• Thursday, 23 January 2025
logo

المادة 140 تنقلب إلى خطر على كوردستان

المادة 140 تنقلب إلى خطر على كوردستان

عارف قورباني





يوماً بعد يوم يثبت صدق المقولة التي تقول إن الكورد يخسرون على طاولة المفاوضات ما يفوزون به في ميادين القتال، والسبب هو أن "الحوار، المفاوضات" فن، وحتى إن كان الكورد مقاتلين شجعان خبيرين بفن القتال، فإنهم ضعفاء في هذا الفن وهو سبب خسارتهم الدائمة لهذه الحرب التقنية.

رغم أنها معادلة متوازية وأن المنطق يقضي بأن تكون القوة ذات المكانة القوية على أرض الواقع قوية على طاولة المفاوضات أيضاً، فإن هذا ينقلب في حالة الكورد في كثير من المرات، وأحياناً كان ميزان القوى على أرض الواقع في صالح الكورد، وكانت المشاكل شبه محسومة لصالح الكورد، إلا أنهم تعرضوا للإخفاق عندما دخلوا في مفاوضات.

ولو أنعمنا النظر في تاريخ نحو قرن من الصراع ونضال شعب كوردستان في العراق، نجد أن هذا متجسد تماماً. في سنة 1925 تم ضم جنوب كوردستان، في إطار ولاية الموصل، وبقرار من عصبة الأمم إلى العراق، ثم وبعد أقل من خمس سنوات، بدأ النضال في سبيل نيل الاعتراف بحقوق شعب كوردستان ورسم حدود بين كوردستان وعربستان، ومنذ ذلك الحين وحتى سقوط صدام حسين، وهي فترة دامت نحو ثمانين سنة، مر الكورد بالعديد من مراحل الاضطهاد المتعدد الصور. كان ميزان القوى طوال تلك الفترة في صالح بغداد. لكن الكورد رغم ذلك لم يقبلوا بأي طريق يؤدي إلى حرمانهم من حقهم في المطالبة بحقوقهم.

بعد سقوط صدام، تغيرت المعادلة لصالح الكورد، فقد سيطرت أمريكا الصديقة والمساندة للكورد على العراق، وحلت القوات المسلحة العراقية واعتقلت رؤوس النظام، وضعفت الأحزاب العربية السنية والشيعية وكذلك رؤساؤها وقياداتها وباتوا غير مؤثرين. في مقابل ذلك، ظهر البيشمركة كحليف لأمريكا، وتوجه القادة الكورد إلى بغداد وكان لهم الدور الحاسم في قيادة تلك المرحلة، فأصبح الكورد شريكاً رئيساً في إعادة بناء العراق، وأصبحت الأرضية ممهدة في كركوك والمناطق الأخرى لبسط النفوذ الكوردي على الجوانب الإدارية والأمنية والاقتصادية فيها. لكننا وجدنا أن الكورد في الحوار والمفاوضات التي جرت مع بغداد في تلك الفترة، حيث لم تكن الأخيرة ضعيفة إلى تلك الدرجة قط، لم يتمكنوا من تثبيت ما كسبوه على أرض الواقع، بل على العكس جاءت النتيجة بخريطة طريق للحل رسمتها المادة 140 الدستورية وليس مستبعداً أن تكون نتيجتها حرمان الكورد حتى من حق المطالبة بحقوقهم.

تبين أن الطرف العربي وإن كان ضعيفاً سياسياً عند كتابة الدستور، فإنه كان دقيقاً وقوياً جداً في الجانب القانوني. بل أن قوة الكورد في سياسة بغداد في تلك الفترة قابلها ضعف وعدم دراية بالقانون يساويان تلك القوة السياسية. تبين أن تفكير العرب كان أكثر ستراتيجية فشدوا وثاق الكورد إلى خريطة طريق دستورية لحل مشكلة الكورد في العراق، وحرموهم من اللجوء إلى أي حل آخر وألزموهم بالمادة 140، وضمّنوا نص المادة فخاخاً للكورد لا يستطيع الخلاص منها بأي شكل.

