• Thursday, 23 January 2025
logo

شبح الحرب في الخليج

شبح الحرب في الخليج
آزاد ولد بكي











بعد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية، في 8 أيار 2018، من الاتفاق النووي، بدأت جولة جديدة من الصراع المحتدم بين إيران وأمريكا منذ أربعين سنة، وتشهد أوضاع المنطقة تصعيداً وتخفيفاً متناوبين حسب تصرفات طرفي الصراع وتصريحات مسؤوليهما. يقوم ترمب، بصفته اللاعب الأساس والفعال في هذه القضية، ومن خلال اتباع سياسة العصا والجزرة، وفقاً لستراتيجيات بلده، بتحريك الوضع تصعيداً وتخفيفاً. يتحدث قسم من المراقبين عن أن حرب الخليج الثالثة باتت على الأبواب وأن التحركات العسكرية في المنطقة ليست مجرد استعراض تهديدي لتخويف وردع الطرف المقابل. فقد زادت أمريكا من حضورها العسكري في المنطقة، وقلصت عدد دبلوماسييها في العراق وهي مستعدة وتعمل على إعادة استعراض الخرائط الحربية القديمة على الطاولة.

في المقابل، تتبع إيران سياسة اللاحرب واللامفاوضات وقال المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، آية الله خامنئي: "الإمام حرم التفاوض مع أمريكا، وأنا أيضاً أحرمه". يرى قسم من النظام الحاكم في إيران، أن مشكلة إيران مع أمريكا آيديولوجية وجذرية ولا يمكن حلها من خلال التفاوض والمساومة. السؤال هو: إن كانت هناك مشكلة بين دولتين ولم تحلاها من خلال المحادثات، ألن تكونا حينها ماضيتين فعلاً باتجاه الحرب؟ قد تدوم سياسة اللاحرب واللامفاوضات لفترة قصيرة، وفي حال زيادة التوترات، لن تعود فاعلة. فخلال فترة الحرب الباردة بين الغرب والشرق، لم تغلق أبواب الحوار بين أمريكا والاتحاد السوفييتي السابق وحلفائهما حتى في أسوأ الظروف.

في حالة اللاحرب واللامفاوضات غير المستقرة، وحتى إن لم تكن أطراف الصراع تريد ذلك، فإن خطأ بسيطاً في الحسابات أو أي شرارة قد تشعل نار الحرب.

تشير الإحصائيات إلى أن 6.56% من مصادر النفط في العالم موجودة في الشرق الأوسط، لهذا فإن الشرق الأوسط عموماً ومنطقة الخليج على وجه الخصوص، تعتبر من المناطق المشحونة بالحروب والفوضى والتوترات باستمرار. فلو ألقينا نظرة على تاريخ الستين سنة الأخيرة لهذه المنطقة، لوجدنا أن حرباً، أو اثنتين، قامت خلال كل عشر سنوات. ففي العام 1961 كانت حرب الكورد – العراق، وفي 1967 حرب العرب – إسرائيل، 1973 حرب أكتوبر بين العرب وإسرائيل، 1975 الحرب اللبنانية، 1980 الحرب الإيرانية – العراقية، 1984 الحرب الكوردية – التركية، 1990 حرب العراق – الكويت، 1991 حرب العراق – أمريكا التي عرفت بحرب الخليج الثانية، 2003 حرب العراق – أمريكا، 2011 الحرب الأهلية السورية، 2014 حرب داعش في العراق وسوريا، و2015 الحرب الأهلية اليمنية والتحالف العربي الذي تقوده السعودية. السؤال هو: هل باتت المنطقة حبلى من جديد بحرب أخرى وتمضي باتجاه حرب الخليج الثالثة أم لا؟

الاقتصاد هو السبب الرئيس لأغلب الحروب في العالم، حيث يقول الاقتصادي الفرنسي، فردريك باتيستا: "الحدود التي لا تمر عبرها البضائع، يمر عبرها الجنود"، ومن بين الأهداف الرئيسة التي أدت إلى انسحاب أمريكا من الاتفاقية النووية، أن أمريكا بعد اتفاقها مع إيران، لم تجن أية أرباح بل أن الشركات الأوروبية هي التي عادت إلى الأسواق الإيرانية واستفادت اقتصادياً، لهذا مازال الأوروبيون يتشبثون بحماية تلك الاتفاقية وإعادة أمريكا إلى طاولة المفاوضات، وأكد على هذا نائب وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، خلال كلمة له في فينّا عندما قال إن حرب أمريكا على إيران اقتصادية وليست عسكرية.

في الحالة الراهنة، ينأى ترمب بنفسه عن الحرب لسببين، أولهما، أن الستراتيجية العامة والمعلنة لترمب تقضي بأن لا تخوض أمريكا أية حرب جديدة، وقد عبر من قبل عن انتقاده لحروب أمريكا في العراق وأفغانستان وليبيا، ورغم وجود معارضين لهذا التوجه في صفوف الحزبين الجمهوري والديمقراطي، فإن ترمب مصر على التمسك به.

السبب الثاني هو أن نتيجة الحرب مع إيران ليست واضحة ولا معروفة وقد تكون خطيرة وغير مرغوبة. في الظروف الحالية، وبينما تمضي أمريكا باتجاه الانتخابات الرئاسية، يحاول ترمب الحفاظ على حب الجماهير الكبير له، ولهذا من المحال أن يقدم على مجازفة من هذا النوع ويدخل حرباً جديدة، سماها حسن روحاني أسوة بصدام حسين "أم المعارك".

رغم أن جون بولتن والفريق ب (B Team) يصرون على الحرب، فإن هناك احتمالاً ضعيفاً الآن لمبادرة من ترمب تشعل فتيل الحرب، وفي أسوأ السيناريوهات وفي حال استفزاز أمريكا، قد لا يتجاوز رد فعلها ضربات عسكرية محدودة، لكن هذا أيضاً لا يعني أن خيار الحرب موضوع على الرف إلى الأبد، فقد قال ترمب نفسه إن خيار الحرب مطروح على الطاولة دائماً.

لذا نستطيع القول في ظروف غير مستقرة كهذه إن طرفي النزاع يلعبان لكسب الوقت، فأمريكا تريد الإبقاء على العقوبات المفروضة على إيران، وتشديدها على مراحل، لتظهر آثارها بصورة أكبر وأوضح، وتجبر إيران على الخضوع لمطالب أمريكا، لكنها لن تتخذ أي خطوة عسكرية قبل إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية في 2020. في نفس الوقت، تريد إيران أيضاً، أن تتلاعب بالوقت بصورة أو بأخرى لحين إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وتعلق الآمال على أن لا يفوز ترمب للمرة الثانية بمفاتيح البيت الأبيض، لأنه في حال فاز الديمقراطيون بها فستبدأ مرحلة جديدة من السياسة الأمريكية تتراجع معها فرص حدوث حرب. من هنا لا يرى الإيرانيون بأساً في بعض العمليات العسكرية غير المباشرة ضد المصالح الأمريكية، تدفع ترمب إلى الرد عليها بطريقة تؤثر على شعبيته وعلى نتائج الانتخابات.















روداو
Top