• Saturday, 11 January 2025
logo

مهن أصبحت من الماضي

مهن أصبحت من الماضي

سارا طالب سهيل

 

مرت البشرية بأطوار متباينة عبر العصور كالعصر الحجري والجليدي والزراعي والصناعي والتقني كالذي نحيا في ظله، وكل عصر له ثقافته والمهن التي تناسب علوم وثقافة عصره ومواده الخام، وهذه المهن تشكل مصدرا رئيسا للتكسب وأكل العيش.

غير أن بعض هذه المهن عبر العصور والحضارات كانت غربية وخطرة وشديدة الصعوبة، وقد تفضي إلى الموت، وبعضها يبعث على الدهشة والتقزز والنفور، غير من اشتغل بها كان مضطرا إليها، ولم يجد سواها سبيلا للتكسب، والكثير منها قد انقرض مع الزمن، وبعضها يضرب بجذوره في شجرة التاريخ مثل السقا، والتي كانت من أشهر المهن؛ نظرا لدور السقا في توصيل المياه إلى المنازل والمساجد يوميا، عن طريق قربة مصنوعة من الجلد ينقل من خلالها الماء إلى أماكنها. 

غير أن مهنة التطييب، كان من أغرب المهن في التاريخ الإنساني، وتعني تطييب الخاطر عن الميت، وأصولها فرعونية وتبرز الافتخار بالميت وأصله. هذه المهنة جسدها فيلم أبوك السقا مات، والذي أبدع في أدائها على شاشة السينما الفنان القدير الراحل فريد شوقي.

فالمطيباتي رجل يمشي في الجنازات، ويعمل ضمن فريق عمل الحانوتي، يرتدي البدلة السوداء والفوطة الحمراء على خصره، ويسير مع رفاقه المطيباتية خلف النعش في دلالة على عظمة الميت، وهم يرددون إنا لله، وإنا إليه راجعون، الدوام لله، ويندب الميت باكيا وهي مهنة كانت منتشرة في الثلاثينات، ويحصل عنها نصف ريال من متعهد الجنازات.

الطريف كما يذكر في كتاب "الديانة المصرية القديمة" ووفقا للرسومات على المعابد الفرعونية، فان طقوس جنازة المتوفي، تتم بتتبع الرجال "مطيباتي" والنساء للميت في أثناء الجنازة، ومن ضمن النساء كانت توجد مجموعة منهن نائحات محترفات، ويمشين سويا في ملابس ذات لون أزرق داكن وهو لون الحداد، ويصرخن بصوت عال، ويذرفن الدموعويمزقن جلابيبهن، ويضربن على أجسامهنويذرن التراب على رؤوسهن وملابسهن. 

ووجدت هذه المهنة في إنجلترا بشكل مختلف قليلا في زماننا المعاصر من خلال شركة تتولى توفير مشيعين متخصصين في الجنازات، ويكلف تأجير المشيعين لمدة ساعتين حوالي سبعين دولاراً.

في المقابل كانت مهنة الندابة أو المعددة، فقد اختصت بها بعض النساء اللواتي تخصصن في النواح على الميت وتعديد مناقبه ومآثره، وتحفظ المواويل الشجية في وداع الراحلين.

والندب أو العديد عادة ابتدعها العرب في وداع الراحلين والغائبين، وتحولت إلى الاحتراف في صعيد مصر وريفها في فترة من الفترات، حيث ارتجلت النساء المحترفات فن الندب، حتى صار جزءا من التراث الشعري الشعبي، لكن هذه المهنة قد انقرضت كغيرها. 

ومهنة الندابة في مصر وبعض الدول العربية، عرفت في بلاد الشام باسم اللطامة، ومع اختفاء هذه المهنة، فإنه لا يزال لها باقية قليلة يُسْتَدْعَيْن عندما يموت أحد الأغنياء أو كبار التجار، فيندبن مقابل الحصول علياجرهن مقدما نظير عملهن، كما يذكر قاموس الصناعات الشامية لمحمد سعيد القاسمي. 

وهناك مهرج الجنازات في القرن الرابع الميلادي في روما القديمة، حين كان يُسْتَعَان بمهرج الجنازات الذي يرتدي قناعاً يشبه الميت، بهدف تشتيت انتباه المعزين والعائلة عن حزنهم.

