• Sunday, 25 August 2024
logo

صانعو الأزمات

صانعو الأزمات
معد فياض






السياسيون، في العراق، صنفان، الأول متخصص في صناعة الأزمات وتعقيد المواقف ونصب الفخاخ، وهو الأكثر شيوعا وانتشارا، والثاني يسعى ويحاول حل هذه الازمات، وهو نادر للغاية ومحدد، وما يكادان يحل هذه الازمة حتى يجد شريكه في ما يسمى بالعملية السياسية قد خلق له ازمة جديدة.

الصنف الاول يعتقد بمبدأ تراكم الازمات باخرى حتى والمشاكل لخلق ازمة كبرى يصعب حلها، اما الثاني فيؤمن بضرورة تفادي خلق الازمات عن طريق الحوار وهذا، الصنف، يتمتع ببعد نظر وحكمة وروح وطنية وحسن نية.

لما يقرب من 17 عاما عايشنا هذه المعادلة غير االمتكافئة، بل عاش العراقيون سلسلة من الازمات المعقدة والتي تراكمت حتى قتلت بصيص النور في آخر النفق، او في الواقع مجموعة الانفاق التي حفرها لنا صانعوا الازمات، او المتاجرين بها والمشاكل والمصائب والفواجع التي قادت البلد للخراب.

صانعوا الازمات لا يفعلون ذلك من باب الهواية او التسلية، بل هي حرفتهم التي يعتاشون منها ويؤكدون من خلالها بقائهم في السلطة او قريبا منها ليتحكموا بدفة السفينة الخربة التي كثرت ثقوبها واوشكت على الغرق لولا الجهود الخيرة التي يبذلها الصنف الثاني.

ساطلق على الصنف الثاني وصف فرقة اطفاء الحرائق، او فرقة مكافحة الالغام، وهكذا سيكون الصنف الاول "مشعلوا الحرائق" و"زارعوا الالغام"، فما تكاد فرقة الاطفاء تنتهي من اخماد حريق حتى تجد نفسها امام جملة من الحرائق، وما ان تنتهي من فك لغم هنا او هناك حتى يباشر الصنف الاول بزراعة حقل من الالغام.

واذا اردنا ان نكون اكثر دقة في التسميات، وحتى لا ندخل في متاهات التوصيف فسوف نشير بوضوح الى ان الكورد والاقليات العرقية والدينية وبعض الخيرين، القلة، من السياسيين االعراقيين المهمشين من قبل الطبقة الحاكمة، هم من نصفهم بمطفئي الحرائق او مزيلي الالغام في حقول االعملية السياسية .
منذ حكومة اياد علاوي الانتقالية في 2004، والسياسيين العراقيين يحجون الى اربيل كلما اشتدت الخلافات بينهم ووصلت حد الانفجار ليعمل القادة الكورد على حلها، وما ان ينتهون من تفكيك هذه االازمة حتى تندلع ازمات اخرى لا علاقة للكورد في اشعالها بل في اخماد نارها فقط، لكن المؤسف في الامر هو ان مشعلي الحرائق غالبا ما يتنكرون للدور الكوردي في اطفاء حرائقهم، بل ويدفعون باقليم كوردستان الى حافات حقول الغامهم، اذا لم ننقل انهم قاموا بالفعل بزراعة هذه الالغام السياسية في داخل الاقليم او قريبا منه، التي تجنبها القادة الكورد وفككوا شفراتها.

ان اكثر من نستطيع تسميتهم بزارعي الالغام، ليس في العملية السياسية فحسب، بل في عموم لعراق، هم قادة احزاب وتيارات الاسلام السياسي الذين تستروا باسم الدين لتخريب العراق وسرقة امواله واضعاف شعبه. وهنا نحن لا نميز بين احزاب الاسلام االسياسي الشيعية والسنية، فكلا لطرفين تبادلوا الادوار ولعب كل منهم نيابة عن الاخر حتى انخرطوا بمشاريع مشتركة وتحالفات وكتل تحت مظلات مصاالحهم الشخصية واجنداتهم التي هي في الغالب خارجية ولا تخدم البلد ولا تنم عن اي ولاء للوطن.

