• Sunday, 25 August 2024
logo

لست إردوغانياً ولا أوجلانياً

لست إردوغانياً ولا أوجلانياً
د.علاء الدين ال رشي



لم أكن في يوم من الأيام منتسباً إلى أي حزب قومي أو وطني أو ديني، لقد دافعت عن جميع اللافتات السياسية الوطنية السورية من حيث شرعية الوجود لا مشروعية المطالب -رغم تناقض مضامينها-.

قرابة عقد من الزمن وأنا أكافح من أجل إحياء فضيلة (الإنصاف) تلك القيمة الأخلاقية التي وصف قلتها حكيم الإسلام محمد الغزالي بقوله ( تقطع الأرحام القريبة).

الإنصاف حتى مع من أختلف معه...

ناديت بإنصاف الزعيم أوجلان، والإمام البنا، والرئيس أردوغان، والسيد صالح مسلم، والشهيد الرئيس محمد مرسي، والرئيس البارزاني والعرب والكورد، والترك، والإيرانيين، والسنة، والشيعة، والعلويين، والإيزيديين، وغيرهم.

لقد كانت من أبجدياتي المعرفية في حقوق الإنسان أنك كلما اقتربت من حقوق الإنسان ابتعدت عن السياسي ومع أني أنصفت هؤلاء إلا أني انتقدت فقط السياسات الخاطئة التي صدرت عنهم وفق ميزان دقيق يميز بين (النقد والانتقاص) وبين (الحوار والشجار).

وكثيراً ما كنت أدعو إلى التفريق بين أي (حزب) وبين (قومية شعب) وضرورة عدم الخلط (بين سياسة حزب ما) و(قومية ما)، وفض أي (اشتباك بين القومية والدين) ورغم هذا الكفاح المرير الذي سلكته ولم ألتفت إلى حجم الخسائر التي حلت بي فالزمن زمن جنون البشر بعد جنون البقر، والإعلام وما يطلبه الجمهور يعشق التجييش والنكد والتطرف وغير العقلاني.

أجد نفسي اليوم مدفوعاً من قبل البعض لاختيار اضطراري لست ملزماً به، وهو إما أن أكون مع هذا الفصيل أو هذا الفصيل، أي أن أطبل لقوات غازية مدعومة من تركيا أو قوات مدعومة من أمريكا.

ومع أن قرار المشغل واحد، والمدمر واحد، إلا أن الجولة الآن لتناحر الرايات الموظفة.

ليس من حق تركيا أن تحشرنا بين أن نكون أردوغانيين أو أوجلانيين، ولا من حق أي فصيل كوردي أن يفرض علينا أن نكون أوجلانيين نعادي الأردوغانيين، وأنا على مذهب الإعلامي المهذب أحمد الزاويتي الذي قال مرة: "عندما نسمع بأن حزب العمال إرهابي، فسوف لا أقول : بأنه ليس بإرهابي"، وهو الجواب الروتيني لكل كوردي.

بل سأقول: لو أعلم بأن وصف حزب العمال بالإرهابي سيحل جزءاً من المشكلة فسأجعل وصف العمال إرهابياً ذكري الصباحي والمسائي، مثلما يتهم حزب العمال رجب طيب أردوغان بالدكتاتور، ويتهم الجيش التركي بالإبادة الجماعية للكورد، لما يحدث الآن.

عندما نردد القناعتين المتضادتين سوف لا نكون نحن كما نحن، بل سأكون إما تركياً أو من حزب العمال! وهذا سيزيد الطين بلة، فلا هذا ولا ذاك. فلو كان العمال إرهابياً مثلاً لما كان له مشروع واضح ومطالب، ولما كان مستعداً للحوار، ولما أوقف النار لمرات ومرات، ولما سحب مقاتليه من تركيا، ولما ولما.. أما وأن رجب طيب أردوغان دكتاتور فهذا ما لا يمكن تصوره، بل هو مثار ضحك.

