خطاب البارزاني في المؤتمر العالمي للأحزاب والاطراف الديمقراطية ................عبدالغني علي يحيى
عهدي به وكعادته، بدا مقلاً في الكلام، ملتزماً بـ: (خير الكلام ما قل ودل) حين ذكر باقتضاب دور حزبه في الحركة الوطنية وانجازاته للشعب والوطن الكردستانيين، ولكي لا يتهم بالحزبية الضيفة فأنه لم يغفل الأشارة إلى دور الأحزاب الوطنية الاخرى في تلك الحركة، لأجل تحقيق الديمقراطية للعراق التي قال، ان غيابها (الديمقراطية) كان سبباً كبيراً للويلات التي توالت على البلاد العراقية. ويقترن أسم حزبه بالأنجازات العظيمة التي تحققت للكرد، سواء قبل ظهور التعددية الحزبية في كردستان العراق أو بعدها، ففي الفترة 1961- 1975 كان حزبه، الحزب الكردي الوحيد في الساحة السياسية، قد ارغم حكومة انقلابي شباط 1963 على اطلاق سراح السجناء السياسيين الكرد، وتحت ضغط منه اصدرت تلك الحكومة قانون اللامركزية لمعالجة القضية الكردية، وفي 10 شباط من عام 1964 اجبر حكومة عبدالسلام عارف على اذاعة ونشر بيان لمعالجة القضية الكردية، والشيء نفسه تكرر مع حكومة عبدالرحمن عارف وعبدالرحمن البزاز في 29 حزيران من عام 1967. وبعد اكثر من عام على ذلك التطور، اضطرت حكومة البكر في 11 آذار عام 1970 إلى اصدار بيان أقر الحكم الذاتي لكردستان العراق.
على المنصفين، بمن فيهم المختلفون مع البارزاني، أن لا يديروا ظهورهم لتلك الحقائق ولكفاح البارزاني مصطفى الذي استغرق ما يقارب النصف من القرن، لأجل الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان. وكان من الطبيعي ان يكون حزبه المبادر بعد انتفاضة عام 1991 للدعوة الى انتخابات ديمقراطية ادت الى ظهور برلمان كردستان، ويكاد يكون الحزب الديمقراطي الكردستاني من بين الأحزاب الكردستانية والعراقية كافة الاكثر تمسكا بالديقراطية في حياته الحزبية الداخلية، اذ عقد وبشكل منتظم مؤتمراته التي بلغت منذ تأسيسه عام 1946 (13) مؤتمراً. ولقد انعكست الحياة الديمقراطية الداخلية للحزب على سياساته الكردستانية والخارجية كذلك في دعوته الى الديمقراطية ابداً ورفضه للدكتاتورية. ولم ينطق البارزاني إلا بالحق حين اشار في مؤتمر روما الى تثبيت الحقوق للأقليات القومية والدينية في كردستان، فهذه الأقليات تتمتع بحقوق جد واسعة لها وذلك خلافاً للأقليات المغلوبة على امرها في الدول المجاورة لكردستان مثل ايران وتركيا وسوريا المحرومة من ابسط الحقوق.
وتتجلى عظمة الشعب الكردستاني ووعيه الرفيع في السرعة التي أظهرها في مجال اعمار القرى الكردية، فلقد تمكن خلال الأعوام الماضية من بناء وإعمار 4000 قرية من مجموع 4500 قرية دمرت على يد النظام العراقي السابق. والذي يثير في المرء الأعجاب، أنه بعد أن كانت بيوت القرى المدمرة مبنية من الطين، فأن أعمارها تم بالجص والحجر والطابوق والكونكريت المسلح، وبذلك اصبحت القرى الكردستانية عصرية بمعنى الكلمة. في وقت نجد فيه، ان هنالك الآلاف من القرى العراقية في وسط العرق وجنوبه والخاضعة للحكومة المركزية، مازالت طينية على حالها، واذكر انه كانت في محافظة نينوى قبل سقوط النظام العراقي السابق ما يقارب الـ 800 مدرسة مبنية من الطين.
لقد أنجز الشعب الكردي إعمار بلاده التي خربتها الحروب ودمرتها في فترة جد قياسية من دون دخول ما يشبه (مشروع مارشال) على خط البناء والأعمار ويساهم في اعادة اعمار وبناء كردستان، كما حصل بعد الحرب العالمية الثانية في أوروبا التي نهضت بلدانها من جديد بفضل مشروع مارشال. كل هذا وقد عجزت الحكومة المركزية العراقية من النهوض بوسط العراق وجنوبه كالنهوض الذي شهده ويشهده أقليم كردستان ولا نغالي اذا قلنا ان الجنوب والوسط من العراق سيظلان على حالهما، مالم تسلك الحكومة المركزية طريق البناء والأعمار، بدل سلوك طريق عسكرة المجتمع وتخصيص ميزانية ضخمة لوزارتي الدفاع والداخلية.
