• Sunday, 25 August 2024
logo

ما وراء الستار في زيارة بينس

ما وراء الستار في زيارة بينس
هيمن عبدالله


كانت زيارة نائب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية إلى أربيل للتأكيد على مواصلة علاقة عززها ما وصفه بينس بـ"نار الحرب"، هذا في الظاهر. لكن المغزى غير المعلن للزيارة يتجاوز هذا بكثير. كما أن رسالته لم تكن موجهة فقط إلى الشعب الكوردي "الصديق لأمريكا".

تجاوز خليفة ترمب للرئاسات الثلاث العراقية وقدومه مباشرة لزيارة الرئيس نيجيرفان بارزاني، لم يثر تساؤلات في العراق وإقليم كوردستان فحسب. بل أثارها في أمريكا أيضاً. جاء الرد على هذا التساؤل بصيغة دبلوماسية من مسؤول في البيت الأبيض، حيث قال إن نائب الرئيس الأمريكي لم يكن يستطيع أن يعانق في بغداد مسؤولي تلك الحكومة العراقية التي تقمع المتظاهرين، لكن هذا ليس صحيحاً. فقبل أسابيع فقط، عانق مايك بينس نفسه في تركيا المسؤولين الأتراك الذين يهاجمون غرب كوردستان بينما كانت صرخات ألم الطفل "محمد" الذي احترق كل جسده بالسلاح الفسفوري تصدع رؤوس كل العالم.

الحقيقة هي أن هذه الزيارة مرتبطة في قسم منها بالتغييرات ومراجعة الحسابات من جانب ترمب وإدارته بشأن العراق وسوريا، بما في ذلك الدور الذي يريدون إسناده للكورد في الدولتين. في الأيام الأخيرة، حاورت في بروكسل عدداً من البرلمانيين الأوروبيين وشخصيات أخرى قريبة من مراكز القرار الأوروبية. كانوا أيضاً يتحدثون عن التغييرات التي سيباشر بها ترمب وإدارته، وهذه تأتي بعد الخطأ الستراتيجي الذي اقترفوه في سوريا عندما أخلوا الساحة لروسيا. كانوا يقولون إن هذا هو امتداد للخطأ الذي اقترفته الإدارة الأمريكية السابقة في العراق بإخلائها الساحة لإيران.

خلال أكثر من ثلاث سنوات من رئاسة ترمب، لحقت بمنطقتنا، وخاصة بالكورد، أضرار كبيرة وفسد معظم ما كان المخططون الستراتيجيون الأمريكيون قد رسموه للمنطقة. خاصة من خلال إدارة الظهر للكورد في المرحلة الأولى، 2017، وفي المرحلة الثانية في عامنا هذا عندما ألحق الهجوم التركي أكبر الضرر بثقة حلفاء أمريكا بأمريكا في عموم العالم. تصريحات الرئيس ماكرون الأخيرة، عندما تحدث عن تقليص الاعتماد على أمريكا وزيادة اعتماد الأوروبيين على أنفسهم من الناحية العسكرية، واحدة من الأمثلة التي تثبت أن سياسة ترمب الخاطئة تجاه الكورد وإدارة الظهر لهذا الحليف ألحقت الضرر بأمريكا.

ليس بينس شخصية عادية ضمن طاقم ترمب وليس مجرد نائب للرئيس. إنه الآن يجسد السياسة الخارجية الجديدة لترمب، وخاصة في الشرق الأوسط. فرغم صعوبة نجاح محاولات إزاحة ترمب عن منصبه، فإنه حتى في حال نجاح تلك المساعي، سيكون مايك بينس هو من يرأس الولايات المتحدة لحين إجراء انتخابات. كما أن ترمب أعلن من الآن أن مايك بينس سيكون نائب الرئيس في دورته الرئاسية الثانية (إن فاز بها). لذا فإن نائب الرئيس الحالي وربما الرئيس أو نائب الرئيس المستقبلي للولايات المتحدة الأمريكية، عندما تكون له زيارة مفاجئة إلى الشرق الأوسط، ويكتفي بزيارة رئيس إقليم كوردستان وحده، فإن هذا لا يعد حدثاً عادياً ولا زيارة بروتوكولية.

أحد أسباب هذه الزيارة مرتبط بشخصية وبرنامج نيجيرفان بارزاني الذي يسعى ليتبنى إقليم كوردستان سياسة متزنة ومؤثرة في الداخل العراقي وعلى الصعيد الدولي. فتجده يوماً في زيارة إلى الشيخ تميم بقطر، وفي اليوم التالي يحل ضيفاً على الشيخ محمد بن زايد في أبو ظبي. هذا صعب في هذا التوقيت الذي تنقسم فيه المنطقة برمتها على صفين: صديق أو عدو. حذر بينس من خلال رسالته التي وجهها إلى عبدالمهدي والرئاستين العراقيتين الأخريين، وقال لهم: "ابتعدوا عن إيران"، مع أنه يعلم بأن علاقات أربيل وطهران وأربيل وأنقرة ليست علاقات سيئة وينبغي أن تبقى علاقات طيبة، لكن رسالة رئيسه إلى رئيس إقليم كوردستان كانت تقول إنهم يريدون أن يحافظوا على علاقتهم القوية مع الكورد والتي شكلتها "نار الحرب".

يمكن لإقليم كوردستان أن يمارس دوراً هاماً في التغييرات التي ستطرأ خلال الفترة القادمة، في الداخل العراقي وفي المنطقة أيضاً. السياسة الجديدة لإدارة ترمب والتظاهرات الأخيرة التي اجتاحت المنطقة والحرب التركية في روج آفا، ليست أحداثاً عابرة ويجب أن يكون إقليم كوردستان مستعداً للتعامل مع تبعاتها.









روداو
Top