نحن لا دخل لنا بخيارات البعض السياسية، ولا يحتمل الوقت تصفية الحسابات السياسية والحزبية. الزمن زمن حفظ إنسان. إنها معركة لن يمس فيها أردوغان ولا أوجلان، ولكن الشعب السوري هو القاتل والمقتول...

إنني شامي من أصول كوردية أقرف كل من يتشفى بأي حزب، أكتب هذا المقال وتعانق دموع العين حروف القلم، حيث طبول الحرب التركية تقرع بعد أن أذن الرئيس ترمب وعبر تغريدة له على تويتر بإعلان (الجهاد) في منطقة حوض الفرات على السوريين من العرب والكورد، وليستثمر ذلك الإذن بالجهاد الرئيس رجب طيب أردوغان ويصرخ مصرحاً قرب العملية العسكرية.

لكن هذه العملية لن تطال النظام السوري بل أن بعض الآراء تذهب إلى أنها تخدم النظام السوري والتكفيريين أيضاً وهو ماقاله أستاذنا معاذ الخطيب.

حجج الرئيس أردوغان ودوره الوظيفي في التحالف الروسي - الإيراني بإمرة البيت الأبيض يبرر العملية العسكرية:

1- بحماية الأمن القومي لتركيا.

2- وعوده ببناء مدن الأحلام للاجئين السوريين بعد إعادتهم إلى تلك المنطقة.

3- تخليص الحدود التركية من الإرهاب الكوردي والرايات الملحدة الإنفصالية.

وعلى الرغم من أن تركيا لم تصدق في كثير من وعودها للسوريين فلم يتم التعامل معهم كلاجئين ولا كمهاجرين بل تعاملت مع اللاجئين السوريين بطريقة الاستثمار.

وعلى الرغم من كذب تركيا المتتالي في القضية السورية بل وكارثية الكثير من المواقف، والتي منها اتفاقية أستانة وتسليم حلب ومن قبله مؤسس الجيش الحر حسين الهرموش.

وعلى الرغم من تحالفها مع ألد خصوم الشعب السوري من الإيرانيين والروس.

وعلى الرغم من أن تركيا لم تقدم أي رعاية للاجئين بل لم فتح باب الهجرة من تركيا لما بقي أي سوري فيها نظراً لشظف العيش والقوانين غير العادلة والمهانة الاجتماعية التي أفضت إلى نتائج كارثية كان آخرها وليس أخيرها إقدام طفل سوري على شنق نفسه نتيحة للعنصرية التي لقيها في المدرسة.

على الرغم من ذلك كله، فمما لاشك فيه أن تركيا محظوظة في دورها الوظيفي فمازال الكثيرون يبررون لها سياستها في سوريا.

وللأسف باسم تبرير مصالح تركيا من قبل بعض السوريين تم نسف وشائج القربى بين كل السوريين وهو بالفعل ما يخدم النظام السوري في نهاية المطاف والذي ذبح أي قرابة فقط ليظل باقياً.

لقد دعم التوجه السياسي التركي الانقسام العربي الكوردي وأفشل كثيرون ممن تبعوا السياسة الإيرانية والتركية حفظ الهوية الجامعة السورية بل أفقدوا الثقة بوطن جامع اسمه سورية.

علت الانتماءات الضيقة أو الانحياز والاصطفاف مع إرادات أجنبية محتلة معتدية ومجرمة (المليشيات الإيرانية وأذرعتها والقوى الروسية وعملائها والقوة التركية ومرتزقتها. .والقوى المدعومة من أمريكا) حتى وجدنا من دعم غزو تركيا لعفرين، ومن رفع صور أردوغان ومن رفع صور أوجلان ومن ناصر ضرب روسيا والأسد وأمريكا وإيران لإدلب، ومن هلل لأي راية كوردية ترفع عنوة فوق أرض عربية، أو راية عربية ترفع كرهاً فوق أرض كوردية.. ومن هش وفرح لمليشيات حزب الله وهي تقتحم الغوطة الشرقية.

