• Friday, 17 May 2024
logo

السيىء والمسيء والاسوأ!

السيىء والمسيء والاسوأ!
خيري منصور
لسيء قد يكون فيلما سينمائيا او رسما كاريكاتوريا او حتى قصيدة او مسرحية، لكن السيء لا يلحق السوء الا بذاته، لان الفن الرديء يلحق الاذى بالقضية التي يدافع عنها، اما الاسوأ من كل هذا فهو التعامل مع نصوص او اعمال تخلو من القيمة الفنية والفكرية، وهذا ما حدث مؤخرا مع الفيلم الذي لم اصدق حين شاهدته ان هناك من يجرؤ على ارتكاب جملة من الاخطاء دفعة واحدة وفي عمل واحد، فالفيلم بلا اية مرجعية تاريخية موثقة، واداء الممثلين فيه اقل بكثير من اداء الهواة في مراحلهم الاولى، والاخراج له قصة اخرى نتركها للمتخصصين فقد يكون نموذجا للرداءة التي يجب تجنبها!

ردود الفعل الامريكية بدءا من الرئيس اوباما ومرورا بوزيرة خارجيته وانتهاء بالمعلقين السياسيين والصحفيين تندرج في خانة السيء.

لانها حاولت امساك العصا من الوسط حول قضية جادة وحاسمة ولا تقبل مثل هذه الرخاوة وحين تقول السيدة كلينتون ان البلد الذي اعانته والمدينة التي ساهمت في تحريرها وهي بنغازي كافأت امريكا بقتل سفيرها وعدد من الدبلوماسيين اضافة الى احراق مبنى القنصلية، واول ما يفهم من هذا ان كل الشعب الليبي تحالف على قتل السفير وإلحاق الاذى بالقنصلية، والحقيقة عكس ذلك تماما، واظن انه من المبكر على السيدة كلينتون ان تعيّر الليبيين بهذه الاعانة، لان معنى ذلك ان كل من سيعارض سياسة بلادها مستقبلا سيعد ناكرا للجميل!

اما الرئيس اوباما فقد تزامن هذا الحدث مع حملته الانتخابية لولاية ثانية، ولمثل هذه المواسم في امريكا متطلبات وحيثيات عديدة. ولعلها ما فرض على الرئيس تلك الصياغة الرخوة والوسطية ازاء حدث جسيم.

ولان العرب لا يقرأون. سواء قال ذلك موشي دايان او اي تقرير عن التنمية البشرية فان ما ألحقه مستشرقون منذ قرنين بالعرب والمسلمين هو اضعاف مضاعفة لما اقترفه القس المتطرف جونز. وهنا اقول بلا اي حرج او اعتذار انني اصدرت كتابا قبل عشر سنوات بعنوان الاستشراق والوعي السالب اوردت فيه اكثر من مئتي مثال لما يقال في الغرب عن العرب والمسلمين وعبارة العربي كابن شارع اوردتها باربع لغات، لهذا لم يقل القس المتعصب والاعمى اكثر مما قال جورج باتاي وطوسون وبرنارد لويس وارنيست زينان ولو شئت استكمال القائمة لما اتسع لها المقام والمقال معا!

الاسوأ من السيء هو التعامل معه، خصوصا اذا تعهد بتسويقه رغما عن ارادته، لان طريق الجحيم كما يقال معبد بالنوايا الحسنة.

لهذا غاب عنا امران ازاء التعامل مع هذا الفيلم، اولهما انه لم ينتج ويبث من مؤسسة رسمية في امريكا، وثانيهما انه مجرد حلقة في سلسلة موروث استشراقي يجب ان يراجع وتراجع رواسبه واصداؤه في مناهج التعليم في اوروبا والولايات المتحدة .

والفلم يسيء الى امريكا التي صدر منها لانه رديء فنيا في بلد ضليع في صناعة السينما ويسيء لثقافة تزعم احترام الاخر والعقائد وتحتكر الدفاع عن حقوق البشر.

ان فيلما كهذا اشبه بافعى من مطاط قد تخيف طفلا للحظة لكنه سرعان ما يحولها الى دمية ويغرقها بلعابه.

والمسألة ابعد من رسم كاريكاتوري او فيلم او حتى رواية، فهذه كلها من افرازات حقبة كولونيالية قدمنا فيها الاستشراقُ كعرب ومسلمين وحوشا وسفاحين وعقلنا غير منطقي، وتاريخنا كله الف ليلة وليلة وجنس وبخور وغلمان!
Top