النكتة وعلاقتها باللاوعي
![النكتة وعلاقتها باللاوعي](https://gulanmedia.com/public/site/images/single/1.jpg)
وقبل أن أسرح بعيدا في الكلام أقول لك مرجعيتي في فهم الصفات التشريحية لها.. إنه فرويد ناظر مدرسة التحليل النفسي في العصر الحديث، وذلك من خلال كتابه غير المشهور «النكتة وعلاقتها باللاوعي». طبعا الفكاهة لم تكن مهنة ذلك الرجل صاحب العقل الجبار في فهم النفس البشرية، وتأليف هذا الكتاب له حكاية، فبعد كتابه في بداية القرن الماضي عن الأحلام، أرسل صديق له معلقا بأنه يحلم أحلاما أشبه بالنكتة، وهنا بدأ ذلك العبقري في البحث عن الصلة بين النكتة كما يصنعها اللاوعي، والحلم.. وكانت نتيجة بحثه هي أن اللاوعي هو المسؤول عن صنع النكتة تماما كما هو مسؤول عن صنع الحلم.
هنا أصل معك أيها الشاب المشتغل في هذا الميدان، ميدان الضحك والنكتة والفكاهة، إلى محطة القيام وهي أن النكتة ليست من صنع الوعي، بل هي من صنع اللاوعي. وبذلك يكون بحثك عنها بوعيك يصل بك إلى الاستظراف وإلى ما هو أسوأ وهو السخرية. النكتة جادة تماما مثل الحرب، والكوميديا شخص جاد بل يكاد يقتله الجد، لكنه لا يبحث عن النكتة بل هي التي تبحث عنه. دعني أزل قليلا من الغموض عن كلامي.. كل ما هو مصدره اللاوعي نحن عاجزون عن التحكم فيه، بل هو الذي يتحكم فينا، ولما كان هدف النكتة هو الصلاح والإصلاح، لذلك فإنها تتعامل مع الخطأ الذي لا تراه الناس بهدف استحضاره أمام أعينهم فيخجلون من ممارسته. صانع الفكاهة حساس جدا للأخطاء، كل أخطاء البشر من حوله تتسلل إلى لاوعيه، وتضغط على أعصابه بقوة إلى أن تتمكن من الخروج لكي تواجه هدفها. معنى ذلك أن صانع الفكاهة لا يستطيع أن يجلس إلى مكتبه ويسأل نفسه: ترى ما هو الخطأ الذي سأكشفه للناس لأفجر عندهم الضحكات؟
لا بد أن يطارده الخطأ في اليقظة والمنام، أي أنه لا يطارد النكتة ليمسكها، بل هي التي تطارده لكي يسمح لها بالخروج من أعماقه. هذا هو بالضبط ما نعنيه عندما نقول «النكتة حبكت»، أي أنها أصرت على الخروج إلى العلن بدافع لا يقاوم.
معنى الكلام.. في الفكاهة نحن لا نتعامل مع الظرف الشخصي أو خفة الدم، فهذا مسموح به فقط في الجلسات الخاصة، أما عندما نقدمها للناس جميعا فنحن نتعامل مع الخطأ بهدف إظهاره وإصلاح كل ما ترتب عليه من تخلف وعطلة للبشر.