• Sunday, 25 August 2024
logo

الكورد جوهر التغيير

الكورد جوهر التغيير
معد فياض



بينما كانت غالبية فصائل المعارضة العراقية المشاركة في مؤتمر المعارضة العراقية في لندن الذي عقد في كانون الأول من العام 2002، وهو آخر مؤتمراتها في الخارج، مشتتة في قراراتها ومواقفها وهي تبحث عن مكاسب آنية، مختلفة فيما بينها في أهدافها البعيدة عن مصالح البلد والشعب، متعددة في ولاءاتها، فإن الكورد الذين مثلهم كل من مسعود البارزاني، زعيم الحزب الديمقراطي الكوردستاني وجلال الطالباني، زعيم الاتحاد الوطني الكوردستاني (آنذاك) وحدهم الذين كانوا متحدين ومتوافقين ومتفقين وواضحين في أهدافهم الثابتة والمطالبة بتحقيقها بقوة وبلا مساومة.

ومن يطلع على أوليات وأوراق المؤتمر ومحاضر اجتماعاته سيتأكد أن أهداف الكورد كانت تصب في مصلحة العراق من خلال الحصول على حقوق جميع العراقيين والتأكيد على مبادئ الديمقراطية وتحقيق الرفاهية للشعب العراقي بكل أطيافه القومية والدينية والمذهبية، وأستطيع القول، باعتباري كنت في قلب الحدث كصحفي، إن القيادة الكوردية كانت أفضل من مثّل العراق والعراقيين في هذا المؤتمر.

هذا الموقف الوطني ليس غريباً عن القيادة الكوردية، ذلك أن أهداف ثورة الكورد التي قادها الزعيم الخالد ملا مصطفى البارزاني كانت مناراً للتقدميين العراقيين الطامحين للتحرر من الدكتاتوريات والعسكرتارية التي حكمت البلد على مدى عقود طويلة، لأنها كانت ثورة تحرير حقيقية وليست انقلاباً عسكرياً مثلما حدث لمرات عدة في العراق فيما بعد وأطلق عليها وصف الثورة.

ومنذ انتفاضة الشعب الكوردي في العام 1991 وانفصال إقليم كوردستان عن الحكم الشمولي والمركزي في بغداد، تحولت أربيل إلى معقل الوطنيين العراقيين الفارين من ظلم وملاحقة النظام وقتذاك لهم، حيث فتح الزعيم مسعود البارزاني أبواب بيته الآمن لهم وشملهم بحمايته، وما زال هذا الموقف النبيل سارياً حتى اليوم، ومن هنا، وأعني من أربيل، كانت تنضج أفكار وخطوات التغيير الحقيقي منطلقين من مؤتمر (صلاح الدين) الذي عقد في تشرين الثاني 1992 بمشاركة عدد من فصائل وشخصيات المعارضة العراقية والذي تمخض عن تشكيل "المؤتمر الوطني العراقي الموحد"، وكان أول مؤتمر لمعارضي نظام صدام حسين يعقد علناً في مدينة عراقية، ويعد هذا المؤتمر في تاريخ المعارضة الخطوة الأساسية لما قادت إليه الأمور لاحقاً بتغيير النظام في نيسان 2003.

وفي جميع طروحات نيجيرفان البارزاني، رئيس إقليم كوردستان، يؤكد بأن الإقليم والكورد جزء مهم من العراق والشعب العراقي، وأن أية أحداث تحصل في أية منطقة من العراق تؤثر سلباً أم إيجاباً على وضع الإقليم وشعبه، لهذا نجده (البارزاني) متفاعلاً باستمرار مع قضايا الشعب العراقي في عموم البلد، خاصة في القضايا المصيرية التي تعصف بالعراق واقفاً بقوة مع مصلحة العراقيين وهذا ما تبرهنه الأحداث الراهنة ومواقف رئيس الإقليم من ثورة شباب العراق من أجل التغيير ومحاربة الفساد والمحاصصة وبناء عراق جديد يليق بجميع العراقيين.

إن مواقف الرئيس نيجيرفان البارزاني تؤكد بأن الكورد وقيادتهم لم ولن يقفوا فوق التل متفرجين على الأحداث الدراماتيكية التي تحصل ببغداد وبقية المحافظات العراقية خاصة فيما يتعلق بجرائم قتل الشباب بدم بارد وإهمال مطالبهم المشروعة، بل على العكس من ذلك، نرى أن قيادة الإقليم تنحاز بقوة لثورة التغيير، وتسهم في هذه الثورة من خلال دعمها في كل المجالات.

ولم يرض الرئيس نيجيرفان بارزاني أن يقف محايداً في ثورة التغيير هذه بل صار الكورد هم جوهر التغيير وهذا ما يقلق الأحزاب المتحكمة في أمور البلد، والمرحلة لقادمة ستثبت بأن الدور الكوردي سيكون فاعلاً أكثر وبشكل مؤثر في الأوضاع العراقية، وأن دور نيجيرفان البارزاني سيكون رائداً في عملية التغيير وبناء البلد لا سيما وأن الجمهور العراقي، وخاصة شباب ثورة التغيير المنادين بإلغاء المحاصصات يتطلعون إليه (البارزاني) باعتباره شخصية عراقية وطنية طموحة للتغيير والبناء متخذين من تجربته الرائعة في بناء إقليم كوردستان كنموذج واقعي ناجح يمكن تطبيقه في جميع المحافظات العراقية وفي مقدمتها بغداد التي يتحدث عنها نيجيرفان البارزاني باعتبارها "عاصمتنا، عاصمة كل العراقيين بمختلف قومياتهم وأديانهم".

لقد سعى قادة أحزاب الإسلام السياسي الحاكمة في العراق إلى عزل الكورد وقياداتهم عن الحدث العراقي باعتبار أن للكورد إقليمهم شبه المستقل ولا علاقة لهم بما يحدث في بقية مناطق العراق، والأكثر من هذا أن بعض هذه الأحزاب وقادتها تآمروا على أمن الإقليم الذي تحول إلى نموذج للاستقرار والبناء وإلى بقعة حضارية يفتخر بها كل العراقيين ويطالبون بأن تكون بقية مناطق العراق شبيهة بإقليم كوردستان. وكان من الممكن أن يتحقق لهذه الأحزاب ذلك، وأعني أن يبقى الإقليم في منأى عما يحدث من خراب وقتل وفساد في العراق، لكن الكورد، وباعتبارهم عراقيين اصيليين يعيشون على أرض العراق منذ أكثر من خمسة آلاف عام، أكدوا حرصهم على عراقيتهم وصلاتهم العميقة مع الشعب العراقي بكل أطيافه ولم يتخلوا في السابق عن البلد والشعب بسبب مواقف السياسيين الحاكمين بل تحدوا جميع الحكومات مضحين بمئات آلاف الكورد لتأكيد انتمائهم للعراق.

إن الكورد لم يرضوا بأن تكون مواقفهم السياسية بمثابة حجر القبان في القضايا المصيرية التي تهم العراق وشعبه، وبرهنت مواقف قيادة الإقليم في أربيل التي يزورها اليوم الكثير من السياسيين العراقيين القادمين من بغداد من أجل الحصول على دعم القيادة الكوردية، بأن انحياز هذه القيادة للشعب العراقي وثورته ولا مهادنة في عملية التغيير القادمة قريباً والتي شرعت القيادة الكوردية بالمساهمة الفاعلة من أجل تحقيقها.










روداو
Top