• Sunday, 25 August 2024
logo

الدور المنتظر لنيجيرفان البارزاني لبناء العراق الجديد

الدور المنتظر لنيجيرفان البارزاني لبناء العراق الجديد
معد فياض

يعمل قادة الدول المتحضرة بكل جهد لبناء مستقبل بلدانهم ورفاهية شعوبهم، إلى جانب تحقيق انجازات كبيرة لحاضرهم. هذا القانون الذي يؤسس للحضارة ليس جديداً، بل يمتد إلى أكثر من سبعة الاف عام وحتى اليوم، فما تبقى من حضارات سومر وبابل وآشور، مروراً بالحضارة العربية الإسلامية التي تأسست في العهد العباسي ببغداد، هي إنجازات لقادة بنوا حاضر بلدانهم وأسسوا للمستقبل، من خلال ما شيدوه، وهنا أعني المنجزات الملموسة وفي مقدمتها بناء المدن والاهتمام بالعلم والعلماء والثقافة بكل فروعها. والتاريخ يعلمنا بأن البُناة هم الأكثر رسوخاً في ضمائر شعوبهم والمستقبل.

ضمن هذا التوصيف يبرز اسم نيجيرفان البارزاني، رئيس إقليم كوردستان العراق، كواحد من أبرز بُناة الحاضر والتأسيس للمستقبل، فمن كان قد زار أربيل في سبعينيات، ثمانينيات القرن الماضي كان قد رآها مجرد بلدة تعلو وسطها قلعتها القائمة هناك منذ أكثر من خمسة الاف عام، وهذا الوصف كان ينطبق على كل من السليمانية ودهوك، فالإعمار والتطور الحضاري في هذه المحافظات التي تشكل اليوم إقليم كوردستان كان متوقفاً تماماً حسب أوامر سلطوية سياسية من بغداد كجزء من عقوبات الحكومات المتتالية على الكورد.

قبل أيام زارني صديق عراقي مغترب في كندا منذ أكثر من 35 عاماً، قادماً من بغداد، وهذه هي زيارته الأولى لإقليم كوردستان منذ تركه العراق مجبراً، كنت أشاهد علامات الدهشة في عينيه وهو يتأمل، من خلال نافذة سيارة الاجرة، الإنجازات المعمارية التي تحققت في عاصمة إقليم كوردستان، قال "كنت قد مررت في بداية السبعينيات بهذه المدينة التي لم تكن أكثر من بلدة، اليوم هي مدينة حضارية في عمارتها وجمال تخطيطها وحركة الناس فيها، بل هي تضاهي المدن الأوربية مع خصوصيتها المحلية"، مشدداً على التزام سائق سيارة الاجرة بقوانين المرور واتباع الإشارات الضوئية. لم يمنحني سائق السيارة فرصة للرد على صديقي، حيث بادره بقوله "هذا كله سواها كاكا نيجير"، ويعني نيجيرفان البارزاني رئيس إقليم كوردستان. أوضحت له أن الكورد لا يهتمون كثيراً بالتسميات الرسمية، ويطلقون توصيف"كاكا" التي تعني الأخ على من يحبونه، لهذا تراهم يسمون زعيم الحزب الديمقراطي الكوردستاني كاكا مسعود، وعلى رئيس الحكومة السابق ورئيس الإقليم الحالي نيجيرفان البارزاني"كاكا نيجير" وعلى رئيس الحكومة الحالي"كاكا مسرور"، لأنهم يشعرون أن وصف"كاكا" يزيل الحواجز الرسمية بينهم وبين قادتهم.

تولى نيجيرفان البارزاني رئاسة حكومة إقليم كوردستان للمرة الأولى عام 1999، حيث لم تكن في الإقليم أية واردات اقتصادية أو دعم خارجي، بل على العكس من ذلك كان الكورد يعانون من حصار الحكومة العراقية بسبب انفصال إقليم كوردستان عن المركز بعد انتفاضة 1991. ومع ذلك كانت الأوضاع الاقتصادية والحياتية منظمة إلى حد ما، وكانت هناك إصلاحات إدارية ومعمارية شملت البنية التحتية.

لكن الأهم من ذلك هو أن نيجيرفان البارزاني كان يخطط بهدوء وبعزيمة راسخة على بناء الإقليم ليكون واجهة حضارية تليق بتضحيات الكورد، وعلى حد قول مدير مدرسة متقاعد التقيته في مقهى وسط أربيل "لم يكن أي أحد يتخيل أن أربيل ستكون هكذا، فأنا كنت أقيم مع عائلتي في منطقة طيراوة الشعبية، اليوم لي بيت في بختياري، عندما أتامل ما جرى وما يجري أشعر أني في حلم تحقق بطريقة عجيبة"، بل أن هذا الحلم تحقق بفضل إصرار قائد كوردي شاب امتلك الرؤية المستقبلية الواضحة وعمل مع فريق متفهم ومتخصص لتنفيذ مخططاته الحضارية.

يصر نيجيرفان البارزاني خلال كل أحاديثه على التمسك بروح الفريق، مؤكداً بأنه لم يكن لينجز كل هذا البناء لوحده بل تحقق بفضل تكاتف ودعم فرق من المتخصصين في جميع المجالات، مشيراً إلى أهمية الاعتماد على الكفاءات الوطنية المحلية في كل القطاعات المعمارية والاقتصادية والعلمية والثقافية والسياسية والاجتماعية، دون أن يجد أي إحراج في دراسة تجارب وانجازات البلدان المتقدمة لنقل ما يتلائم منها في بناء إقليم كوردستان.

