• Thursday, 23 January 2025
logo

اتفاق القرن مع التركمان

اتفاق القرن مع التركمان
عارف قورباني









هناك حكمة شائعة بين الكورد سارت مسار المثل، تقول: "في كل كبوة عبرة"، ولهذا فإن أصحاب التجربة والخبرة مختلفون عن، أو أكثر دراية من، عديمي الخبرة. هذا يعني أن نعتبر من هفوات الماضي. يلام الكورد في أحيان كثيرة على عدم الاعتبار من أخطاء الماضي، وأن تاريخهم يتكرر باستمرار.

للكورد قضية في العراق منذ نحو قرن، وقد تركز لب هذه القضية في مسألة كركوك، ورغم أن القضية الكوردية في العراق كان ينبغي أن تبدأ بالصراع على الموصل، فإن اتخاذ كركوك مرتكزاً قدم خدمة للطرف العربي واستبعد الموصل من الصراع. في حين أن الموصل حينها كانت مثل كركوك الآن بالنسبة للكورد. خلال هذه الأعوام المائة، كان للعراق كدولة وللعرب كقومية، مشروعهم للتعريب، لكن الكورد لم يدافعوا إلا كردّ فعل ولم يكن لهم مشروع للتعامل مع هذه القضية. كان لنا نضال برلماني وثورات وانتفاضات وخضنا مفاوضات مع الطرف الآخر، وكانت لنا محادثات، ومحاولات للاتفاق، إلا أن كل ما فعلناه انحصر في إطار واحد هو المطالبة بكركوك، لكن بدون مشروع لتحقيق هذا المطلب المشروع.

الشيء الوحيد الذي احتفظ به الكورد وكان بمثابة إطار والتزام خلال هذه السنوات المائة، في مسألة كركوك، هو "تقديس" كركوك في كل المراحل، وكان هذا سبباً منع أي شخص من التجرؤ على التخلي عن كركوك، أي أن كركوك كانت خطاً أحمر قومياً. لكن تم تجاوز هذا الحاجز في 16 أكتوبر، وبعد انتهاك هذه القداسة، أصبحت كركوك الآن في مهب مجموعة تهديدات وخطط تمضي بها لتكون في المستقبل، كما الموصل، وتظهر جغرافيا أخرى أو شيء آخر ليكون مركز القضية الكوردية في العراق. هناك الآن توجه في بغداد وفي كوردستان أيضاً، لتحويل ذهن الفرد الكوردي عن قضية الحدود والأرض والهوية، واتخاذ مشاكل جانبية (كالموازنة والرواتب والنفط وحصة الكورد من القمح الذي تشتريه بغداد وحصة المواطنين من مفردات البطاقة التموينية والأدوية) مركزاً للقضية، وإن لم يجر التعامل مع هذا التوجه بحذر، فإن العالم أيضاً سينظر، مع مرور الزمن، إلى قضيتنا على أنها مرتبطة بهذه الأمور. فبغداد تستدرجنا، وفقاً لخطة وبوعي كبير منها، إلى مشاكل لا تمثل أصل القضية.

يجب أن يبحث الكورد عن مخارج تقلب هذا الوضع رأساً على عقب، ويركزوا على أصل القضية المتمثل في الأرض والحدود والهوية، وكركوك كانت الهوية المعبرة عن كل هذا. لهذا فإن الفرصة مواتية لاستقاء العبر من الأخطاء التي وقعنا فيها في الماضي، والبدء بالعمل على كركوك من جديد. قبل كل شيء، يجب أن نقر بحقيقة أنه رغم الأدلة التاريخية والحقائق الجغرافية التي تبين أن كركوك مدينة كوردستانية، فإن كركوك الآن في وضع لا يستطيع فيه الكورد وحدهم أن يكونوا مالكيها. كان على الكورد، بعد سقوط صدام، أن يراعوا هذه الحقيقة ويجدوا لأنفسهم شريكاً في المطالبة بكركوك، وعندما لم نفعل ذلك، ولم نستطع استعادة حقوقنا لوحدنا، ولم نستطع العثور، من بين كل الأطراف الإقليمية والدولية التي كانت طرفاً في مشاكل العراق، على داعم وسند لمطالبنا المشروعة، وجدنا أنفسنا وحيدين عندما تأزمت المشاكل.