ومن المهن الغريبة المقززة مهنة عريس البراز (معذرة عن اللفظ) وهو الشخص المسؤول عن مساعدة الملك على الذهاب إلى المرحاض، ورغم أنها كانت مهنة مقززة، إلا أن صاحبها كان يتمتع بمكانة مرموقة في إنكلترا في العصور القديمة، نظرا لأن من يشتغل بها يحظى بمعرفة الأسرار الملكية وخفايا القصر الملكي، كما كان يسمح لهم بارتداء ملابس الأمراء والملوك.

أما مهنة الصبي الجلاد، أوائل العصر الأوربي، فكان يقوم بها صبي موظف من حاشية الملك، ويكون صديقا للأمير الصغير المدلل يضرب الأمير الطفل عندما يخطئ.

 

غرائب خطيرة

ومن غرائب المهن كما ورد في "معجم المهن

" المقبعة، وهي امرأة تطبب رؤوس القراع الذي نتتقرح جلود رؤوسهم من الدمامل، 

ومهنة صائد الفئران والقوارض التي عرفت في العصر الفيكتوري في لندن لحماية السكان من الأمراض، 

وقد يكون الأعجب والأخطر منها مهنة متذوق الطعام التي كانت منتشرة في العصور الوسطى خاصة في قصور الملوك حيث كان الحاكم أو الملك يعين متذّوقًا خاصا لتجربة وجبات الطعام والمشروبات قبل أن تقدم له، وذلك تخوفًا من أن يكون الطعام مسموما .

أما محول رماد الموتى إلى قطع فنية، فهي مهنة يقوم بها فنانون بتحويل ما تبقى من الرماد الناتج عن حرق الجثث إلى رسومات داخل قطع المجوهرات أو النحت على الزجاج. 

 

طرائف المهن

مهنة الرفاعي نسبةً للطريقة "الرفاعية " وتعتمد على رمي الثعابين في البيوت ويخرجها بأجر، ويناظره في الشام " الثعباني. والعقاربي من يحترف أخذ العقارب من أماكنها . 

وتعد مهنة القرداتي إحدى أقدم المهن التي كانت في مصر والشام، وهدفت لتسلية الناس وإمتاعهم عن طريق القرد المدرب على أداء حركات بهلوانية طريفة مثل عجين الفلاحة، ونوم العازب وقيام القرد بإلقاء التحية على الناس العزف على الناي والعود، ولكن سرعان ما اندثرت هذه المهنة وصارت ذكرى نستعيدها من كتب التاريخ الخاص بالمهن .

قد يتقارب معها في الهدف من تسلية الناس وامتاعهم مهنة الأراجوز، وهي من أشهر المهن الشعبية التي تعتمد على الحكي، وكانت وسيلة للتعبير عن مشاكل الناس في مصر وأيضا تسليتهم، فالأراجوز يغير صوته عن طريق وضع زمارة فوق اللسان وتحديدا في منتصف الحلق، فيخرج منها صوت الأراجوز، واختفت هذه المهنة بعد ظهور التلفزيون والسينما . 

ويناظر الأراجوز في مصر مهنة الكراكوز اتي في الشام، حيث كان من يلاعب صوراً مصنوعة من الجلد على صفة الإنسان كما بخيال الظل وصاحبها يشتغل في المقاهي. 

وتتقارب مهنة البيانولا (بائع السعادة) مع مهنة الأراجوز والقرداتي، فهو صندوق الدنيا توجد بداخله مجموعة من الصور تدور بشكل متتابع وتحكي قصصا وحكايات من قديم الزمان والأبطال، فكان الطفل يضع رأسه، في فتحة ذلك الصندوق، ويغطي رأسه بستارة سوداء ويرى الصور ويسمع تعليق ما يحكيه بائع السعادة من شرح للصور، كانت البيانولا بالنسبة للأطفال والكبار عالماً ملئ بالمغامرات والمعلومات والشخصيات المدهشة. 

كما اختفت أيضا مهنة البهلوان، والتي كانت تنسب إلى طائفة تتكسب من المشي على الحبال المرتفعة، وغالبا ما كان يتم استدعاؤها في الأعراس الكبيرة لتسلية المدعوين.