اننا نتمنى ان تكون الحكومة العراقية، حكومة خدمات لكي تتحسن احوال الناس في المحافظات الخاضعة لها.
واذكر قبل سنوات كيف شبه زوار اجانب لكردستان، ومن بينهم الصحفي التركي ايلينور جيفيك، شبهوا اقليم كردستان بانه سيكون سويسرا الشرق في المستقبل وللصحفية التركية سعادت اوروج اقوال مماثلة حول مستقبل كردستان ناهيكم عن صحفيين وسياسيين عرب وأجانب.
وفي كلمته التي القاها في روما، صورة رائعة للتعايش والتسامح والعفو في كردستان، وذلك في معرض تذكيره بالمذابح التي تعرض لها شعب كردستان على يد الحكومة العراقية السابقة 1968 – 2003 التي افقرت البلاد واهانت العباد واتت على الأخضر واليابس، وسلطت الانفال والكيمياء على الكرد وغيبت نحو 182 الف انسان كردي عن الأنظار، ومع هذا، فان الكرد لم يمارسوا الانتقام ضد المسيئين الى شعبهم ووطنهم، اذ فضلوا اللين على الشدة، فجاء(عفا الله عما سلف) ليكون شعاراً للكرد ومبدءاً وبفضله نالوا اعجاب العالم المتمدن، علماً ان قلة من الأمم والحكومات الانقلابية والثورية انتهجت ذلك السلوك قبلهم ونبذت الانتقام عندما حررت اوطانها أو انتزعت السلطة من اعدائها، فالحكومات الانقلابية العراقية السابقة، كان انتقامها لخصومها بلا حدود، فبعد سيطرة انقلابيي 14 تموز عام 1958 على الحكم في العراق، فان أول ما أقدموا عليه في الساعات الأولى لأستيلائهم على السلطة هو إبادة العائلة المالكة بطريقة جد وحشية، وبعد ذلك راحوا ينتقمون من رجال العهد الملكي، فأعدموا من أعدم وسجنوا من سجن. فيما أصدر انقلابيو 18 شباط 1963 البيان رقم 13 لأبادة الحزب الشيوعي العراقي، وكان بحق بياناً مشؤوناً على حد وصف بعضهم له، والذي من جرائه اعدم وقتل المئات من الشيوعيين والديمقراطيين، وكانت قترة الـ 35 عاماً الثانية من حكم البعث، فترة أنتقام من الخصوم وتصفية لأجساد معارضيه. وحتى بعد سقوط ذلك النظام، فان منظمات حقوق الأنسان في العراق وخارجه سجلت على حكومة بغداد الحالية ممارسات ترقى الى عقاب جماعي ضد الخصوم في الوسط والجنوب من العراق. الأمر الذي لم تشهده كردستان التي تحولت إلى واحة للديمقراطية يسودها الاستقرار والأمان واشكال الحريات، بحيث اغرت العراقيين سيما العرب السنة بالهجرة والنزوح إليها طلباً للأمان والرزق في آن معاً. وفي كلمته موضوع المقال، أورد البارزاني حقائق كبيرة حين قال بتوجيه عشرات الالاف من العوائل العربية العراقية الى اقليم كردستان، اضافة الى توجه 12000 عائلة مسيحية اليه، وما زالت موجة النزوح الى كردستان تتواصل. وعلى ذكر المسيحيين يجب الأشارة إلى أنهم يعيشون في حرية وأمان وكرامة في كردستان، ولا يتعرضون إلى أي شكل من أشكال الاضطهاد فيها، ولم تتعرض اية كنيسة لهم إلى التدمير والخراب على يد أحد، وكما حصل في المدن الخاضعة للحكومة العراقية، حيث تعرض العديد من الأديرة و الكنائس الى التدمير والتفجير وذبح المئات من المسيحيين ومن بينهم رجال دين، ذبح الشاة. وتكاد مدينة عينكاوا المسيحية القريبة من اربيل ان تكون احدى اجمل المدن في الشرق الاوسط، بعد ان كانت شبه قرية كبيرة في ظل الحكومات السابقة. وليس المسيحيون في المدن العراقية وحدها يعيشون في رعب وخوف ومحنة انما مسيحيو مصر وسوريا وباكستان ونيجيريا..الخ من اقطار اسلامية. وتبقى كردستان استثناءً. لذا على العالم المسيحي الاوروبي و الأمريكي بالأخص ان يأخذ هذا الواقع بنظر الاعتبار ويكونوا عوناً لشعب كردستان بمسلميه ومسيحيه، وغيرهما. ان كلمة البارزاني دعوة لهم بهذا الاتجاه. وفي روما كما في أربيل، فأن البارزاني، يبقى على موقفه الثابت في رفض التفرد بالسلطة والدكتاتورية في العراق، اكثر من مرة قبل سفره الى اوروبا وحضوره مؤتمر روما، وكرر ان لا جدوى من اللقاء بالمالكي والجلوس معه على طاولة واحده، الذي عده مضيعة للوقت، ومعلناً عن يأسه من التفاهم معه ومع حكومته. وفي روما جدد موقفه الرافض للدكتاتورية مشيراً إلى خيارات للكرد في حال توجه النظام إلى الدكتاتورية وبأن الشعب الكردي لن يقبل العيش في ظل نظام دكتاتوري بل ويقاومه.
