• Friday, 17 May 2024
logo

أربع هزات تضرب "وان" الكوردية*

أربع هزات تضرب
فتح الله حسيني
_pukmedia

لبى عصمت شريف وانلي اليافع، في نهاية الثلاثينيات من القرن المنصرم، نداء قلبه في بدايات شبابه، بالولوج المبكر الى التجمعات الكوردية السرية في العاصمة السورية دمشق، وهو الوافد بحسب التعبير السوري التاريخي لكل كردي، فانضم في بدايات شبابه الى نادي "كردستان" ليتعرف، لاحقاً، على مجموعة من قيادة جمعية "خويبون" الكردية السرية في ذات المدينة، من أمثال الأمير جلادت عالي بدرخان، ممدوح سليم، قدري جميل باشا والدكتور نورالدين زازا، ليتلقى على يديهم تعاليم حب الوطن والتضحية التي كانوا يمتلكونها، بعد اضطرار والده لمغادرة مدينة "وان" في كردستان تركيا.

كان الكرد على الدوام، في حاجة ماسة الى ثوريين متنورين، أمثال المناضلين نور الدين زازا وعصمت شريف وانلي، اللذين فرقتهما الجغرافيا، ذات تاريخ، في دمشق، ليلتقيا في الجغرافيا السويسرية طالبين كرديين مضطهدين منكبين على طلب العلم ومتابعة أخبار الثورة الكردية في كردستان العراق التي كانت في أوجها، ليظل زازا منكباً على الدراسة فحسب، بعد تجربة مريرة مع ردهات السياسة في سوريا وقضاء فترة السنتين في سجونها، ليتابع وانلي استكمال تعليمه العالي، فدرس الحقوق في جامعة لوزان وليحصل منها على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية، ثم لينال شهادة الماجستير في التاريخ من جامعة جنيف السويسرية، ليصبح أستاذاً في تاريخ، وطنه كردستان بجامعة "السوربون" الفرنسية.

في بدايات ثورة أيلول في كردستان العراق، أصبح عصمت شريف وانلي ممثلاً لزعيم الثورة الكردية الملا مصطفى البارزاني في المنافي الأوروبية، دون تردد، ليعقد مؤتمراً صحفياً في باريس يرفض فيه باسم قائد الثورة المفاوضات مع الحكومة العراقية آنذاك، بعد أن أسس لجنة في المنفى مهمتها الدفاع عن حقوق الشعب الكردي، ليقوم بعد ذلك بتأسيس جمعية الطلبة الكرد في أوربا في العام 1962، كنوع من التضحية دون هوادة من أجل أرض محظورة وجغرافيا مرفوضة.

أثناء زياراته المتكررة الى كردستان العراق، تعرف عصمت شريف وانلي شخصياً على شخصية الملا مصطفى البارزاني، ثم ليكون عضواً في مؤتمر الطلبة العالمي الذي عقد في العاصمة العراقية بغداد في العام 1960، ليكون بمثابة القريب جداً من إقامة الحلم على مبعدة من روحه، لذا ظل غريباً عن نفسه في أوروبا، وقريباً جداً من روحه وهو يسير مع الثوار الكرد في جبال كردستان التي ظل وانلي متأرجحاً بين قممها وتعرجاتها وبين سهول أوروبا وجامعاتها.

بعد انتكاسة الثورة الكردية في العام 1975 اثر اتفاقية الجزائر المشؤومة، استجاب لدعوة حكومة البعث العراقية للحضور إلى بغداد لتدارس بعض القضايا المتعلقة بالكرد، وفي طريق عودته تعرض إلى كمين من جانب الاستخبارات العراقية كاد أن يودي بحياته، لينجو منه، ولتلاحقه اللعنة البعثية في مكان اقامته في سويسرا، وليتعرض لهجوم سري خبيث من قبل أجهزة نظام صدام حسين عبر مخابرات السفارة العراقية، ليطرق أحدهم باب منزله، ليفتح وانلي الباب كأي مناضل، دون تردد، ليطلق عليه الطارق رصاصة تصيبه في رأسه لينجو منها أيضاً، وبعد فترة هدوء وسكون تامين، وفي العام 1995 أصبح عضواً في برلمان كردستان خارج الوطن وفي العام 1999 رئيساً للمؤتمر الوطني الكردستاني.

ظل عصمت شريف وانلي، ملتصقاً بقضيته في عموم كردستان، تماماً كالتصاقها بذاته، مواظباً على العمل السياسي والثقافي الكردي، كاتباً، سياسياً، مخلصاً ووفياً.

ولد عصمت شريف وانلي في حي الأكراد بدمشق بتاريخ 21/11/1924 لأبوين كرديين، ورحل بصمت في ليلة 09/11/2011، في مدينة لوزان السويسرية عن عمر ناهزَ الـ 87 عاماً، بعد رحلة طويلة وشاقة في النضال دفاعاً عن قضية شعبه الكردي الممزق كخارطة رسمها النقاشون بزيف مطلق.

ولد عصمت شريف "وان" لي صاخباً في أسفاره، ورحل بهدوء، بينما كانت الهزات الأرضية تعصف بمسقط رأس والده مدينة "وان" الكردية.
Top