كل ذلك كان مدعاة لسقوطنا في الهويات المتناحرة وتشظي مفهوم الوطن لينماث في إطار رجعيات ومرجعيات فكرية متسلحة ومتسترة باسم الدين والقومية تبرر للاحتلال التركي خطواته وللقوى الكوردية سلوكياتها وعلى الرغم من الانتهاكات الكبيرة التي جرها البعض من الفريقين، إلا أن كل حزب يبرر فعله وسلوكه.

لقد تم استنبات العشب الشيطاني الذي يتغذى بالجهل الدموي الطائفي والعرقي ويحلق بأجنحة التطرف والتعصب الذي يكبر ويطول جناحه ويطير في الهواء بفعل الانتصار المؤقت الذي لا يلبث أن يتم رميه في مزابل التاريخ بعد انتهاء المهمة...

سرطانات تتفشى في الجسد السوري، تمت رعايتها بأيدينا وبنزواتنا ومعاركنا المؤجرة البلهاء، إننا إذ نرفض أي تكرار لمشهد عفرين المؤلم فهذا لايعني أننا ندعم أي توجه كوردي يحمل راية اعتداء على أي حق لأي مكون سوري أو معنى عدواني لتركيا إننا نرفض الطرفين على التوازي والتساوي.

إن الوعي السوري الجامع يبدأ من المعرفة التي تصنع المسؤولية ولكن للأسف التجهيل للشعب السوري استمر حتى بعد الثورة فمازال السنة يفرحون لقتل الشيعة ومازال الشيعة يبررون قتل السنة ومازال البعض يدبك ويطبل ويسكر لرصاصة تصيب خصمه حتى لو كان مدنياً لا يعرف إلا بيته وأسرته والخوف الذي يفر منه..

ينبذ الواعي وتتم محاصرته وتهميشه ونزع أي منبر يظهر صوته وصورته وتم بث التشويش حيث خرق الروح وخلق التوتر والاحتقان سيد المواقف.

على أساس أن الحكاية بدأت وأن الشعب السوري كان مظلوماً من جهة السلطة فإذا به بات يتقاسم مع السلطة ظلمه لنفسه أيضاً.

تحول المقموع إلى قامع يحلم براية دولة إسلامية أو أردوغانية أو أوجلانية. لقد كذبنا على أنفسنا وانصرم من عمرنا قرابة عشر سنوات ونحن نحارب الديكتاتورية بديكتاتورية أخرى ونقاوم الجهل بجهل وقد نموت وقد يتعاقب أولادنا على تكرار جهالاتنا مالم نتب منها...

إنني أقر أن ثمة انتهاكات قامت بها رايات كوردية سورية ورايات عربية سورية ورايات دينية. بل أذهب إلى أن الجميع كانوا بيادق مأمورة وبنادق مأجورة. لكن هل هذا يجعلني مع الجهاد المصنع أمريكياً؟

لم أفهم حتى اللحظة كيف ينتظر البعض ساعة الجهاد التي يحددها الرئيس ترامب عبر تغريدة تنفذها تركيا..

لم أفهم كيف ينجح السيد أردوغان في علاقته مع روسيا وإيران وإسرائيل وأمريكا ويفشل في بناء حوار مع أبناء الجوار له ممن ذاقوا الظلم من الكورد السوريين.

إنني لا أفهم كيف يمكن أن تستجيب تركيا لقرار يدفع بها نحو الهاوية، وربما يعمل على تفكيكها، وفي ذات الوقت لا أجد طواعية في نفسي للتهجم على أي حزب بل وأمسك لساني عن أي راية في منطقة حوض الفرات ليس خوفاً ولا طمعاً ولا مصلحة ولا انحيازاً، وإنما لأن الزمن ليس زمن تصفية حسابات سياسية؛ الزمن زمن حفظ إنسان ووطن يتلاشى...

لم أفهم سر تحكيم الدم والثأر مع الجار. هل يريد الرئيس أردوغان أن يقفل ملف الثورة السورية؟ لن أكون جزءاً من حربه على السوريين. لن أكون أردوغانياً ولا أوجلانياً.










روداو
Top