واحتلت الأحداث الشرق – أوسطية المأساوية الراهنة، حيزاً واسعاً من إهتماماته، حين قال أن منطقة الشرق الاوسط تعيش مرحلة حساسة مليئة بالمتغيرات السريعة، مؤكداً بصورة غير مباشرة على عدم وقوفه على الحياد بين الحكومات الجائرة والجماهير المظلومة، حين أعلن عن دعمه التام والكامل للشعوب السورية في سعيها لنيل الحرية والديمقراطية وحق تقرير المصير. لقد سجل البارزاني هذا الموقف بعد الأيام الأولى لأندلاع الثورة السورية، ساعياً في الوقت عينه الى توحيد الصف الكردي في سوريا واستقباله لقادة المجلس الوطني السوري الانتقالي اضف الى ذلك فتحه لأبواب اقليم كردستان على مصاريعها أمام تدفق اللاجئين السوريين الذين وجدوا كل الرعاية من لدن الحكومة الكردستانية. وعندما زارت الممثلة السينمائية العالمية (أنجلينا جولي) مخيماتهم، أبدت أرتياحها من وضعهم، في حين ذرفت الدموع على اوضاعهم في الأردن، ويأتي دعم البارزاني للثورة السورية من قوله (ان سوريا تمثل لنا أهمية خاصة).
ان تأييد ومساندة الكرد لحركات الشعوب العربية الثورية سيما في مرحلة الاستعمار لا يحتاج الى دليل، فلقد ساند نضال الشعب الجزائري في حينه وقبله وبعده نضال الشعب الفلسطيني، اما تأييد البارزاني لحق الكرد في الأجزاء الاخرى من كردستان، فهو نهج لا يتزعزع بل ومن الثوابت في سياساته ومواقفه، سواء للكرد في الدول التي تشده اليه علاقات حسنة كتركيا مثلا أو خلاف ذلك، وفي كلمته في مؤتمر روما دعا إلى ايجاد حل عادل للقضية الكردية في جميع اجزاء كردستان وبأسلوب سلمي ديمقراطي بعيد عن العنف أو استخدام القوة الغاشمة. وما زالت زيارة البارزاني الحالية الى اوروبا، تثير تساؤلات كثيرة وتفسيرات متناقضة، فعند بعضهم انها تزامنت مع عودة الرئيس طالباني الى العراق من المانيا، وما يترتب عليه من لقاء مع اقطاب الحكم العراقي لدى استقبال الطالباني، وعند الدكتور محمود عثمان النائب المستقل المحسوب على التحالف الكردستاني، انها كانت مفاجئة وهذا القول منه يثير اكثر من تساؤل، في حين ذكر مصدر، ان زيارته لأوروبا لا علاقة لها بعودة الطالباني واخيراً وضع الشيخ أدهم البارزاني النقاط على الحروف لما قال، ان البارزاني لم يكن يريد اللقاء بأقطاب الحكم في العراق، وهو الأرجح، وعند كاتب هذه السطور، ان زيارة البارزاني الى اوروبا والعاصمة الايطالية روما فيها مكاسب عظيمة للكرد العراقيين والشعوب العراقية عامة، ولقد فعل البارزاني حسناً حين آثر طرح القضية الكردية والعراقية في مؤتمر ضم الاحزاب الديمقراطية الكبيرة في العالم على حضور اجتماعات عقيمة لفرقاء عراقيين، لم تثمر عن شيء، ولن تثمر عن شيء في حين ان جولته الأوروبية اعطت ثمارها لما فيه خير اهل العراق بكرده وعربه واقلياته.