• Friday, 17 May 2024
logo

دانيال ميتيران .. رحيل امرأة عظيمة

دانيال ميتيران .. رحيل امرأة عظيمة
د.لؤي الجاف
_pukmedia


توفّيت ليلة أمس حوالي الساعة الثانية بعد منتصف الليل سيدة فرنسا الأولى السابقة دانيال ميتيران عن عمر ناهز ال 87 عاما فيه قدمت وأعطت الغالي والنفيس لخدمة بلدها فرنسا ولمساعدة ومساندة المظلومين والمضطهدين في أنحاء عدة في العالم.

وفاءً لذكرى هذه الانسانة الكريمة التي وقفت بجانب شعبنا الكردي طيلة عدة عقود، اليكم فقرة من فقرات كتابها "كتاب مذكراتي" الذي صدر عام 2007 فيه تروي دانيال ميتيران العديد من جوانب حياتها التي كانت مليئة بالمقاومة والاصرار والدفاع عن المبادئ الانسانية النبيلة.

Echapée Belle !

نجاة جميلة

تصرف مجنون كان كافيا في ليلة من ليالي شهر مايو عام 1924... يروي اخي روجيه غوز... على طاولة العشاء، كان الصمت سيد الموقف، النفوس كانت مليئة، أمي كانت تحاول اخفاء حزنها. كعادة كل مساء، ذهبوا كي يتمشوا ولكن هذه المرة سلكوا طريقا على غير عادتهم، طريق فيه تعرجات يقودهم نحو نهر ديورانس من خلال عبور جسر حديدي. بدأوا بالتحدث ورويدا رويدا بدأت الاصوات ترتفع حتى وصلت الى التهديد. فجأة امي بدأت بالركض بعيدا، أبي حاول امساكها من ذراعها، ولكنها قاومت وركضت نحو الجسر. هل يا ترى ستقذف بنفسها الى النهر ؟ كانت حزينة جدا وتريد الموت.

روجيه، كيف تستطيع الكلام عن أبوينا بهذا الاسلوب ؟ انه شي غير مفهوم بالنسبة لي، أنا لم ارى قط أبويّ الاّ وهما في الحب والتفاهم. لم أكن احب سماع اشياء غير جيدة عن ابويّ، كأية طفلة تحب وتعز ابويها.

روجيه، ربما كنت في الحادي عشر من العمر، حياتك كانت هادئة، واردت خلق هذه القصة. ولكن كانت القصة حقيقية، الشقراء " لابارا " كانت موجودة في حياة ابي، كانت امرأة لذيذة كما يقول روجيه. هل كانت تغري مدير المدرسة المتوسطة (أبي)، وتتلف قلبي امي العاشقة ؟

كانت عليّ ان اتقبل القصة بعد عقود من الزمن، عندما لم يعد أخي يكتم القصة لحد انني سألت امي حول الموضوع، فاجابتني " دعينا لا نتحدث عن ذلك مجددا، لقد عفوت ولكنني لم أنسى ابدا "، أما بالنسبة للجاني (أبي)، عشية وفاته، كان يطلب من جديد المعذرة والعفو من شريكة حياته أمي، وحسبما جاء في دفتر مذكراته، أبي اخذ معه الى القبر هذا الندم الذي عضّ قلبه حتّى الموت. هذه القصة حدثت في 13 من شهر فبراير من عام 1924.

أنا ايضا، كنت هنا في هذا اليوم من شهر مايو، يوم المأساة. ألم أفتح عيني كي ارى النور شهر اكتوبر من نفس العام ؟ ربما عشت قصة الجسر، الجانب المأساوي منها، مع فوران ديورانس المحصورة في الحافات الضيقة في مدينة اومبران الواقعة في اوت ألب حيث يسطع الشمس 300 يوم في السنة ؟

ربما تصرف بائس كان كافيا كي ينهينا. كم عانت هذه المرأة الشابة التي كنت في بطنها، مخدوعة من الرجل الذي احبها، غير قادر على اقناعها ! قصتي كادت ان تنتهي بقفزة من امي امام مراى صبي صغير جامد في مكانه من الخوف ولاذي يروي هذه القصة بعد 60 عاما.

احب ان افكر بانني كنت السبب وراء عدم رمي امي بنفسها في النهر. شرارة الحياة التي كانت امي تحملها والتي لم تطلب الاّ ان تشتعل، اظهرت رغبتها في عيش القدر الذي كتب له. لقد فهمت ايضا لماذا كان ابي يبوح لي بحبه الكبير حتى وفاته.

عائلتي هاجرت من مدينة اومبرون الى مدينة فيردان بعد ان حصل والدي على امر نقلهما. لقد وجد والديّ الهدوء والسكون ودخلت حياتهما في ليلة جميلة من ليالي الخريف. لقد استقبلوني في غرفة شقتهم التي حصلوا عليها عن طريق الوظيفية الحكومية في متوسطة بيوفينيه. استقبلوني بكامل الحنان والحب وفتحوا لي ذراعيهم وفي قلوبهم الكثير من الآماني والتمنيات. هكذا ولدت لورينية من اصول بورغونية. كل حياتي كنت الاخت الصغيرة المدللة من قبل اخواتي الاكبر مني بعشر واثني عشرة سنة، كنت مدللة ويلعبون معي عندما كانوا في سن البلوغ

الدراسة ابعدتهم عن المنزل العائلي، عشت فتاة وحيدة تحت انظار الكبار. في سن البلوغ وجدنا وتعرفنا على بعضنا البعض بدون دهشة. نحن تماثيل مصنوعة من خشب واحد.
Top