• Sunday, 25 August 2024
logo

الكلمةُ الفصلُ تعودُ لبوتين

الكلمةُ الفصلُ تعودُ لبوتين
علي شمدين


الأزمة السورية التي بدأت عام 2011 شهدت خلال الفترة الأخيرة من عمرها تطوارت عميقة أعادت اللوحة السياسية في البلاد إلى ما تحت الصفر، وبدأت هذه التطورات تتسارع مع الإعلان عن تشكيل اللجنة الدستورية التي تشير إلى البدء بطي المرحلة العسكرية والولوج في الترتيبات السياسية في البلاد، الأمر الذي أثار حفيظة الأطراف المؤثرة في الأزمة السورية للتحرك السريع إلى عرقلة هذا التحول والضغط بكل طاقتها من أجل ضمان حصتها من تقسيم "الكعكة"، ومما زاد الطين بلة هو إعلان الجانب الأمريكي وعلى لسان رئيسه دونالد ترامب عن قرار سحب قواته من هذه الحرب التي وصفها بـ "السخيفة".

لقد انعكست هذه التطورات المتلاحقة وبشكل كارثي على المناطق الكوردية التي ظلت على مدى السنوات الأخيرة من الأزمة السورية ميداناً لتصفية الحسابات بين مختلف اللاعبين المتنفذين في هذه الأزمة، وخاصة بين تركيا المسكونة بالفوبيا الكوردية، والتي ظلت مشهرة سيفها ضد الكورد على طول حدودها مع سوريا، دون أن يشفي غليلها احتلالها الدموي الأرعن لعفرين، وبين الولايات المتحدة الأمريكية التي انبهرت بتضحيات الكورد في مكافحة الإرهاب ودعمها لهم في هذه الحرب التي أدارها المقاتلون الكورد ضد داعش ببسالة نادرة أبهرت العالم.

وفي الوقت الذي كانت أمريكا تبذل كل جهدها لإقناع حليفتها في الناتو بأن دعمها للكورد لا يشمل الجانب السياسي وإنما ينحصر عسكرياً في حدود حربها ضد داعش ليس إلاّ، إلاّ أن الرئيس التركي الغارق داخلياً وخارجياً في أزماته السياسية والاقتصادية، وجد في هذا التعاون الأمريكي الكوردي فرصة ذهبية لتصدير أزماته من خلال اختلاق البعبع الكوردي وتضخيم خطره، وقد نجح إلى حد غير متوقع في حشد المجتمع التركي خلف شعاراته الدونكيشوتية، وكان الانسحاب الأمريكي من تلك المناطق بمثابة الضوء الأخضر لبدء هجومه الوحشي.

في ظل هذه الأجواء وتحت تأثير الضغط العارم للرأي العام "الرسمي والشعبي" الأمريكي والأوروبي، الذي أدان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بخيانة حلفائه الكورد وتركهم وحيدين بين مخالب القوات التركية الغازية، الأمر الذي يهدد بانتعاش داعش من جديد، اضطر الرئيس الأمريكي إلى البحث عن مخرج عاجل لامتصاص تلك الحملة بالمبادرة إلى الإعلان عن التوصل مع إردوغان بتاريخ (17/10/2019)، إلى اتفاق ظل الغموض مسيطراً على بنوده الـ (13)، خاصة وأن كل طرف فسر مضمونه كما يريد خلال مؤتمر صحفي منفصل، حيث ظل الجانب التركي متمسكاً بشروطه المسبقة والتي يتلخص جوهرها في تفريغ المنطقة الكوردية ديموغرافياً من سكانها الأصليين وإسكانها باللاجئين من المناطق الأخرى، بينما الجانب الأمريكي حدد مضمون الاتفاقية بإيقاف الهجوم على الكورد وإنقاذهم من الكارثة، أما موافقة قوات سوريا الديمقراطية على لسان قائدها مظلوم كوباني إنما تنبع من مضمون اتفاقه الأخير مع النظام السوري، حول انتشار جيشه على الحدود مع تركيا شرق الفرات باستثناء مدينتي "سري كانية وتل أبيض". كل هذه التطورات جرت في ظل الصمت الروسي المطبق.

وبالنظر إلى قراءات الأطراف المعنية بهذه الاتفاقية، يتبين بسهولة الاختلاف الجذري العميق فيما بينها، والتي لا يجمعها من الاتفاقية سوى قاسم مشترك واحد هو المدة الزمنية التي تم تحديدها بخمسة أيام كحد أقصى لاختبار مصداقية الاتفاقية ووضعها حيز التنفيذ، وبمقارنة هذه الفترة مع الموعد المقرر للقمة الثنائية في سوتشي بين الرئيسين "رجب طيب إردوغان وفلاديمير بوتين"، ينكشف الكثير من جوانب الغموض الذي يكتنف بنود الاتفاقية التي عقدت على عجل في أنقرة بين تركيا وأمريكا وبموافقة قائد "قسد".

حقيقةً إن ما توصل إليه إردوغان وترامب ليس اتفاقية وإنما مجرد هدنة مؤقتة إلى حين انعقاد لقاء سوتشي مع الرئيس الروسي بوتين الذي لديه الخبر اليقين حول تطور الأحداث الميدانية في شرق الفرات، والتي لا بد لها أن تكون متوازية مع حسم مصير المنظمات الإرهابية في إدلب، وسيكون لاتفاقية حميميم بين "قسد" والنظام السوري حضورها في سوتشي وبصمتها العميقة على مضمون الوثيقة الموقعة بين تركيا وأمريكا.

ومن هنا فإن الجانب الكوردي في هذه المعادلة مدعو إلى استغلال الوقت الذهبي الضائع والتواصل مع الأطراف الكوردية الأخرى المعنية بمستقبل الكورد ومصيرهم في سوريا، والاجتماع حول طاولة واحدة مهما كان حجم التنازلات، والتوصل معاً إلى موقف موحد حول مطالب الكورد، ووضعها على طاولة الرئيس بوتين في سوتشي، فهو "المايسترو" المكلف بإخراج الصيغة النهائية للاتفاقية التي بدأت ملامحها تتبلور شيئاً فشيئاً، والمتمثلة في عودة النظام إلى المناطق التي ما زالت خارج سيادته، مقابل الحد من هواجس تركيا تجاه الخطر الكوردي المزعوم على حدودها، وكذلك إمكانية الإبقاء على نوع من الإدارة الذاتية المشتركة في المناطق الكوردية فيما إذا استطاع الكورد أن يستفيدوا من الصراع الدائر بين الأطراف المعنية، وإلا فإنهم سيفقدون الفرصة الأخيرة بسبب أنانياتهم الحزبية الضيقة والرخيصة.








روداو
Top