• Wednesday, 17 July 2024
logo

كوردستان تربتها مباركة، وحضارتها أصيلة، و قضيتها لا تقلّ عن فلسطين.............. سيروان أنور مجيد

كوردستان تربتها مباركة، وحضارتها أصيلة، و قضيتها لا تقلّ عن فلسطين.............. سيروان أنور مجيد
قبل الخوض في حديث أكاديمي واقعي عن عنوان المقال، والذي يقترب من بحث أكاديمي، نرى من الأهمية بمكان أن نعنون المحطات التي نقف عليها: تربة كوردستان مباركة وفق قرآءتنا للمنطق الربّاني (1)


إنّ كوردستان تقع في بقعة جغرافية مهمه في الكرة الأرضية. إذ هي البقعة المباركة، والمُنزَلُ المبارك الذي باركها الله في السموات السبع، حينما دعا نبيّه (نوح) عليه الصلاة والسلام أن ينزله منزلاً مباركاً كما جاء في الخطاب الربّاني (وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ)، (سورة المؤمنون: الآية: 23)، فمفردة (مُنْزَل) جاءت في تفسير الجلالين ({ وقل } عند نزولك { رب أنزلني مُنزَلاً } بضم الميم وفتح الزاي مصدراً واسم مكان وبفتح الميم وكسر الزاي مكان النزول { مُباركاً } ذلك الإنزال أو المكان { وأنت خير المنزلين } ...)، وجاء تفسير هذه الآية في الطبري : (يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ نُوح عَلَيْهِ السَّلَام : وَقُلْ إِذَا سَلَّمَك اللَّه وَأَخْرَجَك مِنَ الْفُلْك فَنَزَلْت عَنْهَا : { رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا } مِنَ الْأَرْض { مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْر } مَنْ أَنْزَلَ عِبَاده الْمَنَازِل . ..)...
وعليه، فإن هذا المُنزَل هو (جبل الجودي)، كما يؤكده القرآن الكريم (وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ ۖ وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (هود: الآية:44)، وفي أكثرية التفاسير وردت مفردة (الجودي) بقرب موصل، أي الجزء الشمالي من مدينة موصل، وهي قلب كوردستان ، ويقع في شمال كوردستان.... و جبل الجودي، كما هو متفق عليه بالإجماع، ولا خلاف على ذلك بين المؤرخين هو أرض كوردستان. ولا يزال أثر هذه السفينة كالتراث حاضرة في المشهد، و باقية كالتراث في شمال كوردستان ( كوردستان تركيا)، وجاءت مفردة (الجودي) في تفسير الطبري(الجودي جبل بقرب الموصل؛ استوت عليه في العاشر من المحرم يوم عاشوراء؛ فصامه نوح وأمر جميع من معه من الناس والوحش والطير والدواب وغيرها فصاموه، شكرا لله تعالى..)، وجاء في الطبري قدسية جبل الجودي ومباركته (ويقال‏:‏ إن الجودي من جبال الجنة؛ فلهذا استوت عليه‏.‏ ويقال‏:‏ أكرم الله ثلاثة جبال بثلاثة نفر‏:‏ الجودي بنوح، وطور سيناء بموسى، وحراء بمحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين‏)...
و من هنا فجبل الجودي مقدّس باستواء سفينة النبي (نوح) (عليه الصلاة والسلام) عليه، والجودي في قلب كوردستان، وهو المُنْزَلُ المبارك....
و تأسيساً على ما سبق، فإنّ تربة كوردستان تربة مباركة، تحرم فيها الظلم على أهل هذا البلد الأصيل مهما كانت عنوانه وهويته... إذ فضّلها الخالق البارئ باستواء سفينة النبي (نوح) (عليه ... وكما هو معروف، أن البشرية بعد هذا الطوفان تنحدر من سلالة أبناء النبي (نوح) (عليه الصلاة و السلام) الملقب بـ(آدم الثاني)...
