• Wednesday, 17 July 2024
logo

جنيف 2

جنيف 2
وسط جهود دولية مستمرة لانهاء النزاع المسلح الوحشي الدائر في سوريا ، اعلن الرئيس بشار الاسد عن رغبته في الترشح الى الرئاسة عام 2014 . من حيث المبدأ لا يوجد قيد على هذه الرغبة فهي حق من حقوق كل مواطن سوري يجد لديه الاهلية والرغبة في الترشح الى رئاسة الجمهورية . الا ان توقيت الاعلان عن هذه الرغبة يضمر رغبة اخرى جامحة ينطوي عليها منهج محدد في الحكم مفادها : ان الطريق الى الرئاسة يمر من خلال القوة المسلحة وليس من خلال صناديق الاقتراع ، وان مؤتمر جنيف 2 ، لا يختلف عن غيره من المؤتمرات فنتائجه يجب ان ترتبط بالحقائق التي انتهى اليها النزاع المسلح على الارض او توقف عندها . انطلاقاً من هذا التصورالسياسي وليس من تصور آخر اعلن الرئيس بشار الاسد عن غبته في الترشح لدورة 2014 وربما للدورات اللاحقة ، فهو من هذا الباب منسجم مع نفسه ومع المنطق الذي يفلسف له قضية الحكم وطريقة الاستمرار فيه . اذن رغبة الفرد لا تكفي لوحدها سلماً الى السلطة اذا لم تستند الى قوة غالبة على الارض . هل يعني ذلك ان الاسد مطمئن الى انه قد هزم الثائرين المسلحين على الارض ، وانه قد ابعد شبح الضربة العسكرية الخارجية بتسليم ترسانته الكيمياوية ؟ وعى بشار الاسد بعد عام من عودته من بريطانيا بعد وفاة الاسد الاب بأن الفساد واللاعدالة يشكلان اعمدة الخيمة التي كانت سلطة والده تستظل بها ، وانه اذا ما اراد ان يظل رئيساً مدى الحياة فعليه ان يطوي اوراق مشروعه الاصلاحي . هكذا طوى الرئيس الابن مشروع اصلاح نظام والده وانتمى كلياً الى رغبته في ان يكون رئيساً لا مصلحاً . ينتمي نظام الاسد الى مرحلة في تاريخ العرب الحديث ابتدأت بحركة ناصر العسكرية عام 1952 وانتهت عملياً بثورات الربيع العربي العظيمة . ( عظمة هذه الثورات كامن في انها جعلت من فكرة التعددية ومن آلية الانتخابات حقيقة من حقائق الممارسة السياسية كان من المستحيل التفكير بها في المرحلة التي افتتحها الزعيم ناصر .) فنظام الاسد ينتمي الى مرحلة في تاريخ العرب الحديث لم يكن فيها الشعب هو الذي يقرر مصير الحكومات بل ان القوة العسكرية هي السلم الذي ارتقت من خلاله تلك السلطات الى السلطة . حاز نظام الاسد على دعم اقليمي خارجي ساعدته على ( مقاومة ) زحف الثائرين الذي اختلطت فيه بنادق الديمقراطيين مع بنادق الارهاب ، وهذا ما منح لحكمه زمناً اضافياً بتردد الخارج من مساعدة الثوار بأسلحة متطورة خوفاً من ذهاب السلاح الى ايدي القاعدة وحلفائها المحليين كجبهة النصرة وجماعة الدولة الاسلامية في العراق والشام . مثلما ساعدته هذه الدول بأن ابتكرت له مناورة من طراز فريد : تفكيك ترسانته الكيمياوية مقابل تخلي العالم ( الامبريالي والصهيوني ) عن توجيه ضربة عسكرية له على ما اقترفت يداه من جريمة ضرب شعبه بالسلاح الكيمياوي . اذن لم يعلن الاسد عن رغبته هذه الا بعد ان اطمأن ، بانه اصبح مجدداً قوة فعلية على الارض . وان هذه القوة لا تستطيع العيش او التعايش مع قوة اخرى في الفضاء السياسي السوري ، فأما ان تحتكر السلطة واما ان تنتهي ولا طريق آخر امام حل الازمة او بالاصح كارثة سوريا ... تقول وقائع احداث التاريخ العالمي خاصة بعد الحرب العالمية الثانية التي نشطت فيها حركات الاستقلال الوطني لبلدان العالم الثالث : بأنَ زعاماتها السياسية واحزابها “ القائدة “ لم تشرع بالتأسيس لحياة ينعم فيها المواطنون بالأمن وبالكرامة الشخصية ، بل واصلوا النهج الاستعماري نفسه : نهب ثروات شعوبهم وتحويل حياة مواطنينهم الى مستنقع يطفون فوق مياهه الآسنة . ووسط هذه المستنقعات يعلن هؤلاء الرؤساء - الحيتان عن رغباتهم الشخصية في ان يظلوا مالكين لشعوبهم مدى الحياة....

إسماعيل شاكر الرفاعي

‌puk
Top