ماكان ينبغي أن يقبل الكورد بأي شكل بالحل الذي ضمته المادة 140 والذي ينص على الاستفتاء على هوية الأرض. أي منطق يقف وراء قبولك تسليم مصير جزء من وطنك تعرض على مدى عشرات السنين إلى سياسة التعريب والتطهير العرقي، إلى رغبات سكانه. لنفترض أنه كان يُعتقد بأن تطبيق تلك المادة سيأتي بعد عودة المهجرين ورحيل الوافدين إلى ديارهم وإعادة ربط أقضية جمجمال وكفري وكلار وطوزخورماتو بمحافظة كركوك، وأن الكورد سيكسبون ود القاطنين على أرضهم عندما يجري الاستفتاء. فإن السؤال هو كيف مر على الوفد الكوردي في لجنة كتابة الدستور ربط مصير كركوك والمناطق الكوردستانية الأخرى بالمشاكل الإدارية لبغداد وتكريت والرمادي وديالى والنجف وكربلاء؟ في حين أن المشكلة بالنسبة إلى كركوك مرتبطة بهوية أمة وهي مشكلة أرض، بينما كل التغييرات الإدارية الأخرى في العراق مجرد مشاكل إدارية.

كان بمستطاع الكورد استخدام بعض مراحل المادة 140 الخاصة بحل المشاكل بطريقة تصب في مصلحتهم، لكنهم فوتوا تلك الفرص وزادت الأمور تعقيداً، وكلما تأخر تطبيق هذه المادة كان ذلك في صالح العرب. كانت المادة 140، وبدقة، أشبه بعلاج طبي لمرض مزمن، وإن لم يأت العلاج في الوقت المناسب واستمر المرض، فسيتحول الدواء إلى سم زعاف يقضي على المريض. على الكورد أن يدركوا أن مفعول العمل بالمادة 140 مازال سارياً بعض الشيء ويمكن أن يكون في صالح كوردستان، لكن المزيد من التأخير سيحيلها إلى سم قاتل.

الآن، باتت المكونات الأخرى في كل المناطق الكوردستانية خارج إدارة الإقليم والتي تشملها المادة 140 ترفض السلطة الكوردية رفضاً مطلقاً، نتيجة للسياسات الخاطئة والإدارة السيئة لتلك المناطق على مدى 14 عاماً وتداعيات أحداث 16 أكتوبر. يشعر قسم من الكورد بالاستياء لدرجة أنهم يئسوا من حكم الكورد لهم، والخطر يكمن في أن هذا التوجه ينمو باستمرار، وعندما تطمئن بغداد إلى أن غالبية سكان هذه المناطق ستصوت في الاستفتاء لصالح البقاء مع بغداد، فلا شك أنها تملك من القوة ما تنفذ به وتفرض تلك المادة الدستورية وإن بالقوة، وعندما تصوت الغالبية ضد الانضمام إلى كوردستان، سيحرم الكورد إلى الأبد من حق المطالبة بتلك الأرض.

والأخطر من ذلك، هو أنهم حينها سيسلبوننا جمجمال وكفري وكلار أيضاً وسيكررون نفس سيناريو محافظة دهوك وقضاء عقرة، لأن الكورد أنفسهم وافقوا على إلغاء التغييرات الإدارية التي جرت لأغراض سياسية بعد العام 1968 لتعود التقسيمات الإدارية إلى حالتها السابقة لذلك التاريخ. أي أنه بدلاً عن أن تؤدي المادة 140 إلى استعادة الأرض المسلوبة وضمها إلى إقليم كوردستان، ستسلب جزءاً من إقليم وتلحقه ببغداد وسيكون كيان إقليمنا مهدداً.









روداو
Top