• Friday, 17 May 2024
logo

شروخات الفدرالية العراقية و اختراقات الديمقراطية

شروخات الفدرالية العراقية و اختراقات الديمقراطية
د. سامان سوراني
_pukmedia


من المعلوم بأن هناك تحولات وتحديات علی الساحة العراقية، علی الفاعلين في الحکومة الفيدرالية مجابهتها، و أن لايقفوا خائفا مما يجري و أن لا يندبوا حظهم و يشكو الزمن أو يلوموا الواقع و يهجو التقنيات و وسائل الإعلام. من يتحدث عن مقتل الثقافة و هيمنة الأعلام يشكو من نقص في فاعليته و ينصب الأفخاخ لنفسه، بل يسعی الی رمي سلاحه الفكري و بعمله هذه يقوم بإعادة إنتاج الأزمات لذاته و لمجتمعه.

ومن الواضح بأن الفدرالية ليست جنة إلا في الوهم و لکنها ليست الجحيم إلا عند ذوي العقول القاصرة، الذين ينادون بملیء أفواههم ومن علی منابرهم الدينية و السياسية والثقافية ليل نهار بأنها رجس من عمل المناوئين للوحدة العروبية العقيمة، التي يحلمون بها ما يقارب أكثر من نصف قرن. هؤلاء في أعماقهم ثقافة السلطة المطلقة التى زرعها بداخلهم النظام البائد، لم يهضموا ليومنا هذا فشلهم کحراس للقيم البعثية الوحدوية الباطلة أو کأوصياء علی العالم العربي، بأدوارهم النبوية والرسولية الفاشلة، لذا ينظرون الى الشعب الكوردستاني بنظرتهم القوموية البحتة والتي تعارض المشروع الحضاري بذريعة ان الفيدرالية هي مقدمة للانفصال.
إنهم ينظرون بإزدراء الی إقليـم كوردستان الفيدرالي و ينشرون في كتاباتهم المليئة بالحقد والضغينة بأن هذه التجربة الفذة والناجحة جزء من "المشروع الأمريكي في العراق، وأداة فاعلة في تشتيت الجهد العراقي العر(و)بي"، بل يتجرؤون بالقول "علينا أن نقف صفا واحدا بوجه الأكراد"، فإنهم "ضمن المشروع الصهيوأمريكي". متی يتخلون عن المثل الأعلی الموهوم الذي يتقمصوه تخيلاً، و مكابرةً، وإستعلاءً و إنتفاخاً کانتفاخ الطواويس، لنا الصدر دون العالمين أو الموت.

من الأولی التعامل مع التغييرات التي تصاحب الفدرالية کفرصة وجودية و معرفية، لکي نغير الوضع الراهن في العراق و نتغير عما نحن عليه الآن. فالغرق في التهويمات الإيديولوجية و النرجسية الثقافية لا يقود الملتزم به إلا الی الجمود و التعثر أو الإخفاق والتراجع. أما مخاوف البعض من اقامة اقاليم فدرالية تعد وقوفاً ضد الدستور العراقي، لأن المادة 119 من الفصل الأول من الباب الخامس من الدستور العراقي، تنص على إقامة أقاليم فدرالية. والفدرالية هي الأداة التي تمنع من إنتاج دولة كلّانية تسحق الفرد و تبتلع المجتمع المدني و مؤسساته.

هذه الفرصة الوجودية والمعرفية يمکن إستغلالها بشروط العمل علی تفكيك منظومتنا الأخلاقية وآلتنا المنطقية و تراكيبنا المفهومية، لكي نعيد ترتيب علاقتنا بأفكارنا كي يمكننا إبتكار شبكة جديدة للقراءة، تكون أداة فهم وتشخيص بقدر ما تشكل أداة تحويل و تغيير. إذ من المستبعد أن نفكر، بعد كل هذه التغييرات والتحولات الجذرية في العراق، في القريب العاجل أيضاً في المنطقة ، كما كنا نفعل في الفترة المظلمة و العصيبة التي مرّ بها هذا البلد. علينا القيام بنقد ذواتنا قبل نقد النظم الجديدة بالنسبة لمنطقتنا، كالفدرالية و الديمقراطية الجذرية، وأن لانخشی علی أنفسنا و حکومتنا من عصر العولمة والمعلومة وأن نعرف بأن الاختلاف هو بداية جيدة للحوار وليس نهاية له. لقد ولّی زمن التحدث بضمير المتکلم و بلغة الجمع، والقول بعراقنا و حضارتنا، فالمعرفة هي خروج من سجن المماهاة بإيجاد نسبة بين شيء وشيء و بخلق وسط مفهومي يتيح التلاقي والتواصل.

والديمقراطية باتت اليوم مطلب إجتماعي متقدم يعيش عصرا جديدا من الصعود و الإنتعاش في ظل ظروف أصبحت توصف بأنها "الكونية الديمقراطية" وهي أنسب الأطر الفكرية والمؤسسية والإجرائية لتلبية متطلبات معالجة مشکلات العراق العالقة مع إقليم كوردستان، لأنها توفر لها أرضية صحية لمناقشة هذه المشاكل و بلورة الحلول العقلانية وتكوين الإجماع السياسي الذي يحتاجه تطبيق هذه الحلول ومواجهة المشكلات. الديمقراطية بمحدوديتها و قصرها، بسبب محدودية وقصور القدرة الإنسانية التي تنتجها، ليست إكسير الحياة و لا الدواء الشافي من كل داء، لكنها هي الحل الإنساني الوحيد المتاح حتی الآن لمشکلة إغتراب المحکوم عن الحاكم والعيب ليس فيها بل في تطبيقها.

وأن إغتراب العقل لايحقق غير سيادة الهمجية والمجتمع الدموي وتفاقم الآفات وتزايد المشكلات والحاضر لا يُنتج بتاريخ الماضي وإنما بتاريخ الحاضر والمستقبل. والإستعانة بالماضي لبناء الحاضر تأتي من قلة المعرفة والعجز العلمي والعقلاني وإن إنعدام الفاعلية وجهه الآخر إنعدام الحرية.
وختاماً: "الذي لا يخرج من قوقعته الفكرية و لا يهتم بكل مايجري في هذا العالم من أفكار ولا يقرأ الأحداث فسوف ترتطم أفكاره المثالية و نظراته التبسيطية علی أرض الواقع العنيد و يتفاجأ بالأحداث يوماً بعد يوم و أطروحاته تتجاوز من حيث لا يفكر و لا يحتسب."
Top