• Sunday, 25 August 2024
logo

كورونا... يفضح ويعلم

كورونا... يفضح ويعلم
محمود نشأت




يُعد تفشي وباء كورونا حدثاً مهماً هز العالم وأركانه صحياً وسياسياً وتجارياً بسرعة فائقة جعلت البلدان كلها تعيش حالة من الصدمة والخوف والارتباك في التعامل معه، هذا في الوقت الذي اعتقدت فيه الأنظمة الشمولية الدكتاتورية بائسة يائسة أن بإمكانها أن تخفي وتكتم تفشي هذا الفايروس في البلدان التي تحكمها بالطريقة نفسها التي تقوم بها بتكميم أفواه معارضيها ومناوئيها.

لكن الأيام والأسابيع الأخيرة أثبتت عكس ذلك وأوضحت أن الفايروس والوباء عابر للحدود والقارات وأكثر قدرة على نقل حقائق ما يحدث في هذه البلدان وما يحدق بها من أخطار وكيف تتعامل حكوماتها مع الأزمات.

لقد فضح الوباء هذه الأنظمة وكشف حقيقتها وأثبت للعالم أن الفايروس والأنظمة الدكتاتورية -على حدٍ سواء- في أي مكان خطر على الإنسانية في كل مكان، فلو أن هذه الأنظمة تعاملت بشفافية مع تفشي الفايروس منذ البداية، لكان بمقدروها أن تحمي مجتمعاتها الداخلية أولاً، وأن توفر الأمان لجيرانها ثانياً.

وقد كشفت هذه التجربة أيضاً الحاجة الماسة إلى الجرأة والشجاعة في الفكر والاجتهاد الديني، فحفظ النفس مثلاً أحد المقاصد الأساسية للشريعة الإسلامية، والأحاديث الشريفة التي تنص على حرمة النفس والدم البشري كثيرة، إذ أن زوال الدنيا وما فيها أهون عند الله من إزهاق نفس بشرية، حرمتها عند الله تعالى أعظم من حرمة الكعبة المشرفة ذاتها؛ لذلك فقد آن الأوان لعلماء الدين ورجاله أن يتحلوا بالجرأة فيفتوا مثلاً بإلغاء الصلوات الجماعية -مؤقتاً- حفاظاً على سلامة العباد والنسّاك من جهة، وأن يحثوا الناس على طلب العلم والانغماس في البحث العلمي والتجريبي خدمة للإنسانية وإنقاذاً لها من الأمراض والآفات وعد ذالك نوعاً من أهم العبادات وأكرمها من جهة ثانية.

كما لا ننسى أن هذا الفايروس قد وضع وزارات ومنظمات الصحة في العالم أمام تحدٍ حقيقي في طريقة التعاطي والتعامل مع مثل هذه الحالات الطارئة وتفشي الأوبئة، وأنه كشف حقيقة الميزانيات الضخمة لهذه الوزارت والمنظمات ومدى فاعليتها وجاهزيتها.

من جهة أخرى فقد أماط هذا الوباء اللثام عن هشاشة المجتمعات البشرية أمام حملات الإشاعة والتضليل والترهيب التي تنشرها وسائل التواصل الاجتماعي حتى صار بإمكاننا رؤية أكثر المجتمعات تمدناً وتحضراً عرضة للهلع الذي تبثه تلك الوسائل عن قصد خدمة لترويج تجاري أو حرب نفسية أو إسقاط سياسي لبعض القيادات وطريقة تعاملها مع تفشي الفايروس وتوظيفها لهذا الأمر في الحملات الانتخابية.

باختصار يمكن عد هذا الوباء فاضحاً للكثير من مواطن الضعف في النفس البشرية ونقص الحكمة والحوكمة في الأنظمة الحاكمة وأشكال من التعصب والجمود في المؤسسات الدينية، إلا أنه في الوقت ذاته فرصة للبشرية كي تستقي الدروس وتتعلم العبر ليس في مجال تصنيع اللقاحات والعقاقير فحسب بل أيضاً في طريقة الحكم والإدارة والإفتاء.




روداو
Top