هل يرفض حيدر العبادي منطق الشراکة و يرحب بمنطق الصدام؟
من يتابع المشهد الإقليمي بصورة عامة والمشهد العراقي بصورة خاصة يدرك غياب وتغييب المبادئ الإنسانية عن الساحة بصورة يندى لها جبين الإنسانية حياءً وخجلاً من مشاهد غياب العدالة، ومن الظلم والعدوان، والإقصاء والتهميش، وإلغاء الآخر، ناهيك عن التعذيب والقتل وشيوع ظاهرة العنف بكل صورها وأشكالها، كما يلاحظ تصدر منطق القوة في المعادلة الإقليمية، فالقوي يأكل الضعيف، وكأن شرعة الغاب هي التي تحكم البشرية المعاصر.
إن ما تحقق للشعب الكوردستاني منذ 1991 حتي 2017 لم يكن قراراً عراقياً طوعياً عن طيبة و حسن تقدير للجيرة والمواطنة والمساواة والتعايش المشترك، بل کان قراراً دولياً بناءً علي تضحيات شعب كوردستان، تحول الي قرار عراقي ملزم بعد سن الدستور والإستفتاء عليه من قبل الشعب.
والعلاقات التضامنية الكوردستانية العراقية المتبادلة يجب أن تعتمد علي هذا الفهم، إذ بدون ذلك يصعب المضي الي الأمام. لايکمن للعراق أن يستقر أو يتقدم علي أيدي أناس يعتبرون أنفسهم وحدهم ورثة العراق وکل مافيه. فهذه الذهنية هي التي دفعت بالحشود الشعبية التي تتلمذت معظمها في إيران على يد نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية وتعلمت منه أهمية إستخدام القوة ليس ضد الاعداء من الإرهابيين وانما ضد شعب كوردستان.
نحن نأسف عن سياسة الدول المجاورة لإقليم كوردستان، التي تتعاون مع بغداد علي بقاء أسباب وأجواء التوتر والعنف والقتال والـاسي بدلاً من البحث عن السلام الشامل، الضروري حتي الآن للعراق وکوردستان والدول المجاورة ذاتها.
علي العبادي أن يتخلي عن إستخدام منطق القوة والعنف ضد شعب كوردستان و إنهاء سياسة فرض السيادة بقوة الاجواء الميليشياوية والعمالة والتبعية لإيران.
وإذا کان العبادي و من يشاوره يتصور أن بأمکانه التلاعب بحقوق وصلاحيات إدارة إقليم کوردستان فهو واهم و غافل عن حقائق تثبت بأن الدستور العراقي و بقية الحقوق لم يکن قراراً عراقياً طوعياً ولم يوافق أي جانب عراقي من الدولة العراقية بشکل طوعي، سواء قبل أو بعد عام 2003 علي ماتقرر في الدستور. إن مستقبل العراق مرهون بمدي الإنسجام مع إرادة المجتمع الدولي الجديد.
أما فيما يخص إشتراط "تنازلات" علي شعب كوردستان بغية تحقيق المصالحة العامة في العراق، أو العمل علي "تغيير الدستور" لإزالة ما يتعلق بالفدرالية والمادة 140، إنه محاولة للتهرب من الواقع وعدم الإقرار بالغبن التاريخي. فهي بحق محنة الإنسانية وإشکالية القيم، لا يريدون لنا أن نکون مثلهم، لذا يعملون علي تهميشنا وإقصاءنا والحط من مرتبتنا وقيمتنا. شعب كوردستان لا يقبل "تنازلات" للعودة الي أجواء التوتر والشکوك المتبادلة وقرع طبول التهديدات وعودة شبح الدكتاتورية والإستبداد.
والعبادي يعرف قبل غيره بأن شعب كوردستان متميّز عن العرب والعراق إن لم تفي بالشراكة بين الشعبين الكوردستاني والعربي علي أساس المساواة وليس علي أساس هيمنة المركز العربي علي شعب كوردستان سوف تنهار. كركوك کانت دوماً مدينة كوردستانية و تابعة إدراياً لكوردستان.
إن عدم حسم مشکلة كركوك و المناطق الكوردستانية الأخري و إبقاؤها معلقة الي الآن فهي بمثابة تهديد دائم. ففي عام 1970 کان ينبغي حل مشکلة كركوك بعد إجراء احصاء سکاني دقيق للتأكد من نسب الترکيب السکاني للمحافظة والمدينة بغية إتخاذ قرار حول علاقتها بالإقليم، والنظام المقبور أرجأ الإحصاء دون مبرر، وأدي هذا الإرجاء الي تفجير الوضع فيما بعد. ويجب أن نذکر هنا بأن النظام البعثي استأجر أنذاك شركة يونانية محايدة لإجراء إحصاء سري، وكانت نتائج الإحصاء منصفاً و لصالح شعب كوردستان لذا تم إبقاء هذه النتائج في سرية تامة. وكما معروف بأن النظام قام بعد ذلك بسلسلة من إجراءات کالتعريب والتهجير القسري لسکان المدينة من الكورد أستمرت حتي عام 2003.
حکومة بغداد لم تقم بعد سقوط النظام بالإستفاء الحر حسب المادة 140 من الدستور، لذا کان الإستفتاء الأخير أيضا لصالح كوردستان. کل هذا التعنت من قبل بغداد الحقت و سوف تلحق أضراراً بالغاً بمستقبل العلاقات بين الإقليم والعراق. إن إبقاء الشعور الراسخ بالغبن التاريخي والحرمان في أذهان و قلوب الكوردستانيين يکون عامل ذاتي محرّك يدفع بهم الي الثورة في سبيل التحرر والإستقلال.
وختاماً: التاريخ شاهد علي أن الأنظمة الشمولية والسلطات الملغومة بالعقائد الطائفية والنعرات القومية هي أعجز وأضعف من أن تصمد أو تتغلب علي شعب كوردستان، الذي کسر بأبطاله من البيشمرگة حاجز الخوف من الإرهاب الداعشي وميليشيات الحشد وأجمع علي المضي قدماً نحو الکرامة والعدالة والتنوير والتحرر الوطني.