وهذا ما يؤدينا إلى نتيجة مفادها، إنَّ البشرية أحيت مجدّداً في كوردستان، وبنسل نبيّ من أولي العزم عند بارئه...فإذا كانت أرض الشام مهد الأنبياء، فإنّ كوردستان مهد البشرية الأولى والنبيين الأولين بعد (آدم الثاني) عليهم الصلاة والسلام....كما و أن هجرة النبي، أبو الأنبياء(إبراهيم) عليه الصلاة والسلام، والذي ينحدر من سلالته المباركة خاتم الأنبياء، كانت من أرض تجاور كوردستان، إذا لم يكن فيها (وفيها اختلاف) حسبما يذكره المؤرخون..
حضارة كوردستان قَدِمَ تأريخ البشرية
أمّا إذا أخذنا كوردستان وفق النظريات الإنسانية، فإنها قدم تاريخ البشرية. إذ إنّ أقدم إنسان كما هو معروف (نياندرتال)... و من المعروف أن (نياندرتال) عاشوا في الكهوف، وهذه الكهوف كانت كهوف شاندر، فهي في جنوب كوردستان (كما يؤكده المؤرخون). و الآن أصبحت هذه الكهوف في كوردستان مركزاً سياحياً كبيراً، يستقطب سيّاح الآثار في جميع أرجاء الأرض المعمورة...
هذا، وبالإضافة إلى أنّ أول قرية زراعية هي (قرية جرمو)، و هي تابعة لمحافظة كركوك (جنوب كوردستان)...
وإذا ما أخذنا أقدم مدينة، سارية الحياة فيها، إلى يومنا هذا، ولم تغب عنها الحياة، فهي أيضاً من كوردستان، ألا وهي عاصمتها (أربيل) و مدينة (صلاح الدين الأيوبي) الذي عاش وترعرع فيها.. وحسب ما يؤكده المؤرخين، " تاريخ قلعتها تعود إلى أكثر من 7 الآف عام، ويعود أصل تسميتها التاريخية على ما يرجّح، إمّا إلى السومريين أو إلى تسمية الآشوريين للمدينة "أربا ايلو" أي أربعة آلهة لأنه كان يوجد على القلعة معبد فيه أربع الهة، وهي كتابة وجدت في المدونات الآشورية" ( ويكبيديا)... إذ كانت قلعتها من أقدم المستوطنات البشرية في العالم، إذ تقع في وسط المدينة، ويعود تاريخها إلى عصر الآشوريين. حيث كان الهدف من بنائه الدفاع، و كانت حصنًا منيعًا لمدينة أربيل في تلك الحقبة الزمنية...
والأماكن التي وقفنا عليها في هذا المقام هي الأبرز...وهناك أماكن أثرية أخرى كثيرة في كوردستان ولكن المقام لا يسمح لنا بأكثر من هذا...
الإمبراطورية الكوردية
‏ أما الإمبراطوريات فكانت للكورد فضل السبق فيها على الفرس وأمم المنطقة، إلا أنّ أكثرية المؤرخين غدروا الكورد، وحينما ذكروا الكورد اندرجوهم تحت اسم الفرس أو العجم، وهذا إجحاف كبير بحقهم، و طمس لمعالمهم الحضاري... فكما يؤكد العالم (جستي )، و العالم (الميجر ادمونس) الأخصائي في تاريخ الكورد والعالم, ان اللغة الكوردية لغة أصيلة، وقواعدها مستقلة تماماً وليس لها علاقة لها باللغة الفارسية. هذا، وبالإضافة إلى تأكيد العالمين الألمانيين (روديجر) و(بوت) عام 1840، إذ اثبتا نتيجة دراسات متواصلة في المقارنة اللغوية بين الكلمات الكوردية ومفرداتها وأصولها وأصواتها,واكدوا انها, لغة خاصة مستقلة عن اللغات الاخرى,وإنّ تاريخ نزوح الأقوام الهندو أوربية إلى إيران تاريخ مشترك بين (الميديين الكورد اولا و من بعدهم الفرس).
فهم في الامبراطوريات سبقوا نظرائهم كالفرس والترك، إذ كانت امبراطورية ماد امبراطورية عظيمة وكانت عاصمتها (ماديان) أو الميديون... والميديون هم أصل الكورد، وكثيراً ما يعرف هذه الامبراطورية بالامبراطورية الساسانية... فالسانيون كما يؤكده المؤرخين هم الكورد وليس الفرس، لقد حكم من الساسانيين الكورد 33 ملكا ولمدة 427 عاما,واهمهم ( اردشير)224,241 /,وهو مؤسس الامبراطورية الكوردية الساسانية, الذي استطاع ايضا فتح محافظات (جرجان, سيستان, خراسان,مرجيانا,بلخ,خوارزم,وضم البحرين والموصل) الى امبراطوريته العظيمة.( ينظر: كاردوخ ميردرويش : بحث بعنوان(ملوك الكورد الساسانيين و احياء ذكراهم من جديد))