الكثير والكثير من المهن قد اندثرت بفعل عوامل التغيير والتعليم والثقافة العصرية، مثل مهن القابلة أو الداية التي تحترف التوليد، والغسالة المتخصصة في غسل الثياب في بيوت الأغنياء، والمرضعة التي ترضع أطفال الأغنياء، أو من لا يدر لبنها.

أيضا اندثرت مهن اقتصادية كانت مهمة، في زمانها مثل الطرابيشي الذي يبيع الطرابيش، والقباقيبي صانع القباقيب من خشب الصفصاف والجوز في مصر والشام، والحمار الذي يؤجر حميره، أو يقودها للتنقل.

كما اندثرت مهنة العربجي الذي يقود عربة من عجلتين تجرها دابة للنقل والحمل، لنقل العامة أو الأثاث، ويناظره في الشام الطبري،والعربجي في الشام، السائق عند الوجهاء.

مهنة "القارئ للأحلام" كانت إحدى المهن التي وجدت في عهد السومريين، ولكنها انقرضت حاليًا. القارئ للأحلام كان يعتبر شخصًا مختصًا في تفسير الأحلام والرموز التي يرونها الناس في أثناء النوم. كانت هذه المهنة مرتبطة بالديانة والثقافة السومرية، حيث كان يُعتقد أن الأحلام تحمل رسائل من الآلهة أو نبوءات مستقبلية.

ومهنة الحكواتي التي هي إحدى المهن التقليدية التي كانت شائعة في العالم العربي، حيث كان الحكواتي يسرد القصص والحكايات في الأماكن العامة مثل المقاهي والأسواق. كان يتمتع بموهبة السرد، يستخدم نبرة صوته وتعبيرات وجهه لجذب انتباه الجمهور، مما يجعل القصص أكثر حيوية وإثارة. لعب الحكواتي دورًا مهمًا في نقل التراث الثقافي والتاريخي من جيل إلى جيل، حيث كانت القصص وسيلة لتعليم القيم والعبر. ومع ظهور وسائل الإعلام الحديثة، تراجعت هذه المهنة، ولكن هناك جهوداً حاليًا لإحياء فن السرد القصصي والحفاظ على هذا التقليد الثقافي الغني.

 

مهنة الكتبة 

الكتبة هم أفراد كانوا يعملون في العصور القديمة، وخاصة في الحضارات مثل السومرية والبابلية والآشورية، وكانوا يعتبرون من ذوي التعليم العالي. كانت مهمتهم الأساسية هي كتابة الوثائق والنصوص على الألواح الطينية باستخدام أدوات خاصة مثل القلم المدبب. الكتبة كانوا يسجلون مجموعة متنوعة من المعلومات، بما في ذلك المعاملات التجارية، والقرارات القانونية، والسجلات التاريخية، والنصوص الأدبية والدينية. كان الكتبة يتمتعون بمكانة اجتماعية مرموقة، حيث كانوا يُعتبرون وسطاء بين الحكام والشعب، وأدوا دورًا حيويًا في حفظ المعرفة ونقلها عبر الأجيال. مع مرور الوقت وتطور الكتابة والأنظمة الإدارية، تراجعت هذه المهنة، لكنها تركت أثرًا عميقًا في تاريخ الكتابة والثقافة الإنسانية.

وكذلك القباني الذي يزن الأشياء الثقيلة، ومبيض النحاس الذي يحترف تبييض الأواني النحاس بالنشاء والرمال ورماد الفحم لتنظيفها من المواد الدهنية، واندثرت هذه المهنة مع انتشار الأواني الألومنيوم والخزفية التي حلت مكان الأواني النحاسية.

ومع اندثار هذه المهن إلا أنها ظلت سجلاانسانيا محفوظ في الذاكرة الشعبية الإنسانية وهي العقل الجمعي الشعبي المعروف بالتراث، والذي نستدعيه من الذاكرة عندما يأخذنا الحنين إلى الماضي، وما أبدع الزمن الماضي بكل روائحه الجميلة والعطرة.

 

 

 

كوردستان24

Top