• Sunday, 22 December 2024
logo

الكورد ومنطق القوة

الكورد ومنطق القوة
جان كورد
"أريد العيش بدون خوف وبدون أن أضطر لتحية أحدٍ ما لمجرد أنه يشهر سيفاً"
هذا ما يجيب به أحد المحاربين الشجعان الأمير"أوتريد" بطل "المملكة الأخيرة" للكاتب الشهير برنارد كورنويل عن سبب التحاقه به. والرواية تتحدث عن مرحلة الغزو الوحشي الدانماركي لبريطانيا في القرن التاسع الميلادي, إلا أن إجابة ذلك المحارب تعبر حقيقةً عما يشعر به الإنسان الكوردي أو عما يريد البوح به في هذه المحنة السورية الكبرى, حتى بعد مرور قرونٍ عديدة من الزمن على أحداث هذه الرواية الرائعة.

عانى الإنسان الكوردي, بل المجتمع الكوردي بأسره, عبر مختلف العصور والأزمنة, وفي كل الأنحاء التي تواجد ويتواجد فيها, من سوء استخدام القوة ضده, سواءً من قبل الغزاة والمحتلين لأرضه ووطنه, أم من قبل المستبدين به وممتلكي القوة من أبناء قومه. ولذلك فإنه يسعى على الدوام للعيش في عالمٍ ترفرف عليه رايات السلام والأمن والاستقرار, وتختفي سائر مظاهر استخدام العنف والقسر والإكراه ضده كإنسان وكمجتمع. ولايرضى أن يعيش دائماً في بيته وأثناء عمله ولدى ابدائه آراءه السياسية أوعقيدته الدينية, وهو خائف على نفسه من عدوان خارجي أو اعتداءٍ من قبل أحدٍ عليه. وهذا ما حفر في شخصيته الكوردية آثاراً عميقة, تتمثل برفض العنف وكره المعتدين وعدم القبول بأن يصبح هو أو أي أحدٍ ممن يعيش معهم ضحيةً من ضحايا القوة الغاشمة والظلم والعدوان.

اليوم, في غرب كوردستان التي تقع على شفا بركانٍ هائج, حيث الشعب السوري يواجه نظاماً مفرطاً في استخدامه للقوة تجاه معارضيه وتجاه شعب سوريا إجمالاً, لايزال البعض من كوردنا أيضاً يفكر بأنه على حق, وما على هذا الشعب إلا الرضوخ له وقبوله كطليعي, لمجرد أنه يمتلك بعض أسباب القوة السياسية والاعلامية والمادية والقتالية الآن, على الرغم من أن طلائعاً أقوى وأطول عمراً من طليعته في المنطقة قد تناثرت وتلاشت وفقدت بريقها, ومنها حزب البعث العربي الاشتراكي الذي لم ينفك عن استخدام كل أشكال مصطلح "الطليعة" في حرب الأربعين عاماً التي أعلنها على من يخالفه مذهبه المتخلف في إدارة شؤون سوريا, وهاهي نتائج سياسات تلك "الطلائع" منشورة للعيان على الأرض السورية اليوم.

كان بعض زعماء العرب يعتقدون أنهم خالدون في السلطة التي استولوا عليها بانقلابات عسكرية, فسقطوا تحت سنابك خيل التاريخ الإنساني والأنين ينبعث من أفواههم كما الرعب على وجوههم, ومنهم من اختفى في الأوكار بعد أن رمى نياشينه وبذلته العسكرية كقائد أعلى لقوات بلاده, عوضاً عن القتال ضد أعدائه أو عوضاً عن الدفاع عن عرشه الذي أراد توريثه لأبنائه من بعده. وكما يبدو أن بعض زعماء الكورد المقلدين لهم لم يعتبروا من درس التاريخ هذا, فإذا بهم يتحدثون أيضاً عن طليعيتهم (بيشه نكي) في المناسبات والندوات والمقابلات التلفزيونية, ناسين أن الشعب الكوردي ليس ملكاً لزعيم يخيفهم أو تابعاً ل"بيشه نك" يزرع في نفوسهم الرعب, فلن يجني سوى الكره والجفاء إن وصل الأمر بالشعب إلى درجة لايتحمل بعدها اقصاءه أو محاولة تدجينه بإظهار العصا والتلويح باستخدامها ضده, في كل مناسبة.

أنا أكثر منكم مالاً وعددا... هذا ما قاله فرعون مصر, فأين هو فرعون مصر؟ الذي بقي حياً هو الشعب المصري وليس الفرعون المصري... وكما أن الرئيس السوري الذي ضرب رقماً قياسياً في تزايد عدد المطالبين بخلعه, لم يتعظ من سقوط آخر فراعنة ضفاف النيل, فإن بعض زعماء الكورد الذين امتلكوا بعض أسباب القوة لأسباب عديدة في هذه المرحلة من تاريخ شعبنا لم يفهموا بعد حقيقة أن التاريخ الإنساني قد تجاوز مرحلة "السير وراء الطلائع", وقيادة الشعوب مثل قطعان الغنم الجاهلة, وإنما بدأت مرحلة احترام الذات الإنسانية والحرية الشخصية, وقبل كل شيء الكف عن الاستهتار بالعقل الإنساني, وبخاصة فإن الامكانات التقنية الحديثة في مجال الاتصالات بين البشر قد رفعت من مستوى المعرفة الشخصية وفتحت آفاقاً عظيمة المسافات والمساحات أمام تطور الوعي الإنساني, على مستوى الأفراد والجماعات, بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ.

لذا, آمل أن تتخلى زعاماتنا عن سياسات "اقصاء الإنسان الكوردي" وتهديد "المعارض الكوردي" والتشبث ب"الطليعة" الكوردية لمجرد امتلاك بعض القوى التي تنتفل من يدٍ إلى أخرى كما هي النقود, ولايستطيع أحد الزعم بأنه مالك القوة إلى الأبد, فلو بقيت القوة في أيدي أحد, لبقيت لامبراطورية روما ولبقيت للرايخ الألماني النازي, وكل الذين اعتبروا من ينتقد سياساتهم أو لم يوافقهم على آرائهم "خائناً للوطن وللزعيم", وآمل أن يظل بين شعبنا دائماً للإنسان الكوردي المعارض حيز متواضع موجوداً ولكن بشكل حقيقي, وذلك بالكف عن وشم كل المعارضين بالأردوغانية أو موالاة السلفية أوالارتماء في أحضان الامبريالية ... أوالخيانة للحزب وقائده, فالاستخدام البشع للقوة, الاعلامية أو السياسية, بهذه الصورة المعجرفة يعني عدم قراءة التاريخ والواقع بشكل جيد ومفيد.
Top