• Sunday, 25 August 2024
logo

تظاهرات التحرير في ظل الواقع المرير

تظاهرات التحرير في ظل الواقع المرير
عبدالرحمن دليمي




لا نكذب إذا ما قلنا أنَّ هذه التظاهرات التي طرأت على المشهد العراقي مؤخراً أو (الانتفاضة) كما يسميها أصحابها كانت مثل سابقاتها, فمنذ عام 2010 تقريباً انطلقت التظاهرات في العديد من مناطق العراق ضدَّ الحكومات المحلية أو الحكومة المركزية, وكان موقف المسؤولين حيالها بعدة أشكال: إما تركها دون أيّ تصرُّف سلبيّ كان أو إيجابي حتى تنتهي, وإمّا أن تُقمع بسرعةٍ وتنتهي, وإمّا أن يُحَقق جزء يسير من مطالب المتظاهرين, أو اللقاء بممثلين عن المتظاهرين ورشوتهم بمبالغ مالية او درجات وظيفية وبعض الامتيازات والقضاء عليها.

الجميع يعرف أنَّ الشباب العراقي من أشجع الشباب في المنطقة, فهم رجال الحرب والشدائد والدليل على ذلك هو الحرب الاخيرة ضد تنظيم داعش الإرهابي التي سطَّر العراقيون فيها أروع الملاحم ضدَّ هذا التنظيم الإجرامي, ولكن من ناحية التظاهرات الحالية لا يسعنا إل أن نقول: أن الحكومة لا تمتلك الحنكة في التعامل معها, ولا الشباب لديهم القدرةُ على المطاولةِ في تظاهراتٍ تطالب بإسقاط الحكومة أو النظام السياسي برمته , وما تظاهرات المناطق الغربية التي أستمرت اكثر من عامٍ عنّا ببعيد, وما أعقبها من دمار وتهجير في تلك المناطق بالرغم من عدم تعرض المتظاهرين لأي مؤسسة حكومية والجميع شهد على سلميتها لكن لم ينفذ اي مطلب من مطالب المتظاهرين .

والمراقبُ للمشهد العراقي يجد أنَّ الجميع اتفق الان على مسلَّماتٍ منها:

أولاً: طبيعةُ هذا النظام لا يمكن إسقاطهُ بالتظاهرات, لأنَّه مستعدٌ للقضاء عليها مهما بلغت الخسائر, فمن يراهن على التغيير من خلال التظاهرات خسران لأنَّ من يتظاهر لا يملك القدرة على الاستمرارية وأتمنى أن أكون مخطئاً.

ثانياً: لا يمكن إسقاط النظام في العراق من خلال الانقلابات العسكرية كما يتمنى البعض, فزمن الانقلابات في العراق قد ولى, والسبب أنَّ العراق فيه الكثير من التشكيلات العسكرية الموازية للجيش وأغلب هذه التشكيلات تابعة لأحزاب السلطة وهذا يعني أنَّ أيَّ انقلابٍ من قبل أيِّ تشكيلٍ عسكريٍ تابعٍ للجيش العراقي أو أي تشكيلٍ آخر ستجتمع باقي التشكيلات كلّها ضده مما يسبب القضاء على الإنقلابيين في وقت قصير, فلا أحداً من هذه التشكيلات مستعدٌ أن يخسر امتيازاتهِ التي يحصل عليها من هذا النظام, وخير دليل السيد عبد الوهاب الساعدي الذي عوَّل عليه كثير من أبناء الشعب أن يقوم بانقلاب لكنه لم يقم باي شيء ونفذ الأمر الصادر بحقه رغم أنَّه أكَّد أن الموت اهون عليه من تنفيذ هذا الامر .

ثالثاً: من يعوِّل على الأمريكان في اسقاط هذا النظام في الوقت الحالي فهو إمّا غبي أو لا يعرف شيئاً عن السياسة الامريكية لاسيما في ظل إدارة ترامب فهذا النظام العراقي الحالي أكثر نظامٍ خدم المصالح الأمريكية فيستحيل أن تقضي عليه أميركا وهي من أتى به – بعد ان أنفقت لتشكيله ملايين الدولارات - وحتى من يقول أنَّ اميركا أعطت الضوء الأخضر للمتظاهرين بالخروج فإن كان صحيحاً فهذا غباء ممن سمع كلامهم وحصل كما حصل مع الأكراد عندما تخلَّت عنهم أميركا بعد الإستفتاء, والكل يعلم أنَّ أميركا لو لم تكن راضية لما اتخذ هذا القرار, وتخلت عن الأكراد في سوريا بعد أن كانوا حلفائهم وتركتهم فريسة للجيش التركي, أو ربَّما الاثنان سيصبحون فريسة - لا أريد الخوض في هذا الموضوع - لكن لنعلم بأنَّ الأمريكان لا يفون بوعودهم وهم بارعون في توريط حلفائهم ولا يريدون الاستقرار في المنطقة أبداً لأنَّ ذلك لا يخدم مصالحهم.

