• Wednesday, 17 July 2024
logo

مواجهة الإرهاب في كردستان

مواجهة الإرهاب في كردستان
ليس فقط قدرة الأسايش وتضحياتهم الفاعلة هي التي واجهت البهائم المفخخة التي تمت في العملية الأخيرة التي استهدفت مقر الأسايش في أربيل، وليس فقط الشجاعة الفائقة والبطولة التي أبدتها عناصر حراسة المكتب وسط عاصمة الإقليم ومدينة الورود، إنما كان هناك تفاعلا شعبيا وانسجاما بين الشارع وبين عمل تلك القوات، كان هناك وعيا استخباريا يعتمد على تمازج الشارع الكردي وتفهمه باستهدافه من قبل التنظيمات الإرهابية لتخريب كل معالم الحياة في الإقليم، وأنه لايستهدف الأجهزة والأبنية الحكومية فقط، بل أنه يستهدف الإنسان أينما كان، كما يستهدف الحياة ووسائل البناء والإعمار التي تخطط لها قيادة الإقليم، والتي أحرقت فيها مراحل طويلة من أجل أن يكون الإقليم أنموذجا في بناء أسس العمل الإنساني والتطبيق الديمقراطي والحياة الحرة والكريمة .

كان استهداف مدينة اربيل وهي ترفل بثوب ربيعها الدائم وتستعد لعام 2014 بعد ان صارت بجدارة عاصمة السياحة وملاذ العراقيين كلهم عملا يصل الى حضيض وغباء العقل الإرهابي الذي يتوقف عن العمل عندما يعتقد انه يستطيع ان يتغلغل وسط جسد كردستان وينشر الرعب بين اهله ومحبيه، عازفا عن معرفة تلك الوشائج المتينة بين عناصر الأسايش وبين المواطن الكردي، تلك الروابط التي نسجتها البيشمركه التي ناضلت وقاتلت الأنظمة الظالمة والبائدة التي انتهكت الحياة في كردستان العراق، و ليس اكثر دلالة من تلك المواجهة الشجاعة التي ابدتها عناصر الحماية التي تعاملت مع هجوم البهائم المفخخة بدقة وحزم، ثم في تمكنها من تفكيك تلك الخلايا والتوصل الى خيوطها ومنابعها في وقت قصير، مما يدلل على القدرة التحقيقية والعقلية القانونية التي التزمت بكشف كل مكامن القضية وعرضها على قيادة الإقليم وعلى الناس ايضا .

واذا كانت الأجراءات التي تقوم بها قيادة الأسايش بين فترة واخرى تزعج بعض الناس، فانها بالمقابل تعبر عن الحرص والأمانة في التدقيق والمراقبة وهذه الاجراءات لحماية الناس من الفعل الإرهابي، ووقاية الإقليم من عمليات تستهدف تخريب الحياة وعمليات البناء فيه، وهذه العملية الإرهابية التي انكشفت ربما لم تكن العملية الإرهابية الأولى التي تستهدف الإقليم، انما هناك شروع ومخططات عديدة باءت بالفشل نتيجة الوعي والتصدي لها من قبل قوات الأسايش التي تستحق التقدير والشكر لعملها ووعيها وحرصها على حماية الأرواح والممتلكات، ودفاعها الشجاع عن مقرها، وليس جديدا ان كل العراقيين يعتبرون كردستان واحة الآمان والجمال التي يستظلون بها من ايامهم الخانقة في مدنهم التي يعيث الإرهاب بها وتنتشر الجريمة بشكل ينغص حياتهم ويرعب عوائلهم .

