• Saturday, 24 August 2024
logo

الانتخابات المبكرة في العراق.. قراءة في الإطار السياسي

الانتخابات المبكرة في العراق.. قراءة في الإطار السياسي
شيروان الشميراني



ان تحديد 4 من شهر يونيو لسنة 2021 كموعد لإجراء انتخابات تشريعية مبكرة في العراق من طرف رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، ليس الا تنفيذاً لمطلب جماهيري رفعته الحركة الاحتجاجية منذ شهر اكتوبر من سنة 2019، ورغبة المرجعية الدينية ودعوات بعض الكيانات السياسية و المنظمات الأهلية، كما انه بند واضح وصريح في البرنامج الحكومي الذي حاز على موافقة البرلمان من دون تحفظ، يشكل عنوانا من عناوين النجاح لو أُلتُزِمَ بالموعد المحدد.

الاعتراض الاول والمباشر صدر من رئيس مجلس النواب، مفاده ان المادة 64 من الدستور العراقي هو المسار الدستوري الوحيد لإجراء الإنتخابات المبكرة، والمادة تقتضي ان يحل البرلمان نفسه بصوت ثلثي أعضائه أو ان يتقدم رئيس الوزرء وبموافقة رئيس الجمهورية طلبا.

لكن القضية لها أبعاد أخرى من الناحية السياسية، فمجرد تقديم الموعد الطبيعي يعني ان البلد يمر بأزمة، وان الحال ليس الحال، وفي العادة تأتي الانتخابات التي تفرز مجلسا جديدا وحكومة جديدة من أجل الخروج من تلك الأزمات ومعالجة موطن العطب الاداري والمؤسسي، وهذا هو التحدي الكبير، لكن ليس أمام الكاظمي بل أمام الجسم السياسي العراقي برمته، لأن الثابت منذ اول حكومة عراقية غير انتقالية في 2006 إن كل البرلمانات لم تأتي بالتغيير النوعي ولم تقدم من أمر البلد شيئا بما ان الحكومة وليدة البرلمان من حيث طبيعة النظام الحاكم، الفشل تراكم والنجاح لم يبدأ إلى ألآن، وهي المرة الاولى التي يقدم فيها موعد الانتخابات، وذلك جراء الوضع السياسي الذي تجاوز مرحلة الاختناق وانفجر بفوهات براكين متفاوتة القوة.

البعض يرى ان الإنتخابات المبكرة هو رمي الكرة في ملعب مجلس النواب، قد يكون و وضع النواب أمام الشارع، لكن رئيس الوزراء فعل ماكان يتوجب عليه و مطلوب منه ان يفعل، وهنا على البرلمان ان يقوم بما يتوجب عليه فعله وفق الدستور، وهو إكمال القانون الجديد أو القديم المعدل للإنتخابات وامامه الكثير من الوقت، المعلوم ان هناك اختلافا كبيرا بين المعنيين في اللجنة القانونية في البرلمان المعنية بهذا الأمر، هي خلافات تقنية لكنها بخلفيات سياسية، أو الخلط بين الامرين، لأن إشكالية حقيقية موجودة في تقسيم الدوائر، لكن هناك من الاحزاب السلطوية لا تريد الدوائر الفردية وتعرقلها لانها ستخسر، وتريد الإبقاء على التوزيع القديم أي جعل كل محافظة في العراق دائرة واحدة وكذلك بعض الاحزاب الصغيرة التي لا تصل نسبة اصواتها الى عتبة 1%.