بعد كل النكسات التي ألمّت بنا، وبعد أن تبيّنت لنا ماهية ستراتيجية بغداد في حملة التعريب الجديدة وتشييع المنطقة، يجب أن نكون قد اعتبرنا (من تلك الكبوات) لدرجة تدفعنا إلى البحث عن خيار جديد يبعد عن كركوك شبح الاحتلال هذا، ولتحقيق ذلك علينا أن نبدأ بتصحيح الخطأ. أن لا نبقى الوحيدين في المطالبة باستعادة كركوك.

المكون التركماني، بحكم التاريخ، ولأنهم متعايشون مع الكورد منذ قرون، ورغم الصراع ونشوء الأحقاد الاجتماعية بين الجانبين، ووجود متعصبين من كلا المكونين، فإن العقلاء من الطرفين أدركوا أنه لا سبيل ولا فرصة في الأفق غير العمل معاً والتشارك في مشروع كركوكي لحماية كركوك من التعريب والتشييع.

في بعض المرات، تفتح النكسة باباً جديداً في وجهك، وهذا ينطبق على الكورد والتركمان في كركوك الآن. أدرك الكورد المخاطر منذ فترة بعيدة، لكن الثغرة عندهم تمثلت في افتقارهم إلى خطة وبرنامج لمواجهتها. لكن التركمان بدأوا حديثاً يتحسسون مخاطر التغيير الديموغرافي عليهم، ويدركون ماهية اللعبة التي تكاد تحولهم من قومية إلى طرفين في صراع مذهبي (سني – شيعي)، وقد أدركوا هم أيضاً أن عليهم أن يكونوا مع الكورد، على الأقل ليتمكنوا من خلال الكورد من الحفاظ على هويتهم والبقاء في إطار المعادلة.

من هنا، من المهم للتعويض عن أخطاء الماضي، من جانب، ولبناء الثقة، من الجانب الآخر، أن يطرح الكورد على التركمان مشروعاً طويل الأمد باسم "اتفاق القرن"، ليس بشأن كركوك وحدها، بل بخصوص كركوك وطوزخورماتو، ومناطق نينوى وديالى وإقليم كوردستان، وحيثما يعيش الكورد والتركمان معاً. نحن نعاني في كركوك منذ مائة عام، ونتعرض للضغط وسياسات التطهير العرقي، وقد أدت تداعيات هذه السنوات المائة إلى خلق حالة نحتاج معها إلى عشرات السنوات من الهدوء والاستقرار، لكي تعود كركوك إلى طبيعتها. لهذا فإننا بحاجة إلى أن نكون شركاء حقيقيين مع التركمان، من الآن وحتى نهاية هذا القرن.

لا ينبغي أن يلتفت الكورد إلى "الحجم والعدد"، فرغم أن التركمان تتراجع أعدادهم بالتدريج، ينبغي علينا أن نتفق معهم على أساس ضرورة الشراكة، بل أن نخوض معهم الانتخابات المحلية في كركوك والانتخابات العراقية بقائمة واحدة. أن نتقاسم المناصب والسلطات التي نفوز بها معاً بالتساوي فيما بيننا، وذلك كنوع من الطمأنة وللحؤول دون الاستحواذ والاحتكار من قبل أحد المكونين، وأن نتبادل تلك المناصب بصورة دورية كل سنتين أو كل أربع سنوات، حيث أن منصب المحافظ ورئيس مجلس المحافظة وأغلب المديريات سيكون من نصيب هذين المكونين. بهذا سيكون لنا في كركوك وفي إدارتها، وكذلك في المعادلات العراقية والإقليمية، وكمالكَين للدار، تأثير وفعالية أكبر في مواجهة كل محاولة احتلال.

إذا استطاع الكورد أن يطمئنوا التركمان، فإن الأرضية الآن ممهدة أكثر من أي وقت لعقد هذا الاتفاق.









روداو
Top