اذاً الكلُّ يريدُ الحل إلّا أنَّ الحل للمشكلة في العراق إمّا بإصلاح النظام من الرأس وهذا الذي حاول المتظاهرون فعله ولم يستطيعوا, ولن يستطيعوا ذلك ابدا والدليل ما ذكرناه انفا, أو محاولة الإصلاح من اسفل الهرم وهذا ما لم نحاول العمل عليه, أي نبدأ بالاحتجاج والتظاهر على المؤسسات التي نرى فيها فساد في محافظاتنا وهكذا ستعمل الحكومة على حل تلك المشاكل من خلال التغيير ومحاولة الاصلاح في تلك المؤسسات حتى لا تصل الاحتجاجات اليها, نعم سيقول البعض أنَّ هذا مستحيل أو يأخذ وقتاً طويلاً لكن هذا الحل أعتبرهُ أسلم الحلول التي تحافظ على الدم العراقي مع إمكانية التغيير ولو بنسبة قليلة خير من عدم التغيير نهائيا ومع ذلك نخسر دماء ونخلِّف مصابين مما يأزِّم وضع الأسر التي خرج أبنائها في تلك التظاهرات.

الحل الثاني يكمن في تشكيل تجمعات شبابية ( مجالس شبابية ذات تمويل ذاتي) تقوم بلقاءات مع المسؤولين وعرض عليهم المشاكل التي تحصل في اي مرفق من مرافق الدولة ومحاولة حل تلك المشاكل ويمكن لتلك التجمعات تقديم حلول لتلك المشاكل واعطائها للمسؤولين فتصبح تلك التجمعات الشبابية مساهمة في حل المشاكل بطرق حضارية , ويمكن ايضا إرفادهم بمشاريع مدروسة تقوم بتغيير الواقع وتسهم في حل كثير من المشاكل لأنَّنا من خلال الكلمات التي يلقيها المسؤولون نرى أنَّهم بعيدون عن الواقع ويتكلمون بمشاريع استهلاكية ترهق الدولة وتزيد من الدّين العام للدولة وكأنَّهم يريدون فقط أن يقنعون الجمهور بترك الشارع مهما كانت الخسائر مادية أو بشرية فنستشف من كلامهم أنَّ المنصب فوق كل شيء ولا يمكن أن يفرطوا به إذاً لنقدم نحن الشباب الحلول ونحاول الإصلاح بهدوء بعد أن فشلنا بالطرق الاخرى فلنعمل على التغيير من خلال التفكير الإيجابي ولنجتهد في إيجاد الحلول كما نجتهد في البحث عن الأعذار, ولتكن تلك المشاريع مكتوبة بالتفصيل لا نقدمها شفهيا في الإعلام أو تغريدات على مواقع التواصل الإجتماعي, بل نضعها بين أيدي أصحاب القرار ونكون جزءاً من تنفيذها فهم بحاجتنا في الانتخابات ونحن بحاجتهم في تحسين الواقع في كل مجالاته لاسيما في الواقع المعيشي.

هكذا سنساهم في بناء البلد والمشاركة في حل مشاكله ولو بنسب بسيطة او حلول متأخرة فأن توقد شمعة في الظلام خير لك من ان تلعنه, وأن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي أما إذا بقينا نخرج تظاهرات واعتصامات ويقتل من يقتل ويجرح من يجرح ثم نفقد صبرنا ونعود الى البيوت وفي السنة القادمة نعيد الكرة فهذا قمة الغباء أن نجرب نفس الوسيلة الفاشلة أكثر من مرة , لنجرب وسائل أخرى ولا نكون كالكرات نسير بمجرد أن ندفع دون أن نعلم أين نتجه. حفظ الله شباب العراق من شماله إلى جنوبه والرحمة والخلود لشهدائنا والشفاء لجرحانا.








روداو
Top