الاحزاب الحاكمة في الوقت الراهن والتي استأثرت بالحكم منذ 2003، هي التي ثارت عليها الجماهير، هذه الأحزاب ليست في وضع يؤهلها لعرض نفسها أمام الشعب لإصدار حكمه عليها، بحاجة الى الوقت لترتيب اوراقها وخلق شروط اجتماعية جديدة، قد يكون إفشال الكاظمي خلال الفترة المقبلة هو شرط من هذه الشروط، إن الشارع العراقي الان غاضب جدا على احزاب السلطة، وحصل فصام جلي بينها وبين القاعدة الانتخابية تحديدا في محافظات الوسط والجنوب، بعد سبعة عشر عاما من الحكم مازال المواطن العراقي يبحث عن الكهرباء والماء الصالح للشرب!! علما ان مليارات الدولارات خصصت لتوفير الكهرباء وان ايران كانت صاحبة الحظ في الحصول على تلك الأموال.

إن تورط الفصائل المسلحة على الاقل من منظور جانب من الشارع العراقي في قتل المتظاهرين، وتحولها إلى لبنة في الهرم الامني الاقليمي غير العراقي، أصبح من ثوابت هتافات المحتجين، تلكم الفصائل بمختلف هوياتها ومرجعياتها وعقيدتها القتالية، يرى فيها الشارع انها تسبب ارباكاً في الوضع الوطني، وهذه الفصائل بعض منها تمتلك اجنحات سياسية وبرلمانية وشركات تجارية، فهي ليست ضمن القوات المسلحة، بل لها وجود متشعب سياسيا واعلاميا وبرلمانيا، مع الكثير من الاستقلالية في الحركة، ومن أجل نجاح الإنتخابات كما يرى اهل الجنوب بالذات، وكما ترى الحكومة والقريبون منها، لا مفر من تخفيف تأثيرها وتحكمها بالإنتخابات ونتيجتها، سواء تأثيرها عبر التخويف او الترغيب او التزوير، او اللجوء الى الخلفية الدينية خاصة ان العراقيين ينسون بسرعة كبيرة، إن رئيس الوزراء لمَّح وصرَّح أحياناً بضرورة أن لا تجري الانتخابات تحتَ تهديد السلاح، وإلا ستَكونُ النتيجةَ غيرِ حقيقية ولا تُعكس الواقع.

هنالك مسالة اخرى، وهي الاهم بعد الانتخابات، الا وهي قطع طرق التزوير وسدّ أبوابه، في الانتخابات السابقة 2018، حصلت نسبة تزوير كبيرة للغاية، الى درجة سحب الثقة من المفوظية العليا المشرفة على الانتخابات، إلى الآن المفوظية ليست بالكيفية المطلوبة، وان قراراتها كثيرا ما تتأثر بالحالة السياسية الموقوتة، بما انها واقعة بالكامل تحت هيمنة وسيطرة الاحزاب المتنافسة، وان شراء ذمم العاملين في مديريات وأقسام المفوظية ليس صعباً، خصوصا في مكاتب الخارج، المعروف دوليا ان احدى مقومات نجاح الإنتخابات ومعاييرها، هو إنعدام التزوير ليكون المجلس شرعيا، والمطلع على الوضع ليس في العراق لوحده، بل في دول المنطقة كلها مع إستثناءات محدودة، متيقن من ان التزوير في الاقتراع هو السند الاقوى لقوى السلطة، هنا لا بد من طمأنة الشارع بأن هذه الانتاخابات ليست كسابقاتها، فهي تأتي بالتغيير ليس في الاسماء والوجوه فقط، بل في العقول والقلوب والكفاءات، غير بعيد ان تحاول القوى المتضررة توجيه الانتخابات المقبلة لكي تكون استنساخا للدورات الماضية، ولو حدث فهو القضاء على الروح التي تكافح من اجل التغيير في الوضع المنحدر على الدوام.

إن فكرة المراقبة الدولية جيدة، لكن هل بإمكان المنطمة الاممية ان تأتي بمراقب لكل مركز انتخابي في عموم العراق؟.

ما سبق يشكل الإطار السياسي الضاغط، وجملة من التحديات التي لا مناص من مواجهتها والسيطرة عليها في سبيل التأسيس لمرحلة جديدة لعراق غير العراق المُشاهَد.






روداو
Top