• Friday, 17 May 2024
logo

الربيع العربي..مخاوف محقة من تجربة كتجربة الانقلابات اعسكرية

الربيع العربي..مخاوف محقة من تجربة كتجربة الانقلابات اعسكرية
عندما عقد مؤسسة الفكر العربي مؤتمرها الاخير ,الذي عقدته في دبي تحت عنوان"ماذا بعد الربيع العربي؟"فان هذا يلخص كل المخاوف التي بدات تساور بعض الذين راهنوا على ان هذه الثورات ستاتي بمستقبل مزهر وواعد ,طالما ان الانظمة التي طالبت ساحات وميادين التحرير بسقوطها قد سقطت, لكنهم سرعان ما اصيبوا بالاحباط وبالياس وجدوا انفسهم امام كل هذه المستجدات المقلقة التي لم يكونوا يتوقعونها , وذلك الى حد ان بعضهم بسبب عدم فهمهم لقوانين الثورات التي يقول بعضها "ان الثورات يصنعها الشجعان ويقطف ثمارها الانتهازيون " قد بداوا يتحسرون على الماضي القريب ويتمنون لو ان حسني مبارك يعود ليعود معه الامن والاستقرار ولتنتهي كل هذه الفوضى التي اغرقت البلاد والعباد.
وبالطبع فان هذه الحالة نزق مثلها مثل من لايجد في لحظة من اللحظات القاسية الا ان يضرب راسه او يشد شعر راسه بعنف وبقوة او يعض على شفته السفلى حتى يدميها , فالناس الذين لجهلهم بقوانين الثورات وظروفها والمعاناة التي لا بد من ان تصاحبها والتي تشبه الاوجاع التي تعاني منها المراة لحظة ولادتها, ظنوا ان الانتقال من الحاضر الذي اصبح الان ماضيا الى المستقبل المزهر الذي يحلمون به سيكون سهلا وسيتم بلا عوائق ولا منغصات وفي لحظة"كن فيكون".
ما كان الذي ظنوا ان هذه الثورات ستنقلهم من واقع ماساوي ومؤلم الى الواقع الجديد الذي يتوقعونه بلمح البصر وبسرعة انه سيكون هناك كل هذه الانفلاتات الامنية وكل هذه الفوضى العارمة وكل هذه المعاناة وكل هذه الطوابير من الانتهازيين والمتسلقين وكل هذه الظروف الاقتصادية الماساوية والبائسة وكل هذا التنافس الاستقتالي بين الاحزاب التي بقيت تنتظر على الارصفة , عندما كان الشبان الثارون يملاؤن الشوارع والساحات العامة ويستقبلون الرصاص بصدورهم العارية بشجاعة منقطعة النظير , وعندما تاكدت الانتصارات سارعت الى ركوب الامواج والى سرقة انجازات حققها هؤلاء الشبان مما ادى الى كل هذا الاحباط والياس والى الانخراط في التحسر على الماضي القريب والتمني بان تعود الانظمة المطاحة بكل اخطائها وخطاياها وبكل فسادها وتجاوزاتها , وذلك لانها حسب هؤلاء كانت التوتر الامن على الاقل .

كل الثورات التي عرفها التاريخ , وفي مقدمتها الثورة "البلشفية" في عام1917التي اسقطت حكم القياصرة من اسرة رومانوف الشهيرة وجاءت بحكم الحزب الشيوعي بقيادة فلاديمير لينين وجوزيف ستالين والثورة الصينية التي قادها ماوتسي تونغ مستندا الى حزب شيوعي منظم تنظيما حديديا , ومن بينها ثورات التحرير كالثورة الفيتنامية والثورة الجزائرية قد عانت في بدايتها من مثل هذه الارتباكات الفوضى التي تراها الان في مصر وفي تونس وفي ليبيا وسنراها بالتاكيد في اليمن وسوريا وفي كل الدول التي ستغشاها هذه الامواج العاتية , والمعروف ان الثورة الفرنسية العظيمة , التي قلبت بالنتيجة اوضاع فرنسا راسا على عقب , واوضاع اوروبا كلها ,كانت ثورة مقاصل وسجون ومعتقلات واعدامات بلا محاكمات , وكانت ثورة فوضى عارمة ادت الى حروب اقليمية طاحنة والى ويلات كثيرة .

ان مشكلة هذه الثورات العربية التي اصابت كثيرين بالاحباط والياس وجعلتهم يتحسرون على الماضي القريب ويتمنون عودته سريعا , انها جاءت كهبات شبان متحمسين كان هدفهم اسقاط الانظمة الجائرة والظالمة والمستبدة , لكن من دون ان يكون لديهم اي تصور تفصيلي عن الانظمة البديلة التي يريدونها والتي تنتظرها شعوبهم , وهذا هو ما ادى الى كل هذا التخبط والى كل هذه الفوضى والى اضراب حيل الامن والانهيارات الاقتصادية , وان ما زاد في ماساوية هذه الاوضااع ان الاحزاب التي سارعت الى اختطاف هذه الثورات وسرقتها لم تبادر الى التخلي عن مفاهيمها القديمة والى التلاؤم مع معطيات الالفية الثالثة , وبقيت لا تقبل بالاخرين ولا بمشاركاتهم لها حتى في مرحلة من المفترض انها انتقالية وتستدعي حضورا الى جانب حضور "الاخوان المسلمين" والتيارات الاسلامية , لاتجاهات اليسارية والقومية كلها وللارتباط في مصر وايضا للامازيغ الذي يصل لحدود اليقين ان الامور ستيسر على الطريق الصحيح نظرا لوجود احزاب فعالية وحقيقية ولها وجود وامتداد في القاعدة الشعبية العريضة وكل هذا لم يعد علي ناصر محمد الى الاعيبه المعروفة واذا لم يغتنم اي فرصة تلوح له ل"يخرب" كل شيء ويعيد الامور الى المربع الاول ونقطة الصفر واذا لم تتلاحق الاوضاع في التردي ويقع "التشطير"مرة اخرى.

ثم ان الاعتقاد الذي يصل الى حدود اليقين ايضا ان الثورة السورية التي تختلف كثيرا عن مثيلاتها في تونس ومصر وليبيا واليمن في انها عمت سوريا كلها باستثناء المناطق الطائفية المغلقة المعروفة وانها تواجه نظاما قمعيا واستبداديا لا مثيل له الا نظام بول بوت الشهير في كمبوديا , قد استفادت من اخطاء الثورات العربية الاخرى وانها بادرت الى اعداد صياغة لطبيعة النظام الذي يريده الشعب السوري , ان في الخطوط العامة وعلى اساس الديمقراطية والحريات العامة والقبول بالاخرين ورفض الطائفية البغيضة .

لن يكون حزب جماعة الاخوان المسلمين السوري كحزب الحرية والعدالة المصري الذي هو وجه العملة الاخر ل"الاخوان المسلمين"هناك , فالتجربة السورية الجديدة هي غير تجربة مصر , والواقع الاجتماعي في سوريا غير الواقع الاجتماعي في مصر ولهذا فان موقف "الاخوان"السوريين من علمانية رجب طيب اردوغان هو غير موقف"الاخوان"المصريين من هذه العلمانية التي عندما دعا اليها صاحبها خلال زيارته الاخيرة الى القاهرة ووجه من قبل الذين من المفترض انهم"اخوانه"بالرفض والتنديد وباتهامات غير صحيحة ومتهورة كثيرة.


صالح القلاب
-الشرق الاوسط
Top