرب ضروس. حرب الأفكار والسياسات المختلفة الواردة من خارج الحدود، لتصل لأعلى مستوياتها، عبر وسائل الإعلام، و أحياناً على أرض الواقع، ما نتج عن ذلك تشتت المجتمع الكوردي وتفكك العائلة الكوردية نفسها من جميع الجوانب .

إن السؤال الذي يراود غالبية المهتمين في الشأن الكوردي السوري حول السبب الرئيس الذي يجعل الشعب الكوردي في سوريا مفتقداً إلى زعيم كوردي، أو شخصية كاريزماتية وطنية، تكون بمثابة رمز يحتذى به، تقود سفينة المجتمع الكوردي إلى شاطىء أكثر أمنا وأماناً، وتعمل لصالح الشعب المسكين، التائه في آتون الانشقاقات الفكرية والحزبية والسياسية وحتى العسكرية فقد يعود السبب في ذلك- على الأرجح- إلى القمع المفرط الذي مارسته الحكومات السورية المتعاقبة بحق الشعب الكوردي وحركته السياسية، إلى جانب التدخلات الكوردستانية اللاحقة (طبعا يستثنى من كلامي تجربة إقليم كوردستان برئاسة الرئيس مسعود البارزاني و موقفه الداعم والناصح) في الشأن الكوردي السوري، والوصاية الحزبية، وتقاطع المصالح المشتركة بين النظام السوري وبعض الأحزاب الكوردستانية التي لعبت وتلعب دوراً مهماً في محو الشخصية الكوردية السورية ومصادرة قراره وفرض سياسة الأمر الواقع على أبنائه ودغدغة العاطفة القومية عند اللزوم، وإبعاد دور النخب المثقفة عن مراكز القرار. كل ذلك أثر على ضرورة وحتمية خلق الشخصية القيادية الفاعلة في الساحة الكوردية السورية، برغم وجود العديد من الشخصيات المهمة في تاريخ الحركة الكوردية في سوريا كانت لها بصمات مهمة في نضال الشعب الكوردي وتضحياته، أمثال الراحلين الكبيرين: نورالدين ظاظا وأوصمان صبري وغيرهما من الذين بذلوا جهود جبارة في بلورة ملامح القضية الكوردية في سوريا، وبناء الشخصية الكوردية السورية وقاوموا القمع واستبداد المخابرات السورية في سجونها .

لا تخفى على أحد حقيقة امتلاك شعبنا الكثير من الطاقات والقدرات و المؤهلات والإمكانات والخبرات في إيجاد أو بناء هذه الشخصية الوطنية، لطالما لديه القدر الكافي من الوعي والإدراك والثقافة .

فما معنى الشخصية الكاريزماتية؟ وماهو مدى حاجتنا إليها، لنتخلص من التبعية الملصقة بنا كشعب كوردي، وكيف نحصل عليها وسط هذه الظروف والتعقيدات المرحلية الدولية التي تمر بها منطقتنا؟

الكاريزما كمصطلح يوناني الأصل، تعني : هبة الإله، أو الهدية الإلهية التي تمنح لشخص دون غيره، تجعله مفضلاً لدى العامة من الناس، وهي عبارة عن شخصية واعية و مؤثرة فيمن حولها وتحمل ميزات خارقة نوعاً ما تميزها عن الآخرين، بالإضاقة إلى امتلاكها نظرة ثاقبة، و بعد نظر في غالبية الأمور، تشبه حالة التنبؤ بما سيحدث في المستقبل ، نتيجة قراءتها السليمة لما بين السطور للأحداث، والمجريات اليومية، كما أنها تتمتع بأفكار نيرة، ومتجددة، تتناسب وطبيعة المجتمع وعاداته وتقاليده وظروفه، لتكون قدوة، ومثلاً أعلى له، والأمثلة كثيرة في هذا المجال، وعلى سبيل المثال لا الحصر: گيڤارا، و مارتن لوثر كينغ، ونيلسون مانديلا، و مهاتما غاندي، والبارزاني الخالد.

فكيف يمكن بناء الشخصية الوطنية الكاريزماتية وهل سيكون للشعب الكوردي في غرب كوردستان هذه الشخصية أو الزعيم الذي يمكنه أن يعمل لصالح شعبنا، ويضحي من أجله، ويرسم له مستقبلاً مشرقاً آمناً، خالياً من أشكال الظلم والاستبداد والاضطهاد ويحرره ويحقق له حقوقه القومية المشروعة؟
إن شعبنا الكوردي في غرب كوردستان عانى وكابد صنوف الجور و الظلم، على أيدي الحكومات العنصرية الشوفينية المتسلطة على رقابه منذ قرون، و خلقت مناخاً استبدادياً وصاغت الظروف الرامية إلى تهميشه وطمس هويته، وانتزعت منه حريته وكرامته واغتصبت حقوقه وأرضه، وحاربته في لقمة عيشه، وبفضل طواغيت العصر لقي الأمرين، وذاق طعم الموت مراراً وتكراراً، فمات قتلاً وغرقاً وجوعاً وحرقاً وذبحاً ...إلخ ، لذا يرى الكثيرون بأن الحل الأمثل يكمن في إيجاد زعيم، أو قائد ملهم، يقود سفينة شعبنا الشبه الغارقة في خضم الظروف الدولية والإقليمية السياسية المفروضة على مناطقه في كوردستان سوريا، ويكون وجوده طوق النجاة لهم قبل غرقهم في بحر الضياع .

لكن؟!! من يكون هذا القائد البطل المقدام، القادم من عمق الشعب الكوردي ومن هول معاناته وكوارثه الحقيقية، لينقذ الشعب من الهلاك والمخاطر الكبيرة المحدقة به وبمصالحه ويوحده ويعيد قراره المصادر ويوفر له كل الظروف النضالية عبر بناء مؤسسات ديمقراطية تحافظ على مصالح هذا الشعب وأجنداته وتتوافق مع المصالح الكوردستانية وتجعل التشارك في صنع القرار الكوردستاني وتحترم خصوصية كل جزء في همه الوطني ومصالحه والأخذ بالاعتبار الدعم الفعلي لنضال شعبنا في كل الأجزاء بعيداً عن التدخلات الكوردستانية؟ ومن سيكون هذا المغوار الذي سيوازن بين الهم الوطني والكوردستاني ويعمل على تدويل قضية شعبه، كي يحقق أهدافه القومية والوطنية؟ من سيكون هذا الزعيم الذي سيتمكن من إنقاذ منطقتنا التي تحولت إلى ساحة صراع وتصفية حسابات؟

إن السؤال الذي بات يقلق الجميع، هل إننا بحاجة إلى هذه الشخصية الخارقة، أم إلى مرجعية سياسية وطنية أم إلى برلمان محصن، مبني على أسس متينة شبيه ببرلمانات وحكومات الدول الديمقراطية القوية؟ أم إلى سلطة أو إدارة أو كيان سياسي مؤسساتي يتحمل أعباء الشعب ومسؤولياته، ويحقق مرامه في الحرية والعيش الكريم؟ .







rudaw

Top