سلطة الكورد في الحضارة الإسلامية
و يضيف (كاردوخ) في بحثه: ( لقد اشتهرت العديد من الاسماء والشخصيات والرموز الكوردية في التاريخ الاسلامي، ولكن غلب عليهم لقب العجمي والفارسي مما اخفى قوميتهم الكوردية الحقيقية مثل (ابي مسلم الخراساني)اللذي اسمه الحقيقي ابراهيم، و يعود اصله الكوردي الى أخر احفاد ملوك الكورد الأكاسرة الساسانيين). فأبو مسلم الخراساني كان المساهم الأكبر في تأسيس الخلافة العباسة، وكاد أن يغلب بقوة شخصيته، وشجاعته، وبلاغته على خليفته (أبو جعفر المنصور)، إلا أن المنصور قتله بمكيدة نكراء... وبعد كل هذه التضحيات يقول (أبو دلامة) شاعر أبو جعفر المنصور، مقدحاً نسبه الكوردي:
(( أبا مجرم أغيّر الله بعبد نعمة حتى يغيرها العبد أفي دولة المنصور حاولت غدره ألا إن أهل الغدر آباؤك الكُرد)..
بينما يردّ عليه الخليفة (مأمون) بالجميل..إذ ازدهرت الترجمة في زمنه أوج عصرها، و لذا فهو يعرف هيبة ومكانة هذا الرجل، وبلاغته الذي ينسب إليه هذا البيت الأدبي الرائع ((محا السيف أسطار البلاغة و انتحى عليك ليوث الغاب من كل جانب)... ويقول في شأن أبي مسلم، ومفتخراً بما يفصح عنه: (إن أجلّ ملوك الأرض ثلاثة، الذين قاموا بنقل الدول، وهم الاسكندر وازدشير وأبو مسلم).
أما البرامكة فهم أيضاً حكموا الخلافة العباسية. فهم من أسرة كوردية، و اتسموا - كما يؤكده المؤرخون- بالسخاء و رفعة الخلق... ويضرب بهم المثل إلى الآن في الجود والسخاء و لا سيما في بغداد...
أما القائد الكوردي (صلاح الدين الأيوبي)، فيراعتنا تعجز عن وصف هذا القائد المخلص للإسلام. فهمّه الأول الإسلام وطرد الصليبيين، وكسر شوكة الفاطيين. و قد أسّس هذا القائد المغوار الدولة الأيوبية في الشام، ومصر... ولو كانت القومية وقتها سارية لكانت للكورد أكبر إمبراطورية و لم يوجه له صدقات الفدرالية... فنحن لم نعط حق هذا الرجل وتاريخه العظيم...