ان تجربة أكثر من ربع قرن من رئاسة الحكومة والبناء، وتأسيس لعلاقات عربية ودولية راسخة والإصرار على أن يكون إقليم كوردستان قوياً اقتصادياً وسياسياً وأمنياً ، ونجاحه بامتياز في كل هذه الجوانب ترشح نيجيرفان البارزاني لأداء دور وطني فاعل ليس في إقليم كوردستان فحسب بل في عموم العراق، إذ لا بد من الاستفادة من خبرته ورؤيته المستقبلية وإصراره وحرصه الوطني من أجل بناء عراق متطور يليق بجميع العراقيين.

العراقيون الذين يزورون إقليم كوردستان أو يقيمون بمدنه غالباً ما يرددون أن"العراق بحاجة لخبرة نيجيرفان البارزاني لبناء العراق"، وبالتأكيد لو أن ذلك تحقق سيكون مستوى الإنجاز أعظم بكثير اعتماداً على الإمكانات البشرية والاقتصادية الهائلة التي يتمتع بها البلد والمهدورة من قبل الأحزاب المتحكمة بالسلطة في بغداد في قضايا فساد كبيرة. وحسب منظمة الشفافية الدولية فأن حجم الفساد المالي في العراق منذ 2003 وحتى اليوم بلغ أكثر من 850 مليار دولار وهو مبلغ تبنى فيه بلدان كبيرة بأسلوب حضاري ويعيش شعبه برفاهية وكرامة، بينما يعاني العراقيون من سوء في الأوضاع الاقتصادية والخدمية، والبلد يعاني من الخراب في جميع المجالات.

نيجيرفان البارزاني لا يقدم إقليم كوردستان باعتباره الجمهورية الفاضلة، بل يقر بأن هناك فساد إداري ومالي في بعض مفاصل الإقليم، لكنه فساد محدود"ونحن نبذل جهود كبيرة لمحاربته ومحاصرته والقضاء عليه"، على حد قوله. ومع هذا الاقرار بوجود "فساد محدود" إلا أن الرئيس السابق لحكومة إقليم كوردستان تمكن من تحقيق كل هذه الإنجازات الحضارية.

ان كل المؤشرات المحلية والعربية والدولية تؤكد أنه سيكون للكورد دوراً كبيراً ومتميزاً في عموم العراق، وأن هذا الدور لن ينحصر في حدود إقليم كوردستان فحسب. ولو رصدنا اهتمام رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، دونالد ترامب، باستقبال والاجتماع مع رئيس الإقليم نيجيرفان البارزاني، ومع رئيس جمهورية العراق، برهم صالح، وكلاهما من القيادات الكوردية الكبيرة والمهمة في الإقليم، إضافة إلى حرص القادة العرب والغربيين على إدامة العلاقات المتميزة مع إقليم كوردستان وقادته، والزيارات المتكررة من قبل المسؤولين الغربيين لأربيل والاجتماع مع القادة الكورد، لأدركنا الرؤية المستقبلية لدور الكورد عراقياً وإقليمياً، بل ودولياً. على أن هذا الاهتمام العربي والدولي يتوج بالنظرة الريادية التي يتعامل بها الحراك الشعبي في العراق مع إقليم كوردستان ونجاح قادته في تجربة الإعمار والخدمات والشفافية، خاصة وأن طروحات الحراك تتلائم جداً مع مواد وروح الدستور العراقي الذي يؤكد على حقوق جميع العراقيين في نيل فرصهم في الحكم والبناء والترشيح للمناصب التنفيذية المهمة دون تمييز.

وانطلاقاً من الأحداث الجارية حالياً في عموم العراق فأن التغيير قادم، وهذا التغيير لا يقتصر على المرحلة الراهنة بل أن نتائجه ستمتد للمستقبل، وأهم ملامحه هو إنهاء المحاصصات القومية والدينية والطائفية والسياسية، ومحاربة الفساد واجتثاثه تماماً، وإتاحة الفرص، عن طريق الانتخابات النزيهة، لجميع العراقيين لأن يكون الشخص المناسب في المكان المناسب، والاعتماد على الكفاءات الوطنية لأخذ مكانتها في عملية بناء العراق وتطوره بما يليق بالعراقيين جميعاً لأن يعيشوا بكرامة ورفاهية في بلد متحضر.

بناءاً على كل هذه المعطيات فأنه من المؤكد سيكون لنيجيرفان البارزاني دوره المتميز في عملية إعادة صياغة وبناء العراق اعتماداً على تجاربه الناجحة في بناء إقليم كوردستان والتأسيس لمستقبل البلد باعتباره واحداً من أبرز البُناة والمؤسسين للمستقبل، خاصة بعد أن ثبت فشل الأحزاب السياسية الحالية التي تتحكم بقيادة العراق منذ أكثر من 16 عام لاعتمادها المحاصصات الحزبية والقومية والدينية والمذهبية. وهذا يتطلب إجراء تغييرات جذرية لقوانين الانتخابات ومفوضية الانتخابات المستقلة والأحزاب بما يتيح لكل العراقيين سواء كانوا من الكورد أو العرب وبمختلف أديانهم فرصاً حقيقية لقيادة العراق. وضمن هذا الإطار سيكون من حق نيجيرفان البارزاني باعتباره مواطن عراقي أن يترشح لرئاسة الحكومة العراقية وان تتاح له الفرصة ليمارس دوره الوطني في خدمة بلده وشعبه بعد أن يتم تهشيم تابوت المحاصصات التي خربت البلد وانهكت الشعب.






rudaw
Top