كان يوم 29/9/2013 شاهدا حيا على حجم تفكير تلك البهائم المفخخة التي نزعت ضميرها ومات فيها الأحساس الديني والإنساني لتواجه عناصر من الشباب التي تتطلع لحياة آمنة وكريمة ومستقبل واعد بعد حرمان طويل، كما ان المفارقة ان تأتي العملية الإرهابية بعد النجاح الباهر التي حققه الإقليم في العرس الديمقراطي الأنتخابي وأختيار اعضاء برلمان كردستان لقيادة العملية التشريعية في الإقليم . تلك المواجهة بين فكر بليد متعفن وبين عقل منفتح لبناء الإنسان قبل بناء مستلزمات الحياة، وبناء الاقتصاد المتين قبل الأهتمام بالمناصب والمراكز، تلك المواجهة بين إلتزام الأسايش في احترام الفكر والعقيدة والرأي والأديان وبين عقول ممسوحة لاترى ابعد من تطرفها ونزوعها للجريمة وممارسة الفعل الإرهابي ، مواجهة بين من يريد البناء والعيش تحت ظل الشمس ومن يريد التخريب والبقاء في كهوف الجبال المظلمة، بين من يتطلع للمستقبل وبين من يكره النور والفرح .

وستبقى كردستان منيعة باهلها وبوعيهم وتفاعلهم مع الأجهزة الأمنية، وستبقى عيون الجميع مفتوحة على فعل الغادرين والجبناء ممن يتحين الفرص للفتك باهلها وتلطيخ حياتهم بالدماء، وستبقى تلك العلاقة بين المواطن والأجهزة الأمنية هي مفتاح المواجهة بين الأجهزة الأمنية وبين قوى الإرهاب، ويبقى اعتماد الأسايش على عيون المواطن ورصده كدليل استخباري مهم لرصد كل التحركات المريبة والشاذة التي ستكشف شروع تلك المجاميع التي لاضمير لها في العمل الأجرامي الإرهابي، وتلك العلاقة هي الرصيد الكبير الذي تحافظ عليه قوات الأسايش المتكونة من ابناء البيشمركه والشهداء وضحايا الأنفال، وهم جزء فاعل ومهم من هذا الشعب الذي قرر أن يشرع ببناء الإنسان والبنى التحتية، وأن يتجاوز الزمن لتعويض تلك الأزمنة الكالحة التي عاشها الإقليم تحت ظل حروب السلطات المدججة بالسلاح، وانتصرت اخيراً إرادة الشعب ليعم السلام والخير ولتصبح كردستان العراق الواحة الجميلة التي تضم كل الأكراد اينما كانوا، ويتم ممارسة التسامح والوئام بين اهلها، ليتشارك الجميع في بناء الغد الكردستاني .

المطلوب اليوم اكثر من ذي قبل مزيدا من الوعي والتدقيق، وعلى المواطن الكردستاني اينما كان ان يكون عيون واعية مفتوحة لرصد تحرك الجماعات الإرهابية المتسترة باغطية الدين وحقوق الإنسان والتعارض مع السلطات، والمطلوب ايضا ان يكون حجم التصدي لهذه الجماعات المتطرفة والتكفيرية متناسبا مع عقلياتها ومقاصدها التخريبية، وان يتم معالجة منابعها وأصولها، وهذه النماذج الغائبة عن الوعي لاتعيش في الوسط الديمقراطي ولاوسط الأنسجام والتفاهم السياسي، ولاتجد لها مكانا وسط التلاحم الوطني والتشارك الفعلي والحقيقي في البناء، ولذلك يتحتم على جميع الأحزاب وعلى منظمات المجتمع المدني و رجال الدين المتنورين أن تقوم بدورها الفاعل في زيادة وعي المواطن الأستخباري والثقافي والتلاحم مع الأسايش لرصد كل الأفعال التي قد تمارسها تلك الجهات لتخريب حياة الناس في الإقليم، كما يتعين على قيادة الإقليم مزيدا من القرارات والتشريعات التي تدعم حياة المواطن وترفع مستوى دخله وكلنا ثقة من ان جميع الوعود التي قطعتها على نفسها سيتم تحقيقها من اجل بناء الإنسان في الإقليم وهو ايضا يساهم بشكل بناء في بناء الإنسان العراقي اينما كان.



زهير كاظم عبود

‌puk
Top