و لو أتينا إلى تربة كوردستان لنرى أنه أنجب ثلث علماء العالم الإسلامي ابتداءَ من (ابن تيمية (شيخ الإسلام)، وابن قتيبة، وابن حاجب الكوردي، و الآمدي،والشيخ سعيد النورسي، والشيخ محمد البوطي، و الشيخ عبدالكريم المدرس، والشيخ علي القرداغي....حتى (امير شعراء العرب) (أحمد شوقي) في العصر الحديث من عائلة كوردية، و يشاطره في ذلك شهيد القرآن، صاحب الصوت الإعجازي ( الشيخ عبد الباسط بن صمد)...هذا إلى جانب الكثرة الكاثرة من المدارس الفقهية والعلمية في ربوع كوردستان داخل الخلافة الإسلامية، و بعدها... والتي أصبحت مناراً عالمياً يستقطب الطلاب والعلماء في البلاد الإسلامية، ولا سيما مدرسة النور للشيخ النورسي، و مدارس وخانقاه بياره...إلخ.
والذي يحسر قلب الصادق في الإنسانية ألماً، أنهم في الأخير أصبحوا يتيم الأمّة الإسلامية، وانتزع حقوقهم من قبل اتفاقية سايكس بيكو المشؤومة، والتي قسمت كوردستان الكبرى، و بتعبير أصح إلى خمسة أقسام (تركيا، و إيران، والعراق، و سوريا، و أرمينيا) وإن لا تذكر (أرمينيا) اليوم، إلّا أنّ فيها نسبة لا بأس بها من الكورد... فهؤلاء ظلموا الكورد حتى في التقسيم بين ثلاث قوميات عظيمة و هي (الفرس والترك والعرب)، و لو فرضنا أن الكورد كان تحت قبضة قومية واحدة، فحسب رأينا لاختلفت الأمور كثيراً، وأصبح للكورد كلاماً أقوى في المشهد السياسي، و لربما حصلوا بطريقة أو بأخرى على الاستقلال.
فهذه القوميات في أكثر الأحايين حينما تخاطبهم تأكل أحدهما الآخر، بدليل (الحرب الإيرانية العراقية، علاقات سوريا وعراق، وعلاقات سوريا والعراق مع تركيا... وهكذا دواليك). ولكن حينما تأتي إلى القضية الكوردية فهم موحّدون....!
وهذه القوميات أصبحت الكثير منهم، يرون الكورد وكأنهم ضيوف، حلّوا على المنطقة،.و الأدنى من ذلك، ينظرون إلى الكورد نظرة دونية، وكثيراً ما يقترب إلى نظرة العبيد، والمواطن من الدرجة الثانية. فإذا أعطوا الفدرالية، أقامت الدنيا عليهم ولم تقعد، و كأنهم يصدّقون علينا!!!... ولكن أليس الصبح لناظره بقريب؟
وا ويلتاه؟ ما حلّت بأبناء مهد البشرية الأولى...ومن هذا الموقف، يستوقفني قصيدة الإمام الشافعي (رحمه الله)، والتي مطلعها (تموت الأسد في الغابات جوعاً)... ، ويحسن بي أن نتعايش معها، فالكورد أضحت كأسود الأمس، لا مأوى لها اليوم، والطامعين بنقيضه.
ففي هذا المقام لا نقصد الشرفاء الأصلاء، الذين يؤمنون بحق الآخر والتعددية والفلسفة الإسلامية الحقيقية العملية، و ماهيات الديمقراطية بتطبيقاتها، بل هؤلاء الطامعين، الذين يطمسون هويتنا في أجزائها الأربعة، ولا يرون لنا حقاً حتي في أخذ أبسط الحقوق، ألا وهي المحادثة والقراءة بلغة الأم؛ فضلاً عن الإدارة الذاتية... إذ يقول الشافعي في هذه القصيدة، و التي تحاكي سياقنا و مقامنا أجمل المحاكاة:
لا تأسفن على غدر الزمان لطالما رقصت على جثث الأسود كلاب
لاتحسبن برقصها تعلو على أسيادها تبقى الأسود أسوداً والكلاب كلاب
تموت الأسد في الغابات جوعاً ولحم الضأن تأكله الكلاب
وذو جهل قد ينام على حرير وذو علم مفارشه التراب

و لكن هذا الشعب رغم الويلات، و طمس الهوية، والأنفلة، وعمليات الكيمياوي، والتتريك، والتعريب، والتفريس، فهو يبقى صامدة، بل و يستعد من جديد... فكما يقول الشاعر العربي الكبير (محمد الجواهري):
شعبٌ دعائمه الجماجمُ والدمُ تتحطم الدنيا، ولا يتحطّمُ

النتيجة
وتأسيساً على ما سبق، فإن شعباً عانى الأمرّ، و هو صاحب مهد البشرية، وتربتها مباركة، وحضارتها أصيلة، و مكانتها في المنطقة متجذرة بأكثر من (8)آلاف قرون، وخدم الحضارة البشرية الأولى والإسلامية بعظماء قادتها وعلمائها، والتي لربما تزيد علماؤها على الثلث في الحضارة الإسلامية، وأرضها مقسّمة، وشعبها مجزأة، مؤنفلة، مهجّرة، مقصوفة بالغز السام، فليس له صديق، و محاط بألدّ الأعداء، يتيمين في العالم الدولي والإسلامي والعربي...
ومن فخامة هذه الركائز، وعظمة المعاناة والآلام التي تنفرد بها، أليس من الأجدر أن تكون قضيتها هي الأولى من قضية فلسطين...لأن الثانية أصبحت عالمية أكثر، ولها كثير من يناصرونها في شرق الأرض ومغاربها، لما فيها من القبلة ألأولى، و المآسي الإنسانية التي حلّت بهم، حظيت بإعلام عالمي أكبر، رغم أن هذه القضية أصبحت اليوم سندويج حكام دول العربية، و أخرجوها من إطارها العالمي، وجعلوها في أغلب الأحايين عربية خالصة، بل جعلوا هذه القضية في حالة مفعول به في أكثر الأحوال، تحت ظلّ أنظمة تلك الحكومات العربية....!!!


pna
Top