واذا رصدنا بدقة مواقف الولاء للعراق، سواء بصورة مباشرة او غير مباشرة، فسوف ندرك ان االقادة الكورد هم الاكثر ولاءا من غيرهم من القادة العراقيين، ذلك ان الكورد كانوا واضحين منذ ما قبل عملية تغيير نظام صدام حسين في طروحاتهم ومشاريعهم وبرامجهم التي انصبت باتجاه اقامة اقليم شبه مستقل يضمن حقوق وكرامة الشعب الكوردي ويحقق طموحاتهم مع العمل في ذات الوقت على تحقيق الديموقراطية لجميع العراقيين، مؤكدين عراقيتهم من خلال الحرص على حقوق الشعب العراقي بكل اطيافه وانتماءاته القومية والدينية والمذهبية.

لقد حافظ الكورد على مواقفهم المبدأية وذلك بعدم الانخراط لا من قريب او بعيد في الصراع الطائفي المقيت، ووقفوا ضد الاقتتال الطائفي الذي حصد عشرات الالاف من العراقيين الابرياء، وتحول الاقليم الى ملجأ للعراقيين الفارين من جحيم هذا الاقتتال، والاكثر من هذا وذاك حدوا من اتساع نشاطات الاسلام السياسي في الاقليم.

وكان المشروع الاكثر خطورة على الاقليم، في عهد حكومة نوري المالكي الثانية، هو فتح ابواب جحيم تنظيم داعش الارهابي على العراق والعراقيين واستهداف الاقليم خاصة عندما اتاح القائد العام للقوات المسلحة وقتذاك، المالكي، لداعش دخول العراق واحتلال ثلث البلد والاقتراب من حدود اربيل عاصمة اقليم كوردستان، لكن شجاعة وتضحيات قوات البيشمركة وقفت سدا منيعا من وصول الظلاميين الى كوردستان.

صانعوا الازمات، وجدوا في تظاهرات شباب العراق التي تجتاح البلاد من وسطه حتى جنوبه تهديدا حقيقيا على وجودهم وفسادهم، وادركوا ان اصرار المتحجين على تغيير النظام سيقودهم الى خارج منصة التحكم بامور العراق فلجأوا الى ازمة اخرى اسمها اخراج االقوات الامريكية ، وارادوا ان يجعلوا من تلك القصة موضوعا رئيسا لاشغال العراقيين وحرف التركيز على مطالب المتظاهرين، لكن سرعان ما تبددت غيوم هذه لازمة وانكشفت وصرف النظر عنها، لينتقلوا لازمة اكبر وهي تسليط ما يسمى باصحاب القبعات الزرقاء من اتباع التيار الصدري على المتظاهرين وضربهم في محاولة تبدو يائسة لفض الاعتصامات في ساحات بغداد والمحافظات الاخرى. وايضا جاء رد المعتصمين قويا وبحجم ارادتهم وتضحياتهم اذ لم تتمكن (سرايا السلام) التي يتبع لها اصحاب القبعات الزرقاء من تحقيق اهدافهم بفض اعتصامات العراقيين ضد الفساد، بل ضد الاحزاب التي تعمدت وما زالت صناعة الازمات في البلد.

ان الحل الوحيد الذي من الممكن اشعال بصيص الامل في نهاية نفق ازمات العراق هو الحوار الوطني البعيد عن الاجندات الاقليمية، ومن يستطيع الدعوة لهذا الحوار هم قادة الكرد في اربيل كونهم ليسوا طرفا في هذه الصراعات العبثية ويتمتعون بحرص مؤكد على العراق والعراقيين.









روداو
Top